Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 1-12)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } هم كفار قريش كفروا بالله ، وصدّوا أنفسهم وغيرهم عن سبيل الله ، وهو دين الإسلام بنهيهم عن الدخول فيه ، كذا قال مجاهد ، والسديّ . وقال الضحاك معنى { عن سبيل الله } عن بيت الله بمنع قاصديه . وقيل هم أهل الكتاب ، والموصول مبتدأ ، وخبره { أَضَلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ } أي أبطلها وجعلها ضائعة . قال الضحاك معنى { أَضَلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ } أبطل كيدهم ومكرهم بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وجعل الدائرة عليهم في كفرهم . وقيل أبطل ما عملوه في الكفر مما كانوا يسمونه مكارم أخلاق من صلة الأرحام ، وفكّ الأسارى وقري الأضياف ، وهذه وإن كانت باطلة من أصلها ، لكن المعنى أنه سبحانه حكم ببطلانها . ولما ذكر فريق الكافرين أتبعهم بذكر فريق المؤمنين ، فقال { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَءامَنُواْ بِمَا نُزّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ } ظاهر هذا العموم ، فيدخل تحته كل مؤمن من المؤمنين الذين يعملون الصالحات ، ولا يمنع من ذلك خصوص سببها فقد قيل إنها نزلت في الأنصار ، وقيل في ناس من قريش ، وقيل في مؤمني أهل الكتاب ، ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وخص سبحانه الإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بالذكر مع اندراجه تحت مطلق الإيمان المذكور قبله تنبيهاً على شرفه وعلوّ مكانه ، وجملة { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّهِمْ } معترضة بين المبتدأ ، وهو قوله { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } ، وبين خبره ، وهو قوله { كَفَّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم } ومعنى كونه الحق أنه الناسخ لما قبله ، وقوله { مّن رَّبّهِم } في محل نصب على الحال ، ومعنى { كَفَّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم } أي السيئات التي عملوها فيما مضى فإنه غفرها لهم بالإيمان ، والعمل الصالح { سَيّئَـٰتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } أي شأنهم وحالهم . قال مجاهد شأنهم ، وقال قتادة حالهم . وقيل أمرهم ، والمعاني متقاربة . قال المبرد البال الحال ها هنا . قيل والمعنى أنه عصمهم عن المعاصي في حياتهم ، وأرشدهم إلى أعمال الخير ، وليس المراد إصلاح حال دنياهم من إعطائهم المال ، ونحو ذلك ، وقال النقاش إن المعنى أصلح نياتهم ، ومنه قول الشاعر @ فإن تقبلي بالودّ أقبل بمثله وإن تدبري أذهب إلى حال باليا @@ والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما مرّ مما أوعد به الكفار ، ووعد به المؤمنين ، وهو مبتدأ خبره ما بعده ، وقيل إنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك بسبب إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَـٰطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبّهِمْ ، فالباطل الشرك ، والحق التوحيد والإيمان ، والمعنى أن ذلك الإضلال لأعمال الكافرين بسبب اتباعهم الباطل من الشرك بالله والعمل بمعاصيه ، وذلك التكفير لسيئات المؤمنين وإصلاح بالهم ، بسبب اتباعهم للحقّ الذي أمر الله باتباعه من التوحيد والإيمان ، وعمل الطاعات { كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَـٰلَهُمْ } أي مثل ذلك الضرب يبين للناس أمثالهم ، أي أحوال الفريقين الجارية مجرى الأمثال في الغرابة . قال الزجاج { كذلك يضرب } يبين الله للناس أمثال حسنات المؤمنين ، وإضلال أعمال الكافرين ، يعني أن من كان كافراً أضلّ الله عمله ، ومن كان مؤمناً كفر الله سيئاته . { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرّقَابِ } لما بيّن سبحانه حال الفريقين أمر بجهاد الكفار ، والمراد بالذين كفروا المشركين ومن لم يكن صاحب عهد من أهل الكتاب ، وانتصاب { ضرب } على أنه مصدر لفعل محذوف . قال الزجاج أي فاضربوا الرقاب ضرباً ، وخصّ الرقاب بالذكر لأن القتل أكثر ما يكون بقطعها ، وقيل هو منصوب على الإغراء . قال أبو عبيدة هو كقولهم يا نفس صبراً ، وقيل التقدير اقصدوا ضرب الرقاب . وقيل إنما خصّ ضرب الرقاب لأن في التعبير عنه من الغلظة والشدّة ما ليس في نفس القتل ، وهي حزّ العنق ، وإطارة العضو الذي هو رأس البدن ، علوّه وأحسن أعضائه { حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ } أي بالغتم في قتلهم ، وأكثرتم القتل فيهم ، وهذه غاية للأمر بضرب الرقاب ، لا لبيان غاية القتل ، وهو مأخوذ من الشيء الثخين ، أي الغليظ ، وقد مضى تحقيق معناه في سورة الأنفال { فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } الوثاق بالفتح ويجيء بالكسر اسم الشيء الذي يوثق به كالرباط . قال الجوهري وأوثقه في الوثاق أي شدّه ، قال والوثاق بكسر الواو لغة فيه . قرأ الجمهور { فشدّوا } بضم الشين ، وقرأ السلمي بكسرها . وإنما أمر سبحانه بشدّ الوثاق لئلا ينفلتوا ، والمعنى إذا بالغتم في قتلهم فأسروهم ، وأحيطوهم بالوثاق { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء } أي فإما أن تمنوا عليهم بعد الأسر منا ، أو تفدوا فداء ، والمنّ الإطلاق بغير عوض ، والفداء ما يفدي به الأسير نفسه من الأسر ، ولم يذكر القتل هنا اكتفاءً بما تقدّم . قرأ الجمهور { فداءً } بالمد . وقرأ ابن كثير فدى بالقصر ، وإنما قدّم المنّ على الفداء ، لأنه من مكارم الأخلاق ، ولهذا كانت العرب تفتخر به ، كما قال شاعرهم @ ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم إذا أثقل الأعناق حمل المغارم @@ ثم ذكر سبحانه الغاية لذلك ، فقال { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } أوزار الحرب التي لا تقوم إلاّ بها من السلاح والكراع ، أسند الوضع إليها ، وهو لأهلها على طريق المجاز ، والمعنى أن المسلمين مخيرون بين تلك الأمور إلى غاية هي أن لا يكون حرب مع الكفار . قال مجاهد المعنى حتى لا يكون دين غير دين الإسلام ، وبه قال الحسن ، والكلبي . قال الكسائي حتى يسلم الخلق . قال الفراء حتى يؤمنوا ويذهب الكفر . وقيل المعنى حتى يضع الأعداء المحاربون أوزارهم ، وهو سلاحهم بالهزيمة ، أو الموادعة . وروي عن الحسن ، وعطاء أنهما قالا في الآية تقديم وتأخير ، والمعنى فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها ، فإذا أثخنتموهم ، فشدّوا الوثاق . وقد اختلف العلماء في هذه الآية هل هي محكمة ، أو منسوخة ؟ فقيل إنها منسوخة في أهل الأوثان ، وإنه لا يجوز أن يفادوا ، ولا يمنّ عليهم ، والناسخ لها قوله { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } التوبة 5 ، وقوله { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى ٱلْحَرْبِ فَشَرّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ } الأنفال 57 ، وقوله { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً } التوبة 36 وبهذا قال قتادة ، والضحاك ، والسديّ ، وابن جريج ، وكثير من الكوفيين ، قالوا والمائدة آخر ما نزل ، فوجب أن يقتل كل مشرك إلاّ من قامت الدلالة على تركه من النساء والصبيان ، ومن تؤخذ منه الجزية ، وهذا هو المشهور من مذهب أبي حنيفة ، وقيل إن هذه الآية ناسخة لقوله { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } التوبة 5 روي ذلك عن عطاء وغيره . وقال كثير من العلماء إن الآية محكمة ، والإمام مخيّر بين القتل والأسر ، وبعد الأسر مخير بين المنّ والفداء . وبه قال مالك ، والشافعي ، والثوري ، والأوزاعي ، وأبو عبيد وغيرهم . وهذا هو الراجح لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، والخلفاء الراشدين من بعده فعلوا ذلك . وقال سعيد بن جبير لا يكون فداء ولا أسر إلاّ بعد الإثخان والقتل بالسيف لقوله { مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأرْضِ } الأنفال 67 فإذا أسر بعد ذلك ، فللإمام أن يحكم بما رآه من قتل أو غيره . { ذٰلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ } محل ذلك الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي الأمر ذلك ، وقيل في محل نصب على المفعولية بتقدير فعل ، أي افعلوا ذلك ، ويجوز أن يكون مبتدأ ، وخبره محذوف يدلّ عليه ما تقدّم ، أي ذلك حكم الكفار ، ومعنى { لَّوْ يَشَاء ٱللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ } ، أي قادر على الانتصار منهم بالانتقام منهم وإهلاكهم ، وتعذيبهم بما شاء من أنواع العذاب { وَلَـٰكِنِ } أمركم بحربهم { لّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } أي ليختبر بعضكم ببعض ، فيعلم المجاهدين في سبيله ، والصابرين على ابتلائه ويجزل ثوابهم ، ويعذب الكفار بأيديهم . { وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } قرأ الجمهور { قاتلوا } مبنياً للفاعل ، وقرأ أبو عمرو ، وحفص { قتلوا } مبنياً للمفعول ، وقرأ الحسن بالتشديد مبنياً للمفعول أيضاً . وقرأ الجحدري ، وعيسى بن عمر ، وأبو حيوة { قتلوا } على البناء للفاعل مع التخفيف من غير ألف ، والمعنى على القراءة الأولى ، والرابعة أن المجاهدين في سبيل الله ثوابهم غير ضائع ، وعلى القراءة الثانية والثالثة أن المقتولين في سبيل الله كذلك لا يضيع الله سبحانه أجرهم . قال قتادة ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد . ثم ذكر سبحانه ما لهم عنده من جزيل الثواب فقال { سَيَهْدِيهِمْ } أي سيهديهم الله سبحانه إلى الرشد في الدنيا ، ويعطيهم الثواب في الآخرة { وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } أي حالهم وشأنهم وأمرهم . قال أبو العالية قد ترد الهداية ، والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان ، والطريق المفضية إليها ، وقال ابن زياد يهديهم إلى محاجة منكر ونكير { وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } أي بيّنها لهم حتى عرفوها من غير استدلال ، وذلك أنهم إذا دخلوا الجنة تفرّقوا إلى منازلهم . قال الواحدي هذا قول عامة المفسرين . وقال الحسن وصف الله لهم الجنة في الدنيا ، فلما دخلوها عرفوها بصفتها . وقيل فيه حذف ، أي عرفوا طرقها ومساكنها وبيوتها . وقيل هذا التعريف بدليل يدلهم عليها ، وهو الملك الموكل بالعبد يسير بين يديه حتى يدخله منزله ، كذا قال مقاتل . وقيل معنى { عَرَّفَهَا لَهُمْ } طيبها بأنواع الملاذّ ، مأخوذ من العرف ، وهو الرائحة . ثم وعدهم سبحانه على نصر دينه بقوله { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } أي إن تنصروا دين الله ينصركم على الكفار ، ويفتح لكم ، ومثله قوله { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } الحج 40 . قال قطرب إن تنصروا نبيّ الله ينصركم { وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ } أي عند القتال ، وتثبيت الأقدام عبارة عن النصر ، والمعونة في مواطن الحرب ، وقيل على الإسلام ، وقيل على الصراط { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ } الموصول في محل رفع على أنه مبتدأ ، وخبره محذوف ، تقديره فتعسوا بدليل ما بعده ، ودخلت الفاء تشبيهاً للمبتدأ بالشرط ، وانتصاب { تعساً } على المصدر للفعل المقدّر خبراً . قال الفراء مثل سقياً لهم ورعياً ، وأصل التعس الانحطاط والعثار . قال ابن السكيت التعس أن يجرّ على وجهه ، والنكس أن يجر على رأسه ، قال والتعس أيضاً الهلاك . قال الجوهري وأصله الكبّ ، وهو ضد الانتعاش ، ومنه قول مجمع بن هلال @ تقول وقد أفردتها من حليلها تعست كما أتعستني يا مجمع @@ قال المبرّد أي فمكروهاً لهم ، قال ابن جريج بعداً لهم ، وقال السديّ خزياً لهم . وقال ابن زيد شقاءً لهم ، وقال الحسن شتماً لهم . وقال ثعلب هلاكاً لهم ، وقال الضحاك خيبةً لهم ، وقيل قبحاً لهم ، حكاه النقاش . وقال الضحاك رغماً لهم . وقال ثعلب أيضاً شرًّا لهم . وقال أبو العالية شقوةً لهم . واللام في { لهم } للبيان ، كما في قوله { هَيْتَ لَكَ } يوسف 23 وقوله { وَأَضَلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ } معطوف على ما قبله داخل معه في خبرية الموصول . والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما تقدّم مما ذكره الله من التعس والإضلال ، أي الأمر ذلك ، أو ذلك الأمر { بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } على رسوله من القرآن ، أو ما أنزل على رسله من كتبه لاشتمالها على ما في القرآن من التوحيد والبعث { فَأَحْبَطَ } الله { أَعْمَـٰلَهُمْ } بذلك السبب ، والمراد بالأعمال ما كانوا عملوا من أعمال الخير في الصورة ، وإن كانت باطلة من الأصل لأن عمل الكافر لا يقبل قبل إسلامه . ثم خوّف سبحانه الكفار ، وأرشدهم إلى الاعتبار بحال من قبلهم ، فقال { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلأرْضِ } أي ألم يسيروا في أرض عاد ، وثمود ، وقوم لوط وغيرهم ليعتبروا { فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي آخر أمر الكافرين قبلهم ، فإن آثار العذاب في ديارهم باقية . ثم بيّن سبحانه ما صنع بمن قبلهم فقال { دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، والتدمير الإهلاك ، أي أهلكهم واستأصلهم ، يقال دمّره ودمر عليه بمعنى ، ثم توعد مشركي مكة فقال { وَلِلْكَـٰفِرِينَ أَمْثَـٰلُهَا } أي لهؤلاء الكافرين أمثال عاقبة من قبلهم من الأمم الكافرة . قال الزجاج ، وابن جرير الضمير في { أمثالها } يرجع إلى { عاقبة الذين من قبلهم } ، وإنما جمع لأن العواقب متعدّدة بحسب تعدّد الأمم المعذبة ، وقيل أمثال العقوبة ، وقيل الهلكة ، وقيل التدميرة ، والأوّل أولى لرجوع الضمير إلى ما هو مذكور قبله ، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما ذكر من أن للكافرين أمثالها { بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمنوا } أي بسبب أن الله ناصرهم ، { وَأَنَّ ٱلْكَـٰفِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } أي لا ناصر يدفع عنهم . وقرأ ابن مسعود ذٰلك بأن الله وليّ الذين آمنوا قال قتادة نزلت يوم أحد . { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جَنَـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـٰرُ } قد تقدّم تفسير الآية في غير موضع ، وتقدّم كيفية جري الأنهار من تحت الجنات ، والجملة مسوقة لبيان ولاية الله للمؤمنين { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأنْعَـٰمُ } أي يتمتعون بمتاع الدنيا وينتفعون به كأنهم أنعام ليس لهم همّة إلاّ بطونهم وفروجهم ، ساهون عن العاقبة لاهون بما هم فيه { وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } أي مقام يقيمون به ، ومنزل ينزلونه ويستقرّون فيه ، والجملة في محل نصب على الحال ، أو مستأنفة . وقد أخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال هم أهل مكة قريش نزلت فيهم { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } قال هم أهل المدينة الأنصار { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } قال أمرهم . وأخرج ابن المنذر عنه في قوله { أَضَلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ } قال كانت لهم أعمال فاضلة لا يقبل الله مع الكفر عملاً . وأخرج النحاس عنه أيضاً في قوله { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء } قال فجعل الله النبيّ والمؤمنين بالخيار في الأسارى ، إن شاءوا قتلوهم ، وإن شاءوا استعبدوهم ، وإن شاءوا فادوهم . وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال هذا منسوخ نسختها { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ } التوبة 5 . وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عن الحسن قال أتى الحجاج بأسارى ، فدفع إلى ابن عمر رجلاً يقتله ، فقال ابن عمر ليس بهذا أمرنا إنما قال الله { حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء } . وأخرج عبد الرزاق في المصنف ، وابن المنذر ، وابن مردويه عن ليث قال قلت لمجاهد بلغني أن ابن عباس قال لا يحلّ قتل الأسارى لأن الله قال { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء } فقال مجاهد لا تعبأ بهذا شيئًا أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلهم ينكر هذا ، ويقول هذه منسوخة إنما كانت في الهدنة التي كانت بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وبين المشركين ، فأما اليوم فلا ، يقول الله { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } التوبة 5 ويقول { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرّقَابِ } فإن كان من مشركي العرب لم يقبل شيء منهم إلاّ الإسلام ، فإن لم يسلموا فالقتل ، وأما من سواهم فإنهم إذا أسروا ، فالمسلمون فيهم بالخيار إن شاءوا قتلوهم ، وإن شاءوا استحيوهم ، وإن شاءوا فادوهم إذا لم يتحوّلوا عن دينهم ، فإن أظهروا الإسلام لم يفادوا . ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الصغير ، والمرأة ، والشيخ الفاني . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يوشك من عاش منكم أن يلقى عيسى ابن مريم إماماً مهدياً وحكماً عدلاً ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، وتوضع الجزية ، وتضع الحرب أوزارها " وأخرج ابن سعد ، وأحمد ، والنسائي ، والبغوي ، والطبراني ، وابن مردويه عن سلمة بن نفيل ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من حديث قال " لا تضع الحرب أوزارها حتى يخرج يأجوج ومأجوج " وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس { وَلِلْكَـٰفِرِينَ أَمْثَـٰلُهَا } قال لكفار قومك يا محمد مثل ما دمرت به القرى ، فأهلكوا بالسيف .