Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 112-115)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ } الظرف منصوب بفعل مقدر ، أي ، اذكر أو نحوه كما تقدّم ، قيل والخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم . قرأ الكسائي " هَل تَسْتَطِيعَ " بالفوقية ، ونصب " ربك " ، وبه قرأ عليّ وابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد . وقرأ الباقون بالتحتية ورفع " ربك " واستشكلت القراءة الثانية بأنه قد وصف سبحانه الحواريين بأنهم قالوا { آمَنَّا وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } المائدة 111 والسؤال عن استطاعته لذلك ينافي ما حكوه عن أنفسهم . وأجيب بأن هذا كان في أوّل معرفتهم قبل أن تستحكم معرفتهم بالله ، ولهذا قال عيسى في الجواب عن هذا الاستفهام الصادر منهم ، { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي لا تشكوا في قدرة الله . وقيل إنهم ادّعوا الإيمان والإسلام دعوى باطلة ، ويردّه أن الحواريين هم خلصاء عيسى وأنصاره ، كما قال { مَنْ أَنصَارِى إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } آل عمران 52 وقيل إن ذلك صدر ممن كان معهم ، وقيل إنهم لم يشكوا في استطاعة البارىء سبحانه ، فإنهم كانوا مؤمنين عارفين بذلك ، وإنما هو كقول الرجل هل يستطيع فلان أن يأتي ؟ مع علمه بأنه يستطيع ذلك ويقدر عليه ، فالمعنى هل يفعل ذلك وهل يجيب إليه ؟ وقيل إنهم طلبوا الطمأنينة كما قال إبراهيم عليه السلام { رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ } الآية البقرة 260 . ويدل على هذا قولهم من بعد { وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا } وأما على القراءة الأولى ، فالمعنى هل تستطيع أن تسأل ربك ؟ قال الزجاج المعنى هل تستدعي طاعة ربك فيما تسأله ؟ فهو من باب { وَٱسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } يوسف 82 ، والمائدة الخوان إذا كان عليه الطعام ، من ماده إذا أعطاه ورفده كأنها تميد من تقدّم إليه قاله قطرب وغيره . وقيل هي فاعلة بمعنى مفعولة كعيشة راضية قاله أبو عبيدة ، فأجابهم عيسى عليه السلام بقوله { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي اتقوه من هذا السؤال ، وأمثاله إن كنتم صادقين في إيمانكم ، فإن شأن المؤمن ترك الاقتراح على ربه على هذه الصفة وقيل إنه أمرهم بالتقوى ليكون ذلك ذريعة إلى حصول ما طلبوه . قوله { قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا } بينوا به الغرض من سؤالهم نزول المائدة ، وكذا ما عطف عليه من قولهم { وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } والمعنى تطمئن قلوبنا بكمال قدرة الله ، أو بأنك مرسل إلينا من عنده ، أو بأن الله قد أجابنا إلى ما سألناه ، ونعلم علماً يقيناً بأنك قد صدقتنا في نبوّتك ، ونكون عليها من الشاهدين عند من لم يحضرها من بني إسرائيل ، أو من سائر الناس ، أو من الشاهدين لله بالوحدانية ، أو من الشاهدين ، أي الحاضرين دون السامعين . ولما رأى عيسى ما حكوه عن أنفسهم من الغرض بنزول المائدة قال { ٱللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مّنَ ٱلسَّمَاء } أي كائنة أو نازلة من السماء ، وأصل اللهمّ عند سيبويه وأتباعه ياالله ، فجعلت الميم بدلاً من حرف النداء ، وربنا نداء ثان ، وليس بوصف ، و { تَكُونُ لَنَا عِيداً } وصف لمائدة . وقرأ الأعمش « يكون لنا عيدا » أي يكون يوم نزولها لنا عيداً . وقد كان نزولها يوم الأحد ، وهو يوم عيد لهم والعيد واحد الأعياد ، وإنما جمع بالياء وأصله الواو للزومها في الواحد . وقيل للفرق بينه وبين أعواد جمع عود ، ذكر معناه الجوهري . وقيل أصله من عاد يعود أي رجع ، فهو عود بالواو ، وتقلب ياء لانكسار ما قبلها ، مثل الميزان والميقات والميعاد ، فقيل ليوم الفطر والأضحى عيدان ، لأنهما يعودان في كل سنة . وقال الخليل العيد كل يوم جمع كأنهم عادوا إليه . قوله { لأِوَّلِنَا وَءاخِرِنَا } بدل من الضمير في { لنا } بتكرير العامل أي لمن في عصرنا ولمن يأتي بعدنا من ذرارينا وغيرهم . قوله { وَآيَةً مِّنْك } عطف على { عيداً } أي دلالة وحجة واضحة على كمال قدرتك ، وصحة إرسالك من أرسلته { وَٱرْزُقْنَا } أي أعطنا هذه المائدة المطلوبة ، أو ارزقنا رزقاً نستعين به على عبادتك { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } بل لا رازق في الحقيقة غيرك ولا معطى سواك ، فأجاب الله سبحانه سؤال عيسى عليه السلام فقال { إِنّى مُنَزّلُهَا } أي المائدة { عَلَيْكُمْ } . وقد اختلف أهل العلم هل نزلت عليهم المائدة أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى الأوّل وهو الحق ، لقوله سبحانه { إِنّى مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ } ووعده الحق وهولا يخلف الميعاد . وقال مجاهد ما نزلت وإنما هو ضرب مثل ضربه الله لخلقه نهياً لهم عن مسألة الآيات لأنبيائه ، وقال الحسن وعدهم بالإجابة ، فلما قال { فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ } استغفروا الله وقالوا لا نريدها . قوله { فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ } أي بعد تنزيلها { فَإِنّى أُعَذّبُهُ عَذَاباً } أي تعذيباً { لاَّ أُعَذّبُهُ } صفة لـ { عذاباً } ، والضمير عائد إلى العذاب بمعنى التعذيب ، أي لا أعذب مثل ذلك التعذيب { أَحَداً مّن ٱلْعَـٰلَمِينَ } قيل المراد عالمي زمانهم . وقيل جميع العالمين ، وفي هذا من التهديد والترهيب ما لا يقادر قدره . وقد أخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن عائشة قالت كان الحواريون أعلم بالله من أن يقولوا { هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ } إنما قالوا هل تستطيع أنت ربك أن تدعوه ، ويؤيد هذا ما أخرجه الحاكم وصححه ، والطبراني وابن مردويه ، عن معاذ بن جبل أنه قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم " هَلُ تَسْتَطِيعَ رَبَّكَ " بالتاء يعني الفوقية . وأخرج أبو عبيد ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، أنه قرأها كذلك . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير قال المائدة الخوان ، وتطمئن توقن . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السديّ في قوله { تَكُونُ لَنَا عِيداً } يقول نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيداً نعظمه نحن ، ومن بعدنا . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس أنه كان يحدّث عن عيسى ابن مريم أنه قال لبني إسرائيل هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوماً ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم ؟ فإن أجر العامل على من عمل له ، ففعلوا ثم قالوا يا معلم الخير ، قلت لنا إن أجر العامل على من عمل له ، وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوماً ففعلنا ، ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يوماً إلا أطعمنا { فَهَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً } إلى قوله { أَحَداً مّن ٱلْعَـٰلَمِينَ } فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء عليها سبعة أحوات ، وسبعة أرغفة ، حتى وضعتها بين أيديهم ، فأكل منها آخر الناس كما أكل أوّلهم . وأخرج الترمذي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن عمار بن ياسر ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نزلت المائدة من السماء خبزاً ولحماً ، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدّخروا لغد ، فخافوا وادّخروا ، ورفعوا لغد فمسخوا قردة وخنازير " وقد روي موقوفاً على عمار . قال الترمذي والوقف أصح . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال المائدة سمكة وأرغفة . وأخرج ابن جرير من طريق العوفيّ عنه قال نزلت على عيسى ابن مريم ، والحواريين ، خوان عليه سمك وخبز ، يأكلون منه أينما تولوا إذا شاءوا . وأخرج ابن جرير نحوه عنه من طريق عكرمة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمرو قال إن أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة من كفر من أصحاب المائدة ، والمنافقون ، وآل فرعون .