Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 109-111)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ } العامل في الظرف فعل مقدّر ، أي اسمعوا ، أو اذكروا ، أو احذروا . وقال الزجاج هو منصوب بقوله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } المائدة 108 المذكور في الآية الأولى . وقيل بدل من مفعول { ٱتَّقَوْاْ } بدل اشتمال . وقيل ظرف لقوله { لاَّ يَهِدِّى } المذكور قبله . وقيل منصوب بفعل مقدّر متأخر تقديره يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ يكون من الأحوال كذا وكذا . قوله { مَاذَا أَجَبْتُمُ } أي أيّ إجابة أجابتكم به أممكم الذين بعثكم الله إليهم ؟ أو أيّ جواب أجابوكم به ؟ وعلى الوجهين تكون " ما " منصوبة بالفعل المذكور بعدها ، وتوجيه السؤال إلى الرسل لقصد توبيخ قومهم ، وجوابهم بقولهم { لاَ عِلْمَ لَنَا } مع أنهم عالمون بما أجابوا به عليهم تفويض منهم ، وإظهار للعجز ، وعدم القدرة ، ولا سيما مع علمهم بأن السؤال سؤال توبيخ فإن تفويض الجواب إلى الله أبلغ في حصول ذلك ، وقيل المعنى لا علم لنا بما أحدثوا بعدنا . وقيل لا علم لنا بما اشتملت عليه بواطنهم . وقيل المعنى لا علم لنا إلا علم ما أنت أعلم به منا . وقيل إنهم ذهلوا عما أجاب به قومهم لهول المحشر . قوله { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } " إذ " بدل ، من { يوم يجمع } ، وهو تخصيص بعد التعميم وتخصيص عيسى عليه السلام من بين الرسل لاختلاف طائفتي اليهود والنصارى فيه إفراطاً وتفريطاً ، هذه تجعله إلهاً ، وهذه تجعله كاذباً . وقيل هو منصوب بتقدير اذكر ، قوله { ٱذْكُرْ نِعْمَتِى عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وٰلِدَتِكَ } ذكره سبحانه نعمته عليه وعلى أمه ، مع كونه ذاكراً لها عالماً بتفضل الله سبحانه بها ، لقصد تعريف الأمم بما خصهما الله به من الكرامة وميزهما به من علوّ المقام ، أو لتأكيد الحجة ، وتبكيت الجاحد ، بأن منزلتهما عند الله هذه المنزلة ، وتوبيخ من اتخذهما إلهين ، ببيان أن ذلك الإنعام عليهما كله من عند الله سبحانه ، وأنهما عبدان من جملة عباده منعم عليهما بنعم الله سبحانه ، ليس لهما من الأمر شيء . قوله { إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } " إذ " ظرف للنعمة لأنها بمعنى المصدر ، أي اذكر إنعامي عليك وقت تأييدي لك ، أو حال من النعمة أي كائنة ذلك الوقت { أَيَّدتُّكَ } قوّيتك مأخوذ من الأيد ، وهو القوّة . وفي روح القدس وجهان أحدهما أنها الروح الطاهرة التي خصه الله بها ، وقيل إنه جبريل عليه السلام ، وقيل إنه الكلام الذي يحيى به الأرواح . والقدس الطهر ، وإضافته إليه لكونه سببه ، وجملة { تُكَلّمَ ٱلنَّاسَ } مبينة لمعنى التأييد ، و { فِى ٱلْمَهْدِ } في محل نصب على الحال ، أي تكلم الناس حال كونك صبياً وكهلاً لا يتفاوت كلامك في الحالتين مع أن غيرك يتفاوت كلامه فيهما تفاوتاً بيناً . وقوله { وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَـٰبَ } معطوف على { إِذْ أَيَّدتُّكَ } أي واذكر نعمتي عليك وقت تعليمي لك الكتاب أي جنس الكتاب ، أو المراد بالكتاب الخط ، وعلى الأوّل يكون ذكر التوراة والإنجيل من عطف الخاص على العام ، وتخصيصهما بالذكر لمزيد اختصاصه بهما . أما التوراة فقد كان يحتج بها على اليهود في غالب ما يدور بينه وبينهم من الجدال كما هو مصرح بذلك في الإنجيل ، وأما الإنجيل فلكونه نازلاً عليه من عند الله سبحانه ، والمراد بالحكمة جنس الحكمة . وقيل هي الكلام المحكم { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ } أي تصوّر تصويراً مثل صورة الطير { بِإِذْنِى } لك بذلك وتيسيري له { فَتَنفُخُ } في الهيئة المصوّرة { فَتَكُونُ } هذه الهيئة " طائراً " متحركاً حياً كسائر الطيور { وَتُبْرِىء ٱلأكْمَهَ وَٱلأبْرَصَ بِإِذْنِى } لك وتسهيله عليك وتيسيره لك . وقد تقدّم تفسير هذا مطوّلاً في البقرة ، فلا نعيده { وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ } من قبورهم ، فيكون ذلك آية لك عظيمة { بِإِذْنِى } ، وتكرير بإذني في المواضع الأربعة للاعتناء بأن ذلك كله من جهة الله ليس لعيسى عليه السلام فيه فعل إلا مجرد امتثاله لأمر الله سبحانه . قوله { وَإِذْ كَفَفْتُ } معطوف على { إذ تخرج } كففت معناه دفعت وصرفت { بَنِى إِسْرٰءيلَ عَنكَ } حين هموا بقتلك { إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيّنَـٰتِ } بالمعجزات الواضحات { فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي ما هذا الذي جئت به إلا سحر بين ، لما عظم ذلك في صدورهم وانبهروا منه لم يقدروا على جحده بالكلية ، بل نسبوه إلى السحر . قوله { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيّينَ أَنْ ءامِنُواْ بِى وَبِرَسُولِى } هو معطوف على ما قبله . وقد تقدّم تفسير ذلك . والوحي في كلام العرب معناه الإلهام ، أي ألهمت الحواريين وقذفت في قلوبهم . وقيل معناه أمرتهم على ألسنة الرسل أن يؤمنوا بي بالتوحيد والإخلاص ويؤمنوا برسالة رسولي . قوله { قَالُواْ ءامَنَّا } جملة مستأنفة كأنه قيل ماذا قالوا ؟ فقال قالوا آمنا { وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } أي مخلصون للإيمان أي واشهد يا رب ، أو واشهد يا عيسى . وقد أخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ } فيفزعون فيقولون { لاَ عِلْمَ لَنَا } فتردّ إليهم أفئدتهم فيعلمون . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ في الآية قال ذلك أنهم نزلوا منزلاً ذهلت فيه العقول ، فلما سئلوا قالوا لا علم لنا ، ثم نزلوا منزلاً آخر فشهدوا على قومهم . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس قال قالوا لا علم لنا فرقاً يذهل عقولهم ، ثم يردّ الله إليهم عقولهم ، فيكونون هم الذين يسألون بقول الله { فَلَنَسْـئَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْـئَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } الأعراف 6 . وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان يوم القيامة يدعى بالأنبياء وأممها ثم يدعى بعيسى فيذكره نعمته عليه فيقرّ بها ، فيقول { يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك } الآية ، ثم يقول ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ؟ فينكر أن يكون قال ذلك ، فيؤتى بالنصارى فيسألون ، فيقولون نعم هو أمرنا بذلك ، فيطول شعر عيسى حتى يأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من شعر رأسه وجسده ، فيجاثيهم بين يدي الله مقدار ألف عام حتى يوقع عليهم الحجة ، ويرفع لهم الصليب وينطلق بهم إلى النار " وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِى إِسْرٰءيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيّنَـٰتِ } أي بالآيات التي وضع على يديه من إحياء الموتى وخلقه من الطين كهيئة الطير وإبراء الأسقام ، والخبر بكثير من الغيوب . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن السديّ في قوله { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيّينَ } يقول قذفت في قلوبهم . وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه .