Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 1-8)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قرأ الجمهور { تقدّموا } بضم المثناة الفوقية ، وتشديد الدال مكسورة ، وفيه وجهان أحدهما أنه متعدّ ، وحذف مفعوله لقصد التعميم ، أو ترك المفعول للقصد إلى نفس الفعل كقولهم هو يعطي ويمنع ، والثاني أنه لازم نحو وجه وتوجه ، ويعضدّه قراءة ابن عباس ، والضحاك ، ويعقوب تقدموا بفتح التاء والقاف والدال . قال الواحدي قدم ها هنا بمعنى تقدّم ، وهو لازم . قال أبو عبيدة العرب تقول لا تقدّم بين يدي الإمام وبين يدي الأب ، أي لا تعجل بالأمر دونه والنهي لأن المعنى لا تقدّموا قبل أمرهما ونهيهما ، وبين يدي الإمام عبارة عن الإمام لا ما بين يدي الإنسان ، ومعنى الآية لا تقطعوا أمراً دون الله ورسوله ، ولا تعجلوا به . وقيل المراد معنى بين يدي فلان بحضرته لأن ما يحضره الإنسان ، فهو بين يديه { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في كلّ أموركم ، ويدخل تحتها الترك للتقدّم بين يدي الله ورسوله دخولاً أوّلياً . ثم علل ما أمر به من التقوى بقوله { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } لكلّ مسموع { عَلِيمٌ } بكل معلوم { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِىّ } يحتمل أن المراد حقيقة رفع الصوت لأن ذلك يدلّ على قلة الاحتشام وترك الاحترام لأن خفض الصوت وعدم رفعه من لوازم التعظيم والتوقير . ويحتمل أن يكون المراد المنع من كثرة الكلام ومزيد اللغط ، والأوّل أولى . والمعنى لا ترفعوا أصواتكم إلى حدّ يكون فوق ما يبلغه صوت النبيّ صلى الله عليه وسلم . قال المفسرون المراد من الآية تعظيم النبي وتوقيره ، وأن لا ينادوه كما ينادي بعضهم بعضاً { وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } أي لا تجهروا بالقول إذا كلمتموه ، كما تعتادونه من الجهر بالقول إذا كلم بعضكم بعضاً . قال الزجاج أمرهم الله بتجليل نبيه ، وأن يغضوا أصواتهم ، ويخاطبوه بالسكينة والوقار ، وقيل المراد بقوله { وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ } لا تقولوا يا محمد ويا أحمد ولكن يا نبيّ ، الله ويا رسول الله ، توقيراً له ، والكاف في محل نصب على أنها نعت مصدر محذوف ، أي جهراً مثل جهر بعضكم لبعض ، وليس المراد برفع الصوت وبالجهر في القول هو ما يقع على طريقة الاستخفاف ، فإن ذلك كفر ، وإنما المراد أن يكون الصوت في نفسه غير مناسب لما يقع في مواقف من يجب تعظيمه وتوقيره . والحاصل أن النهي هنا وقع عن أمور ، الأوّل عن التقدّم بين يديه بما لا يأذن به من الكلام . والثاني عن رفع الصوت البالغ إلى حدّ يكون فوق صوته ، سواء كان في خطابه ، أو في خطاب غيره . والثالث ترك الجفاء في مخاطبته ، ولزوم الأدب في مجاورته لأن المقاولة المجهورة إنما تكون بين الأكفاء الذين ليس لبعضهم على بعض مزية توجب احترامه وتوقيره . ثم علل سبحانه ما ذكره بقوله { أَن تَحْبَطَ أَعْمَـٰلُكُمْ } قال الزجاج أن تحبط أعمالكم التقدير لأن تحبط أعمالكم ، أي فتحبط ، فاللام المقدرة لام الصيرورة كذا قال ، وهذه العلة يصح أن تكون للنهي ، أي نهاكم الله عن الجهر خشية أن تحبط ، أو كراهة أن تحبط ، أو علة للمنهي أي لا تفعلوا الجهر فإنه يؤدّي إلى الحبوط ، فكلام الزجاج ينظر إلى الوجه الثاني لا إلى الوجه الأوّل ، وجملة { وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } في محل نصب على الحال ، وفيه تحذير شديد ووعيد عظيم . قال الزجاج وليس المراد وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ يوجب أن يكفر الإنسان وهو لا يعلم ، فكما لا يكون الكافر مؤمناً إلاّ باختياره الإيمان على الكفر ، كذلك لا يكون الكافر كافراً من حيث لا يعلم . ثم رغب سبحانه في امتثال ما أمر به ، فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوٰتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ } أصل الغض النقص من كل شيء . ومنه نقص الصوت { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ } قال الفراء أخلص قلوبهم للتقوى ، كما يمتحن الذهب بالنار ، فيخرج جيده من رديئه ، ويسقط خبيثه . وبه قال مقاتل ، ومجاهد وقتادة . وقال الأخفش اختصها للتقوى ، وقيل طهرها من كلّ قبيح ، وقيل وسعها وسرّحها ، من محنت الأديم إذا وسعته . وقال أبو عمرو كلّ شيء جهدته فقد محنته ، واللام في { للتقوى } متعلقة بمحذوف ، أي صالحة للتقوى كقولك أنت صالح لكذا ، أو للتعليل الجاري مجرى بيان السبب ، كقولك جئتك لأداء الواجب ، أي ليكون مجيئي سبباً لأداء الواجب { لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } أي أولئك لهم ، فهو خبر آخر لاسم الإشارة ، ويجوز أن يكون مستأنفاً لبيان ما أعدّ الله لهم في الآخرة . { إَنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء ٱلْحُجُرٰتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } هم جفاة بني تميم كما سيأتي بيانه ، و { وراء الحجرات } خارجها وخلفها ، والحجرات جمع حجرة ، كالغرفات جمع غرفة ، والظلمات جمع ظلمة ، وقيل الحجرات جمع حجرة ، والحجر جمع حجرة ، فهو جمع الجمع ، الحجرة الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوّط عليها ، وهي فعيلة بمعنى مفعولة . قرأ الجمهور { الحجرات } بضم الجيم . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع ، وشيبة بفتحها تخفيفاً ، وقرأ ابن أبي عبلة بإسكانها ، وهي لغات ، و « من » في { من وراء } لابتداء الغاية ، ولا وجه للمنع من جعلها لهذا المعنى { أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } لغلبة الجهل عليهم ، وكثرة الجفاء في طباعهم . { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } أي لو انتظروا خروجك ، ولم يعجلوا بالمناداة لكان أصلح لهم في دينهم ودنياهم ، لما في ذلك من رعاية حسن الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورعاية جانبه الشريف والعمل بما يستحقه من التعظيم والتجليل . وقيل إنهم جاءوا شفعاء في أسارى ، فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم نصفهم ، وفادى نصفهم ، ولو صبروا لأعتق الجميع ، ذكر معناه مقاتل { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } كثير المغفرة والرحمة بليغهما لا يؤاخذ مثل هؤلاء فيما فرط منهم من إساءة الأدب { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ } قرأ الجمهور { فتبينوا } من التبين ، وقرأ حمزة ، والكسائي فتثبتوا من التثبت ، والمراد من التبين التعرّف والتفحص ، ومن التثبت الأناة وعدم العجلة والتبصر في الأمر الواقع والخبر الوارد حتى يتضح ويظهر . قال المفسرون إن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله . وقوله { إن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ } مفعول له ، أي كراهة أن تصيبوا ، أو لئلا تصيبوا لأن الخطأ ممن لم يتبين الأمر ، ولم يتثبت فيه هو الغالب وهو جهالة لأنه لم يصدر عن علم ، والمعنى ملتبسين بجهالة بحالهم { فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ } بهم من إصابتهم بالخطأ { نَـٰدِمِينَ } على ذلك مغتمين له مهتمين به . ثم وعظهم الله سبحانه ، فقال { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ } فلا تقولوا قولاً باطلاً ، ولا تتسرّعوا عند وصول الخبر إليكم من غير تبين ، و " أن " وما في حيزها سادة مسدّ مفعولي اعلموا ، وجملة { لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مّنَ ٱلأمْرِ لَعَنِتُّمْ } في محل نصب على الحال من ضمير فيكم ، أو مستأنفة ، والمعنى لو يطيعكم في كثير مما تخبرونه به من الأخبار الباطلة ، وتشيرون به عليه من الآراء التي ليست بصواب لوقعتم في العنت ، وهو التعب والجهد والإثم والهلاك ، ولكنه لا يطيعكم في غالب ما تريدون قبل وضوح وجهه له ، ولا يسارع إلى العمل بما يبلغه قبل النظر فيه { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإيمَـٰنَ } أي جعله أحبّ الأشياء إليكم ، أو محبوباً لديكم ، فلا يقع منكم إلاّ ما يوافقه ، ويقتضيه من الأمور الصالحة ، وترك التسرع في الأخبار ، وعدم التثبت فيها ، قيل والمراد بهؤلاء من عدا الأوّلين لبيان براءتهم عن أوصاف الأوّلين ، والظاهر أنه تذكير للكل بما يقتضيه الإيمان ، وتوجبه محبته التي جعلها الله في قلوبهم { وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ } أي حسنه بتوفيقه حتى جروا على ما يقتضيه في الأقوال والأفعال { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ } أي جعل كل ما هو من جنس الفسوق ، ومن جنس العصيان مكروهاً عندكم ، وأصل الفسق الخروج عن الطاعة ، والعصيان جنس ما يعصى الله به ، وقيل أراد بذلك الكذب خاصة ، والأوّل أولى { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلرشِدُونَ } أي الموصوفون بما ذكرهم الراشدون . والرشد الاستقامة على طريق الحق مع تصلب ، من الرشادة وهي الصخرة { فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً } أي لأجل فضله وإنعامه ، والمعنى أنه حبّب إليكم ما حبَّب ، وكرّه ما كرّه لأجل فضله وإنعامه ، أو جعلكم راشدين لأجل ذلك ، وقيل النصب بتقدير فعل ، أي تبتغون فضلاً ونعمة { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بكل معلوم { حَكِيمٌ } في كل ما يقضي به بين عباده ويقدّره لهم . وقد أخرج البخاري وغيره ، عن عبد الله بن الزبير قال قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر أمر القعقاع بن معبد ، وقال عمر بل أمر الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر ما أردت إلاّ خلافي ، فقال عمر ما أردت خلافك ، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ، فأنزل الله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } حتى انقضت الآية . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قال نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه . وأخرج ابن مردويه عن عائشة في الآية قالت لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم . وأخرج البخاري في تاريخه عنها قالت كان أناس يتقدّمون بين يدي رمضان بصيام ، يعني يوماً أو يومين ، فأنزل الله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } . وأخرج الطبراني ، وابن مردويه عنها أيضاً أن ناساً كانوا يتقدّمون الشهر ، فيصومون قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا } الآية . وأخرج البزار ، وابن عدي ، والحاكم ، وابن مردويه عن أبي بكر الصديق قال أنزلت هذه الآية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِىّ } قلت يا رسول الله ، والله لا أكلمك إلاّ كأخي السرار ، وفي إسناده حصين بن عمر ، وهو ضعيف ولكنه يؤيده ما أخرجه عبد بن حميد ، والحاكم وصححه من طريق أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال لما نزلت { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوٰتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ } قال أبو بكر والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلاّ كأُخي السرار حتى ألقى الله . وأخرج البخاري ، ومسلم وغيرهما عن أنس قال لما نزلت { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِىّ } إلى قوله { وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } وكان ثابت بن قيس بن شماس رفيع الصوت فقال أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حبط عملي ، أنا من أهل النار ، وجلس في بيته حزيناً ، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق بعض القوم إليه ، فقالوا فقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما لك ؟ قال أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبيّ ، وأجهر له بالقول ، حبط عملي ، أنا من أهل النار ، فأتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأخبروه بذلك ، فقال " لا ، بل هو من أهل الجنة " فلما كان يوم اليمامة قتل . وفي الباب أحاديث بمعناه . وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة في قوله { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ } قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " منهم ثابت بن قيس بن شماس " وأخرج أحمد ، وابن جرير ، وأبو القاسم البغوي ، والطبراني ، وابن مردويه ، قال السيوطي بسند صحيح من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمٰن ، عن الأقرع بن حابس ، أنه أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد اخرج إلينا ، فلم يجبه ، فقال يا محمد إن حمدي زين ، وإن ذمي شين ، فقال « ذاك الله » ، فأنزل الله { إَنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء ٱلْحُجُرٰتِ } ، قال ابن منيع لا أعلم روى الأقرع مسنداً غير هذا . وأخرج الترمذي وحسنه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن البراء بن عازب في قوله { إَنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء ٱلْحُجُرٰتِ } قال جاء رجل فقال يا محمد إن حمدي زين ، وإن ذمي شين ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم « ذاك الله » . وأخرج ابن راهويه ، ومسدد ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه قال السيوطي بإسناد حسن عن زيد بن أرقم قال اجتمع ناس من العرب فقالوا انطلقوا إلى هذا الرجل فإن يك نبياً فنحن أسعد الناس به ، وإن يك ملكاً نعش بجناحه ، فأتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قالوا ، فجاءوا إلى حجرته ، فجعلوا ينادونه يا محمد يا محمد فأنزل الله { إَنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء ٱلْحُجُرٰتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني ، وجعل يقول " لقد صدّق الله قولك يا زيد ، لقد صدق الله قولك يا زيد " وفي الباب أحاديث . وأخرج أحمد ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن منده ، وابن مردويه ، قال السيوطي بسند جيد عن الحارث بن ضرار الخزاعي قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعاني إلى الإسلام ، فدخلت فيه وأقررت به ، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها ، وقلت يا رسول الله أرجع إلى قومي ، فأدعوهم إلى الإسلام ، وأداء الزكاة ، فمن استجاب لي جمعت زكاته ، وترسل إليّ يا رسول الله رسولاً لإبان كذا وكذا ليأتيك ما جمعت من الزكاة ، فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له ، وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه احتبس الرسول ، فلم يأت ، فظنّ الحارث أن قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله ، فدعا سروات قومه ، فقال لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقت لي وقتاً يرسل إليّ رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة وليس من رسول الله الخلف ، ولا أرى حبس رسوله إلاّ من سخطة ، فانطلقوا فنأتي رسول الله ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة ، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فَرَقَ فرجع ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال إن الحارث منعني الزكاة ، وأراد قتلي ، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث ، فأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقلّ البعث ، وفصل عن المدينة لقيهم الحارث فقالوا هذا الحارث ؟ فلما غشيهم قال لهم إلى من بعثتم ؟ قالوا إليك ، قال ولم ؟ قالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة ، فزعم أنك منعته الزكاة ، وأردت قتله ، قال لا ، والذي بعث محمداً بالحقّ ما رأيته بتة ، ولا أتاني ، فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " منعت الزكاة ، وأردت قتل رسولي " ؟ قال لا والذي بعثك بالحقّ ما رأيته ، ولا رآني ، وما أقبلت إلاّ حين احتبس عليّ رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم خشيت أن تكون كانت سخطة من الله ورسوله ، فنزل { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ } إلى قوله { حَكِيمٌ } قال ابن كثير هذا من أحسن ما روي في سبب نزول الآية . وقد رويت روايات كثيرة متفقة على أنه سبب نزول الآية ، وأنه المراد بها وإن اختلفت القصص .