Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 44-53)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَتَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي المشركين المكذبين بالبعث { لَمَّا رَأَوُاْ ٱْلَعَذَابَ } أي حين نظروا النار ، وقيل نظروا ما أعده الله لهم عند الموت { يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدّ مّن سَبِيلٍ } أي هل إلى الرجعة إلى الدنيا من طريق ؟ { وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَـٰشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلّ } أي ساكنين متواضعين عند أن يعرضوا على النار لما لحقهم من الذلّ ، والهوان ، والضمير في عليها راجع إلى العذاب ، وأنثه ، لأن العذاب هو النار ، وقوله { يُعْرَضُونَ } في محل نصب على الحال ، لأن الرؤية بصرية ، وكذلك خاشعين ، ومن الذلّ يتعلق بخاشعين ، أي من أجله { يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِىّ } " من " هي التي لابتداء الغاية ، أي يبتدىء نظرهم إلى النار ، ويجوز أن تكون تبعيضية ، والطرف الخفيّ الذي يخفى نظره كالمصبور ينظر إلى السيف لما لحقهم من الذلّ ، والخوف ، والوجل . قال مجاهد { مِن طَرْفٍ خَفِىّ } أي ذليل قال وإنما ينظرون بقلوبهم لأنهم يحشرون عمياً ، وعين القلب طرف خفيّ . وقال قتادة ، وسعيد بن جبير ، والسدّي ، والقرظي يسارقون النظر من شدّة الخوف . وقال يونس إن « من » في { مِن طَرْفٍ } بمعنى الباء ، أي ينظرون بطرف ضعيف من الذلّ ، والخوف ، وبه قال الأخفش { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّ ٱلْخَـٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي أن الكاملين في الخسران هم هؤلاء الذين جمعوا بين خسران الأنفس ، والأهلين في يوم القيامة . أما خسرانهم لأنفسهم ، فلكونهم صاروا في النار معذّبين بها ، وأما خسرانهم لأهليهم ، فلأنهم إن كانوا معهم في النار ، فلا ينتفعون بهم ، وإن كانوا في الجنة ، فقد حيل بينهم ، وبينهم . وقيل خسران الأهل أنهم لو آمنوا لكان لهم في الجنة أهل من الحور العين { أَلاَ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِى عَذَابٍ مُّقِيمٍ } هذا يجوز أن يكون من تمام كلام المؤمنين . ويجوز أن يكون من كلام الله سبحانه أي هم في عذاب دائم لا ينقطع . { وَمَا كَانَ لَهُم مّنْ أَوْلِيَاء يَنصُرُونَهُم مّن دُونِ ٱللَّهِ } أي لم يكن لهم أعوان يدفعون عنهم العذاب ، وأنصار ينصرونهم في ذلك الموطن من دون الله ، بل هو المتصرّف سبحانه ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ } أي من طريق يسلكها إلى النجاة . ثم أمر سبحانه عباده بالاستجابة له ، وحذرهم ، فقال { ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبّكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ } أي استجيبوا دعوته لكم إلى الإيمان به ، وبكتبه ، ورسله من قبل أن يأتي يوم لا يقدر أحد على ردّه ، ودفعه ، على معنى من قبل أن يأتي من الله يوم لا يردّه أحد ، أو لا يردّه الله بعد أن حكم به على عباده ، ووعدهم به ، والمراد به يوم القيامة ، أو يوم الموت { مَا لَكُمْ مّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ } تلجئون إليه ، { وَمَا لَكُمْ مّن نَّكِيرٍ } أي إنكار ، والمعنى ما لكم من إنكار يومئذٍ ، بل تعترفون بذنوبكم . وقال مجاهد { وَمَا لَكُمْ مّن نَّكِيرٍ } أي ناصر ينصركم . وقيل النكير بمعنى المنكر ، كالأليم بمعنى المؤلم ، أي لا تجدون يومئذٍ منكراً لما ينزل بكم من العذاب قاله الكلبي ، وغيره ، والأوّل أولى . قال الزجاج معناه أنهم لا يقدرون أن ينكروا الذنوب التي يوقفون عليها { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } أي حافظاً تحفظ أعمالهم حتى تحاسبهم عليها ، ولا موكلاً بهم رقيباً عليهم { إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ } أي ما عليك إلاّ البلاغ لما أمرت بإبلاغه ، وليس عليك غير ذلك ، وهذا منسوخ بآية السيف . { وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا ٱلإنسَـٰنَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا } أي إذا أعطيناه رخاء ، وصحة ، وغنى فرح بها بطراً ، والمراد بالإنسان الجنس ، ولهذا قال { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ } أي بلاء ، وشدّة ، ومرض { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } من الذنوب { فَإِنَّ ٱلإنسَـٰنَ كَفُورٌ } أي كثير الكفر لما أنعم به عليه من نعمه ، غير شكور له عليها ، وهذا باعتبار غالب جنس الإنسان . ثم ذكر سبحانه سعة ملكه ، ونفاذ تصرّفه ، فقال { للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي له التصرّف فيهما بما يريد ، لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع { يَخْلُقُ مَا يَشَاء } من الخلق { يَهَبُ لِمَن يَشَاء إِنَـٰثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء ٱلذُّكُورَ } . قال مجاهد ، والحسن ، والضحاك ، وأبو مالك ، وأبو عبيدة يهب لمن يشاء إناثاً لا ذكور معهنّ ، ويهب لمن يشاء ذكوراً لا إناث معهم . قيل وتعريف الذكور بالألف ، واللام للدّلالة على شرفهم على الإناث ، ويمكن أن يقال إن التقديم للإناث قد عارض ذلك ، فلا دلالة في الآية على المفاضلة بل هي مسوقة لمعنى آخر . وقد دلّ على شرف الذكور قوله سبحانه { ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاء بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ } النساء 34 ، وغير ذلك من الأدلة الدّالة على شرف الذكور على الإناث . وقيل تقديم الإناث لكثرتهنّ بالنسبة إلى الذكور . وقيل لتطييب قلوب آبائهنّ ، وقيل لغير ذلك مما لا حاجة إلى التطويل بذكره { أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَـٰثاً } أي يقرن بين الإناث ، والذكور ، ويجعلهم أزواجاً فيهبهما جميعاً لبعض خلقه . قال مجاهد هو أن تلد المرأة غلاماً ، ثم تلد جارية ، ثم تلد غلاماً ، ثم تلد جارية . وقال محمد ابن الحنفية هو أن تلد توأماً غلاماً ، وجارية . وقال القتيبي التزويج هنا هو الجمع بين البنين ، والبنات تقول العرب زوّجت إبلي إذا جمعت بين الصغار ، والكبار ، ومعنى الآية أوضح من أن يختلف في مثله ، فإنه سبحانه أخبر أنه يهب لبعض خلقه إناثاً ، ويهب لبعض ذكوراً ، ويجمع لبعض بين الذكور ، والإناث { وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيماً } لا يولد له ذكر ، ولا أنثى ، والعقيم الذي لا يولد له ، يقال رجل عقيم ، وامرأة عقيم ، وعقمت المرأة تعقم عقماً ، وأصله القطع ، ويقال نساء عقم ، ومنه قول الشاعر @ عقم النساء فما يلدن شبي ـهه إن النساء بمثله عقم @@ { إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } أي بليغ العلم عظيم القدرة { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً } أي ما صح لفرد من أفراد البشر أن يكلمه الله بوجه من الوجوه إلاّ بأن يوحي إليه ، فيلهمه ، ويقذف ذلك في قلبه قال مجاهد نفث ينفث في قلبه ، فيكون إلهاماً منه كما أوحى إلى أمّ موسى ، وإلى إبراهيم في ذبح ولده { أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ } كما كلم موسى ، يريد أن كلامه يسمع من حيث لا يرى ، وهو تمثيل بحال الملك المحتجب الذي يكلم خواصه من وراء حجاب { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء } أي يرسل ملكاً ، فيوحي ذلك الملك إلى الرّسول من البشر بأمر الله ، وتيسيره ما يشاء أن يوحى إليه . قال الزجاج المعنى أن كلام الله للبشر إما أن يكون بإلهام يلهمهم ، أو يكلمهم من وراء حجاب كما كلم موسى ، أو برسالة ملك إليهم . وتقدير الكلام ما كان لبشر أن يكلمه الله إلاّ أن يوحي وحياً ، أو يكلمه من وراء حجاب ، أو يرسل رسولاً . ومن قرأ يرسل رفعاً أراد وهو يرسل ، فهو ابتداء ، واستئناف . ا هـ . قرأ الجمهور بنصب { أَوْ يُرْسِلَ } ، وبنصب { فَيُوحِىَ } على تقدير أن ، وتكون أن ، وما دخلت عليه معطوفين على وحياً ، ووحياً في محلّ الحال ، والتقدير إلاّ موحياً ، أو مرسلاً ، ولا يصح عطف ، أو يرسل على أن يكلمه لأنه يصير التقدير وما كان لبشر أن يرسل الله رسولاً ، وهو فاسد لفظاً ، ومعنى . وقد قيل في توجيه قراءة الجمهور غير هذا مما لا يخلو عن ضعف . وقرأ نافع أو يرسل بالرفع ، وكذلك فيوحى بإسكان الياء على أنه خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير أو هو يرسل كما قال الزجاج ، وغيره ، وجملة { إِنَّهُ عَلِىٌّ حَكِيمٌ } تعليل لما قبلها ، أي متعال عن صفات النقص ، حكيم في كل أحكامه . قال المفسرون سبب نزول هذه الآية أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ألا تكلم الله ، وتنظر إليه إن كنت نبياً كما كلمه موسى ، فنزلت { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا } أي وكالوحي الذي أوحينا إلى الأنبياء قبلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ، المراد به القرآن . وقيل النبوّة . قال مقاتل يعني الوحي بأمرنا ، ومعناه القرآن ، لأنه يهتدى به ، ففيه حياة من موت الكفر . ثم ذكر سبحانه صفة رسوله قبل أن يوحى إليه ، فقال { مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَـٰبُ } أي أيّ شيء هو ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ ، ولا يكتب ، وذلك أدخل في الإعجاز ، وأدلّ على صحة نبوّته ، ومعنى { وَلاَ ٱلإِيمَـٰنُ } أنه كان لا يعرف تفاصيل الشرائع ، ولا يهتدي إلى معالمها ، وخص الإيمان لأنه رأسها ، وأساسها . وقيل أراد بالإيمان هنا الصلاة . قال بهذا جماعة من أهل العلم منهم إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة ، واحتجّ بقوله تعالى { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ } البقرة 143 يعني الصلاة ، فسماها إيماناً . وذهب جماعة إلى أن الله سبحانه لم يبعث نبياً إلاّ وقد كان مؤمناً به ، وقالوا معنى الآية ما كنت تدري قبل الوحي كيف تقرأ القرآن ، ولا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان . وقيل كان هذا قبل البلوغ حين كان طفلاً ، وفي المهد . وقال الحسين بن الفضل إنه على حذف مضاف ، أي ولا أهل الإيمان . وقيل المراد بالإيمان دين الإسلام . وقيل الإيمان هنا عبارة عن الإقرار بكل ما كلف الله به العباد { وَلَـٰكِن جَعَلْنَـٰهُ نُوراً نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَاء } أي ولكن جعلنا الروح الذي أوحيناه إليك ضياءً ، ودليلاً على التوحيد ، والإيمان نهدي به من نشاء هدايته { مّنْ عِبَادِنَا } ونرشده إلى الدين الحقّ { وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } قال قتادة ، والسدّي ، ومقاتل وإنك لتدعو إلى الإسلام ، فهو الصراط المستقيم . قرأ الجمهور { لتهدي } على البناء للفاعل . وقرأ ابن حوشب على البناء للمفعول . وقرأ ابن السميفع بضمّ التاء ، وكسر الدّال من أهدي ، وفي قراءة أبيّ وإنك لتدعو ، ثم بيّن الصراط المستقيم بقوله { صِرٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِى لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ، وفي هذه الإضافة للصراط إلى الاسم الشريف من التعظيم له ، والتفخيم لشأنه ما لا يخفى ، ومعنى { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَفِى ٱلأَرْضِ } أنه المالك لذلك ، والمتصرّف فيه { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } أي تصير إليه يوم القيامة لا إلى غيره جميع أمور الخلائق ، وفيه وعيد بالبعث المستلزم للمجازاة . وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِىّ } قال ذليل . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن مجاهد مثله . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عن محمد بن كعب قال يسارقون النظر إلى النار . وأخرج ابن مردويه ، وابن عساكر عن واثلة بن الأسقع ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من بركة المرأة ابتكارها بالأنثى ، لأن الله قال { يَهَبُ لِمَن يَشَاء إِنَـٰثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء ٱلذُّكُورَ } " وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيماً } قال الذي لا يولد له . وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً } قال إلاّ أن يبعث ملكاً يوحي إليه من عنده ، أو يلهمه ، فيقذف في قلبه ، أو يكلمه من وراء حجاب . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا } قال القرآن . وأخرج أبو نعيم في الدلائل ، وابن عساكر عن عليّ قال قيل لمحمد هل عبدت وثناً قط ؟ قال " لا " قالوا فهل شربت خمراً قط ؟ قال " لا ، وما زلت أعرف أن الذي هم عليه كفر ، وما كنت أدري ما الكتاب ، ولا الإيمان » " وبذلك نزل القرآن { مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَـٰبُ وَلاَ ٱلإِيمَـٰنُ } .