Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 116-120)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ } معطوف على ما قبله في محل نصب بعامله أو بعامل مقدّر ، هنا أي اذكر . وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذا القول منه سبحانه هو يوم القيامة . والنكتة توبيخ عباد المسيح وأمه من النصارى . وقال السديّ وقطرب إنه قال له هذا القول عند رفعه إلى السماء ، لما قالت النصارى فيه ما قالت ، والأوّل أولى قيل " وَإِذْ " هنا بمعنى إذا كقوله تعالى { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ } سبأ 51 أي إذا فزعوا ، وقول أبي النجم @ ثم جزاك الله عني إذ جزى جنات عدن في السموات العلى @@ أي إذا جزى ، وقول الأسود بن جعفر الأسدي @ في الآن إذ هازلتهنّ فإنما يقلن ألا لم يذهب الشيخ مذهبا @@ أي إذا هازلتهنّ تعبيراً عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيهاً على تحقيق وقوعه . وقد قيل في توجيه هذا الاستفهام منه تعالى إنه لقصد التوبيخ كما سبق . وقيل لقصد تعريف المسيح بأن قومه غيروا بعده وادّعوا عليه ما لم يقله . وقوله { مِن دُونِ ٱللَّهِ } متعلق بقوله { ٱتَّخِذُونِى } على أنه حال ، أي متجاوزين الحدّ ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف هو صفة لإلٰهين ، أي كائنين من دون الله . قوله { سُبْحَـٰنَكَ } تنزيه له سبحانه ، أي أنزهك تنزيهاً { مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقّ } أي ما ينبغي لي أن أدّعي لنفسي ما ليس من حقها { إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } ردّ ذلك إلى علمه سبحانه ، وقد علم أنه لم يقله ، فثبت بذلك عدم القول منه . قوله { تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ } هذه الجملة في حكم التعليل لما قبلها ، أي تعلم معلومي ولا أعلم معلومك ، وهذا الكلام من باب المشاكلة كما هو معروف عند علماء المعاني والبيان . وقيل المعنى تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك . وقيل تعلم ما أخفيه ولا أعلم ما تخفيه . وقيل تعلم ما أريد ولا أعلم ما تريد . قوله { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِى بِهِ } هذه جملة مقرّرة لمضمون ما تقدّم ، أي ما أمرتهم إلا بما أمرتني { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبَّكُمْ } هذا تفسير لمعنى { مَا قُلْتُ لَهُمْ } أي ما أمرتهم ، وقيل عطف بيان للمضمر في { بِهِ } وقيل بدل منه { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً } أي حفيظاً ورقيباً أرعى أحوالهم وأمنعهم عن مخالفة أمرك { مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } أي مدّة دوامي فيهم { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى } قيل هذا يدل على أن الله سبحانه توفاه قبل أن يرفعه ، وليس بشيء لأن الأخبار قد تضافرت بأنه لم يمت ، وأنه باق في السماء على الحياة التي كان عليها في الدنيا ، حتى ينزل إلى الأرض آخر الزمان ، وإنما المعنى فلما رفعتني إلى السماء . قيل الوفاة في كتاب الله سبحانه جاءت على ثلاثة أوجه بمعنى الموت ، ومنه قوله تعالى { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا } الزمر 42 وبمعنى النوم ، ومنه قوله تعالى { وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ } الأنعام 60 أي ينيمكم ، وبمعنى الرفع ، ومنه { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى } . { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى إِنّي مُتَوَفّيكَ } آل عمران 55 . { كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ } أصل المراقبة المراعاة ، أي كنت الحافظ لهم والعالم بهم والشاهد عليهم { إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } تصنع بهم ما شئت وتحكم فيهم بما تريد { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي القادر على ذلك الحكيم في أفعاله ، قيل قاله على وجه الاستعطاف كما يستعطف السيد لعبده . ولهذا لم يقل إن تعذبهم فإنهم عصوك وقيل قاله على وجه التسليم لأمر الله والانقياد له ، ولهذا عدل عن الغفور الرحيم إلى العزيز الحكيم . قوله { قَالَ ٱللَّهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدْقُهُمْ } أي صدقهم في الدنيا ، وقيل في الآخرة ، والأوّل ، أولى . قرأ نافع وابن محيصن " يَوْم " بالنصب ، وقرأ الباقون بالرفع ، فوجه النصب أنه ظرف للقول ، أي قال الله هذا القول يوم ينفع الصادقين ، ووجه الرفع أنه خبر للمبتدأ هو وما أضيف إليه . وقال الكسائي نصب " يَوْمَ " هاهنا لأنه مضاف إلى الجملة ، وأنشد @ على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت ألمَّا أصحُ والشيبُ وازِعُ @@ وبه قال الزجاج ، ولا يجيز البصريون ما قالاه إلا إذا أضيف الظرف إلى فعل ماض . وقرأ الأعمش " هَـٰذَا يَوْمٌ يَنفَعُ " بتنوين يوم كما في قوله { وَٱتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا } البقرة 48 فكلاهما مقطوع عن الإضافة بالتنوين . وقد تقدّم تفسير قوله { لَهُمْ جَنَّـٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً } . قوله { رّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } أي رضي عنهم بما عملوه من الطاعات الخالصة له ، ورضوا عنه بما جازاهم به مما لا يخطر لهم على بال ولا تتصوره عقولهم ، والرضا منه سبحانه هو أرفع درجات النعيم ، وأعلى منازل الكرامة ، والإشارة بذلك إلى نيل ما نالوه من دخول الجنة والخلود فيها أبداً ، ورضوان الله عليهم . والفوز الظفر بالمطلوب على أتمّ الأحوال . قوله { للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } جاء سبحانه بهذه الخاتمة دفعاً لما سبق من إثبات من أثبت إلهية عيسى وأمه ، وأخبر بأن ملك السموات والأرض له دون عيسى وأمه ودون سائر مخلوقاته ، وأنه القادر على كل شيء دون غيره . وقيل المعنى أن له ملك السموات والأرض يعطي الجنات للمطيعين ، جعلنا الله منهم . وقد أخرج الترمذي وصححه ، والنسائي ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن أبي هريرة قال تلقى عيسى حجته والله لقَّاه في قوله { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمّىَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } قال أبو هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فلقاه الله سبحانه { مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقّ } الآية . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في الآية قال يقول الله هذا يوم القيامة ، ألا ترى أنه يقول { هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدْقُهُمْ } . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السديّ قال قال الله ذلك لما رفع عيسى إليه ، وقالت النصارى ما قالت . وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبَّكُمْ } قال سيدي وسيدكم . وأخرج ابن المنذر ، عنه في قوله { كُنتَ أَنتَ الرقيب عَلَيْهِمْ } قال الحفيظ . وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال قال النبيّ صلى الله عليه وسلم { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } قال " ما كنت فيهم " . وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس { إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } يقول عبيدك قد استوجبوا العذاب بمقالتهم { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ } أي من تركت منهم ومدّ في عمره حتى أهبط من السماء إلى الأرض لقتل الدجال ، فزالوا عن مقالتهم ووحدوك { فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } . وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله { هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدْقُهُمْ } يقول هذا يوم ينفع الموحدين توحيدهم .