Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 10-16)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { قُلْ أَرَءيْتُمْ } أي أخبروني { إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } يعني ما يوحى إليه من القرآن ، وقيل المراد محمد صلى الله عليه وسلم ، والمعنى إن كان مرسلاً من عند غير الله ، وقوله { وَكَفَرْتُمْ بِهِ } في محل نصب على الحال بتقدير قد ، وكذلك قوله { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ } والمعنى أخبروني إن كان ذلك في الحقيقة من عند الله والحال أنكم قد كفرتم به ، وشهد شاهد من بني إسرائيل العالمين بما أنزل الله في التوراة على مثله ، أي القرآن من المعاني الموجودة في التوراة ، المطابقة له من إثبات التوحيد ، والبعث والنشور وغير ذلك ، وهذه المثلية هي باعتبار تطابق المعاني ، وإن اختلفت الألفاظ . وقال الجرجاني مثل صلة ، والمعنى وشهد شاهد عليه أنه من عند الله ، وكذا قال الواحدي ، { فَـئَامَنَ } الشاهد بالقرآن لما تبين له أنه من كلام الله ، ومن جنس ما ينزله على رسله ، وهذا الشاهد من بني إسرائيل هو عبد الله بن سلام ، كما قال الحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، وعكرمة وغيرهم ، وفي هذا نظر فإن السورة مكية بالإجماع ، وعبد الله بن سلام كان إسلامه بعد الهجرة ، فيكون المراد بالشاهد رجلاً من أهل الكتاب قد آمن بالقرآن في مكة وصدقه ، واختار هذا ابن جرير ، وسيأتي في آخر البحث ما يترجح به أنه عبد الله بن سلام ، وأن هذه الآية مدنية لا مكية . وروي عن مسروق أن المراد بالرجل موسى عليه السلام ، وقوله { وَٱسْتَكْبَرْتُمْ } معطوف على شهد ، أي آمن الشاهد ، واستكبرتم أنتم عن الإيمان { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } فحرمهم الله سبحانه الهداية لظلمهم لأنفسهم بالكفر بعد قيام الحجة الظاهرة على وجوب الإيمان ، ومن فقد هداية الله له ضلّ . وقد اختلف في جواب الشرط ماذا هو ؟ فقال الزجاج محذوف ، تقديره أتؤمنون ، وقيل قوله { فآمن واستكبرتم } وقيل محذوف ، تقديره فقد ظلمتم لدلالة { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } عليه ، وقيل تقديره فمن أضلّ منكم ، كما في قوله { أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أضل } الآية فصلت 52 . وقال أبو علي الفارسي تقديره أتأمنون عقوبة الله ؟ وقيل التقدير ألستم ظالمين ؟ ثم ذكر سبحانه نوعاً آخر من أقاويلهم الباطلة فقال { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي لأجلهم ، ويجوز أن تكون هذه اللام هي لام التبليغ { لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } أي لو كان ما جاء به محمد من القرآن والنبوّة خيراً ما سبقونا إليه لأنهم عند أنفسهم المستحقون للسبق إلى كل مكرمة ، ولم يعلموا أن الله سبحانه يختصّ برحمته من يشاء ، ويعزّ من يشاء ، ويذلّ من يشاء ، ويصطفي لدينه من يشاء { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ } أي بالقرآن ، وقيل بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل بالإيمان { فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ } ، فجاوزوا نفي خيرية القرآن إلى دعوى أنه كذب قديم ، كما قالوا أساطير الأوّلين ، والعامل في " إذ " مقدّر ، أي ظهر عنادهم ، ولا يجوز أن يعمل فيه { فَسَيَقُولُونَ } لتضادّ الزمانين ، أعني المضيّ والاستقبال ولأجل الفاء أيضاً ، وقيل إن العامل فيه فعل مقدّر من جنس المذكور ، أي لم يهتدوا به ، وإذ لم يهتدوا به فسيقولون { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ } قرأ الجمهور بكسر الميم من من على أنها حرف جرّ ، وهي مع مجرورها خبر مقدّم ، وكتاب موسى مبتدأ مؤخر ، والجملة في محل نصب على الحال ، أو هي مستأنفة ، والكلام مسوق لردّ قولهم { هَـٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ } فإن كونه قد تقدّم القرآن كتاب موسى ، وهو التوراة وتوافقا في أصول الشرائع يدلّ على أنه حقّ ، وأنه من عند الله ، ويقتضي بطلان قولهم . وقرىء بفتح ميم " من " على أنها موصولة ونصب كتاب ، أي وآتينا من قبله كتاب موسى ، ورويت هذه القراءة عن الكلبي { إَمَامًا وَرَحْمَةً } أي يقتدى به في الدين ، ورحمة من الله لمن آمن به ، وهما منتصبان على الحال ، قاله الزجاج وغيره . وقال الأخفش على القطع ، وقال أبو عبيدة أي جعلناه إماماً ورحمة { وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ مُّصَدّقٌ } يعني القرآن فإنه مصدّق لكتاب موسى الذي هو إمام ورحمة ، ولغيره من كتب الله ، وقيل مصدّق للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وانتصاب { لّسَاناً عَرَبِيّاً } على الحال الموطئة ، وصاحبها الضمير في مصدّق العائد إلى كتاب ، وجوّز أبو البقاء أن يكون مفعولاً لمصدّق ، والأوّل أولى ، وقيل هو على حذف مضاف أي ذا لسان عربيّ ، وهو النبيّ صلى الله عليه وسلم { لّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } قرأ الجمهور { لينذر } بالتحتية على أن فاعله ضمير يرجع إلى الكتاب أي لينذر الكتاب ، الذين ظلموا ، وقيل الضمير راجع إلى الله ، وقيل إلى الرسول ، والأوّل أولى . وقرأ نافع ، وابن عامر ، والبزي بالفوقية على أن فاعله النبي صلى الله عليه وسلم ، واختار هذه القراءة أبو حاتم ، وأبو عبيد ، وقوله { وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ } في محل نصب عطفاً على محل { لينذر } . وقال الزجاج الأجود أن يكون في محل رفع أي وهو بشرى ، وقيل على المصدرية لفعل محذوف ، أي وتبشر بشرى ، وقوله { لّلْمُحْسِنِينَ } متعلق ببشرى { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ } أي جمعوا بين التوحيد والاستقامة على الشريعة ، وقد تقدّم تفسير هذا في سورة السجدة { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } الفاء زائدة في خبر الموصول لما فيه من معنى الشرط { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } المعنى أنهم لا يخافون من وقوع مكروه بهم ، ولا يحزنون من فوات محبوب ، وأن ذلك مستمر دائم . { أُوْلَـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ } أي أولئك الموصوفون بما ذكر أصحاب الجنة التي هي دار المؤمنين حال كونهم { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } ، وفي هذه الآية من الترغيب أمر عظيم ، فإن نفي الخوف والحزن على الدوام ، والاستقرار في الجنة على الأبد ، مما لا تطلب الأنفس سواه ، ولا تتشوّف إلى ما عداه { جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي يجزون جزاء بسبب أعمالهم التي عملوها من الطاعات لله ، وترك معاصيه . { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } قرأ الجمهور { حسناً } بضم الحاء ، وسكون السين . وقرأ عليّ ، والسلمي بفتحهما ، وقرأ ابن عباس ، والكوفيون { إحساناً } وقد تقدّم في سورة العنكبوت { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } العنكبوت 8 من غير اختلاف بين القراء ، وتقدّم في سورة الأنعام ، وسورة بني إسرائيل { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } الإسراء 23 ، الأنعام 151 فلعل هذا هو وجه اختلاف القراء في هذه الآية ، وعلى جميع هذه القراءات ، فانتصابه على المصدرية ، أي وصيناه أن يحسن إليهما حسناً ، أو إحساناً ، وقيل على أنه مفعول به بتضمين وصينا معنى ألزمنا ، وقيل على أنه مفعول له { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } قرأ الجمهور { كرها } في الموضعين بضم الكاف . وقرأ أبو عمرو ، وأهل الحجاز بفتحهما . قال الكسائي وهما لغتان بمعنى واحد . قال أبو حاتم الكره بالفتح لا يحسن لأنه الغضب والغلبة ، واختار أبو عبيد قراءة الفتح قال لأن لفظ الكره في القرآن كله بالفتح إلاّ التي في سورة البقرة { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ } البقرة 216 وقيل إن الكره بالضم ما حمل الإنسان على نفسه ، وبالفتح ما حمل على غيره . وإنما ذكر سبحانه حمل الأمّ ووضعها تأكيداً لوجوب الإحسان إليها الذي وصى الله به ، والمعنى أنها حملته ذات كره ، ووضعته ذات كره ، ثم بيّن سبحانه مدّة حمله وفصاله فقال { وَحَمْلُهُ وَفِصَـٰلُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } أي مدتهما هذه المدّة من عند ابتداء حمله إلى أن يفصل من الرضاع ، أي يفطم عنه . وقد استدلّ بهذه الآية على أن أقلّ الحمل ستة أشهر لأن مدّة الرضاع سنتان ، أي مدّة الرضاع الكامل ، كما في قوله { حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } البقرة 233 فذكر سبحانه في هذه الآية أقل مدّة الحمل ، وأكثر مدّة الرضاع . وفي هذه الآية إشارة إلى أن حق الأم آكد من حق الأب لأنها حملته بمشقة ، ووضعته بمشقة ، وأرضعته هذه المدّة بتعب ونصب ، ولم يشاركها الأب في شيء من ذلك . قرأ الجمهور { وفصاله } بالألف ، وقرأ الحسن ، ويعقوب ، وقتادة ، والجحدري وفصله بفتح الفاء ، وسكون الصاد بغير ألف ، والفصل والفصال بمعنى كالفطم والفطام ، والقطف والقطاف { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } أي بلغ استحكام قوّته وعقله ، وقد مضى تحقيق الأشد مستوفى ، ولا بدّ من تقدير جملة تكون حتى غاية لها ، أي عاش واستمرّت حياته حتى بلغ أشدّه ، قيل بلغ عمره ثماني عشرة سنة ، وقيل الأشد الحلم قاله الشعبي ، وابن زيد . وقال الحسن هو بلوغ الأربعين ، والأوّل أولى لقوله { وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } ، فإن هذا يفيد أن بلوغ الأربعين هو شيء وراء بلوغ الأشد . قال المفسرون لم يبعث الله نبياً قط إلاّ بعد أربعين سنة { قَالَ رَبّ أَوْزِعْنِى } أي ألهمني . قال الجوهري استوزعت الله فأوزعني ، أي استلهمته فألهمني { أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وَالِدَىَّ } أي ألهمني شكر ما أنعمت به عليّ من الهداية ، وعلى والديّ من التحنن عليّ منهما حين ربياني صغيراً . وقيل أنعمت عليّ بالصحة والعافية ، وعلى والديّ بالغنى والثروة ، والأولى عدم تقييد النعمة عليه ، وعلى أبويه بنعمة مخصوصة { وَأَنْ أَعْمَلَ صَـٰلِحاً تَرْضَـٰهُ } أي وألهمني أن أعمل عملاً صالحاً ترضاه مني { وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرّيَّتِى } أي اجعل ذرّيتي صالحين راسخين في الصلاح متمكنين منه . وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي لمن بلغ عمره أربعين سنة أن يستكثر من هذه الدعوات ، وقد روي أنها نزلت في أبي بكر ، كما سيأتي في آخر البحث { إِنّى تُبْتُ إِلَيْكَ } من ذنوبي { وَإِنّى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } أي المستسلمين لك المنقادين لطاعتك المخلصين لتوحيدك . والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إلى الإنسان المذكور ، والجمع لأنه يراد به الجنس ، وهو مبتدأ ، وخبره { ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ } من أعمال الخير في الدنيا ، والمراد بالأحسن الحسن ، كقوله { وَٱتَّبِعُـواْ أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم } الزمر 55 وقيل إن اسم التفضيل على معناه ، ويراد به ما يثاب العبد عليه من الأعمال ، لاما لا يثاب عليه كالمباح فإنه حسن ، وليس بأحسن { وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيْئَـٰتِهِمْ } فلا نعاقبهم عليها . قرأ الجمهور يتقبل ، ويتجاوز على بناء الفعلين للمفعول ، وقرأ حمزة ، والكسائي بالنون فيهما على إسنادهما إلى الله سبحانه ، والتجاوز الغفران ، وأصله من جزت الشئ إذا لم تقف عليه ، ومعنى { فِى أَصْحَـٰبِ ٱلْجَنَّةِ } أنهم كائنون في عدادهم منتظمون في سلكهم ، فالجارّ والمجرور في محل النصب على الحال كقولك أكرمني الأمير في أصحابه أي كائناً في جملتهم ، وقيل إن " في " بمعنى " مع " أي مع أصحاب الجنة ، وقيل إنهما خبر مبتدأ محذوف أي هم في أصحاب الجنة { وَعْدَ ٱلصّدْقِ ٱلَّذِى كَانُواْ يُوعَدُونَ } وعد الصدق مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة لأن قوله { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ } إلخ في معنى الوعد بالتقبل والتجاوز ، ويجوز أن يكون مصدراً لفعل محذوف ، أي وعدهم الله وعد الصدق الذي كانوا يوعدون به على ألسن الرسل في الدنيا . وقد أخرج أبو يعلى ، وابن جرير ، والطبراني ، والحاكم وصححه عن عوف بن مالك الأشجعي انطلق النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم ، فكرهوا دخولنا عليهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا معشر اليهود ، أروني اثني عشر رجلاً منكم يشهدون أن لا إلٰه إلاّ الله ، وأن محمداً رسول الله ، يحطّ الله تعالى عن كل يهوديّ تحت أديم السماء الغضب الذي عليه " ، فسكتوا ، فما أجابه منهم أحد ، ثم ردّ عليهم فلم يجبه أحد ثلاثاً ، فقال " أبيتم فوالله لأنا الحاشر ، وأنا العاقب ، وأنا المقفى آمنتم أو كذبتم " ، ثم انصرف وأنا معه حتى كدنا أن نخرج ، فإذا رجل من خلفه ، فقال كما أنت يا محمد فأقبل ، فقال ذلك الرجل أيّ رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود ، فقالوا والله ما نعلم فينا رجلاً أعلم بكتاب الله ، ولا أفقه منك ولا من أبيك ولا من جدّك ، قال فإني أشهد بالله أنه النبيّ الذي تجدونه مكتوباً في التوراة والإنجيل ، قالوا كذبت ، ثم ردّوا عليه وقالوا شراً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كذبتم لن يقبل منكم قولكم " ، فخرجنا ونحن ثلاثة رسول الله وأنا وابن سلام ، فأنزل الله { قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } إلى قوله { لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } وصححه السيوطي . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص قال ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض " إنه من أهل الجنة " إلاّ لعبد الله بن سلام ، وفيه نزلت { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ } وأخرج الترمذي وابن جرير وابن مردويه عن عبد الله بن سلام قال نزل فيّ آيات من كتاب الله نزلت فيّ { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إِسْرٰءيلَ } ، ونزل فيّ { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَـٰبِ } الرعد 43 . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إِسْرٰءيلَ } قال عبد الله بن سلام . وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين . وفيه دليل على أن هذه الآية مدنية ، فيخصص بها عموم قولهم إن سورة الأحقاف كلها مكية . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال قال ناس من المشركين نحن أعزّ ونحن ونحن ، فلو كان خيراً ما سبقنا إليه فلان وفلان ، فنزل { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } . وأخرج ابن المنذر عن عون بن أبي شداد قال كانت لعمر بن الخطاب أمة أسلمت قبله يقال لها زنيرة ، وكان عمر يضربها على الإسلام ، وكان كفار قريش يقولون لو كان خيراً ما سبقتنا إليه زنيرة ، فأنزل الله في شأنها { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الآية . وأخرج الطبراني عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بنو غفار وأسلم كانوا لكثير من الناس فتنة ، يقولون لو كان خيراً ما جعلهم الله أوّل الناس فيه " . وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال نزل قوله { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَـٰنَ بِوٰلِدَيْهِ } الآية إلى قوله { وَعْدَ ٱلصّدْقِ ٱلَّذِى كَانُواْ يُوعَدُونَ } في أبي بكر الصديق . وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن نافع بن جبير أن ابن عباس أخبره قال إني لصاحب المرأة التي أتى بها عمر وضعت لستة أشهر فأنكر الناس ذلك ، فقلت لعمر لم تظلم ؟ قال كيف ؟ قلت اقرأ { وَحَمْلُهُ وَفِصَـٰلُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } { وَٱلْوٰلِدٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَـٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } البقرة 233 كم الحول ؟ قال سنة ، قلت كم السنة ؟ قال اثنا عشر شهراً ، قلت فأربعة وعشرون شهراً حولان كاملان ويؤخر الله من الحمل ما شاء ، ويقدّم ما شاء ، فاستراح عمر إلى قولي . وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أنه كان يقول إذا ولدت المرأة لتسعة أشهر كفاها من الرضاع أحد وعشرون شهراً ، وإذا ولدت لسبعة أشهر كفاها من الرضاع ثلاثة وعشرون شهراً ، وإذا وضعت لستة أشهر ، فحولان كاملان ، لأن الله يقول { وَحَمْلُهُ وَفِصَـٰلُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } . وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً قال أنزلت هذه الآية في أبي بكر الصدّيق { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبّ أَوْزِعْنِى } الآية ، فاستجاب الله له ، فأسلم والداه جميعاً وإخوته ، وولده كلهم ، ونزلت فيه أيضاً { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } إلى آخر السورة .