Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 1-16)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { حـم * وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ } قد تقدّم في السورتين المتقدمتين قبل هذه السورة الكلام على هذا معنى ، وإعراباً ، وقوله { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } جواب القسم ، وإن جعلت الجواب { حمۤ } كانت هذه الجملة مستأنفة ، وقد أنكر بعض النحويين أن تكون هذه الجملة جواباً للقسم ، لأنها صفة للمقسم به ، ولا تكون صفة المقسم به جواباً للقسم ، وقال الجواب { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } ، واختاره ابن عطية ، وقيل إن قوله { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } جواب ثانٍ ، أو جملة مستأنفة مقرّرة للإنزال ، وفي حكم العلة له كأنه قال إنا أنزلناه لأن من شأننا الإنذار ، والضمير في { أنزلناه } راجع إلى الكتاب المبين ، وهو القرآن . وقيل المراد بالكتاب سائر الكتب المنزّلة والضمير في { أنزلناه } راجع إلى القرآن على معنى أنه سبحانه أقسم بسائر الكتب المنزّلة أنه أنزل القرآن ، والأوّل أولى . والليلة المباركة ليلة القدر كما في قوله { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } القدر 1 ولها أربعة أسماء الليلة المباركة ، وليلة البراءة ، وليلة الصكّ ، وليلة القدر . قال عكرمة الليلة المباركة هنا ليلة النصف من شعبان . وقال قتادة أنزل القرآن كله في ليلة القدر من أمّ الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في سماء الدنيا ، ثم أنزله الله سبحانه على نبيه صلى الله عليه وسلم في الليالي والأيام في ثلاث وعشرين سنة ، وقد تقدّم تحقيق الكلام في هذا في البقرة عند قوله { شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } البقرة 185 وقال مقاتل كان ينزل من اللوح كل ليلة قدر من الوحي على مقدار ما ينزل به جبريل في السنة إلى مثلها من العام . ووصف الله سبحانه هذه الليلة ، بأنها مباركة لنزول القرآن فيها ، وهو مشتمل على مصالح الدين والدنيا ، ولكونها تتنزّل فيها الملائكة ، والروح كما سيأتي في سورة القدر ، ومن جملة بركتها ما ذكره الله سبحانه ها هنا بقوله { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } ، ومعنى يفرق يفصل ، ويبين من قولهم فرقت الشي أفرقه فرقاً ، والأمر الحكيم المحكم ، وذلك أن الله سبحانه يكتب فيها ما يكون في السنة من حياة وموت ، وبسط وقبض ، وخير وشرّ ، وغير ذلك ، كذا قال مجاهد ، وقتادة ، والحسن ، وغيرهم . وهذه الجملة إما صفة أخرى لليلة ، وما بينهما اعتراض ، أو مستأنفة لتقرير ما قبلها . قرأ الجمهور { يفرق } بضمّ الياء ، وفتح الراء مخففاً ، وقرأ الحسن ، والأعمش ، والأعرج بفتح الياء وضم الراء ، ونصب كل أمر ، ورفع حكيم على أنه الفاعل . والحق ما ذهب إليه الجمهور من أن هذه الليلة المباركة هي ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان ، لأن الله سبحانه أجملها هنا ، وبينها في سورة البقرة بقوله { شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } البقرة 185 وبقوله في سورة القدر { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } القدر 1 ، فلم يبق بعد هذا البيان الواضح ما يوجب الخلاف ، ولا ما يقتضي الاشتباه { أَمْراً مّنْ عِنْدِنَا } قال الزجاج ، والفراء انتصاب { أمراً } بـ { يفرق } ، أي يفرق فرقاً ، لأن أمراً بمعنى فرقاً . والمعنى إنا نأمر ببيان ذلك ونسخه من اللوح المحفوظ ، فهو على هذا منتصب على المصدرية مثل قولك يضرب ضرباً . قال المبرد { أمراً } في موضع المصدر ، والتقدير أنزلناه إنزالاً . وقال الأخفش انتصابه على الحال ، أي آمرين . وقيل هو منصوب على الاختصاص ، أي أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا ، وفيه تفخيم لشأن القرآن ، وتعظيم له . وقد ذكر بعض أهل العلم في انتصاب { أمراً } اثني عشر وجهاً أظهرها ما ذكرناه ، وقرأ زيد بن علي أمر بالرفع ، أي هو أمر { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } هذه الجملة إما بدل من قوله { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } ، أو جواب ثالث للقسم ، أو مستأنفة . قال الرازي المعنى إنا فعلنا ذلك الإنذار لأجل إنا كنا مرسلين للأنبياء { رَحْمَةً مّن رَّبّكَ } انتصاب { رحمة } على العلة ، أي أنزلناه للرحمة ، قاله الزجاج . وقال المبرد إنها منتصبة على أنها مفعول لمرسلين أي إنا كنا مرسلين رحمة . وقيل هي مصدر في موضع الحال ، أي راحمين ، قاله الأخفش . وقرأ الحسن رحمة بالرفع على تقدير هي رحمة { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لمن دعاه { ٱلْعَلِيمُ } بكل شيء . ثم وصف سبحانه نفسه بما يدلّ على عظيم قدرته الباهرة ، فقال { رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْض وَمَا بَيْنَهُمَا } قرأ الجمهور ربُّ بالرفع عطفاً على السميع العليم ، أو على أنه مبتدأ ، وخبره { لا إلٰه إلاّ هو } ، أو على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، أي هو ربّ ، وقرأ الكوفيون { ربّ } بالجرّ على أنه بدل من ربك ، أو بيان له ، أو نعت { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } بأنه ربّ السمٰوات ، والأرض ، وما بينهما ، وقد أقرّوا بذلك كما حكاه الله عنهم في غير موضع ، وجملة { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } مستأنفة مقرّرة لما قبلها ، أو خبر ربّ السموات كما مرّ ، وكذلك جملة { يُحْيِـي وَيُمِيتُ } ، فإنها مستأنفة مقرّرة لما قبلها { رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءابَائِكُمُ ٱلأوَّلِينَ } قرأ الجمهور بالرفع على الاستئناف بتقدير مبتدأ ، أي هو ربكم ، أو على أنه بدل من { ربّ السموات } ، أو بيان ، أو نعت له ، وقرأ الكسائي في رواية الشيرازي عنه ، وابن محيصن ، وابن أبي إسحاق ، وأبو حيوة ، والحسن بالجرّ ، ووجه الجرّ ما ذكرناه في قراءة من قرأ بالجرّ في ربّ السمٰوات { بَلْ هُمْ فِى شَكّ يَلْعَبُونَ } أضرب عن كونهم موقنين إلى كونهم في شكّ من التوحيد والبعث ، وفي إقرارهم بأن الله خالقهم ، وخالق سائر المخلوقات ، وأن ذلك منهم على طريقة اللعب والهزو ، ومحلّ { يلعبون } الرفع على أنه خبر ثان ، أو النصب على الحال . { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى ٱلسَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، لأن كونهم في شك ولعب يقتضي ذلك والمعنى فانتظر لهم يا محمد يوم تأتي السماء بدخان مبين ، وقيل المعنى احفظ قولهم هذا لتشهد عليهم يوم تأتي السماء بدخان مبين . وقد اختلف في هذا الدخان المذكور في الآية متى يأتي ؟ فقيل إنه من أشراط الساعة ، وأنه يمكث في الأرض أربعين يوماً . وقد ثبت في الصحيح أنه من جملة العشر الآيات التي تكون قبل قيام الساعة ، وقيل إنه أمر قد مضى ، وهو ما أصاب قريشاً بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان الرجل يرى بين السماء ، والأرض دخاناً ، وهذا ثابت في الصحيحين ، وغيرهما وذلك حين دعا عليهم النبي بسنين كسني يوسف ، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام ، وكان الرجل ينظر إلى السماء ، فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد ، وقيل إنه يوم فتح مكة ، وسيأتي في آخر البحث بيان ما يدلّ على هذه الأقوال . وقوله { يَغْشَى ٱلنَّاسَ } صفة ثانية لدخان ، أي يشملهم ، ويحيط بهم { هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي يقولون هذا عذاب أليم ، أو قائلين ذلك ، أو يقول الله لهم ذلك { رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ } أي يقولون ذلك ، وقد روي أنهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا إن كشف الله عنا هذا العذاب أسلمنا ، والمراد بالعذاب الجوع الذي كان بسببه ما يرونه من الدخان ، أو يقولونه إذا رأوا الدخان الذي هو من آيات الساعة ، أو إذا رأوه يوم فتح مكة على اختلاف الأقوال . والراجح منها أنه الدخان الذي كانوا يتخيلونه مما نزل بهم من الجهد ، وشدّة الجوع ، ولا ينافي ترجيح هذا ما ورد أن الدخان من آيات الساعة ، فإن ذلك دخان آخر ، ولا ينافيه أيضاً ما قيل إنه الذي كان يوم فتح مكة ، فإنه دخان آخر على تقدير صحة وقوعه . { أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذّكْرَىٰ } أي كيف يتذكرون ، ويتعظون بما نزل بهم والحال أن { قَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ } يبين لهم كل شيء يحتاجون إليه من أمر الدين ، والدنيا { ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ } أي أعرضوا عن ذلك الرسول الذي جاءهم ، ولم يكتفوا بمجرّد الإعراض عنه ، بل جاوزوه { وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ } أي قالوا إنما يعلمه القرآن بشر ، وقالوا إنه مجنون ، فكيف يتذكر هؤلاء ، وأنى لهم الذكرى . ثم لما دعوا الله بأن يكشف عنهم العذاب ، وأنه إذا كشفه عنهم آمنوا أجاب سبحانه عليهم بقوله { إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً } أي إنا نكشفه عنهم كشفاً قليلاً ، أو زماناً قليلاً ، ثم أخبر الله سبحانه عنهم أنهم لا ينزجرون عما كانوا عليه من الشرك ، ولا يفون بما وعدوا به من الإيمان ، فقال { إِنَّكُمْ عَائِدُونَ } أي إلى ما كنتم عليه من الشرك ، وقد كان الأمر هكذا ، فإن الله سبحانه لما كشف عنهم ذلك العذاب رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر ، والعناد ، وقيل المعنى إنكم عائدون إلينا بالبعث ، والنشور ، والأوّل أولى { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } الظرف منصوب بإضمار اذكر ، وقيل هو بدل من يوم تأتي السماء ، وقيل هو متعلق بـ { منتقمون } ، وقيل بما دلّ عليه منتقمون ، وهو ننتقم . والبطشة الكبرى هي يوم بدر ، قاله الأكثر . والمعنى أنهم لما عادوا إلى التكذيب ، والكفر بعد رفع العذاب عنهم انتقم الله منهم بوقعة بدر . وقال الحسن ، وعكرمة المراد بها عذاب النار ، واختار هذا الزجاج ، والأوّل أولى . قرأ الجمهور { نبطش } بفتح النون ، وكسر الطاء ، أي نبطش بهم ، وقرأ الحسن ، وأبو جعفر بضم الطاء وهي لغة ، وقرأ أبو رجاء ، وطلحة بضم النون ، وكسر الطاء . وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس { فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } قال أنزل القرآن في ليلة القدر ، ونزل به جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوماً لجواب الناس . وأخرج محمد بن نصر ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه في قوله { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } قال يكتب من أمّ الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق وموت ، وحياة ، ومطر ، حتى يكتب الحاج يحج فلان ، ويحج فلان . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عمر { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } قال أمر السنة إلى السنة إلا الشقاء والسعادة ، فإنه في كتاب الله لا يبدّل ، ولا يغير . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الشعب قال إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى ، ثم قرأ { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } الآية ، يعني ليلة القدر ، قال ففي تلك الليلة يفرق أمر الدنيا إلى مثلها من قابل من موت ، أو حياة ، أو رزق ، كل أمر الدنيا يفرق تلك الليلة إلى مثلها . وأخرج ابن زنجويه ، والديلمي ، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان ، حتى إن الرجل لينكح ، ويولد له ، وقد خرج اسمه في الموتى " وأخرجه ابن أبي الدنيا ، وابن جرير ، عن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس ، وهذا مرسل ، ولا تقوم به حجة ، ولا تعارض بمثله صرائح القرآن . وما روي في هذا ، فهو إما مرسل ، أو غير صحيح . وقد أورد ذلك صاحب الدرّ المنثور ، وأورد ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان ، وذلك لا يستلزم أنها المراد بقوله { في ليلة مباركة } . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما ، عن ابن مسعود أن قريشاً لما استعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبطئوا عن الإسلام قال " اللهمّ أعني عليهم بسبع كسبع يوسف " ، فأصابهم قحط ، وجهد حتى أكلوا العظام ، فجعل الرجل ينظر إلى السماء ، فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجوع ، فأنزل الله { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى ٱلسَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } الآية ، فأتي النبي فقيل يا رسول الله استسق الله لمضر ، فاستسقى لهم ، فسقوا ، فأنزل الله { إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ } فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم ، فأنزل الله { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ } ، فانتقم الله منهم يوم بدر ، فقد مضى البطشة ، والدخان ، واللزام . وقد روي عن ابن مسعود ، نحو هذا من غير وجه ، وروي نحوه عن جماعة من التابعين . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم عن ابن أبي مليكة قال دخلت على ابن عباس فقال لم أنم هذه الليلة ، فقلت لم ؟ قال طلع الكوكب ، فخشيت أن يطرق الدخان . قال ابن كثير وهذا إسناد صحيح ، وكذا صححه السيوطي ، ولكن ليس فيه أنه سبب نزول الآية . وقد عرّفناك أنه لا منافاة بين كون هذه الآية نازلة في الدخان الذي كان يتراءى لقريش من الجوع ، وبين كون الدّخان من آيات الساعة ، وعلاماتها ، وأشراطها ، فقد وردت أحاديث صحاح ، وحسان ، وضعاف بذلك ، وليس فيها أنه سبب نزول الآية ، فلا حاجة بنا إلى التطويل بذكرها ، والواجب التمسك بما ثبت في الصحيحين ، وغيرهما أن دخان قريش عند الجهد ، والجوع هو سبب النزول ، وبهذا تعرف اندفاع ترجيح من رجح أنه الدخان الذي هو من أشراط الساعة كابن كثير في تفسيره ، وغيره ، وهكذا يندفع قول من قال إنه الدخان الكائن يوم فتح مكة متمسكاً بما أخرجه ابن سعد عن أبي هريرة قال كان يوم فتح مكة دخان ، وهو قول الله { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى ٱلسَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } فإن هذا لا يعارض ما في الصحيحين على تقدير صحة إسناده مع احتمال أن يكون أبو هريرة رضي الله عنه ظنّ من وقوع ذلك الدخان يوم الفتح أنه المراد بالآية ، ولهذا لم يصرّح بأنه سبب نزولها . وأخرج ابن جرير ، عن عكرمة قال قال ابن عباس قال ابن مسعود البطشة الكبرى يوم بدر ، وأنا أقول هي يوم القيامة . قال ابن كثير وهذا إسناد صحيح . وقال ابن كثير قبل هذا فسر ذلك ابن مسعود بيوم بدر ، وهذا قول جماعة ممن وافق ابن مسعود على تفسيره الدّخان بما تقدّم ، وروي أيضاً عن ابن عباس من رواية العوفي عنه ، وعن أبيّ بن كعب ، وجماعة ، وهو محتمل . والظاهر أن ذلك يوم القيامة ، وإن كان يوم بدر يوم بطشة كبرى أيضاً . انتهى . قلت بل الظاهر أنه يوم بدر ، وإن كان يوم القيامة يوم بطشة أكبر من كل بطشة ، فإن السياق مع قريش ، فتفسيره بالبطشة الخاصة بهم أولى من تفسيره بالبطشة التي تكون يوم القيامة لكل عاص من الإنس والجنّ .