Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 36-45)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

خوّف سبحانه أهل مكة بما اتفق للقرون الماضية { قَبْلَهُمْ } أي قبل قريش ومن وافقهم { مّن قَرْنٍ } أي من أمة { هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً } أي قوة ، كعاد وثمود ، وغيرهما { فَنَقَّبُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ } أي ساروا وتقلبوا فيها وطافوا بقاعها وأصله من النقب ، وهو الطريق . قال مجاهد ضربوا وطافوا . وقال النضر بن شميل دوّروا ، وقال المؤرج تباعدوا . والأوّل أولى ، ومنه قول امرىء القيس @ وقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإيـاب @@ ومنه قول الحارث بن حلزة @ نقبوا في البلاد من حذر المو ت وجالوا في الأرض كل مجال @@ وقرأ ابن عباس ، والحسن ، وأبو العالية ، وأبو عمرو في رواية نقبوا بفتح القاف مخففة ، والنقب هو الخرق والطريق في الجبل ، وكذا المنقب والمنقبة ، كذا قال ابن السكيت ، وجمع النقب نقوب . وقرأ السلمي ، ويحيـى بن يعمر بكسر القاف مشدّدة على الأمر للتهديد ، أي طوّفوا فيها وسيروا في جوانبها . وقرأ الباقون بفتح القاف مشدّدة على الماضي { هَلْ مِن مَّحِيصٍ } أي هل لهم من مهرب يهربون إليه ، أو مخلص يتخلصون به من العذاب ؟ قال الزجاج لم يروا محيصاً من الموت ، والمحيص مصدر حاص عنه يحيص حيصاً وحيوصاً ومحيصاً ومحاصاً وحيصاناً ، أي عدل وحاد ، والجملة مستأنفة لبيان أنه لا مهرب لهم ، وفي هذا إنذار لأهل مكة أنهم مثل من قبلهم من القرون لا يجدون من الموت والعذاب مفرًّا { إِنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ } أي فيما ذكر من قصتهم تذكرة وموعظة { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } أي عقل . قال الفراء وهذا جائز في العربية ، تقول ما لك قلب وما قلبك معك ، أي ما لك عقل وما عقلك معك ، وقيل المراد القلب نفسه لأنه إذا كان سليماً أدرك الحقائق وتفكر كما ينبغي . وقيل لمن كان له حياة ونفس مميزة فعبر عن ذلك بالقلب لأنه وطنها ومعدن حياتها ، ومنه قول امرىء القيس @ أغرّك مني أن حبك قاتلي وأنك مهما تأمري النفس تفعل @@ { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ } أي استمع ما يقال له ، يقال ألق سمعك إليّ ، أي استمع مني ، والمعنى أنه ألقى السمع إلى ما يتلى عليه من الوحي الحاكي لما جرى على تلك الأمم . قرأ الجمهور { ألقى } مبنياً للفاعل . وقرأ السلمي ، وطلحة ، والسديّ على البناء للمفعول ، ورفع " السمع " { وَهُوَ شَهِيدٌ } أي حاضر الفهم ، أو حاضر القلب لأن من لا يفهم في حكم الغائب وإن حضر بجسمه ، فهو لم يحضر بفهمه . قال الزجاج أي وقلبه حاضر فيما يسمع . قال سفيان أي لا يكون حاضراً وقلبه غائب . قال مجاهد ، وقتادة هذه الآية في أهل الكتاب ، وكذا قال الحسن . وقال محمد بن كعب ، وأبو صالح إنها في أهل القرآن خاصة . { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ } قد تقدّم تفسير هذه الآية في سورة الأعراف ، وغيرها . { وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } اللغوب التعب والإعياء ، تقول لغب يلغب بالضم لغوباً . قال الواحدي قال جماعة المفسرين إن اليهود قالوا خلق الله السمٰوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، أوّلها الأحد وآخرها الجمعة ، واستراح يوم السبت ، فأكذبهم الله تعالى بقوله { وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } . { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } هذه تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأمر لهم بالصبر على ما يقوله المشركون ، أي هوّن عليك ، ولا تحزن لقولهم ، وتلقّ ما يرد عليك منه بالصبر { وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } أي نزّه الله عما لا يليق بجنابه العالي ملتبساً بحمده وقت الفجر ووقت العصر ، وقيل المراد صلاة الفجر وصلاة العصر ، وقيل الصلوات الخمس ، وقيل صلّ ركعتين قبل طلوع الشمس ، وركعتين قبل غروبها ، والأوّل أولى . { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبّحْهُ } " من " للتبعيض ، أي سبّحه بعض الليل ، وقيل هي صلاة الليل ، وقيل ركعتا الفجر ، وقيل صلاة العشاء ، والأوّل أولى { وَأَدْبَـٰرَ ٱلسُّجُودِ } أي وسبّحه أعقاب الصلوات . قرأ الجمهور أدبار بفتح الهمزة جمع دبر . وقرأ نافع ، وابن كثير ، وحمزة بكسرها على المصدر ، من أدبر الشيء إدباراً إذا ولى ، وقال جماعة من الصحابة والتابعين إدبار السجود الركعتان بعد المغرب ، وإدبار النجوم الركعتان قبل الفجر ، وقد اتفق القراء السبعة في { إدبار النجوم } الطور 49 أنه بكسر الهمزة ، كما سيأتي . { وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } أي استمع ما يوحى إليك من أحوال القيامة يوم ينادي المناد ، وهو إسرافيل ، أو جبريل ، وقيل استمع النداء ، أو الصوت ، أو الصيحة ، وهي صيحة القيامة ، أعني النفخة الثانية في الصور من إسرافيل ، وقيل إسرافيل ينفخ ، وجبريل ينادي أهل المحشر ، ويقول هلموا للحساب ، فالنداء على هذا في المحشر ، قال مقاتل هو إسرافيل ينادي بالحشر فيقول يا أيها الناس هلموا للحساب { مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } بحيث يصل النداء إلى كل فرد من أفراد أهل المحشر . قال قتادة كنا نحدّث أنه ينادي من صخرة بيت المقدس . قال الكلبي وهي أقرب الأرض إلى السماء باثني عشر ميلاً ، وقال كعب بثمانية عشر ميلاً { يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقّ } هو بدل من { يوم يناد } يعني صيحة البعث ، و { بالحق } متعلق بالصيحة { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } أي يوم الخروج من القبور . قال الكلبي معنى { بالحق } بالبعث . وقال مقاتل يعني أنها كائنة حقاً . { إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ } أي نحيـي في الآخرة ، ونميت في الدنيا لا يشاركنا في ذلك مشارك ، والجملة مستأنفة لتقرير أمر البعث { وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ } ، فنجازي كل عامل بعمله { يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأرْضُ عَنْهُمْ } قرأ الجمهور بإدغام التاء في الشين ، وقرأ الكوفيون بتخفيف الشين على حذف إحدى التاءين تخفيفاً . وقرأ زيد بن علي تتشقق بإثبات التاءين على الأصل ، وقرىء على البناء للمفعول ، وانتصاب { سِرَاعاً } على أنه حال من الضمير في عنهم ، والعامل في الحال تشقق ، وقيل العامل في الحال هو العامل في { يوم } أي مسرعين إلى المنادي الذي ناداهم { ذَلِكَ حَشْرٌ } أي بعث وجمع { عَلَيْنَا يَسِيرٌ } هين . ثم عزّى الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم فقال { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ } يعني من تكذيبك فيما جئت به ، ومن إنكار البعث والتوحيد { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } أي بمسلط يجبرهم ويقهرهم على الإيمان ، والآية منسوخة بآية السيف { فَذَكّرْ بِٱلْقُرْءانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } أي من يخاف وعيدي لعصاتي بالعذاب ، وأما من عداهم فلا تشتغل بهم ، ثم أمره الله سبحانه بعد ذلك بالقتال . وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس { وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } قال من نصب . وأخرج الطبراني في الأوسط ، وابن عساكر عن جرير بن عبد الله ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله { وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ } « صلاة الصبح » { وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } « صلاة العصر » . وأخرج الترمذي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن ابن عباس قال بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر ، ثم خرج إلى الصلاة ، فقال " يا ابن عباس ركعتان قبل صلاة الفجر إدبار النجوم ، وركعتان بعد المغرب إدبار السجود " وأخرج مسدّد في مسنده ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، عن عليّ بن أبي طالب قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إدبار النجوم ، وإدبار السجود ، فقال " إدبار السجود ركعتان بعد المغرب ، وإدبار النجوم الركعتان قبل الغداة " وأخرج محمد بن نصر في الصلاة ، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب إدبار السجود ركعتان بعد المغرب ، وإدبار النجوم ركعتان قبل الفجر . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن نصر ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن عليّ بن أبي طالب مثله . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن نصر ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه عن أبي هريرة مثله . وأخرج البخاري ، وغيره عن مجاهد قال قال ابن عباس أمره أن يسبح في أدبار الصلوات كلها . وأخرج ابن جرير عنه { وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ } قال هي الصيحة . وأخرج الواسطي عنه أيضاً { مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } قال من صخرة بيت المقدس . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن المنذر عنه أيضاً { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } قال يوم يخرجون إلى البعث من القبور . وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال قالوا يا رسول الله لو خوّفتنا ، فنزلت { فَذَكّرْ بِٱلْقُرْءانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } .