Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 16-35)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر بعض القدرة الربانية ، والمراد بالإنسان الجنس ، وقيل آدم ، والوسوسة هي في الأصل الصوت الخفيّ ، والمراد بها هنا ما يختلج في سرّه وقلبه وضميره ، أي نعلم ما يخفي ، ويكنّ في نفسه ، ومن استعمال الوسوسة في الصوت الخفيّ قول الأعشى @ تسمع للحلى وسواساً إذا انصرفت @@ فاستعمل لما خفي من حديث النفس { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } هو حبل العاتق ، وهو ممتد من ناحية حلقه إلى عاتقه ، وهما وريدان من عن يمين وشمال . وقال الحسن الوريد الوتين ، وهو عرق معلق بالقلب ، وهو تمثيل للقرب بقرب ذلك العرق من الإنسان ، أي نحن أقرب إليه من حبل وريده ، والإضافة بيانية ، أي حبل هو الوريد . وقيل الحبل هو نفس الوريد ، فهو من باب مسجد الجامع . ثم ذكر سبحانه أنه مع علمه به وكل به ملكين يكتبان ، ويحفظان عليه عمله إلزاماً للحجة فقال { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقّيَانِ } الظرف منتصب بما في { أَقْرَبُ } من معنى الفعل ، ويجوز أن يكون منصوباً بمقدّر هو اذكر ، والمعنى أنه أقرب إليه من حبل وريده حين يتلقى { المتلقيان } ، وهما الملكان الموكلان به ما يلفظ به ، وما يعمل به ، أي يأخذان ذلك ويثبتانه ، والتلقي الأخذ ، أي نحن أعلم بأحواله غير محتاجين إلى الحفظة الموكلين به ، وإنما جعلنا ذلك إلزاماً للحجة ، وتوكيداً للأمر . قال الحسن ، وقتادة ، ومجاهد المتلقيان ملكان يتلقيان عملك أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك ، والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك . وقال مجاهد أيضاً وكل الله بالإنسان ملكين بالليل ، وملكين بالنهار يحفظان عمله ، ويكتبان أثره { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشّمَالِ قَعِيدٌ } إنما قال { قعيد } ، ولم يقل قعيدان وهما اثنان لأن المراد عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد ، فحذف الأوّل لدلالة الثاني عليه ، كذا قال سيبويه كقول الشاعر @ نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف @@ وقال الفرزدق @ وأتى وكان وكنت غير عذور @@ أي وكان غير عذور ، وكنت غير عذور ، وقال الأخفش ، والفراء إن لفظ قعيد يصلح للواحد والاثنين والجمع ولا يحتاج إلى تقدير في الأوّل . قال الجوهري ، غيره من أئمة اللغة والنحو فعيل وفعول مما يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع ، والقعيد المقاعد كالجليس بمعنى المجالس { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } أي ما يتكلم من كلام ، فيلفظه ويرميه من فيه إلاّ لديه أي لدى ذلك اللافظ رقيب أي ملك يرقب قوله ويكتبه ، والرقيب الحافظ المتتبع لأمور الإنسان الذي يكتب ما يقوله من خير وشر ، فكاتب الخير هو ملك اليمين ، وكاتب الشرّ ملك الشمال . والعتيد الحاضر المهيأ . قال الجوهري العتيد الحاضر المهيأ ، يقال عتده تعتيداً وأعتده اعتداداً أي أعده ، ومنه { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ متكأ } يوسف 31 والمراد هنا أنه معدّ للكتابة مهيأ لها { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ } لما بيّن سبحانه أن جميع أعمالهم محفوظة مكتوبة ذكر بعده ما ينزل بهم من الموت ، والمراد بسكرة الموت شدّته وغمرته التي تغشى الإنسان ، وتغلب على عقله ، ومعنى { بالحق } أنه عند الموت يتضح له الحق ، ويظهر له صدق ما جاءت به الرسل من الإخبار بالبعث والوعد والوعيد ، وقيل الحق هو الموت ، وقيل في الكلام تقديم وتأخير ، أي وجاءت سكرة الحق بالموت ، وكذا قرأ أبو بكر الصديق ، وابن مسعود . والسكرة هي الحق ، فأضيفت إلى نفسها لاختلاف اللفظين ، وقيل الباء للملابسة كالتي في قوله { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } المؤمنون 20 أي ملتبسة بالحق ، أي بحقيقة الحال ، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى الموت ، والحيد الميل ، أي ذلك الموت الذي كنت تميل عنه ، وتفرّ منه ، يقال حاد عن الشيء يحيد حيوداً ، وحيدة وحيدودة مال عنه وعدل ، ومنه قول طرفة @ أبو منذر رمـت الوفاء فهبته وحدت كما حاد البعير عن الدحض @@ وقال الحسن تحيد تهرب { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ } عبّر عنه بالماضي لتحقق وقوعه ، وهذه هي النفخة الآخرة للبعث { ذَلِكَ يَوْم ٱلْوَعِيدِ } أي ذلك الوقت الذي يكون فيه النفخ في الصور يوم الوعيد الذي أوعد الله به الكفار . قال مقاتل يعني بالوعيد العذاب في الآخرة ، وخصّص الوعيد مع كون اليوم هو يوم الوعد والوعيد جميعاً لتهويله . { وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ } أي جاءت كل نفس من النفوس معها من يسوقها ، ومن يشهد لها ، أو عليها . واختلف في السائق والشهيد ، فقال الضحاك السائق من الملائكة ، والشهيد من أنفسهم ، يعني الأيدي والأرجل . وقال الحسن ، وقتادة سائق يسوقها ، وشاهد يشهد عليها بعملها ، وقال ابن مسلم السائق قرينها من الشياطين ، سمي سائقاً لأنه يتبعها وإن لم يحثها . وقال مجاهد السائق والشهيد ملكان . وقيل السائق الملك ، والشهيد العمل ، وقيل السائق كاتب السيئات ، والشهيد كاتب الحسنات ، ومحل الجملة النصب على الحال { لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مّنْ هَـٰذَا } أي يقال له لقد كنت في غفلة من هذا ، والجملة في محل نصب على الحال من { نفس } ، أو مستأنفة كأنه قيل ما يقال له ، قال الضحاك المراد بهذا المشركون لأنهم كانوا في غفلة من عواقب أمورهم . وقال ابن زيد الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، أي لقد كنت يا محمد في غفلة من الرسالة . وقال أكثر المفسرين المراد به جميع الخلق برّهم ، وفاجرهم ، واختار هذا ابن جرير . قرأ الجمهور بفتح التاء من { كنت } ، وفتح الكاف في { غطاءك } ، و { بصرك } حملاً على ما في لفظ { كل } من التذكير . وقرأ الجحدري ، وطلحة بن مصرف بالكسر في الجميع على أن المراد النفس { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ } الذي كان في الدنيا ، يعني رفعنا الحجاب الذي كان بينك وبين أمور الآخرة ، ورفعنا ما كنت فيه من الغفلة عن ذلك { فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } أي نافذ تبصر به ما كان يخفى عليك في الدنيا . قال السديّ المراد بالغطاء أنه كان في بطن أمه فولد ، وقيل إنه كان في القبر فنشر ، والأوّل أولى . والبصر قيل هو بصر القلب ، وقيل بصر العين ، وقال مجاهد بصرك إلى لسان ميزانك حين توزن حسناتك وسيئاتك ، وبه قال الضحاك . { وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ } أي قال الملك الموكل به هذا ما عندي من كتاب عملك عتيد حاضر قد هيأته ، كذا قال الحسن ، وقتادة ، والضحاك . وقال مجاهد إن الملك يقول للربّ سبحانه هذا الذي وكلتني به من بني آدم قد أحضرته ، وأحضرت ديوان عمله . وروي عنه أنه قال إن قرينه من الشياطين يقول ذلك أي هذا ما قد هيأته لك بإغوائي وإضلالي . وقال ابن زيد إن المراد هنا قرينه من الإنس ، وعتيد مرفوع على أنه صفة لما إن كانت موصوفة ، وإن كانت موصولة فهو خبر بعد خبر ، أو خبر مبتدأ محذوف { أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } هذا خطاب من الله عزّ وجلّ للسائق والشهيد . قال الزجاج هذا أمر للملكين الموكلين به وهما السائق ، والشاهد كل كفار للنعم عنيد مجانب للإيمان { مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ } لا يبذل خيراً { مُعْتَدٍ } ظالم لا يقرّ بتوحيد الله { مُرِيبٍ } شاكّ في الحق ، من قولهم أراب الرجل إذا صار ذا ريب . وقيل هو خطاب للملكين من خزنة النار ، وقيل هو خطاب لواحد على تنزيل تثنية الفاعل منزلة تثنية الفعل وتكريره . قال الخليل ، والأخفش هذا كلام العرب الصحيح أن يخاطب الواحد بلفظ الاثنين يقولون ارحلاها وازجراها ، وخذاه وأطلقاه للواحد . قال الفراء العرب تقول للواحد قوما عنا . وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه ورفقته في سفره اثنان ، فجرى كلام الرجل للواحد على ذلك ، ومنه قولهم للواحد في الشعر خليليّ كما قال امرؤ القيس @ خليلي مرّا بي على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب @@ وقوله @ قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل @@ وقول الآخر @ فإن تزجراني يابن عفان أنزجر وإن تدعواني أحم عرضاً ممنعا @@ قال المازني قوله { أَلْقِيَا } يدل على ألق ألق . قال المبرد هي تثنية على التوكيد ، فناب ألقيا مناب ألق ألق . قال مجاهد ، وعكرمة العنيد المعاند للحق ، وقيل المعرض عن الحق ، يقال عند يعند بالكسر عنوداً إذا خالف الحق { ٱلَّذِى جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً ءاخَرَ } يجوز أن يكون بدلاً من { كل } ، أو منصوباً على الذم ، أو بدلاً من { كفار } ، أو مرفوعاً بالابتداء ، أو الخبر { فَأَلْقِيَـٰهُ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ } تأكيد للأمر الأول ، أو بدل منه { قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ } هذه الجملة مستأنفة لبيان ما يقوله القرين ، والمراد بالقرين هنا الشيطان الذي قيض لهذا الكافر ، أنكر أن يكون أطغاه ، ثم قال { وَلَـٰكِن كَانَ فِى ضَلَـٰلٍ بَعِيدٍ } أي عن الحق فدعوته ، فاستجاب لي ، ولو كان من عبادك المخلصين لم أقدر عليه ، وقيل إن قرينه الملك الذي كان يكتب سيئاته ، وإن الكافر يقول ربّ إنه أعجلني فيجيبه بهذا ، كذا قال مقاتل ، وسعيد بن جبير ، والأوّل أولى ، وبه قال الجمهور . { قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ } هذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر كأنه قيل فماذا قال الله ؟ فقيل { قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ } يعني الكافرين وقرناءهم ، نهاهم سبحانه عن الاختصام في موقف الحساب ، وجملة { وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ } في محل نصب على الحال ، أي والحال أن قد قدّمت إليكم بالوعيد بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، والباء في { بِٱلْوَعِيدِ } مزيدة للتأكيد ، أو على تضمين قدّم معنى تقدّم { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَىَّ } أي لا خلف لوعدي ، بل هو كائن لا محالة ، وقد قضيت عليكم بالعذاب ، فلا تبديل له ، وقيل هذا القول هو قوله { مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِٱلسَّيّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا } الأنعام 160 وقيل هو قوله " لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ " السجدة 13 وقال الفراء ، وابن قتيبة معنى الآية أنه ما يكذب عندي بزيادة في القول ، ولا ينقص منه لعلمي بالغيب ، وهو قول الكلبي . واختاره الواحدي ، لأنه قال { لَدَىَّ } ولم يقل وما يبدل قولي ، والأوّل أولى . وقيل إن مفعول { قدّمت إليكم } هو ما { يبدّل } أي وقد قدّمت إليكم هذا القول ملتبساً بالوعيد ، وهذا بعيد جداً { وَمَا أَنَاْ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } أي لا أعذبهم ظلماً بغير جرم اجترموه ، ولا ذنب أذنبوه . ولما كان نفي الظلام لا يستلزم نفي مجرّد الظلم قيل إنه هنا بمعنى الظالم ، كالثمار بمعنى الثامر . وقيل إن صيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب في معرض المبالغة في الظلم . وقيل صيغة المبالغة لرعاية جمعية العبيد من قولهم فلان ظالم لعبده ، وظلام لعبيده ، وقيل غير ذلك ، وقد تقدّم الكلام على هذا في سورة آل عمران ، وفي سورة الحج . { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } قرأ الجمهور { نقول } بالنون ، وقرأ نافع وأبو بكر بالياء ، وقرأ الحسن أقول . وقرأ الأعمش يقال ، والعامل في الظرف { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَىَّ } ، أو محذوف أي اذكر ، أو أنذرهم ، وهذا الكلام على طريقة التمثيل والتخييل ، ولا سؤال ولا جواب ، كذا قيل ، والأولى أنه على طريقة التحقيق ، ولا يمنع من ذلك عقل ولا شرع . قال الواحدي قال المفسرون أراها الله تصديق قوله { لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ } هود 119 فلما امتلأت قال لها { هَلِ ٱمْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } أي قد امتلأت ولم يبق في موضع لم يمتلىء ، وبهذا قال عطاء ، ومجاهد ، ومقاتل بن سليمان . وقيل إن هذا الاستفهام بمعنى الاستزادة ، أي إنها تطلب الزيادة على من قد صار فيها . وقيل إن المعنى أنها طلبت أن يزاد في سعتها لتضايقها بأهلها ، والمزيد إما مصدر كالمحيد ، أو اسم مفعول كالمنيع ، فالأول بمعنى هل من زيادة ؟ والثاني بمعنى هل من شيء تزيدونيه ؟ ثم لما فرغ من بيان حال الكافرين شرع في بيان حال المؤمنين ، فقال { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } أي قربت للمتقين تقريباً غير بعيد ، أو مكان غير بعيد منهم بحيث يشاهدونها في الموقف ، وينظرون ما فيها مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ويجوز أن يكون انتصاب { غَيْرَ بَعِيدٍ } على الحال . وقيل المعنى أنها زينت قلوبهم في الدنيا بالترغيب والترهيب ، فصارت قريبة من قلوبهم ، والأوّل أولى . والإشارة بقوله { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ } إلى الجنة التي أزلفت لهم على معنى هذا الذي ترونه من فنون نعيمها ما توعدون ، والجملة بتقدير القول ، أي ويقال لهم هذا ما توعدون . قرأ الجمهور { توعدون } بالفوقية ، وقرأ ابن كثير بالتحتية { لِكُلّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ } هو بدل من { للمتقين } بإعادة الخافض ، أو متعلق بقول محذوف هو حال ، أي مقولاً لهم لكل أوّاب ، والأوّاب الرجاع إلى الله تعالى بالتوبة عن المعصية ، وقيل هو المسبح ، وقيل هو الذاكر لله في الخلوة . قال الشعبي ، ومجاهد هو الذي يذكر ذنوبه في الخلوة ، فيستغفر الله منها . وقال عبيد بن عمير هو الذي لا يجلس مجلساً حتى يستغفر الله فيه ، والحفيظ هو الحافظ لذنوبه حتى يتوب منها . وقال قتادة هو الحافظ لما استودعه الله من حقه ونعمته ، قاله مجاهد . وقيل هو الحافظ لأمر الله . وقال الضحاك هو الحافظ لوصية الله له بالقبول . { مَّنْ خَشِىَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } الموصول في محل جر بدلاً ، أو بياناً { لكل أوّاب } وقيل يجوز أن يكون بدلاً بعد بدل من المتقين ، وفيه نظر لأنه لا يتكرر البدل والمبدل منه واحد ، ويجوز أن يكون في محل رفع على الاستئناف ، والخبر { ادخلوها } بتقدير يقال لهم ادخلوها ، والخشية بالغيب أن يخاف الله ولم يكن رآه . وقال الضحاك ، والسديّ يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد . قال الحسن إذا أرخى الستر وأغلق الباب ، و { بالغيب } متعلق بمحذوف هو حال ، أو صفة لمصدر { خشي } { وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } أي راجع إلى الله مخلص لطاعته ، وقيل المنيب المقبل على الطاعة ، وقيل السليم { ٱدْخُلُوهَا } هو بتقدير القول ، أي يقال لهم ادخلوها ، والجمع باعتبار معنى " من " أي ادخلوا الجنة { بِسَلامٍ } أي بسلامة من العذاب . وقيل بسلام من الله وملائكته ، وقيل بسلامة من زوال النعم ، وهو متعلق بمحذوف هو حال ، أي ملتبسين بسلام ، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى زمن ذلك اليوم ، كما قال أبو البقاء ، وخبره { يَوْمُ ٱلُخُلُودِ } وسماه يوم الخلود لأنه لا انتهاء له ، بل هو دائم أبداً { لَهُم مَّا يَشَاءونَ فِيهَا } أي في الجنة ما تشتهي أنفسهم ، وتلذ أعينهم من فنون النعم وأنواع الخير { وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } من النعم التي لم تخطر لهم على بال ، ولا مرّت لهم في خيال . وقد أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال « نزل الله من ابن آدم أربع منازل هو أقرب إليه من حبل الوريد ، وهو يحول بين المرء وقلبه ، وهو آخذ بناصية كل دابة ، وهو معهم أينما كانوا » . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } قال عروق العنق . وأخرج ابن المنذر عنه قال هو نياط القلب . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً ، في قوله { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } قال يكتب كل ما تكلم به من خير أو شرّ حتى إنه ليكتب قوله أكلت ، شربت ، ذهبت ، جئت ، رأيت ، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقرّ منه ما كان من خير أو شرّ وألقى سائره ، فذلك قوله { يَمْحُو ٱللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ } الرعد 39 . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس في الآية قال إنما يكتب الخير والشرّ ، لا يكتب يا غلام اسرج الفرس ، يا غلام اسقني الماء . وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله غفر لهذه الأمة ما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل ، أو تكلم " وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد في الزهد ، والحكيم الترمذي ، وأبو نعيم ، والبيهقي في الشعب عن عمرو بن ذرّ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله عند لسان كل قائل ، فليتق الله عبد ، ولينظر ما يقول " وأخرج الحكيم الترمذي عن ابن عباس مرفوعاً مثله . وأخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم في الكنى ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث ، وابن عساكر عن عثمان بن عفان أنه قرأ { وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ } قال سائق يسوقها إلى أمر الله ، وشهيد يشهد عليها بما عملت . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم في الكنى ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث عن أبي هريرة في الآية قال السائق الملك ، والشهيد العمل . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال السائق من الملائكة ، والشهيد شاهد عليه من نفسه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه { لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مّنْ هَـٰذَا } قال هو الكافر . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ } قال الحياة بعد الموت . وأخرج ابن جرير عنه أيضاً ، و { قَالَ قرِينُهُ } قال شيطانه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم في قوله { لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ } قال إنهم اعتذروا بغير عذر ، فأبطل الله حجتهم ، وردّ عليهم قولهم . وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً . في قوله { وَمَا أَنَاْ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } قال ما أنا بمعذّب من لم يجترم . وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً . في قوله { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } قال وهل فيّ من مكان يزاد فيّ ؟ وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزال جهنم يلقى فيها ، وتقول هل من مزيد حتى يضع ربّ العزّة فيها قدمه ، فينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول قط قط ، وعزّتك وكرمك ، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله لها خلقاً آخر ، فيسكنهم في فضول الجنة " وأخرجا أيضاً من حديث أبي هريرة نحوه ، وفي الباب أحاديث . وأخرج ابن جرير ، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله { لِكُلّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ } قال حفظ ذنوبه حتى رجع عنها . وأخرج البزار ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث والنشور عن أنس ، في قوله { وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } قال يتجلى لهم الربّ تبارك وتعالى في كل جمعة . وأخرج البيهقي في الرؤية ، والديلمي عن عليّ في الآية قال يتجلى لهم الربّ عزّ وجلّ ، وفي الباب أحاديث .