Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 1-9)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { حـم تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } قد تقدّم الكلام على هذا في سورة غافر وما بعدها مستوفى ، وذكرنا وجه الإعراب ، وبيان ما هو الحقّ من أن فواتح السور من المتشابه الذي يجب أن يوكل علمه إلى من أنزله { مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } من المخلوقات بأسرها { إِلاَّ بِٱلْحَقّ } هو استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال ، أي إلاّ خلقاً ملتبساً بالحقّ الذي تقتضيه المشيئة الإلٰهية ، وقوله { وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } معطوف على الحقّ ، أي إلاّ بالحقّ ، وبأجل مسمى ، على تقدير مضاف محذوف ، أي وبتقدير أجل مسمى ، وهذا الأجل هو يوم القيامة ، فإنها تنتهي فيه السمٰوات والأرض وما بينهما ، وتبدّل الأرض غير الأرض والسمٰوات . وقيل المراد بالأجل المسمى هو انتهاء أجل كلّ فرد من أفراد المخلوقات ، والأوّل أولى ، وهذا إشارة إلى قيام الساعة ، وانقضاء مدّة الدنيا ، وأن الله لم يخلق خلقه باطلاً وعبثاً لغير شيء ، بل خلقه للثواب والعقاب . { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّا أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ } أي عما أنذروا وخوّفوا به في القرآن من البعث والحساب والجزاء معرضون مولون غير مستعدّين له ، والجملة في محل نصب على الحال ، أي والحال أنهم معرضون عنه غير مؤمنين به ، و « ما » في قوله { مَا أَنْذِرُواْ } يجوز أن تكون الموصولة ، ويجوز أن تكون المصدرية . { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي أخبروني ما تعبدون من دون الله من الأصنام { أَرُونِى مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأرْضِ } أي أيّ شيء خلقوا منها ، وقوله { أَرُونِىَ } يحتمل أن يكون تأكيداً لقوله { أَرَءيْتُمْ } ، أي أخبروني أروني ، والمفعول الثاني لأرأيتم { ماذا خلقوا } ، ويحتمل أن لا يكون تأكيداً ، بل يكون هذا من باب التنازع لأن أرأيتم يطلب مفعولاً ثانياً ، وأروني كذلك { أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ } أم هذه هي المنقطعة المقدّرة ببل والهمزة ، والمعنى بل ألهم شركة مع الله فيها ؟ والاستفهام للتوبيخ والتقريع { ٱئْتُونِى بِكِتَـٰبٍ مّن قَبْلِ هَـٰذَا } هذا تبكيت لهم ، وإظهار لعجزهم ، وقصورهم عن الإتيان بذلك ، والإشارة بقوله { هذا } إلى القرآن ، فإنه قد صرّح ببطلان الشرك ، وأن الله واحد لا شريك له ، وأن الساعة حقّ لا ريب فيها ، فهل للمشركين من كتاب يخالف هذا الكتاب ، أو حجة تنافي هذه الحجة . { أَوْ أَثَـٰرَةٍ مّنْ عِلْمٍ } . قال في الصحاح { أو أثارة من علم } بقية منه ، وكذا الأثرة بالتحريك . قال ابن قتيبة أي بقية من علم الأوّلين . وقال الفراء ، والمبرد يعني ما يؤثر عن كتب الأوّلين . قال الواحدي وهو معنى قول المفسرين . قال عطاء أو شيء تأثرونه عن نبيّ كان قبل محمد صلى الله عليه وسلم . قال مقاتل أو رواية من علم عن الأنبياء . وقال الزجاج أو أثارة أي علامة ، والأثارة مصدر كالسماحة والشجاعة ، وأصل الكلمة من الأثر ، وهي الرواية يقال أثرت الحديث آثره أثرة وأثارة وأثراً إذا ذكرته عن غيرك . قرأ الجمهور { أثارة } على المصدر كالسماحة والغواية . وقرأ ابن عباس ، وزيد بن علي ، وعكرمة ، والسلمي ، والحسن ، وأبو رجاء بفتح الهمزة والثاء من غير ألف . وقرأ الكسائي أثرة بضم الهمزة وسكون الثاء { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } في دعواكم التي تدّعونها ، وهي قولكم إن لله شريكاً ، ولم تأتوا بشيء من ذلك ، فتبين بطلان قولهم لقيام البرهان العقلي ، والنقلي على خلافه . { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ } أي لا أحد أضل منه ولا أجهل ، فإنه دعا من لا يسمع ، فكيف يطمع في الإجابة فضلاً عن جلب نفع ، أو دفع ضرّ ؟ فتبين بهذا أنه أجهل الجاهلين وأضلّ الضالين ، والاستفهام للتقريع والتوبيخ ، وقوله { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } غاية لعدم الاستجابة { وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَـٰفِلُونَ } الضمير الأوّل للأصنام ، والثاني لعابديها ، والمعنى والأصنام التي يدعونها عن دعائهم إياها غافلون عن ذلك ، لا يسمعون ولا يعقلون لكونهم جمادات ، والجمع في الضميرين باعتبار معنى " من " ، وأجري على الأصنام ما هو للعقلاء لاعتقاد المشركين فيها أنها تعقل . { وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاء } أي إذا حشر الناس العابدين للأصنام كان الأصنام لهم أعداء يتبرأ بعضهم من بعض ، ويلعن بعضهم بعضاً ، وقد قيل إن الله يخلق الحياة في الأصنام ، فتكذبهم . وقيل المراد أنها تكذبهم وتعاديهم بلسان الحال لا بلسان المقال . وأما الملائكة ، والمسيح ، وعزير ، والشياطين ، فإنهم يتبرّءون ممن عبدهم يوم القيامة ، كما في قوله تعالى { تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُواْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } القصص 63 { وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَـٰفِرِينَ } أي كان المعبودون بعبادة المشركين إياهم كافرين ، أي جاحدين مكذبين ، وقيل الضمير في { كانوا } للعابدين ، كما في قوله { وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } الأنعام 23 ، والأوّل أولى . { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُنَا } أي آيات القرآن حال كونها { بَيّنَـٰتٍ } واضحات المعاني ظاهرات الدلالات { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقّ } أي لأجله وفي شأنه ، وهو عبارة عن الآيات { لَمَّا جَاءهُمْ } أي وقت أن جاءهم { هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي ظاهر السحرية { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } أم هي المنقطعة ، أي بل أيقولون افتراه ؟ والاستفهام للإنكار والتعجب من صنيعهم ، وبل للانتقال عن تسميتهم الآيات سحراً إلى قولهم إن رسول الله افترى ما جاء به ، وفي ذلك من التوبيخ والتقريع ما لا يخفى ، ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عنهم فقال { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِى مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي قل إن افتريته على سبيل الفرض والتقدير ، كما تدّعون ، فلا تقدرون على أن تردّوا عني عقاب الله ، فكيف أفتري عل الله لأجلكم ، وأنتم لا تقدرون على دفع عقابه عني ؟ { هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ } أي تخوضون فيه من التكذيب ، والإفاضة في الشيء الخوض فيه ، والاندفاع فيه ، يقال أفاضوا في الحديث ، أي اندفعوا فيه ، وأفاض البعير إذا دفع جرّته من كرشه ، والمعنى الله أعلم بما تقولون في القرآن ، وتخوضون فيه من التكذيب له ، والقول بأنه سحر وكهانة { كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ } فإنه يشهد لي بأن القرآن من عنده ، وأني قد بلغتكم ، ويشهد عليكم بالتكذيب والجحود ، وفي هذا وعيد شديد { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } لمن تاب وآمن ، وصدّق بالقرآن وعمل بما فيه ، أي كثير المغفرة والرحمة بليغهما . { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مّنَ ٱلرُّسُلِ } البدع من كلّ شيء المبدأ ، أي ما أنا بأوّل رسول ، قد بعث الله قبلي كثيراً من الرسل . قيل البدع بمعنى البديع كالخفّ والخفيف ، والبديع ما لم ير له مثل ، من الابتداع وهو الاختراع ، وشيء بدع بالكسر ، أي مبتدع ، وفلان بدع في هذا الأمر ، أي بديع كذا قال الأخفش ، وأنشد قطرب @ فما أنا بدع من حوادث تعتري رجالاً غدت من بعد بؤسي وأسعدا @@ وقرأ عكرمة ، وأبو حيوة ، وابن أبي عبلة بدعاً بفتح الدال على تقدير حذف المضاف ، أي ما كنت ذا بدع ، وقرأ مجاهد بفتح الباء ، وكسر الدال على الوصف { وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ } أي ما يفعل بي فيما يستقبل من الزمان هل أبقى في مكة ، أو أخرج منها ؟ وهل أموت أو أقتل ؟ وهل تعجل لكم العقوبة أم تمهلون ؟ وهذا إنما هو في الدنيا . وأما في الآخرة ، فقد علم أنه وأمته في الجنة ، وأن الكافرين في النار . وقيل إن المعنى ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة ، وإنها لما نزلت فرح المشركون ، وقالوا كيف نتبع نبياً لا يدري ما يفعل به ولا بنا ، وأنه لا فضل له علينا ؟ فنزل قوله تعالى { لّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } الفتح 2 والأوّل أولى { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَىَّ } قرأ الجمهور { يوحى } مبنياً للمفعول ، أي ما أتبع إلاّ القرآن ، ولا أبتدع من عندي شيئًا ، والمعنى قصر أفعاله صلى الله عليه وسلم على الوحي لا قصر اتباعه على الوحي { وَمَا أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي أنذركم عقاب الله ، وأخوّفكم عذابه على وجه الإيضاح . وقد أخرج أحمد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمٰن ، عن ابن عباس { أَوْ أَثَـٰرَةٍ مّنْ عِلْمٍ } قال الخط . قال سفيان لا أعلم إلاّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يعني أن الحديث مرفوع لا موقوف على ابن عباس . وأخرج عبد بن حميد ، وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان نبيّ من الأنبياء يخط ، فمن صادف مثل خطه علم " ومعنى هذا ثابت في الصحيح ، ولأهل العلم فيه تفاسير مختلفة . ومن أين لنا أن هذه الخطوط الرملية موافقة لذلك الخط ؟ وأين السند الصحيح إلى ذلك النبيّ ؟ أو إلى نبينا صلى الله عليه وسلم أن هذا الخط هو على صورة كذا ، فليس ما يفعله أهل الرمل إلاّ جهالات وضلالات . وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم " { أَوْ أَثَـٰرَةٍ مّنْ عِلْمٍ } قال حسن الخط " وأخرج الطبراني في الأوسط ، والحاكم من طريق الشعبي ، عن ابن عباس { أَوْ أَثَـٰرَةٍ مّنْ عِلْمٍ } قال خط كان يخطه العرب في الأرض . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { أَوْ أَثَـٰرَةٍ مّنْ عِلْمٍ } يقول بينة من الأمر . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عنه في قوله { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مّنَ ٱلرُّسُلِ } يقول لست بأوّل الرسل { وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ } فأنزل الله بعد هذا { لّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } الفتح 2 وقوله { لّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ جَنَّـٰتٍ } الآية الفتح 5 ، فأعلم سبحانه نبيه ما يفعل به ، وبالمؤمنين جميعاً . وأخرج أبو داود في ناسخه عنه أيضاً أن هذه الآية منسوخة بقوله { لّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ } وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث أمّ العلاء قالت لما مات عثمان بن مظعون قلت رحمك الله أبا السائب شهادتي عليك لقد أكرمك الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وما يدريك أن الله أكرمه ؟ أما هو فقد جاءه اليقين من ربه ، وإني لأرجو له الخير ، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم » ، قالت أمّ العلاء فوالله لا أزكي بعده أحداً " .