Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 1-20)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { حـم * وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ } الكلام ها هنا في الإعراب كالكلام الذي قدّمناه في { يس * وَٱلْقُرْءانِ ٱلْحَكِيمِ } يسۤ 1 ، 2 ، فإن جعلت { حمۤ } قسماً كانت الواو عاطفة ، وإن لم تجعل قسماً ، فالواو للقسم ، وجواب القسم { إِنَّا جَعَلْنَـٰهُ } ، وقال ابن الأنباري من جعل جواب ، والكتاب { حمۤ } كما تقول نزل والله ، وجب والله وقف على { الكتاب المبين } ، ومعنى { جعلناه } ، أي سميناه ، ووصفناه ، ولذلك تعدّى إلى مفعولين . وقال السدّي المعنى أنزلناه { قُرْءاناً } . وقال مجاهد قلناه . وقال سفيان الثوري بيناه { عَرَبِيّاً } ، وكذا قال الزجاج ، أي أنزل بلسان العرب ، لأن كلّ نبي أنزل كتابه بلسان قومه . وقال مقاتل لأن لسان أهل الجنة عربيّ { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي جعلنا ذلك الكتاب قرآناً عربياً لكي تفهموه ، وتتعقلوا معانيه ، وتحيطوا بما فيه . قال ابن زيد لعلكم تتفكرون . { وَإِنَّهُ فِى أُمّ ٱلْكِتَـٰبِ } أي وإن القرآن في اللوح المحفوظ { لَدَيْنَا } أي عندنا { لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ } رفيع القدر محكم النظم لا يوجد فيه اختلاف ، ولا تناقض ، والجملة عطف على الجملة المقسم بها داخلة تحت معنى القسم ، أو مستأنفة مقرّرة لما قبلها . قال الزجاج { أمّ الكتاب } أصل الكتاب ، وأصل كلّ شيء أمه ، والقرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ كما قال { بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ * فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } البروج 21 ، 22 وقال ابن جريج المراد بقوله { وَأَنَّهُ } أعمال الخلق من إيمان ، وكفر ، وطاعة ، ومعصية . قال قتادة أخبر عن منزلته ، وشرفه ، وفضله ، أي إن كذبتم به يا أهل مكة ، فإنه عندنا شريف رفيع محكم من الباطل . { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذّكْرَ صَفْحاً } يقال ضربت عنه ، وأضربت عنه إذا تركته ، وأمسكت عنه ، كذا قال الفراء ، والزجاج ، وغيرهما ، وانتصاب { صفحاً } على المصدرية ، وقيل على الحال ، على معنى أفنضرب عنكم الذكر صافحين ، والصفح مصدر قولهم صفحت عنه إذا أعرضت عنه ، وذلك أنك توليه صفحة وجهك ، وعنقك ، والمراد بالذكر هنا القرآن ، والاستفهام للإنكار ، والتوبيخ . قال الكسائي المعنى أفنضرب عنكم الذكر طياً فلا توعظون ، ولا تؤمرون . وقال مجاهد ، وأبو صالح ، والسدّي أفنضرب عنكم العذاب ، ولا نعاقبكم على إسرافكم ، وكفركم . وقال قتادة المعنى أفنهلككم ، ولا نأمركم ، ولا ننهاكم ؟ وروي عنه أنه قال المعنى أفنمسك عن إنزال القرآن من قبل أنكم لا تؤمنون به ؟ وقيل الذكر التذكير ، كأنه قال أنترك تذكيركم { أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } ، قرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي " إن كنتم " بكسر " إن " على أنها الشرطية ، والجزاء محذوف لدلالة ما قبله عليه . وقرأ الباقون بفتحها على التعليل ، أي لأن كنتم قوماً منهمكين في الإسراف مصرّين عليه ، واختار أبو عبيد قراءة الفتح . ثم سلى سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيّ فِى ٱلأَوَّلِينَ } كم هي الخبرية التي معناها التكثير ، والمعنى ما أكثر ما أرسلنا من الأنبياء في الأمم السابقة { وَمَا يَأْتِيهِم مّنْ نَّبِىّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } كاستهزاء قومك بك { فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً } أي أهلكنا قوماً أشدّ قوّة من هؤلاء القوم ، وانتصاب { بطشاً } على التمييز أو الحال ، أي باطشين { وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } أي سلف في القرآن ذكرهم غير مرة . وقال قتادة عقوبتهم ، وقيل صفتهم ، والمثل الوصف والخبر . وفي هذا تهديد شديد ، لأنه يتضمن أن الأوّلين أهلكوا بتكذيب الرسل ، وهؤلاء إن استمروا على تكذيبك والكفر بما جئت به هلكوا مثلهم . { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } أي لئن سألت هؤلاء الكفار من قومك من خلق هذه الأجرام العلوية والسفلية ؟ أقرّوا بأن الله خالقهنّ ولم ينكروا ، وذلك أسوأ لحالهم وأشدّ لعقوبتهم ، لأنهم عبدوا بعض مخلوقات الله وجعلوه شريكاً له ، بل عمدوا إلى ما لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضرّ من المخلوقات وهي الأصنام فجعلوها شركاء لله . ثم وصف سبحانه نفسه بما يدلّ على عظيم نعمته على عباده وكمال قدرته في مخلوقاته فقال { ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مِهَـٰداً } وهذا كلام مبتدأ غير متصل بما قبله ، ولو كان متصلاً بما قبله من جملة مقول الكفار لقالوا الذي جعل لنا الأرض مهاداً ، والمهاد الفراش والبساط ، وقد تقدّم بيانه ، قرأ الجمهور { مهاداً } وقرأ الكوفيون مهداً { وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } أي طرقاً تسلكونها إلى حيث تريدون ، وقيل معايش تعيشون بها { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } بسلوكها إلى مقاصدكم ومنافعكم . { وَٱلَّذِى نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ } أي بقدر الحاجة وحسبما تقتضيه المصلحة ولم ينزل عليكم منه فوق حاجتكم حتى يهلك زرائعكم ويهدم منازلكم ويهلككم بالغرق ، ولا دونها حتى تحتاجوا إلى الزيادة ، وعلى حسب ما تقتضيه مشيئته في أرزاق عباده بالتوسيع تارة والتقتير أخرى { فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } أي أحيينا بذلك الماء بلدة مقفرة من النبات . قرأ الجمهور { ميتاً } بالتخفيف . وقرأ عيسى وأبو جعفر بالتشديد { كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } من قبوركم ، أي مثل ذلك الإحياء للأرض بإخراج نباتها بعد أن كانت لا نبات بها تبعثون من قبوركم أحياء ، فإن من قدر على هذا قدر على ذلك ، وقد مضى بيان هذا في آل عمران والأعراف . قرأ الجمهور { تخرجون } مبنياً للمفعول ، وقرأ الأعمش ، ويحيـى بن وثاب ، وحمزة ، والكسائي ، وابن ذكوان عن ابن عامر مبنياً للفاعل . { وَٱلَّذِى خَلَقَ ٱلأزْوٰجَ كُلَّهَا } المراد بالأزواج هنا الأصناف ، قال سعيد بن جبير الأصناف كلها . وقال الحسن الشتاء والصيف ، والليل والنهار ، والسمٰوات والأرض ، والجنة والنار . وقيل أزواج الحيوان من ذكر وأنثى ، وقيل أزواج النبات ، كقوله { وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } قۤ 7 و { مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } الشعراء 7 وقيل ما يتقلب فيه الإنسان من خير وشرّ ، وإيمان وكفر ، والأوّل أولى { وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَـٰمِ مَا تَرْكَبُونَ } في البحر والبرّ ، أي ما تركبونه { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ } الضمير راجع إلى ما قاله أبو عبيد . وقال الفراء أضاف الظهور إلى واحد ، لأن المراد به الجنس ، فصار الواحد في معنى الجمع بمنزلة الجنس فلذلك ذكر ، وجمع الظهر لأن المراد ظهور هذا الجنس ، والاستواء الاستعلاء ، أي لتستعلوا على ظهور ما تركبون من الفلك والأنعام { ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } أي هذه النعمة التي أنعم بها عليكم من تسخير ذلك المركب في البحر والبرّ . وقال مقاتل والكلبي هو أن يقول الحمد لله الذي رزقني هذا وحملني عليه { وَتَقُولُواْ سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا } أي ذلل لنا هذا المركب ، وقرأ عليّ بن أبي طالب سبحان من سخر لنا هٰذا قال قتادة قد علمكم كيف تقولون إذا ركبتم ، ومعنى { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } ما كنا له مطيقين ، يقال أقرن هذا البعير إذا أطاقه . وقال الأخفش وأبو عبيدة مقرنين ضابطين ، وقيل مماثلين له في القوّة ، من قولهم هو قرن فلان إذا كان مثله في القوّة ، وأنشد قطرب قول عمرو بن معديكرب @ لقد علم القبائل ما عقيل لنا في النائبات بمقرنينا @@ وقال آخر @ ركبتم صعبتي أشراً وحيفا ولستم للصعاب بمقرنينا @@ والمراد بالأنعام هنا الإبل خاصة ، وقيل الإبل والبقر ، والأوّل أولى { وَإِنَّا إِلَىٰ رَبّنَا لَمُنقَلِبُونَ } أي راجعون إليه ، وهذا تمام ما يقال عند ركوب الدابة أو السفينة . ثم رجع سبحانه إلى ذكر الكفار الذين تقدّم ذكرهم ، فقال { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءا } قال قتادة أي عدلاً ، يعني ما عبد من دون الله . وقال الزجاج والمبرد الجزء هنا البنات ، والجزء عند أهل العربية البنات ، يقال قد أجزأت المرأة إذا ولدت البنات ، ومنه قول الشاعر @ إن أجزأت حرّة يوماً فلا عجب قد تجزىء الحرّة المذكار أحياناً @@ وقد جعل صاحب الكشاف تفسير الجزء بالبنات من بدع التفسير ، وصرح بأنه مكذوب على العرب . ويجاب عنه بأنه قد رواه الزجاج والمبرد ، وهما إماما اللغة العربية وحافظاها ومن إليهما المنتهى في معرفتها ، ويؤيد تفسير الجزء بالبنات ما سيأتي من قوله { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ } وقوله { وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ } وقوله { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً } وقيل المراد بالجزاء هنا الملائكة فإنهم جعلوهم أولاداً لله سبحانه قاله مجاهد والحسن . قال الأزهري ومعنى الآية أنهم جعلوا لله من عباده نصيباً ، على معنى أنهم جعلوا نصيب الله من الولدان { إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } أي ظاهر الكفران مبالغ فيه ، قيل المراد بالإنسان هنا الكافر ، فإنه الذي يجحد نعم الله عليه جحوداً بيناً . ثم أنكر عليهم هذا فقال { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ } وهذا استفهام تقريع وتوبيخ . وأم هي المنقطعة ، والمعنى أتخذ ربكم لنفسه البنات { وَأَصْفَـٰكُم بِٱلْبَنِينَ } فجعل لنفسه المفضول من الصنفين ولكم الفاضل منهما ، يقال أصفيته بكذا ، أي آثرته به ، وأصفيته الودّ أخلصته له ، ومثل هذه الآية قوله { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأنثَىٰ * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } النجم21 ، 22 وقوله { أَفَأَصْفَـٰكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ } الإسراء 40 وجملة { وأصفاكم } معطوفة على { اتخذ } داخلة معها تحت الإنكار . ثم زاد في تقريعهم وتوبيخهم فقال { وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً } أي بما جعله للرحمٰن سبحانه من كونه جعل لنفسه البنات ، والمعنى أنه إذا بشر أحدهم بأنها ولدت له بنت اغتمّ لذلك وظهر عليه أثره ، وهو معنى قوله { ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا } أي صار وجهه مسودًّا بسبب حدوث الأنثى له حيث لم يكن الحادث له ذكراً مكانها { وَهُوَ كَظِيمٌ } أي شديد الحزن كثير الكرب مملوء منه . قال قتادة حزين . وقال عكرمة مكروب ، وقيل ساكت ، وجملة { وَهُوَ كَظِيمٌ } في محل نصب على الحال . ثم زاد في توبيخهم وتقريعهم فقال { أَوْ من يُنَشَّأُ فِى ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِى ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } معنى ينشأ يربى ، والنشوء التربية ، والحلية الزينة ، و " من " في محل نصب بتقدير مقدّر معطوف على { جعلوا } والمعنى أو جعلوا له سبحانه من شأنه أن يربى في الزينة وهو عاجز عن أن يقوم بأمور نفسه ، وإذا خوصم لا يقدر على إقامة حجته ودفع ما يجادله به خصمه لنقصان عقله وضعف رأيه ؟ قال المبرد تقدير الآية أو يجعلون له من ينشأ في الحلية ، أي ينبت في الزينة ؟ قرأ الجمهور " ينشأ " بفتح الياء وإسكان النون ، وقرأ ابن عباس والضحاك ، وابن وثاب ، وحفص ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين . واختار القراءة الأولى أبو حاتم ، واختار الثانية أبو عبيد . قال الهروي الفعل على القراءة الأولى لازم ، وعلى الثانية متعدّ . والمعنى يربى ويكبر في الحلية . قال قتادة قلما تتكلم امرأة بحجتها إلاّ تكلمت بالحجة عليها . وقال ابن زيد والضحاك الذي ينشأ في الحلية أصنامهم التي صاغوها من ذهب وفضة . { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً } الجعل هنا بمعنى القول والحكم على الشيء كما تقول جعلت زيداً أفضل الناس ، أي قلت بذلك ، وحكمت له به . قرأ الكوفيون { عباد } بالجمع ، وبها قرأ ابن عباس . وقرأ الباقون { عند الرحمٰن } بنون ساكنة ، واختار القراءة الأولى أبو عبيد ، لأن الإسناد فيها أعلى ، ولأن الله إنما كذبهم في قوله إنهم بنات الله ، فأخبرهم أنهم عباده ، ويؤيد هذه القراءة قوله { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } الأنببياء 26 ، واختار أبو حاتم القراءة الثانية ، قال وتصديق هذه القراءة قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبّكَ } الأعراف 206 ، ثم وبخهم ، وقرعهم ، فقال { أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ } أي أحضروا خلق الله إياهم ، فهو من الشهادة التي هي الحضور ، وفي هذا تهكم بهم ، وتجهيل لهم . قرأ الجمهور { أشهدوا } على الاستفهام بدون واو . وقرأ نافع أو اشهدوا . وقرأ الجمهور { سَتُكْتَبُ شَهَـٰدَتُهُمْ } بضم التاء الفوقية ، وبناء الفعل للمفعول ، ورفع شهادتهم ، وقرأ السلمي ، وابن السميفع ، وهبيرة عن حفص بالنون ، وبناء الفعل للفاعل ، ونصب شهادتهم ، وقرأ أبو رجاء شهاداتهم بالجمع ، والمعنى سنكتب هذه الشهادة التي شهدوا بها في ديوان أعمالهم ، لنجازيهم على ذلك { وَيُسْـئَلُونَ } عنها يوم القيامة . { وَقَالُواْ لَوْ شَاء ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَـٰهُمْ } هذا فنّ آخر من فنون كفرهم بالله جاءوا به للاستهزاء ، والسخرية ، ومعناه لو شاء الرحمٰن في زعمكم ما عبدنا هذه الملائكة ، وهذا كلام حقّ يراد به باطل ، وقد مضى بيانه في الأنعام ، فبيّن سبحانه جهلهم بقوله { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } أي ما لهم بما قالوه من أن الله لو شاء عدم عبادتهم للملائكة ما عبدوهم من علم ، بل تكلموا بذلك جهلاً ، وأرادوا بما صورته صورة الحقّ باطلاً ، وزعموا أنه إذا شاء ، فقد رضي . ثم بيّن انتفاء علمهم بقوله { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } أي ما هم إلاّ يكذبون ، فيما قالوا ، ويتمحلون تمحلاً باطلاً . وقيل الإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى قوله { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً } . قاله قتادة ، ومقاتل ، والكلبي ، وقال مجاهد ، وابن جريج أي ما لهم بعبادة الأوثان من علم . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال إن أوّل ما خلق الله من شيء القلم ، وأمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، والكتاب عنده ، ثم قرأ { وَإِنَّهُ فِى أُمّ ٱلْكِتَـٰبِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ } . وأخرج ابن مردويه نحوه عن أنس مرفوعاً . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذّكْرَ صَفْحاً } قال أحببتم أن يصفح عنكم ، ولم تفعلوا ما أمرتم به . وأخرج مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، والحاكم ، وابن مردويه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر ركب راحلته ، ثم كبر ثلاثاً ، ثم قال { سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَىٰ رَبّنَا لَمُنقَلِبُونَ } . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } قال مطيقين . وأخرج عبد بن حميد عنه { أَوْ مِن يُنَشَّأُ فِى ٱلْحِلْيَةِ } قال هو النساء فرق بين زيهنّ ، وزيّ الرجال ، ونقصهنّ من الميراث ، وبالشهادة ، وأمرهنّ بالقعدة ، وسماهنّ الخوالف . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن سعيد بن جبير قال كنت أقرأ هذا الحرف { ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً } ، فسألت ابن عباس فقال عباد الرحمٰن ؟ قلت فإنها في مصحفي عند الرحمن قال فامحها ، واكتبها { عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } .