Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 16-24)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { قُل لّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأعْرَابِ } هم المذكورون سابقاً { سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ } قال عطاء بن أبي رباح ، ومجاهد ، وابن أبي ليلى ، وعطاء الخراساني هم فارس . وقال كعب ، والحسن هم الروم . وروي عن الحسن أيضاً أنه قال هم فارس ، والروم . وقال سعيد بن جبير هم هوازن ، وثقيف . وقال عكرمة هوازن . وقال قتادة هوازن وغطفان يوم حنين . وقال الزهري ، ومقاتل هم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة ، وحكى هذا القول الواحدي عن أكثر المفسرين { تُقَـٰتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } أي يكون أحد الأمرين إما المقاتلة ، أو الإسلام لا ثالث لهما ، وهذا حكم الكفار الذين لا تؤخذ منهم الجزية . قال الزجاج التقدير أو هم يسلمون ، وفي قراءة أبيّ أو يسلموا أي حتى يسلموا { فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً } وهو الغنيمة في الدنيا ، والجنة في الآخرة { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ } أي تعرضوا { كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مّن قَبْلُ } وذلك عام الحديبية { يُعَذّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } بالقتل والأسر والقهر في الدنيا ، وبعذاب النار في الآخرة لتضاعف جرمكم . { لَّيْسَ عَلَى ٱلأعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } أي ليس على هؤلاء المعذورين بهذه الأعذار حرج في التخلف عن الغزو لعدم استطاعتهم . قال مقاتل عذر الله أهل الزمانة الذين تخلفوا عن المسير إلى الحديبية بهذه الآية ، والحرج الإثم { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } فيما أمراه به ونهياه عنه { يُدْخِلْهُ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـرُ } قرأ الجمهور { يدخله } بالتحتية ، واختار هذه القراءة أبو حاتم ، وأبو عبيد ، وقرأ نافع ، وابن عامر بالنون { وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً } أي ومن يعرض عن الطاعة يعذبه الله عذاباً شديد الألم . ثم ذكر سبحانه الذين أخلصوا نياتهم ، وشهدوا بيعة الرضوان ، فقال { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } أي رضي الله عنهم وقت تلك البيعة ، وهي بيعة الرضوان ، وكانت بالحديبية ، والعامل في { تَحْتِ } إما يبايعونك ، أو محذوف على أنه حال من المفعول ، وهذه الشجرة المذكورة هي شجرة كانت بالحديبية وقيل سدرة ، وكانت البيعة على أن يقاتلوا قريشاً ، ولا يفرّوا . وروي أنه بايعهم على الموت ، وقد تقدّم ذكر عدد أهل هذه البيعة قريباً ، والقصة مبسوطة في كتب الحديث والسير . { فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ } معطوف على يبايعونك ، قال الفراء أي علم ما في قلوبهم من الصدق والوفاء . وقال قتادة ، وابن جريج من الرضى بأمر البيعة على أن لا يفرّوا . وقال مقاتل من كراهة البيعة على الموت { فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } معطوف على رضي ، والسكينة الطمأنينة وسكون النفس ، كما تقدّم ، وقيل الصبر { وَأَثَـٰبَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } هو فتح خيبر عند انصرافهم من الحديبية ، قاله قتادة ، وابن أبي ليلى ، وغيرهما ، وقيل فتح مكة ، والأوّل أولى . { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا } أي وأثابكم مغانم كثيرة ، أو وآتاكم ، وهي غنائم خيبر ، والالتفات لتشريفهم بالخطاب { وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } أي غالباً مصدراً أفعاله وأقواله على أسلوب الحكمة . { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } في هذا وعد منه سبحانه لعباده المؤمنين بما سيفتحه عليهم من الغنائم إلى يوم القيامة يأخذونها في أوقاتها التي قدّر وقوعها فيها { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ } أي غنائم خيبر ، قاله مجاهد وغيره ، وقيل صلح الحديبية { وَكَفَّ أَيْدِىَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ } أي وكفّ أيدي قريش عنكم يوم الحديبية بالصلح ، وقيل كفّ أيدي أهل خيبر ، وأنصارهم عن قتالكم ، وقذف في قلوبهم الرعب . وقال قتادة كفّ أيدي اليهود عن المدينة بعد خروج النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية ، وخيبر ، ورجح هذا ابن جرير ، قال لأن كف أيدي الناس بالحديبية مذكور في قوله { وَهُوَ ٱلَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } وقيل كَفَّ أَيْدِيَهُمْ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ يعني عيينة بن حصن الفزاري ، وعوف بن مالك النضري ومن كان معهما ، إذ جاءوا لينصروا أهل خيبر عند حصار النبيّ صلى الله عليه وسلم لهم { وَلِتَكُونَ ءايَةً لّلْمُؤْمِنِينَ } اللام يجوز أن تتعلق بفعل محذوف يقدّر بعده ، أي فعل ما فعل من التعجيل والكفّ لتكون آيةً ، أو على علة محذوفة تقديرها وعد فعجل وكفّ لتنتفعوا بذلك ولتكون آية . وقيل إن الواو مزيدة ، واللام لتعليل ما قبله ، أي وكفّ لتكون والمعنى ذلك الكفّ آية يعلم بها صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع ما يعدكم به { وَيَهْدِيَكُمْ صِرٰطاً مُّسْتَقِيماً } أي يزيدكم بتلك الآية هدى ، أو يثبتكم على الهداية إلى طريق الحقّ { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } معطوف على هذه ، أي فعجل لكم هذه المغانم ، ومغانم أخرى لم تقدروا عليها ، وهي الفتوح التي فتحها الله على المسلمين من بعد كفارس والروم ونحوهما ، كذا قال الحسن ، ومقاتل ، وابن أبي ليلى ، وقال الضحاك ، وابن زيد ، وابن أبي إسحاق هي خيبر وعدها الله نبيه قبل أن يفتحها ، ولم يكونوا يرجونها ، وقال قتادة فتح مكة ، وقال عكرمة حنين ، والأوّل أولى { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } صفة ثانية لأخرى . قال الفراء أحاط الله بها لكم حتى تفتحوها وتأخذوها ، والمعنى أنه أعدّها لهم ، وجعلها كالشيء الذي قد أحيط به من جميع جوانبه ، فهو محصور لا يفوت منه شيء ، فهم وإن لم يقدروا عليها في الحال فهي محبوسة لهم لا تفوتهم ، وقيل معنى { أحاط } علم أنها ستكون لهم { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيراً } لا يعجزه شيء ، ولا تختصّ قدرته ببعض المقدورات دون بعض . { وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأدْبَـٰرَ } قال قتادة يعني كفار قريش بالحديبية ، وقيل أسد وغطفان الذين أرادوا نصر أهل خيبر ، والأوّل أولى . { ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً } يواليهم على قتالكم { وَلاَ نَصِيراً } ينصرهم عليكم . { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ } أي طريقته وعادته التي قد مضت في الأمم من نصر أوليائه على أعدائه ، وانتصاب { سنة } على المصدرية بفعل محذوف ، أي بيّن الله سنة الله ، أو هو مصدر مؤكد لمضمون الجملة المتقدّمة { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } أي لن تجد لها تغييراً ، بل هي مستمرّة ثابتة { وَهُوَ ٱلَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } أي كفّ أيدي المشركين عن المسلمين ، وأيدي المسلمين عن المشركين لما جاءوا يصدّون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن معه عن البيت عام الحديبية ، وهي المراد ببطن مكة . وقيل إن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على النبيّ من قبل جبل التنعيم متسلحين يريدون غرّة النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذهم المسلمون ، ثم تركوهم . وفي الرواية اختلاف سيأتي بيانه آخر البحث إن شاء الله { وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } لا يخفى عليه من ذلك شيء . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله { أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ } يقول فارس . وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أنهم الأكراد . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال فارس ، والروم . وأخرج الفريابي ، وابن مردويه عنه قال هوازن ، وبني حنيفة . وأخرج الطبراني ، قال السيوطي بسند حسن عن زيد بن ثابت قال كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإني لواضع القلم على أذني إذ أمر بالقتال إذ جاء أعمى ، فقال كيف لي وأنا ذاهب البصر ؟ فنزلت { لَّيْسَ عَلَى ٱلاْعْمَىٰ حَرَجٌ } الآية . قال هذا في الجهاد ، وليس عليهم من جهاد إذا لم يطيقوا . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن سلمة بن الأكوع قال بينا نحن قائلون إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس ، فثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو تحت شجرة سمرة ، فبايعناه ، فذلك قول الله تعالى { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } فبايع لعثمان إحدى يديه على الأخرى ، فقال الناس هنيئًا لابن عفان يطوف بالبيت ، ونحن ها هنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف " وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن نافع قال بلغ عمر بن الخطاب أن ناساً يأتون الشجرة التي بويع تحتها ، فأمر بها فقطعت . وأخرج البخاري عن سلمة بن الأكوع قال بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، قيل على أي شيء كنتم تبايعونه يومئذ ؟ قال على الموت . وأخرج مسلم ، وغيره عن جابر قال بايعناه على أن لا نفرّ ، ولم نبايعه على الموت . وأخرج أحمد ، وأبو داود ، والترمذي عن جابر ، عن النبي قال " لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة " وأخرج مسلم من حديثه مثله . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } قال إنما أنزلت السكينة على من علم منه الوفاء . وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عنه { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ } يعني الفتح . وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ } يعني خيبر { وَكَفَّ أَيْدِىَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ } يعني أهل مكة أن يستحلوا حرم الله ، ويستحلّ بكم وأنتم حرم { وَلِتَكُونَ ءايَةً لّلْمُؤْمِنِينَ } قال سنة لمن بعدكم . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عنه أيضاً في قوله { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } قال هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم . وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عنه أيضاً { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } قال هي خيبر . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن أنس قال لما كان يوم الحديبية ، هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلاً من أهل مكة في السلاح من قبل جبال التنعيم يريدون غرّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا عليهم فأخذوا فعفا عنهم ، فنزلت هذه الآية { وَهُوَ ٱلَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } . وفي صحيح مسلم ، وغيره أنها نزلت في نفر أسرهم سلمة بن الأكوع يوم الحديبية . وأخرج أحمد ، والنسائي ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل في سبب نزول الآية أن ثلاثين شاباً من المشركين خرجوا يوم الحديبية على المسلمين في السلاح ، فثاروا في وجوههم ، فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ الله بأسماعهم ولفظ الحاكم بأبصارهم ، فقام إليهم المسلمون فأخذوهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل جئتم في عهد أحد ، أو هل جعل لكم أحد أماناً " ؟ فقالوا لا ، فخلى سبيلهم ، فنزلت هذه الآية .