Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 36-45)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } يقال عشوت إلى النار قصدتها ، وعشوت عنها أعرضت عنها ، كما تقول عدلت إلى فلان ، وعدلت عنه ، وملت إليه ، وملت عنه ، كذا قال الفراء ، والزجاج ، وأبو الهيثم ، والأزهري . فالمعنى ومن يعرض عن ذكر الرحمٰن . قال الزجاج معنى الآية أن من أعرض عن القرآن ، وما فيه من الحكمة إلى أباطيل المضلين يعاقبه الله بشيطان يقيضه له حتى يضله ، ويلازمه قريناً له ، فلا يهتدى مجازاة له حين آثر الباطل على الحق البين . وقال الخليل العشو النظر الضعيف ، ومنه @ لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره إذا الريح هبت والمكان جديب @@ والظاهر أن معنى البيت القصد إلى النار لا النظر إليها ببصر ضعيف كما قال الخليل ، فيكون دليلاً على ما قدّمنا من أنه يأتي بمعنى القصد ، وبمعنى الإعراض ، وهكذا ما أنشده الخليل مستشهداً به على ما قاله من قول الحطيئة @ متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد @@ فإن الظاهر أن معناه تقصد إلى ضوء ناره ، لا تنظر إليها ببصر ضعيف . ويمكن أن يقال إن المعنى في البيتين المبالغة في ضوء النار ، وسطوعها ، بحيث لا ينظرها الناظر إلاّ كما ينظر من هو معشي البصر لما يلحق بصره من الضعف عند ما يشاهده من عظم وقودها . وقال أبو عبيدة ، والأخفش إن معنى { وَمَن يَعْشُ } ومن تظلم عينه ، وهو نحو قول الخليل ، وهذا على قراءة الجمهور { ومن يعش } بضم الشين من عشا يعشو . وقرأ ابن عباس ، وعكرمة ومن يعش بفتح الشين ، يقال عشي الرجل يعشى عشياً إذا عمى ، ومنه قول الأعشى @ رأت رجلاً غايب الوافديـ ـن مختلف الخلق أعشى ضريرا @@ وقال الجوهري والعشا مقصور ، مصدر الأعشى وهو الذي لا يبصر بالليل ، ويبصر بالنهار ، والمرأة عشواء . وقرىء يعشو بالواو على أن « من » موصولة غير متضمنة معنى الشرط . قرأ الجمهور { نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً } بالنون وقرأ السلمي ، وابن أبي إسحاق ، ويعقوب ، وعصمة عن عاصم ، والأعمش بالتحتية مبنياً للفاعل ، وقرأ ابن عباس بالتحتية مبنياً للمفعول ورفع شيطان على النيابة { فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } أي ملازم له لا يفارقه ، أو هو ملازم للشيطان لا يفارقه ، بل يتبعه في جميع أموره ، ويطيعه في كلّ ما يوسوس به إليه { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } أي وإن الشياطين الذين يقيضهم الله لكلّ أحد ممن يعشو عن ذكر الرحمٰن كما هو معنيّ من { ليصدّونهم } ، أي يحولون بينهم ، وبين سبيل الحق ، ويمنعونهم منه ، ويوسوسون لهم أنهم على الهدى حتى يظنون صدق ما يوسوسون به ، وهو معنى قوله { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } أي يحسب الكفار أن الشياطين مهتدون ، فيطيعونهم ، أو يحسب الكفار بسبب تلك الوسوسة أنهم في أنفهسم مهتدون { حَتَّىٰ إِذَا جَاءنَا } قرأ الجمهور بالتثنية ، أي الكافر والشيطان المقارن له ، وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص بالإفراد أي الكافر ، أو جاء كلّ واحد منهما { قَالَ } الكافر مخاطباً للشيطان { يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } أي بعد ما بين المشرق والمغرب ، فغلب المشرق على المغرب . قال مقاتل يتمنى الكافر أن بينهما بعد مشرق أطول يوم في السنة من مشرق أقصر يوم في السنة ، والأوّل أولى ، وبه قال الفراء { فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } المخصوص بالذم محذوف ، أي أنت أيها الشيطان . { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ } هذا حكاية لما سيقال لهم يوم القيامة { إِذ ظَّلَمْتُمْ } أي لأجل ظلمكم أنفسكم في الدنيا ، وقيل إن « إذ » بدل من اليوم لأنه تبين في ذلك اليوم أنهم ظلموا أنفسهم في الدنيا . قرأ الجمهور { أَنَّكُمْ فِى ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } بفتح أن على أنها وما بعدها في محلّ رفع على الفاعلية ، أي لن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب . قال المفسرون لا يخفف عنهم بسبب الاشتراك شيء من العذاب لأن لكلّ أحد من الكفار والشياطين الحظ الأوفر منه . وقيل إنها للتعليل لنفي النفع ، أي لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه في الدنيا ، ويقوّي هذا المعنى قراءة ابن عامر على اختلاف عليه فيها بكسر إن . ثم ذكر سبحانه أنها لا تنفع الدعوة والوعظ من سبقت له الشقاوة ، فقال { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِى ٱلْعُمْىَ } الهمزة لإنكار التعجب ، أي ليس لك ذلك ، فلا يضيق صدرك إن كفروا ، وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإخبار له أنه لا يقدر على ذلك إلاّ الله عزّ وجلّ ، وقوله { وَمَن كَانَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } عطف على العمي ، أي إنك لا تهدي من كان كذلك ، ومعنى الآية أن هؤلاء الكفار بمنزلة الصمّ الذين لا يعقلون ما جئت به ، وبمنزلة العمي الذين لا يبصرونه لإفراطهم في الضلالة ، وتمكنهم من الجهالة { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ } بالموت قبل أن ينزل العذاب بهم { فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } إما في الدنيا ، أو في الآخرة ، وقيل المعنى نخرجنك من مكة { أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِى وَعَدْنَـٰهُمْ } من العذاب قبل موتك { فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } متى شئنا عذبناهم . قال كثير من المفسرين قد أراه الله ذلك يوم بدر . وقال الحسن ، وقتادة هي في أهل الإسلام يريد ما كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن ، وقد كان بعد النبي فتنة شديدة ، فأكرم الله نبيه ، وذهب به ، فلم يره في أمته شيئاً من ذلك ، والأوّل أولى . { فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِى أُوحِىَ إِلَيْكَ } أي من القرآن ، وإن كذّب به من كذّب { إِنَّكَ عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي طريق واضح ، والجملة تعليل لقوله { فَٱسْتَمْسِكْ } { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } أي وإن القرآن لشرف لك ، ولقومك من قريش إذ نزل عليك ، وأنت منهم بلغتك ، ولغتهم ، ومثله قوله { لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَـٰباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } الأنبياء 10 ، وقيل بيان لك ، ولأمتك فيما لكم إليه حاجة . وقيل تذكرة تذكرون بها أمر الدين ، وتعملون به { وَسَوْفَ تُسْـئَلُونَ } عما جعله الله لكم من الشرف ، كذا قال الزجاج ، والكلبي ، وغيرهما . وقيل يسئلون عما يلزمهم من القيام بما فيه ، والعمل به { وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ءالِهَةً يُعْبَدُونَ } قال الزهري ، وسعيد بن جبير ، وابن زيد إن جبريل قال ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به . فالمراد سؤال الأنبياء في ذلك الوقت عند ملاقاته لهم ، وبه قال جماعة من السلف . وقال المبرد ، والزجاج ، وجماعة من العلماء إن المعنى واسأل أمم من قد أرسلنا . وبه قال مجاهد ، والسدّي ، والضحاك ، وقتادة ، وعطاء ، والحسن . ومعنى الآية على القولين سؤالهم هل أذن الله بعبادة الأوثان في ملة من الملل ، وهل سوّغ ذلك لأحد منهم ؟ والمقصود تقريع مشركي قريش بأن ما هم عليه لم يأت في شريعة من الشرائع . وقد أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن عثمان المخزومي أن قريشاً قالت قيضوا لكل رجل من أصحاب محمد رجلاً يأخذه ، فقيضوا لأبي بكر طلحة بن عبيد الله ، فأتاه ، وهو في القوم ، فقال أبو بكر إلاّم تدعوني ؟ قال أدعوك إلى عبادة اللات ، والعزّى . قال أبو بكر وما اللات ؟ قال أولاد الله . قال وما العزّى . قال بنات الله . قال أبو بكر فمن أمهم ؟ فسكت طلحة ، فلم يجبه ، فقال لأصحابه أجيبوا الرجل ، فسكت القوم ، فقال طلحة قم يا أبا بكر أشهد أن لا إلٰه إلاّ الله وأن محمداً رسول الله ، فأنزل الله { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } الآية . وثبت في صحيح مسلم ، وغيره أن مع كل إنسان قريناً من الجنّ . وأخرج ابن مردويه عن عليّ في قوله { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ } قال ذهب نبيه صلى الله عليه وسلم ، وبقيت نقمته في عدوّه . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله { أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِى وَعَدْنَـٰهُمْ } قال يوم بدر . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب من طرق عنه في قوله { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } قال شرف لك ، ولقومك . وأخرج ابن عدّي ، وابن مردويه عن عليّ ، وابن عباس قالا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل بمكة ، ويعدهم الظهور ، فإذا قالوا لمن الملك بعدك ؟ أمسك ، فلم يجبهم بشيء لأنه لم يؤمر في ذلك بشيء حتى نزلت { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } ، فكان بعد إذا سئل قال قريش ، فلا يجيبونه حتى قبلته الأنصار على ذلك . وأخرج عبد بن حميد من طريق الكلبي عن ابن عباس في قوله { وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا } قال اسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك من رسلنا .