Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 25-29)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } يعني كفار مكة ، ومعنى صدّهم عن المسجد الحرام أنهم منعوهم أن يطوفوا به ، ويحلوا عن عمرتهم { وَٱلْهَدْىَ مَعْكُوفاً } قرأ الجمهور بنصب { الهدي } عطفاً على الضمير المنصوب في { صدّوكم } ، وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بالجرّ عطفاً على المسجد ، ولا بدّ من تقدير مضاف ، أي عن نحر الهدي ، وقرىء بالرفع على تقدير وصدّ الهدي ، وقرأ الجمهور بفتح الهاء من الهدي وسكون الدال ، وروي عن أبي عمرو ، وعاصم بكسر الدال وتشديد الياء ، وانتصاب { معكوفاً } على الحال من الهدي ، أي محبوساً . قال الجوهري عكفه أي حبسه ووقفه ، ومنه { وَٱلْهَدْىَ مَعْكُوفاً } ومنه الاعتكاف في المسجد ، وهو الاحتباس . وقال أبو عمرو بن العلاء معكوفاً مجموعاً ، وقوله { أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } أي عن أن يبلغ محله ، أو هو مفعول لأجله ، والمعنى صدّوا الهدي كراهة أن يبلغ محله ، أو هو بدل من الهدي بدل اشتمال ، ومحله منحره ، وهو حيث يحل نحره من الحرم ، وكان الهدي سبعين بدنة ، ورخّص الله سبحانه لهم بجعل ذلك الموضع الذي وصلوا إليه ، وهو الحديبية محلاً للنحر . وللعلماء في هذا كلام معروف في كتب الفروع { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَـٰتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ } يعني المستضعفين من المؤمنين بمكة ، ومعنى { لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ } لم تعرفوهم وقيل لم تعلموا أنهم مؤمنون { أَن تَطَئُوهُمْ } يجوز أن يكون بدلاً من رجال ونساء ، ولكنه غلب الذكور ، وأن يكون بدلاً من مفعول { تعلموهم } ، والمعنى أن تطئوهم بالقتل والإيقاع بهم ، يقال وطئت القوم ، أي أوقعت بهم ، وذلك أنهم لو كسبوا مكة ، وأخذوها عنوة بالسيف لم يتميز المؤمنون الذين هم فيها من الكفار ، وعند ذلك لا يأمنوا أن يقتلوا المؤمنين ، فتلزمهم الكفارة ، وتلحقهم سبة ، وهو معنى قوله { فَتُصِيبَكمْ مّنْهُمْ } أي من جهتهم ، و { مَّعَرَّةٌ } أي مشقة بما يلزمهم في قتلهم من كفارة وعيب ، وأصل المعرّة العيب ، مأخوذة من العرّ ، وهو الجرب ، وذلك أن المشركين سيقولون إن المسلمين قد قتلوا أهل دينهم . قال الزجاج لولا أن تقتلوا رجالاً مؤمنين ونساء مؤمنات ، فتصيبكم منهم معرّة أي إثم ، وكذا قال الجوهري ، وبه قال ابن زيد . وقال الكلبي ، ومقاتل ، وغيرهما المعرّة كفارة قتل الخطأ ، كما في قوله { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } النساء 92 وقال ابن إسحاق المعرّة غرم الدية . وقال قطرب المعرّة الشدّة ، وقيل الغمّ ، و { بِغَيْرِ عِلْمٍ } متعلق بأن تطئوهم ، أي غير عالمين ، وجواب " لولا " محذوف ، والتقدير لأذن الله لكم ، أو لما كفّ أيديكم عنهم ، واللام في { لّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِى رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء } متعلقة بما يدلّ عليه الجواب المقدّر ، أي ولكن لم يأذن لكم ، أو كف أيديكم ليدخل الله في رحمته بذلك من يشاء من عباده وهم المؤمنون والمؤمنات الذين كانوا في مكة ، فيتمم لهم أجورهم بإخراجهم من بين ظهراني الكفار ، ويفكّ أسرهم ، ويرفع ما كان ينزل بهم من العذاب . وقيل اللام متعلقة بمحذوف غير ما ذكر ، وتقديره لو قتلتموهم لأدخلهم الله في رحمته ، والأوّل أولى . وقيل إن { من يشاء } عباده ممن رغب في الإسلام من المشركين { لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } التّزيّل التميز ، أي لو تميز الذين آمنوا من الذين كفروا منهم لعذبنا الذين كفروا ، وقيل التّزيّل التفرق ، أي لو تفرّق هؤلاء من هؤلاء ، وقيل لو زال المؤمنون من بين أظهرهم ، والمعاني متقاربة ، والعذاب الأليم هو القتل والأسر والقهر ، والظرف في قوله { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } منصوب بفعل مقدّر ، أي اذكر وقت جعل الذين كفروا { فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } . وقيل متعلق بعذبنا ، والحميّة الأنفة ، يقال فلان ذو حميّة ، أي ذو أنفة وغضب ، أي جعلوها ثابتة راسخة في قلوبهم ، والجعل بمعنى الإلقاء ، وحميّة الجاهلية بدل من الحميّة . قال مقاتل بن سليمان ، ومقاتل بن حيان قال أهل مكة قد قتلوا أبناءنا ، وإخواننا ، ويدخلون علينا في منازلنا ، فتتحدّث العرب أنهم قد دخلوا علينا على رغم أنفنا ، واللات والعزّى لا يدخلونها علينا ، فهذه الحميّة هي حميّة الجاهلية التي دخلت قلوبهم . وقال الزهري حميّتهم أنفتهم من الإقرار للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة . قرأ الجمهور { لو تزيلوا } وقرأ ابن أبي عبلة ، وأبو حيوة ، وابن عون لو تزايلوا . والتزايل التباين { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي أنزل الطمأنينة والوقار على رسوله وعلى المؤمنين حيث لم يدخلهم ما دخل أهل الكفر من الحميّة ، وقيل ثبتهم على الرضى والتسليم { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } وهي « لا إلٰه إلاَّ الله » كذا قال الجمهور ، وزاد بعضهم « محمد رسول الله » وزاد بعضهم « وحده لا شريك له » . وقال الزهري هي { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } وذلك أن الكفار لم يقرّوا بها ، وامتنعوا من كتابتها في كتاب الصلح الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت ذلك في كتب الحديث والسير ، فخص الله بهذه الكلمة المؤمنين وألزمهم بها . والأوّل أولى لأن كلمة التوحيد هي التي يتقى بها الشرك بالله ، وقيل كلمة التقوى هي الوفاء بالعهد والثبات عليه { وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } أي وكان المؤمنون أحقّ بهذه الكلمة من الكفار والمستأهلين لها دونهم لأن الله سبحانه أهلهم لدينه ، وصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم . { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّؤْيَا بِٱلْحَقّ } قال الواحدي قال المفسرون إن الله سبحانه أرى نبيه في المدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية ، كأنه هو وأصحابه حلقوا وقصروا ، فأخبر بذلك أصحابه ، ففرحوا وحسبوا أنهم سيدخلون مكة عامهم ذلك ، فلما رجعوا من الحديبية ، ولم يدخلوا مكة قال المنافقون والله ما حلقنا ولا قصرنا ، ولا دخلنا المسجد الحرام ، فأنزل الله هذه الآية ، وقيل إن الرؤيا كانت بالحديبية ، وقوله { بِٱلْحَقّ } صفة لمصدر محذوف أي صدقاً ملتبساً بالحقّ ، وجواب القسم المحذوف المدلول عليه باللام الموطئة هو قوله { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } أي في العام القابل ، وقوله { إِن شَاء ٱللَّهُ } تعليق للعدة بالمشيئة لتعليم العباد لما يجب أن يقولوه ، كما في قوله { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْء إِنّى فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ } الكهف 23 ، 24 قال ثعلب إن الله استثنى فيما يعلم ليستثني الخلق فيما لا يعلمون . وقيل كان الله سبحانه علم أنه يموت بعض هؤلاء الذين كانوا معه في الحديبية ، فوقع الاستثناء لهذا المعنى ، قاله الحسن بن الفضل . وقيل معنى إن شاء الله كما شاء الله . وقال أبو عبيدة إن بمعنى إذ ، يعني إذ شاء الله حيث أرى رسوله ذلك ، وانتصاب { ءامِنِينَ } على الحال من فاعل لتدخلنّ ، وكذا { مُحَلّقِينَ رُءوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ } أي آمنين من العدوّ ، ومحلقاً بعضكم ومقصراً بعضكم ، والحلق والتقصير خاصّ بالرجال ، والحلق أفضل من التقصير ، كما يدلّ على ذلك الحديث الصحيح في استغفاره صلى الله عليه وسلم للمحلقين في المرة الأولى والثانية ، والقائل يقول له وللمقصرين ، فقال في الثالثة وللمقصرين ، وقوله { لاَ تَخَـٰفُونَ } في محل نصب على الحال أو مستأنف ، وفيه زيادة تأكيد لما قد فهم من قوله { ءامِنِينَ } ، { فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ } أي ما لم تعلموا من المصلحة في الصلح لما في دخولكم في عام الحديبية من الضرر على المستضعفين من المؤمنين ، وهو معطوف على صدق ، أي صدق رسوله الرؤيا ، فعلم ما لم تعلموا به { فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } أي فجعل من دون دخولكم مكة كما أرى رسوله ، فتحاً قريباً . قال أكثر المفسرين هو صلح الحديبية . وقال ابن زيد ، والضحاك فتح خيبر . وقال الزهري لا فتح في الإسلام كان أعظم من صلح الحديبية ، ولقد دخل في تلك السنتين في الإسلام مثل من كان قد دخل فيه قبل ذلك بل أكثر ، فإن المسلمين كانوا في سنة ستّ ، وهي سنة الحديبية ألفاً وأربعمائة وكانوا في سنة ثمان عشرة آلاف . { هُوَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ } أي إرسالاً ملتبساً بالهدى { وَدِينِ ٱلْحَقّ } وهو الإسلام { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ } أي يعليه على كل الأديان ، كما يفيده تأكيد الجنس ، وقيل ليظهر رسوله ، والأوّل أولى . وقد كان ذلك بحمد الله ، فإن دين الإسلام قد ظهر على جميع الأديان ، وانقهر له كل أهل الملل { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } الباء زائدة كما تقدّم في غير موضع ، أي كفى الله شهيداً على هذا الإظهار الذي وعد المسلمين به ، وعلى صحة نبوّة نبيه صلى الله عليه وسلم { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } محمد مبتدأ ، ورسول الله خبره ، أو هو خبر مبتدأ محذوف ، ورسول الله بدل منه ، وقيل محمد مبتدأ ، ورسول الله نعت له { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } معطوف على المبتدأ وما بعده الخبر ، والأوّل أولى ، والجملة مبينة لما هو من جملة المشهود به . { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } قيل هم أصحاب الحديبية ، والأولى الحمل على العموم { أَشِدَّاء عَلَى ٱلْكُفَّارِ } أي غلاظ عليهم ، كما يغلظ الأسد على فريسته ، وهو جمع شديد { رُحَمَاء بَيْنَهُمْ } أي متوادّون متعاطفون ، وهو جمع رحيم ، والمعنى أنهم يظهرون لمن خالف دينهم الشدّة والصلابة ، ولمن وافقه الرحمة والرأفة . قرأ الجمهور برفع { أشداء } ، و { رحماء } على أنه خبر للموصول ، أو خبر لمحمد ، وما عطف عليه ، كما تقدّم . وقرأ الحسن بنصبهما على الحال ، أو المدح ، ويكون الخبر على هذه القراءة { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } أي تشاهدهم حال كونهم راكعين ساجدين ، وعلى قراءة الجمهور هو خبر آخر ، أو اسئتناف أعني قوله { تَرَاهُمْ } { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } أي يطلبون ثواب الله لهم ورضاه عنهم ، وهذه الجملة خبر ثالث على قراءة الجمهور ، أو في محل نصب على الحال من ضمير تراهم ، وهكذا { سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } السيما العلامة ، وفيها لغتان المدّ والقصر ، أي تظهر علامتهم في جباههم من أثر السجود في الصلاة ، وكثرة التعبد بالليل والنهار . وقال الضحاك إذا سهر الرجل أصبح مصفراً ، فجعل هذا هو السيما . وقال الزهري مواضع السجود أشدّ وجوههم بياضاً يوم القيامة . وقال مجاهد هو الخشوع والتواضع ، وبالأوّل - أعني كونه ما يظهر في الجباه من كثرة السجود - قاله سعيد بن جبير ، ومالك . وقال ابن جريح هو الوقار . وقال الحسن إذا رأيتهم مرضى وما هم بمرضى ، وقيل هو البهاء في الوجه وظهور الأنوار عليه ، وبه قال سفيان الثوري ، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما تقدّم من هذه الصفات الجليلة ، وهو مبتدأ ، وخبره قوله { مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ } أي وصفهم الذي وصفوا به في التوراة ، ووصفهم الذي وصفوا به { فِى ٱلإنجِيلِ } وتكرير ذكر المثل لزيادة تقريره ، وللتنبيه على غرابته ، وأنه جار مجرى الأمثال في الغرابة { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } إلخ ، كلام مستأنف ، أي هم كزرع إلخ ، وقيل هو تفسير لذلك على أنه إشارة مبهمة لم يرد به ما تقدّم من الأوصاف ، وقيل هو خبر لقوله { وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلإنجِيلِ } أي ومثلهم في الإنجيل كزرع . قال الفراء فيه وجهان إن شئت قلت ذلك مثلهم في التوراة ، ومثلهم في الإنجيل يعني كمثلهم في القرآن ، فيكون الوقف على الإنجيل ، وإن شئت قلت ذلك مثلهم في التوراة ، ثم تبتدىء ومثلهم في الإنجيل كزرع . قرأ الجمهور { شطأه } بسكون الطاء ، وقرأ ابن كثير ، وابن ذكوان بفتحها ، وقرأ أنس ، ونصر بن عاصم ، ويحيـى بن وثاب { شطاه } كعصاه . وقرأه الجحدري ، وابن أبي إسحاق شطه بغير همزة ، وكلها لغات ، قال الأخفش والكسائي { شطأه } أي طرفه . قال الفراء شطأ الزرع فهو مشطىء إذا خرج . قال الزجاج { أَخْرَجَ شَطْأَهُ } أي نباته . وقال قطرب الشطأ سوى السنبل ، وروي عن الفراء أيضاً أنه قال هو السنبل ، وقال الجوهري شطأ الزرع والنبات ، والجمع أشطاء ، وقد أشطأ الزرع خرج شطؤه { فَآزَرَهُ } أي قوّاه وأعانه وشده ، قيل المعنى إن الشطأ قوّى الزرع ، وقيل إن الزرع قويّ الشطأ ، ومما يدلّ على أن الشطأ خروج النبات . قول الشاعر @ أخرج الشطأ على وجه الثرى ومن الأشجار أفنان الثمر @@ قرأ الجمهور { فآزره } بالمد . وقرأ ابن ذكوان ، وأبو حيوة ، وحميد بن قيس بالقصر ، وعلى قراءة الجمهور قول امرىء القيس @ بمحنية قد آزر الضالّ نبتها مجرّ جيوش غانمين وخيب @@ قال الفراء آزرت فلاناً آزره أزراً إذا قوّيته { فَٱسْتَغْلَظَ } أي صار ذلك الزرع غليظاً بعد أن كان دقيقاً { فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ } أي فاستقام على أعواده ، والسوق جمع ساق . وقرأ قنبل سؤقه بالهمزة الساكنة { يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ } أي يعجب هذا الزرع زارعه لقوّته وحسن منظره ، وهذا مثل ضربه الله سبحانه لأصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأنهم يكونون في الابتداء قليلاً ، ثم يزدادون ويكثرون ويقوون كالزرع ، فإنه يكون في الابتداء ضعيفاً ، ثم يقوى حالاً بعد حال حتى يغلظ ساقه . قال قتادة مثل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل ، أنه سيخرج من قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ثم ذكر سبحانه علة تكثيره لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم وتقويته لهم فقال { لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ } أي كثرهم وقوّاهم ، ليكونوا غيظاً للكافرين ، واللام متعلقة بمحذوف ، أي فعل ذلك ليغيظ { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } أي وعد سبحانه هؤلاء الذين مع محمد صلى الله عليه وسلم أن يغفر ذنوبهم ، ويجزل أجرهم بإدخالهم الجنة التي هي أكبر نعمة وأعظم منّة . وقد أخرج أحمد ، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال نحروا يوم الحديبية سبعين بدنة ، فلما صدّت عن البيت حنّت كما تحنّ إلى أولادها . وأخرج الحسن بن سفيان ، وأبو يعلى ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن قانع ، والباوردي ، والطبراني ، وابن مردويه . قال السيوطي بسند جيد عن أبي جمعة حنيذ بن سبع قال قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أوّل النهار كافراً ، وقابلت معه آخر النهار مسلماً وفينا نزلت { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَـٰتٌ } وكنا تسعة نفر سبعة رجال وامرأتان ، وفي رواية عند ابن أبي حاتم كنا ثلاثة رجال وتسع نسوة . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس { لَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَـٰتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ } قال حين ردّوا النبي صلى الله عليه وسلم { أَن تَطَئُوهُمْ } بقتلكم إياهم { لَوْ تَزَيَّلُواْ } يقول لو تزيّل الكفار من المؤمنين لعذبهم الله عذاباً أليماً بقتلكم إياهم . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن سهل بن حنيف أنه قال يوم صفين اتهموا أنفسكم ، فلقد رأيتنا يوم الحديبية ، يعني الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين المشركين ، ولو نرى قتالاً لقاتلنا ، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ألسنا على الحق ، وهم على الباطل ؟ أليس قتلانا في الجنة ، وقتلاهم في النار ؟ قال " بلى " . قال ففيم نعطي الدنية في ديننا ، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال " يا ابن الخطاب إني رسول الله ، ولن يضيعني الله أبداً " ، فرجع متغيظاً ، فلم يصبر حتى جاء أبا بكر ، فقال يا أبا بكر ألسنا على الحق ، وهم على الباطل ؟ قال بلى ، قال أليس قتلانا في الجنة ، وقتلاهم في النار ؟ قال بلى ، قال ففيم نعطي الدنية في ديننا ؟ قال يا ابن الخطاب إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولن يضيعه الله أبداً ، فنزلت سورة الفتح ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر ، فأقرأه إياها ، قال يا رسول الله أفتح هو ؟ قال " نعم " . وأخرج الترمذي ، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند ، وابن جرير ، والدارقطني في الأفراد ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أُبيّ بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } قال « لا إلٰه إلاّ الله » وفي إسناده الحسن بن قزعة ، قال الترمذي بعد إخراجه حديث غريب لا نعرفه إلاّ من حديثه ، وكذا قال أبو زرعة . وأخرج ابن مردويه عن سلمة بن الأكوع مرفوعاً مثله . وأخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن عليّ بن أبي طالب مثله من قوله . وأخرج أحمد ، وابن حبان ، والحاكم من قول عمر بن الخطاب نحوه . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم ، والدارقطني في الأفراد عن المسور بن مخرمة ، ومروان نحوه ، وروي عن جماعة من التابعين نحو ذلك . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّؤْيَا بِٱلْحَقّ } قال هو دخول محمد البيت ، والمؤمنين محلقين ومقصرين ، وقد ورد في الدعاء للمحلقين والمقصرين في الصحيحين ، وغيرهما أحاديث منها ما قدّمنا الإشارة إليه ، وهو في الصحيحين من حديث ابن عمر ، وفيهما من حديث أبي هريرة أيضاً . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله { سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ } قال أما إنه ليس الذي يرونه ، ولكنه سيما الإسلام ، وسمته وخشوعه . وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال هو السمت الحسن . وأخرج الطبراني في الأوسط والصغير ، وابن مردويه ، قال السيوطي بسند حسن عن أُبيّ بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } قال " النور يوم القيامة " وأخرج البخاري في تاريخه ، وابن نصر عن ابن عباس في الآية قال بياض يغشى وجوههم يوم القيامة . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه عن ابن عباس { ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ } يعني نعتهم مكتوب في التوراة والإنجيل قبل أن يخلق الله السمٰوات والأرض . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن أنس { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } قال نباته فروخه .