Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 1-20)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَٱلطُّورِ } قال الجوهري هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى . قال مجاهد ، والسديّ الطور بالسريانية الجبل ، والمراد به طور سيناء . قال مقاتل بن حيان هما طوران ، يقال لأحدهما طور سيناء ، وللآخر طور زيتا لأنهما ينبتان التين والزيتون . وقيل هو جبل مدين ، وقيل إن الطور كل جبل ينبت ، وما لا ينبت فليس بطور ، أقسم الله سبحانه بهذا الجبل تشريفاً له وتكريماً . { وَكِتَـٰبٍ مُّسْطُورٍ } المسطور المكتوب ، والمراد بالكتاب القرآن ، وقيل هو اللوح المحفوظ ، وقيل جميع الكتب المنزلة ، وقيل ألواح موسى ، وقيل ما تكتبه الحفظة ، قاله الفراء ، وغيره ، ومثله { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ كِتَابًا يَلْقَـٰهُ مَنْشُوراً } الإسراء 13 وقوله { وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } التكوير 10 { فِى رَقّ مَّنْشُورٍ } متعلق بمسطور ، أي مكتوب في رقّ . قرأ الجمهور { في رق } بفتح الراء ، وقرأ أبو السماك بكسرها . قال الجوهري الرقّ بالفتح ما يكتب فيه ، وهو جلد رقيق ، ومنه قوله تعالى { فِى رَقّ مَّنْشُورٍ } قال المبرد الرقّ ما رقّ من الجلد ليكتب فيه ، والمنشور المبسوط . قال أبو عبيدة وجمعه رقوق ، ومن هذا قول المتلمس @ فكأنما هي من تقادم عهدها رقّ أتيح كتابها مسطور @@ وأما الرقّ بالكسر ، فهو المملوك ، يقال عبد رقّ ، وعبد مرقوق . { وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } في السماء السابعة . وقيل في سماء الدنيا ، وقيل هو الكعبة ، فعلى القولين الأوّلين يكون وصفه بالعمارة باعتبار من يدخل إليه من الملائكة ، ويعبد الله فيه . وعلى القول الثالث ، يكون وصفه بالعمارة حقيقة أو مجازاً باعتبار كثرة من يتعبد فيه من بني آدم { وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ } يعني السماء ، سماها سقفاً لكونها كالسقف للأرض ، ومنه قوله { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً } الأنبياء 32 وقيل هو العرش { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } أي الموقد ، من السجر وهو إيقاد النار في التنور ، ومنه قوله { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجّرَتْ } التكوير 6 وقد روي أن البحار تسجر يوم القيامة فتكون ناراً ، وقيل المسجور المملوء ، قيل إنه من أسماء الأضداد ، يقال بحر مسجور أي مملوء ، وبحر مسجور ، أي فارغ ، وقيل المسجور الممسوك ، ومنه ساجور الكلب لأنه يمسكه . وقال أبو العالية المسجور الذي ذهب ماؤه ، وقيل المسجور المفجور ، ومنه { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ فُجّرَتْ } الإنفطار 3 وقال الربيع بن أنس هو الذي يختلط فيه العذب بالمالح . والأوّل أولى ، وبه قال مجاهد ، والضحاك ، ومحمد بن كعب ، والأخفش ، وغيرهم . { إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ } هذا جواب القسم ، أي كائن لا محالة لمن يستحقه { مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } يدفعه ويرده عن أهل النار ، وهذه الجملة خبر ثان لإن ، أو صفة لواقع ، و " من " مزيدة للتأكيد . ووجه تخصيص هذه الأمور بالإقسام بها أنها عظيمة دالة على كمال القدرة الربانية . { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَاء مَوْراً } العامل في الظرف { لواقع } ، أي إنه لواقع في هذا اليوم ، ويجوز أن يكون العامل فيه { دافع } . والمور الاضطراب والحركة . قال أهل اللغة مار الشيء يمور موراً إذا تحرك وجاء وذهب ، قاله الأخفش ، وأبو عبيدة وأنشدا بيت الأعشى @ كأن مشيها من بيت جارتها مشي السحابة لا ريث ولا عجل @@ وليس في البيت ما يدلّ على ما قالاه إلاّ إذا كانت هذه المشية المذكورة في البيت يطلق المور عليها لغة . وقال الضحاك يموج بعضها في بعض ، وقال مجاهد تدور دوراً ، وقيل تجرى جرياً ، ومنه قول الشاعر @ وما زالت القتلى تمور دماؤها بدجلة حتى ماء دجلة أشكل @@ ويطلق المور على الموج ، ومنه ناقة موارة اليد ، أي سريعة تموج في مشيها موجاً ، ومعنى الآية أن العذاب يقع بالعصاة ، ولا يدفعه عنهم دافع في هذا اليوم الذي تكون فيه السماء هكذا ، وهو يوم القيامة . وقيل إن السماء ها هنا الفلك ، وموره اضطراب نظمه واختلاف سيره . { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } أي تزول عن أماكنها ، وتسير عن مواضعها كسير السحاب ، وتكون هباءً منبثاً ، قيل ووجه تأكيد الفعلين بالمصدر الدالة على غرابتها ، وخروجهما عن المعهود ، وقد تقدّم تفسير مثل هذا في سورة الكهف . { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } ويل كلمة تقال للهالك ، واسم واد في جهنم ، وإنما دخلت الفاء لأن في الكلام معنى المجازاة ، أي إذا وقع ما ذكر من مور السماء ، وسير الجبال فويل لهم . ثم وصف المكذبين بقوله { ٱلَّذِينَ هُمْ فِى خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } أي في تردّد في الباطل ، واندفاع فيه يلهون لا يذكرون حساباً ، ولا يخافون عقاباً . والمعنى أنهم يخوضون في أمر محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب والاستهزاء ، وقيل يخوضون في أسباب الدنيا ، ويعرضون عن الآخرة . { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } الدعّ الدفع بعنف وجفوة ، يقال دععته أدعه دعًّا ، أي دفعته ، والمعنى أنهم يدفعون إلى النار دفعاً عنيفاً شديداً . قال مقاتل تغلّ أيديهم إلى أعناقهم ، وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم ، ثم يدفعون إلى جهنم دفعاً على وجوههم . قرأ الجمهور بفتح الدال وتشديد العين . وقرأ عليّ والسلمي ، وأبو رجاء ، وزيد بن عليّ ، وابن السميفع بسكون الدال وتخفيف العين مفتوحة أي يدعون إلى النار من الدعاء . ويوم إما بدل من { يوم تمور } ، أو متعلق بالقول المقدر في الجملة التي بعد هذه ، وهي { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ } أي يقال لهم ذلك يوم يدعون إلى نار جهنم دعًّا ، أي هذه النار التي تشاهدونها هي النار التي كنتم تكذبون بها في الدنيا ، والقائل لهم بهذه المقالة هم خزنة النار ، ثم وبخهم سبحانه ، أو أمر ملائكته بتوبيخهم ، فقال { أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا } الذي ترون وتشاهدون ، كما كنتم تقولون لرسل الله المرسلة ، ولكتبه المنزلة ، وقدّم الخبر هنا على المبتدأ لأنه الذي وقع الاستفهام عنه ، وتوجه التوبيخ إليه { أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ } أي أم أنتم عمي عن هذا ، كما كنتم عمياً عن الحقّ في الدنيا { ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُواْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ } أي إذا لم يمكنكم إنكارها ، وتحققتم أن ذلك ليس بسحر ، ولم يكن في أبصاركم خلل ، فالآن ادخلوها وقاسوا شدّتها ، فاصبروا على العذاب أو لا تصبروا ، وافعلوا ما شئتم ، فالأمران { سَوَاء عَلَيْكُمْ } في عدم النفع ، وقيل أيضاً تقول لهم الملائكة هذا القول ، { وَسَوَآء } خبر مبتدأ محذوف ، أي الأمران سواء ، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف ، أي سواء عليكم الصبر وعدمه ، وجملة { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } تعليل للاستواء ، فإن الجزاء بالعمل إذا كان واقعاً حتماً كان الصبر ، وعدمه سواء . { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍ وَنَعِيمٍ } لما فرغ سبحانه من ذكر حال المجرمين ذكر حال المتقين ، وهذه الجملة يجوز أن تكون مستأنفة ، ويجوز أن تكون من جملة ما يقال للكفار زيادة في غمهم وحسرتهم ، والتنوين في { جَنَّـٰتٍ وَنَعِيمٍ } للتفخيم { فَـٰكِهِينَ بِمَا ءاتَـٰهُمْ رَبُّهُمْ } يقال رجل فاكه ، أي ذو فاكهة ، كما قيل لابن وتامر . والمعنى أنهم ذوو فاكهة من فواكه الجنة ، وقيل ذوو نعمة وتلذّذ بما صاروا فيه مما أعطاهم الله عزّ وجلّ مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وقد تقدّم بيان معنى هذا . قرأ الجمهور { فاكهين } بالألف والنصب على الحال . وقرأ خالد فاكهون بالرفع على أنه خبر بعد خبر . وقرأ ابن عباس فكهين بغير ألف ، والفكه طيب النفس ، كما تقدم في الدخان ، ويقال للأشر والبطر ، ولا يناسب التفسير به هنا { وَوَقَـٰهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } معطوف على آتاهم ، أو على خبر إنّ ، أو الجملة في محل نصب على الحال بإضمار قد . { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً } أي يقال لهم ذلك ، والهنيء ما لا تنغيص فيه ولا نكد ولا كدر . قال الزجاج أي ليهنئكم ما صرتم إليه هناء ، والمعنى كلوا طعاماً هنيئًا ، واشربوا شراباً هنيئًا ، وقد تقدم تفسير هنيئًا في سورة النساء ، وقيل معنى { هنيئاً } أنكم لا تموتون . { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ } انتصابه على الحال من فاعل كلوا ، أو من مفعول آتاهم ، أو من مفعول وقاهم ، أو من الضمير المستكنّ في الظرف ، أو من الضمير في { فاكهين } . قرأ الجمهور { على سرر } بضم الراء الأولى . وقرأ أبو السماك بفتحها ، والسرر جمع سرير . والمصفوفة المتصل بعضها ببعض حتى تصير صفاً { وَزَوَّجْنَـٰهُم بِحُورٍ عِينٍ } أي قرناهم بها . قال يونس بن حبيب تقول العرب زوّجته امرأة ، وتزوّجت بامرأة ، وليس من كلام العرب زوّجته بامرأة . قال وقول الله تعالى { وَزَوَّجْنَـٰهُم بِحُورٍ عِينٍ } أي قرناهم بهنّ . وقال الفرّاء زوّجته بامرأة ، لغة أزدشنوءة ، وقد تقدم تفسير الحور العين في سورة الدخان . قرأ الجمهور { بحور عين } من غير إضافة . وقرأ عكرمة بإضافة الحور إلى العين . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن ابن عباس { وَٱلطُّورِ } قال جبل . وأخرج ابن مردويه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جدّه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الطور جبل من جبال الجنة " وكثير ضعيف جدًّا . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { فِى رَقّ مَّنْشُورٍ } قال في الكتاب . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " البيت المعمور في السماء السابعة ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، لا يعودون إليه حتى تقوم الساعة " ، وفي الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث الإسراء بعد مجاوزته إلى السماء السابعة " ثم رفع إلى البيت المعمور ، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه " وأخرج عبد الّرزّاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن الأنباري في المصاحف عن أبي الطفيل أن ابن الكوّاء سأل علياً عن البيت المعمور فقال ذلك الضراح ، بيت فوق سبع سمٰوات تحت العرش يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون إليه أبداً إلى يوم القيامة . وأخرج ابن جرير نحوه عن ابن عباس . وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمر ورفعه ، قال إن البيت المعمور ، لجيال الكعبة لو سقط منه شيء لسقط عليها ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفاً ، ثم لا يعودون إليه . وأخرج الطبراني ، وابن مردويه عن ابن عباس نحوه ، وضعف إسناده السيوطي . وأخرج ابن راهويه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الشعب عن عليّ بن أبي طالب في قوله { وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ } قال السماء . وأخرج عبد الرّزّاق ، وسعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } قال بحر في السماء تحت العرش . وأخرج ابن جرير عن ابن عمر مثله . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال المسجور المحبوس . وأخرج ابن المنذر عنه قال المسجور المرسل . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَاء مَوْراً } قال تحرك ، وفي قوله { يَوْمَ يُدَعُّونَ } قال يدفعون . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً { يوم يدعون إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } قال يدفع في أعناقهم حتى يردوا النار . وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً } أي لا تموتون فيها ، فعندها قالوا { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلاْولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } الصافات 58 ، 59 .