Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 27-37)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر سبحانه ما احتج به المشركون ، وما أجاب به عليهم ذكر اختصاصه بالملك ، فقال { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي هو المتصرف فيهما وحده لا يشاركه أحد من عباده ، ثم توعد أهل الباطل ، فقال { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } أي المكذبون الكافرون المتعلقون بالأباطيل يظهر في ذلك اليوم خسرانهم لأنهم يصيرون إلى النار ، والعامل في { يوم } هو { يخسر } ، و { يومئذ } بدل منه ، والتنوين للعوض عن المضاف إليه المدلول عليه بما أضيف إليه المبدل منه ، فيكون التقدير ويوم تقوم الساعة يوم تقوم الساعة ، فيكون بدلاً توكيدياً ، والأولى أن يكون العامل في يوم هو ملك ، أي ولله ملك يوم تقوم الساعة ويكون يومئذ معمولاً لـ { يخسر } { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } الخطاب لكل من يصلح له ، أو للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، والأمة الملة ، ومعنى جاثية مستوفزة ، والمستوفز الذي لا يصيب الأرض منه إلاّ ركبتاه وأطراف أنامله ، وذلك عند الحساب . وقيل معنى جاثية مجتمعة ، قال الفراء المعنى وترى أهل كلّ ذي دين مجتمعين . وقال عكرمة متميزة عن غيرها . وقال مؤرج معناه بلغة قريش خاضعة . وقال الحسن باركة على الركب ، والجثو الجلوس على الركب ، تقول جثا يجثو ويجثي جثواً وجثياً إذا جلس على ركبتيه ، والأوّل أولى . ولا ينافيه ورود هذا اللفظ لمعنى آخر في لسان العرب . وقد ورد إطلاق الجثوة على الجماعة من كل شيء في لغة العرب ، ومنه قول طرفة يصف قبرين @ ترى جثوتين من تراب عليهما صفائح صمّ من صفائح منضد @@ وظاهر الآية أن هذه الصفة تكون لكل أمة من الأمم من غير فرق بين أهل الأديان المتبعين للرسل ، وغيرهم من أهل الشرك . وقال يحيـى بن سلام هو خاصّ بالكفار ، والأوّل أولى . ويؤيده قوله { كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَـٰبِهَا } ، ولقوله فيما سيأتي { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } . ومعنى { إلى كتابها } إلى الكتاب المنزّل عليها ، وقيل إلى صحيفة أعمالها ، وقيل إلى حسابها ، وقيل اللوح المحفوظ ، والأوّل أولى . قرأ الجمهور { كل أمة } بالرفع على الابتداء ، وخبره { تدعى } ، وقرأ يعقوب الحضرمي بالنصب على البدل من { كل أمة } . { ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي يقال لهم اليوم تجزون ما كنتم تعملون من خير وشرّ . { هَـٰذَا كِتَـٰبُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقّ } هذا من تمام ما يقال لهم ، والقائل بهذا هم الملائكة وقيل هو من قول الله سبحانه ، أي يشهد عليكم ، وهو استعارة ، يقال نطق الكتاب بكذا ، أي بيّن ، وقيل إنهم يقرءونه فيذكرون ما عملوا ، فكأنه ينطق عليهم بالحق الذي لا زيادة فيه ، ولا نقصان ، ومحل { ينطق } النصب على الحال ، أو الرفع على أنه خبر آخر لاسم الإشارة ، وجملة { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } تعليل للنطق بالحقّ ، أي نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم ، أي بكتبها ، وتثبيتها عليكم . قال الواحدي وأكثر المفسرين على أن هذا الاستنساخ من اللوح المحفوظ ، فإن الملائكة تكتب منه كل عام ما يكون من أعمال بني آدم ، فيجدون ذلك موافقاً لما يعملونه ، قالوا لأن الاستنساخ لا يكون إلاّ من أصل . وقيل المعنى نأمر الملائكة بنسخ ما كنتم تعملون . وقيل إن الملائكة تكتب كل يوم ما يعمله العبد ، فإذا رجعوا إلى مكانهم نسخوا منه الحسنات والسيئات ، وتركوا المباحات . وقيل إن الملائكة إذا رفعت أعمال العباد إلى الله سبحانه أمر عزّ وجلّ أن يثبت عنده منها ما فيه ثواب وعقاب ، ويسقط منها ما لا ثواب فيه ولا عقاب . { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِى رَحْمَتِهِ } أي الجنة ، وهذا تفصيل لحال الفريقين ، فالمؤمنون يدخلهم الله برحمته الجنة { ذٰلِكَ } أي الإدخال في رحمته { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } أي الظاهر الواضح { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءايَـٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } أي فيقال لهم ذلك ، وهو استفهام توبيخ لأن الرسل قد أتتهم وتلت عليهم آيات الله ، فكذبوها ولم يعملوا بها { فَٱسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } أي تكبرتم عن قبولها ، وعن الإيمان بها ، وكنتم من أهل الإجرام ، وهي الآثام ، والاجترام الاكتساب ، يقال فلان جريمة أهله إذا كان كاسبهم ، فالمجرم من كسب الآثام بفعل المعاصي { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } أي وعده بالبعث والحساب ، أو بجميع ما وعد به من الأمور المستقبلة واقع لا محالة { وَٱلسَّاعَةُ } أي القيامة { لاَ رَيْبَ فِيهَا } أي في وقوعها . قرأ الجمهور { والساعة } بالرفع على الابتداء ، أو العطف على موضع اسم إن ، وقرأ حمزة بالنصب عطفاً على اسم إن { قُلْتُم مَّا نَدْرِى مَا ٱلسَّاعَةُ } أي أيّ شيء هي ؟ { إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً } أي نحدس حدساً ونتوهم توهماً . قال المبرد تقديره إن نحن إلاّ نظن ظناً ، وقيل التقدير إن نظنّ إلاّ أنكم تظنون ظناً ، وقيل إن نظنّ مضمن معنى نعتقد ، أي ما نعتقد إلاّ ظناً لا علماً ، وقيل إن ظناً له صفة مقدّرة ، أي إلاّ ظناً بيناً ، وقيل إن الظنّ يكون بمعنى العلم والشكّ ، فكأنهم قالوا ما لنا اعتقاد إلاّ الشك { وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } أي لم يكن لنا يقين بذلك ، ولم يكن معنا إلاّ مجرّد الظنّ أن الساعة آتية . { وَبَدَا لَهُمْ سَيّئَـٰتُ مَا عَمِلُواْ } أي ظهر لهم سيئات أعمالهم على الصورة التي هي عليها { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } أي أحاط بهم ، ونزل عليهم جزاء أعمالهم بدخولهم النار { وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } أي نترككم في النار كما تركتم العمل لهذا اليوم ، وأضاف اللقاء إلى اليوم توسعاً لأنه أضاف إلى الشيء ما هو واقع فيه { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ } أي مسكنكم ومستقرّكم الذين تأوون إليه { وَمَا لَكُمْ مّن نَّـٰصِرِينَ } ينصرونكم فيمنعون عنكم العذاب { ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ ٱتَّخَذْتُمْ ءايَـٰتِ ٱللَّهِ هُزُواً } أي ذلكم العذاب بسبب أنكم اتخذتم القرآن هزواً ولعباً { وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } أي خدعتكم بزخارفها وأباطيلها ، فظننتم أنه لا دار غيرها ، ولا بعث ولا نشور { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا } أي من النار . قرأ الجمهور { يخرجون } بضم الياء . وفتح الراء مبنياً للمفعول ، وقرأ حمزة ، والكسائي بفتح الياء وضمّ الراء مبنياً للفاعل ، والالتفات من الخطاب إلى الغيبة لتحقيرهم { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أي لا يسترضون ، ويطلب منهم الرجوع إلى طاعة الله لأنه يوم لا تقبل فيه توبة ، ولا تنفع فيه معذرة { فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَرَبّ ٱلأرْضِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } لا يستحقّ الحمد سواه . قرأ الجمهور { ربّ } في المواضع الثلاثة بالجرّ على الصفة للاسم الشريف . وقرأ مجاهد ، وحميد ، وابن محيصن بالرفع في الثلاثة على تقدير مبتدأ ، أي هو ربّ السمٰوات إلخ { وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَاء فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضِ } أي الجلال والعظمة والسلطان ، وخصّ السمٰوات والأرض لظهور ذلك فيهما { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي العزيز في سلطانه ، فلا يغالبه مغالب ، الحكيم في كل أفعاله وأقواله وجميع أقضيته . وقد أخرج سعيد بن منصور ، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في البعث عن عبد الله بن باباه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كأني أراكم بالكوم دون جهنم جاثين " ثم قرأ سفيان ويرى كل أمة جاثية وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر في قوله { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } قال كل أمة مع نبيها حتى يجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم على كوم قد علا الخلائق ، فذلك المقام المحمود . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { هَـٰذَا كِتَـٰبُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقّ } قال هو أمّ الكتاب فيه أعمال بني آدم { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } قال هم الملائكة يستنسخون أعمال بني آدم . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه بمعناه مطوّلاً ، فقام رجل فقال يا ابن عباس ، ما كنا نرى هذا تكتبه الملائكة في كل يوم وليلة ، فقال ابن عباس إنكم لستم قوماً عرباً { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } هل يستنسخ الشيء إلاّ من كتاب ؟ وأخرج ابن جرير عنه نحوه أيضاً ، وأخرج ابن جرير عن عليّ بن أبي طالب قال إن لله ملائكة ينزلون في كل يوم بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم . وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر نحو ما روي ، عن ابن عباس . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال يستنسخ الحفظة من أمّ الكتاب ما يعمل بنو آدم ، فإنما يعمل الإنسان ما استنسخ الملك من أمّ الكتاب ، وأخرج نحوه الحاكم عنه وصححه . وأخرج الطبراني عنه أيضاً في الآية قال إن الله وكل ملائكته ينسخون من ذلك العام في رمضان ليلة القدر ما يكون في الأرض من حدث إلى مثلها من السنة المقبلة ، فيتعارضون به حفظة الله على العباد عشية كل خميس ، فيجدون ما رفع الحفظة موافقاً لما في كتابهم ذلك ليس فيه زيادة ولا نقصان . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله { ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } قال نترككم . وأخرج ابن أبي شيبة ، ومسلم ، وأبو داود ، وابن ماجه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال قال رسول الله " يقول الله تبارك وتعالى الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحداً منهما ألقيته في النار " .