Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 12-14)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ } كلام مستأنف يتضمن ذكر بعض ما صدر من بني إسرائيل من الخيانة . وقد تقدّم بيان الميثاق الذي أخذه الله عليهم . واختلف المفسرون في كيفية بعث هؤلاء النقباء ، بعد الإجماع منهم على أن النقيب كبير القوم العالم بأمورهم الذي ينقب عنها وعن مصالحهم فيها ، والنَّقَّابُ الرجل العظيم الذي هو في الناس على هذه الطريقة ، ويقال نقيب القوم لشاهدهم وضمينهم . والنقيب الطريق في الجبل هذا أصله ، وسمي به نقيب القوم لأنه طريق إلى معرفة أمورهم . والنقيب أعلى مكاناً من العريف ، فقيل المراد ببعث هؤلاء النقباء ، أنهم بعثوا أمناء على الإطلاع على الجبارين ، والنظر في قوّتهم ومنعتهم فساروا ليختبروا حال من بها ويخبروا بذلك ، فاطلعوا من الجبارين على قوّة عظيمة وظنوا أنهم لا قبل لهم بها ، فتعاقدوا بينهم على أن يخفوا ذلك عن بني إسرائيل ، وأن يعلموا به موسى ، فلما انصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فأخبروا قراباتهم ، ففشا الخبر حتى بطل أمر الغزو ، وقالوا { ٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا } المائدة 24 وقيل إن هؤلاء النقباء كفل كل واحد منهم على سبطه بأن يؤمنوا ويتقوا الله ، وهذا معنى بعثهم ، وسيأتي ذكر بعض ما قاله جماعة من السلف في ذلك . قوله { وَقَالَ ٱللَّهُ إِنّى مَعَكُمْ } أي قال ذلك لبني إسرائيل ، وقيل للنقباء والمعنى إني معكم بالنصر والعون ، واللام في قوله { لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلوٰةَ } هي الموطئة للقسم المحذوف ، وجوابه { لأكَفّرَنَّ } وهو سادّ مسدّ جواب الشرط . والتعزير التعظيم والتوقير ، وأنشد أبو عبيدة @ وكم من ماجد لهم كريم ومن ليث يعزر في الندّى @@ أي يعظم ويوقر . ويطلق التعزير على الضرب والردّ ، يقال عزّرت فلاناً إذا أدّبته ورددته عن القبيح ، فقوله { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } أي عظمتموهم على المعنى الأوّل ، أو رددتم عنهم أعداءهم ومنعتموهم على الثاني . قوله { وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } أي أنفقتم في وجوه الخير ، و { قَرْضًا } مصدر محذوف الزوائد ، كقوله تعالى { وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } آل عمران 37 أو مفعول ثان لأقرضتم . والحسن قيل هو ما طابت به النفس وقيل ما ابتغى به وجه الله وقيل الحلال . قوله { فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ } أي بعد الميثاق أو بعد الشرط المذكور ، { فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } أي أخطأ وسط الطريق . قوله { فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ } الباء سببية وما زائدة ، أي فبسبب نقضهم ميثاقهم { لَعنَّـٰهُمْ } أي طردناهم وأبعدناهم { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } أي صلبة لا تعي خيراً ولا تعقله . وقرأ حمزة والكسائي « قسِّية » بتشديد الياء من غير ألف ، وهي قراءة ابن مسعود والنخعي ويحيـى بن وثاب يقال درهم قسىّ مخفف السين مشدّد الياء أي زائف ، ذكر ذلك أبو عبيد . وقال الأصمعي وأبو عبيدة درهم قسىّ كأنه معرب قاس . وقرأ الأعمش « قسية » بتخفيف الياء وقرأ الباقون { قَاسِيَةً } { يُحَرّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوٰضِعِهِ } الجملة مستأنفة لبيان حالهم أو حالية أي يبدّلونه بغيره أو يتأولونه على غير تأويله . وقرأ السلمي والنخعي « الكلام » . قوله { وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مّنْهُمْ } أي لا تزال يا محمد تقف على خائنة منهم ، والخائنة الخيانة وقيل هو نعت لمحذوف ، والتقدير فرقة خائنة ، وقد تقع للمبالغة نحو علاّمة ونسّابة إذا أردت المبالغة في وصفه بالخيانة وقيل خائنة معصية . قوله { إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ } استثناء من الضمير في منهم { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ } قيل هذا منسوخ بآية السيف وقيل خاص بالمعاهدين . قوله { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَـٰرَىٰ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَهُمْ } الجار والمجرور متعلق بقوله { أَخَذْنَا } والتقديم للاهتمام ، والتقدير وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم ، أي في التوحيد والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به . قال الأخفش هو كقولك أخذت من زيد ثوبه ودرهمه ، فرتبة " الذين " بعد أخذنا . وقال الكوفيون بخلافه وقيل إن الضمير في قوله { مِيثَـٰقَهُمْ } راجع إلى بني إسرائيل أي أخذنا من النصارى مثل ميثاق المذكورين قبلهم من بني إسرائيل ، وقال { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَـٰرَىٰ } ولم يقل ، ومن النصارى ، للإيذان بأنهم كاذبون في دعوى النصرانية وأنهم أنصار الله . قوله { فَنَسُواْ حَظّاً مّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } أي نسوا من الميثاق المأخوذ عليهم نصيباً وافراً عقب أخذه عليهم { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَاء } أي ألصقنا ذلك بهم ، مأخوذ من الغراء وهو ما يلصق الشيء بالشيء كالصمغ وشبهه يقال غرى بالشيء يغري غرياً بفتح الغين مقصوراً ، وغراء بكسرها ممدوداً ، أي أولع به حتى كأنه صار ملتصقاً به ، ومثل الإغراء التحرش ، وأغريت الكلب أي أولعته بالصيد ، والمراد بقوله { بَيْنَهُمْ } اليهود والنصارى لتقدم ذكرهم جميعاً وقيل بين النصارى خاصة ، لأنهم أقرب مذكور ، وذلك لأنهم افترقوا إلى اليعقوبية والنسطورية والملكانية ، وكفر بعضهم بعضاً ، وتظاهروا بالعداوة في ذات بينهم . قال النحاس وما أحسن ما قيل في معنى { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَاء } أن الله عز وجل أمر بعداوة الكفار وإبغاضهم ، فكل فرقة مأمورة بعداوة صاحبتها وإبغاضها قوله { وَسَوْفَ يُنَبّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } تهديد لهم أي سيلقون جزاء نقض الميثاق . وقد أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ بَنِى إِسْرٰءيلَ } قال أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له ولا يعبدوا غيره { وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَىْ عَشَرَ نَقِيباً } أي كفيلاً كفلوا عليهم بالوفاء لله بما واثقوه عليه من العهود فيما أمرهم به وفيما نهاهم عنه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد في قوله { ٱثْنَىْ عَشَرَ نَقِيباً } قال من كل سبط من بني إسرائيل رجال أرسلهم موسى إلى الجبارين ، فوجدوهم يدخل في كمّ أحدهم اثنان منهم ، ولا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أنفس منهم في خشبة ، ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس أو أربعة ، فرجع النقباء كلهم ينهى سبطه عن قتالهم ، إلا يوشع بن نون ، وكالب بن يافنه ، فإنهما أمرا الأسباط بقتال الجبارين ، ومجاهدتهم فعصوهما وأطاعوا الآخرين ، فهما الرجلان اللذان أنعم الله عليهما ، فتاهت بنو إسرائيل أربعين سنة ، يصبحون حيث أمسوا ، ويمسون حيث أصبحوا في تيههم ذلك ، فضرب موسى الحجر لكل سبط عيناً حجراً لهم يحملونه معهم ، فقال لهم موسى اشربوا يا حمير ، فنهاه الله عن سبهم . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { ٱثْنَىْ عَشَرَ نَقِيباً } قال هم من بني إسرائيل بعثهم موسى لينظروا إلى المدينة ، فجاءوا بحبة من فاكهتهم ، وفر رجل ، فقال اقدروا قوّة قوم وبأسهم وهذه فاكهتهم ، فعند ذلك فتنوا فقالوا لا نستطيع القتال { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا } المائدة 24 وقد ذكر ابن إسحاق أسماء هؤلاء الأسباط ، وأسماؤهم مذكورة في السفر الرابع من التوراة ، وفيه مخالفة لما ذكره ابن إسحاق . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } قال أعنتموهم . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد في قوله { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } قال نصرتموهم . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ } قال هو ميثاق أخذه الله على أهل التوراة فنقضوه . وأخرج ابن جرير عنه في قوله { يُحَرّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوٰضِعِهِ } يعني حدود الله ، يقولون إن أمركم محمد بما أنتم عليه فاقبلوه ، وإن خالفكم فاحذروا ، وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله { وَنَسُواْ حَظَّا مّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } قال نسوا الكتاب . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد في قوله { وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مّنْهُمْ } قال هم يهود مثل الذي هموا به من النبي صلى الله عليه وسلم يوم دخل عليهم حائطهم . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن قتادة في قوله { وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مّنْهُمْ } قال كذب وفجور ، وفي قوله { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ } قال لم يؤمر يومئذ بقتالهم ، فأمره الله أن يعفو عنهم ويصفح ، ثم نسخ ذلك في براءة فقال { قَـٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } الآية التوبة 29 . وأخرج أبو عبيد وابن جرير ، وابن المنذر عن إبراهيم النخعي في قوله { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَاء إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } قال أغرى بعضهم ببعض بالخصومات والجدال في الدين .