Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 46-56)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما أعلم الله سبحانه نبيه بأنه منتقم له من عدوّه ، وذكر اتفاق الأنبياء على التوحيد ، أتبعه بذكر قصة موسى ، وفرعون ، وبيان ما نزل بفرعون وقومه من النقمة ، فقال { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا } ، وهي التسع التي تقدّم بيانها { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } الملأ الأشراف { فَقَالَ إِنّى رَسُولُ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أرسلني إليكم { فَلَمَّا جَاءهُم بِـئَايَـٰتِنَا إِذَا هُم مِنْهَا يَضْحَكُونَ } استهزاء وسخرية ، وجواب لما هو إذا الفجائية ، لأن التقدير فاجئوا وقت ضحكهم { وَمَا نُرِيِهِم مّنْ ءايَةٍ إِلاَّ هِىَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } أي كل واحدة من آيات موسى أكبر مما قبلها ، وأعظم قدراً مع كون التي قبلها عظيمة في نفسها ، وقيل المعنى إن الأولى تقتضي علماً ، والثانية تقتضي علماً ، فإذا ضمت الثانية إلى الأولى ازداد الوضوح ، ومعنى الأخوّة بين الآيات أنها متشاكلة متناسبة في دلالتها على صحة نبوّة موسى كما يقال هذه صاحبة هذه ، أي هما قرينتان في المعنى . وجملة { إِلاَّ هِىَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } في محل جرّ صفة لآية ، وقيل المعنى أن كل واحدة من الآيات إذا انفردت ظنّ الظانّ أنها أكبر من سائر الآيات ، ومثل هذا قول القائل @ من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري @@ { وَأَخَذْنَـٰهُم بِٱلْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي بسبب تكذيبهم بتلك الآيات ، والعذاب هو المذكور في قوله { وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بِٱلسّنِينَ وَنَقْصٍ مّن ٱلثَّمَرَاتِ } الآية الأعراف 130 ، وبين سبحانه أن العلة في أخذه لهم بالعذاب هو رجاء رجوعهم ، ولماعاينوا ماجاءهم به من الآيات البينات ، والدلالات الواضحات ظنوا أن ذلك من قبيل السحر . { وَقَالُواْ ياأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ } ، وكانوا يسمون العلماء سحرة ، ويوقرون السحرة ، ويعظمونهم ، ولم يكن السحر صفة ذم عندهم . قال الزجاج خاطبوه بما تقدّم له عندهم من التسمية بالساحر { ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } أي بما أخبرتنا من عهده إليك إنا إذا آمنا كشف عنا العذاب ، وقيل المراد بالعهد النبوّة ، وقيل استجابة الدعوة على العموم { إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } أي إذا كشف عنا العذاب الذي نزل بنا ، فنحن مهتدون فيما يستقبل من الزمان ، ومؤمنون بما جئت به . { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } في الكلام حذف ، والتقدير فدعا موسى ربه ، فكشف عنهم العذاب ، فلما كشف عنهم العذاب ، فاجئوا وقت نكثهم للعهد الذي جعلوه على أنفسهم من الاهتداء ، والنكث النقض . { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِى قَوْمِهِ } قيل لما رأى تلك الآيات خاف ميل القوم إلى موسى ، فجمعهم ، ونادى بصوته فيما بينهم ، أو أمر منادياً ينادي بقوله { يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ } لا ينازعني فيه أحد ، ولا يخالفني مخالف { وَهَـٰذِهِ ٱلأنْهَـٰرُ تَجْرِى مِن تَحْتِى } أي من تحت قصري ، والمراد أنهار النيل ، وقال قتادة المعنى تجري بين يديّ . وقال الحسن تجري بأمري ، أي تجري تحت أمري . وقال الضحاك أراد بالأنهار القوّاد ، والرؤساء ، والجبابرة ، وأنهم يسيرون تحت لوائه . وقيل أراد بالأنهار الأموال ، والأوّل أولى . والواو في { وهذه } عاطفة على ملك مصر ، و { تجري } في محلّ نصب على الحال ، أو هي واو الحال ، واسم الإشارة مبتدأ ، والأنهار صفة له ، وتجري خبره ، والجملة في محل نصب { أَفلاَ تُبْصِرُونَ } ذلك ، وتستدلون به على قوّة ملكي ، وعظيم قدري ، وضعف موسى عن مقاومتي { أَمْ أَنَا خَيْرٌ مّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ } أم هي المنقطعة المقدّرة ببل التي للإضراب دون الهمزة التي للإنكار ، أي بل أنا خير . قال أبو عبيدة أم بمعنى بل ، والمعنى قال فرعون لقومه بل أنا خير . وقال الفراء إن شئت جعلتها من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله ، وقيل هي زائدة ، وحكى أبو زيد عن العرب أنهم يجعلون أم زائدة ، والمعنى أنا خير من هذا . وقال الأخفش في الكلام حذف ، والمعنى أفلا تبصرون أم تبصرون ؟ ثم ابتدأ ، فقال { أَنَا خَيْرٌ } ، وروي عن الخليل ، وسيبويه نحو قول الأخفش ، ويؤيد هذا أن عيسى الثقفي ، ويعقوب الحضرمي وقفا على « أم » على تقدير أم تبصرون ، فحذف لدلالة الأوّل عليه ، وعلى هذا ، فتكون أم متصلة لا منقطعة ، والأوّل أولى ، ومثله قول الشاعر الذي أنشده الفراء @ بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى وصورتها أم أنت في العين أملح ؟ @@ أي بل أنت . وحكى الفراء أن بعض القراء قرأ أما أنا خير ؟ أي ألست خيراً من هذا الذي هو مهين ، أي ضعيف حقير ممتهن في نفسه لا عزّ له { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } الكلام لما في لسانه من العقدة ، وقد تقدم بيانه في سورة طه { فَلَوْلاَ أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مّن ذَهَبٍ } أي فهلا حلى بأساورة الذهب إن كان عظيماً ، وكان الرجل فيهم إذا سوّدوه سوّروه بسوار من ذهب ، وطوّقوه بطوق من ذهب . قرأ الجمهور { أساورة } جمع أسورة جمع سوار . وقال أبو عمرو بن العلاء واحد الأساورة ، والأساور ، والأساوير أسوار ، وهي لغة في سوار . وقرأ حفص { أسورة } جمع سوار ، وقرأ أبيّ " أساور " ، وابن مسعود " أساوير " . قال مجاهد كانوا إذا سوّدوا رجلاً سوّروه بسوارين ، وطوّقوه بطوق ذهب علامة لسيادته . { أَوْ جَاء مَعَهُ ٱلْمَلَـئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } معطوف على ألقى ، والمعنى هلا جاء معه الملائكة متتابعين متقارنين إن كان صادقاً يعينونه على أمره ، ويشهدون له بالنبوّة ، فأوهم اللعين قومه أن الرسل لا بدّ أن يكونوا على هيئة الجبابرة ، ومحفوفين بالملائكة . { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } أي حملهم على خفة الجهل ، والسفه بقوله ، وكيده ، وغروره ، فأطاعوه فيما أمرهم به ، وقبلوا قوله ، وكذبوا موسى { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَـٰسِقِينَ } أي خارجين عن طاعة الله . قال ابن الأعرابي المعنى فاستجهل قومه ، فأطاعوه بخفة أحلامهم ، وقلة عقولهم ، يقال استخفه الفرح ، أي أزعجه ، واستخفه ، أي حمله ، ومنه { وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ } الروم 60 ، وقيل استخفّ قومه ، أي وجدهم خفاف العقول ، وقد استخف بقومه ، وقهرهم حتى اتبعوه { فَلَمَّا ءاسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } قال المفسرون أغضبونا ، والأسف الغضب ، وقيل أشد الغضب ، وقيل السخط ، وقيل المعنى أغضبوا رسلنا . ثم بيّن العذاب الذي وقع به الانتقام ، فقال { فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ } في البحر { فَجَعَلْنَـٰهُمْ سَلَفاً } أي قدوة لمن عمل بعملهم من الكفار في استحقاق العذاب . قرأ الجمهور { سلفاً } بفتح السين ، واللام جمع سالف كخدم وخادم ، ورصد وراصد ، وحرس وحارس ، يقال سلف يسلف إذا تقدّم ، ومضى . قال الفراء ، والزجاج جعلناهم متقدّمين ليتعظ بهم الآخرون ، وقرأ حمزة ، والكسائي " سلفاً " بضم السين ، واللام . قال الفراء هو جمع سليف ، نحو سرر ، وسرير . وقال أبو حاتم هو جمع سلف نحو خشب ، وخشب . وقرأ علي ، وابن مسعود ، وعلقمة ، وأبو وائل ، والنخعي ، وحميد بن قيس بضم السين ، وفتح اللام جمع سلفة ، وهي الفرقة المتقدّمة نحو غرف ، وغرفة ، كذا قال النضر بن شميل { وَمَثَلاً لّلآخِرِينَ } أي عبرة ، وموعظة لمن يأتي بعدهم ، أو قصة عجيبة تجري مجرى الأمثال . وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } قال كانت بموسى لثغة في لسانه . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه { فَلَمَّا ءاسَفُونَا } قال أسخطونا . وأخرجا عنه أيضاً { آسفونا } قال أغضبونا ، وفي قوله { سَلَفاً } قال أهواء مختلفة . وأخرج أحمد ، والطبراني ، والبيهقي في الشعب ، وابن أبي حاتم عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا رأيت الله يعطي العبد ما شاء ، وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك استدراج منه له " ، وقرأ { فَلَمَّا ءاسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ } . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن طارق بن شهاب قال كنت عند عبد الله ، فذكر عنده موت الفجأة ، فقال تخفيف على المؤمن ، وحسرة على الكافر ، { فلما آسفونا انتقمنا منهم } .