Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 52, Ayat: 35-49)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْء } " أم " هذه هي المنقطعة ، كما تقدّم فيما قبلها ، وكما سيأتي فيما بعدها ، أي بل أخلقوا على هذه الكيفية البديعة ، والصنعة العجيبة من غير خالق لهم ؟ قال الزجاج أي أخلقوا باطلاً لغير شيء لا يحاسبون ، ولا يؤمرون ، ولا ينهون ؟ وجعل " مِنْ " بمعنى اللام . قال ابن كيسان أم خلقوا عبثاً ، وتركوا سدًى لا يؤمرون ، ولا ينهون ؟ وقيل المعنى أم خلقوا من غير أب ولا أمّ ، فهم كالجماد لا يفهمون ، ولا تقوم عليهم حجة ؟ { أَمْ هُمُ ٱلْخَـٰلِقُونَ } أي بل أيقولون هم الخالقون لأنفسهم ، فلا يؤمرون ولا ينهون مع أنهم يقرّون أن الله خالقهم ؟ وإذا أقرّوا لزمتهم الحجة { أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ } وهم لا يدّعون ذلك ، فلزمتهم الحجة ، ولهذا أضرب عن هذا ، وقال { بَل لاَّ يُوقِنُونَ } أي ليسوا على يقين من الأمر ، بل يخبطون في ظلمات الشك في وعد الله ووعيده { أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبّكَ } أي خزائن أرزاق العباد ، وقيل مفاتيح الرحمة . قال مقاتل يقول أبأيديهم مفاتيح ربك بالرسالة ، فيضعونها حيث شاءوا ؟ وكذا قال عكرمة وقال الكلبي خزائن المطر والرزق { أَمْ هُمُ المصيطرون } أي المسلطون الجبارون ، قال في الصحاح المسيطر المسلط على الشيء ، ليشرف عليه ، ويتعهد أحواله ، ويكتب عمله ، وأصله من السطر لأن الكتاب يسطر . وقال أبو عبيدة سطرت عليّ اتخذتني خولاً لك . قرأ الجمهور { المصيطرون } بالصاد الخالصة ، وقرأ ابن محيصن ، وحميد ، ومجاهد ، وقنبل ، وهشام بالسين الخالصة ، ورويت هذه القراءة عن حفص ، وقرأ خلاد بصاد مشمة زاياً . { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } أي بل أيقولون إن لهم سلماً منصوباً إلى السماء يصعدون به ، ويستمعون فيه كلام الملائكة ، وما يوحى إليهم ، ويصلون به إلى علم الغيب ، كما يصل إليه محمد صلى الله عليه وسلم بطريق الوحي ، وقوله { فِيهِ } صفة لسلم ، وهي للظرفية على بابها ، وقيل هي بمعنى على ، أي يستمعون عليه كقوله { وَلأصَلّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } طه 71 قاله الأخفش . وقال أبو عبيدة يستمعون به . وقال الزجاج المعنى أنهم كجبريل الذي يأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم بالوحي ، وقيل هي في محلّ نصب على الحال ، أي صاعدين فيه { فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم } إن ادّعى ذلك { بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ } أي بحجة واضحة ظاهرة { أَمْ لَهُ ٱلْبَنَـٰتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ } أي بل أتقولون لله البنات ولكم البنون ، سفه سبحانه أحلامهم ، وضلل عقولهم ووبخهم ، أي أيضيفون إلى الله البنات وهي أضعف الصنفين ، ويجعلون لأنفسهم البنين ، وهم أعلاهما ، وفيه إشعار بأن من كان هذا رأيه ، فهو بمحلّ سافل في الفهم والعقل ، فلا يستبعد منه إنكار البعث وجحد التوحيد . ثم رجع سبحانه إلى خطاب رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال { أَمْ تَسْـئَلُهُمْ أَجْراً } أي بل أتسألهم أجراً يدفعونه إليك على تبليغ الرسالة { فَهُم مّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } أي من التزام غرامة تطلبها منهم مثقلون ، أي مجهودون بحملهم ذلك المغرم الثقيل . قال قتادة يقول هل سألت هؤلاء القوم أجراً فجهدهم ، فلا يستطيعون الإسلام ؟ { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } أي بل أيدّعون أن عندهم علم الغيب ؟ وهو ما في اللوح المحفوظ فهم يكتبون للناس ما أرادوا من علم الغيب . قال قتادة هذا جواب لقولهم { نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } يقول الله أم عندهم الغيب حتى علموا أن محمداً يموت قبلهم ، فهم يكتبون ؟ قال ابن قتيبة معنى يكتبون يحكمون بما يقولون { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً } أي مكراً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيهلكونه بذلك المكر { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } أي الممكور بهم المجزيون بكيدهم ، فضرر كيدهم يعود عليهم { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيّىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ } فاطر 43 وقد قتلهم الله في يوم بدر ، وأذلهم في غير موطن ، ومكر سبحانه بهم { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَـٰكِرِينَ } آل عمران 54 { أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ } أي بل أيدّعون أن لهم إلٰهاً غير الله يحفظهم ويرزقهم وينصرهم ؟ ! ثم نزّه سبحانه نفسه عن هذه المقالة الشنعاء فقال { سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي عن شركهم به ، أو عن الذين يجعلونهم شركاء له . ثم ذكر سبحانه بعض جهالاتهم ، فقال { وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مّنَ ٱلسَّمَاء سَـٰقِطاً يَقُولُواْ سَحَـٰبٌ مَّرْكُومٌ } الكسف جمع كسفة وهي القطعة من الشيء ، وانتصاب ساقطاً على الحال ، أو على أنه المفعول الثاني ، والمركوم المجعول بعضه على بعض . والمعنى أنهم إن يروا كسفاً من السماء { ساقطاً } عليهم لعذابهم ، لم ينتهوا عن كفرهم بل يقولون هو سحاب متراكم بعضه على بعض ، وقد تقدّم اختلاف القرّاء في { كسفاً } ، قال الأخفش من قرأ { كسفاً } ، يعني بكسر الكاف وسكون السين جعله واحداً ، ومن قرأ " كسفاً " ، يعني بكسر الكاف وفتح السين جعله جمعاً . ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتركهم ، فقال { فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى فِيهِ يُصْعَقُونَ } أي اتركهم وخلّ عنهم حتى يلاقوا يوم موتهم ، أو يوم قتلهم ببدر ، أو يوم القيامة . قرأ الجمهور { يلاقوا } وقرأ أبو حيوة يلقوا وقرأ الجمهور " يصعقون " على البناء للفاعل ، وقرأ ابن عامر ، وعاصم على البناء للمفعول ، والصعقة الهلاك على ما تقدّم بيانه { يَوْمَ لاَ يُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } هو بدل من يومهم ، أي لا ينفعهم في ذلك اليوم كيدهم الذي كادوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } أي ولا يمنع عنهم العذاب النازل بهم مانع ، بل هو واقع بهم لا محالة { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ } أي لهؤلاء الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي عذاباً في الدنيا دون عذاب يوم القيامة ، أي قبله ، وهو قتلهم يوم بدر . وقال ابن زيد هو مصائب الدنيا من الأوجاع ، والأسقام ، والبلايا ، وذهاب الأموال والأولاد . وقال مجاهد هو الجوع ، والجهد سبع سنين ، وقيل عذاب القبر ، وقيل المراد بالعذاب هو القحط ، وبالعذاب الذي يأتي بعده هو قتلهم يوم بدر { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ما يصيرون إليه من عذاب الله ، وما أعدّه لهم في الدنيا والآخرة . { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ } إلى أن يقع لهم العذاب الذي وعدناهم به { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } أي بمرأى ومنظر منا ، وفي حفظنا وحمايتنا ، فلا تبال بهم . قال الزجاج إنك بحيث نراك ونحفظك ، ونرعاك فلا يصلون إليك { وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ حِينَ تَقُومُ } أي نزّه ربك عما لا يليق به متلبساً بحمد ربك على إنعامه عليك حين تقوم من مجلسك . قال عطاء ، وسعيد بن جبير ، وسفيان الثوري ، وأبو الأحوص يسبح الله حين يقوم من مجلسه فيقول سبحان الله وبحمده ، أو سبحانك اللَّهمّ وبحمدك ، عند قيامه من كل مجلس يجلسه . وقال محمد بن كعب ، والضحاك ، والربيع بن أنس حين تقوم إلى الصلاة . قال الضحاك يقول الله أكبر كبيراً ، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً ، وفيه نظر لأن التكبير يكون بعد القيام لا حال القيام ، ويكون التسبيح بعد التكبير ، وهذا غير معنى الآية ، فالأوّل أولى . وقيل المعنى صلّ لله حين تقوم من منامك ، وبه قال أبو الجوزاء ، وحسان بن عطية . وقال الكلبي واذكر الله باللسان حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل الصلاة ، وهي صلاة الفجر . { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبّحْهُ } أمره الله سبحانه أن يسبّحه في بعض الليل . قال مقاتل أي صلّ المغرب والعشاء ، وقيل ركعتي الفجر { وَإِدْبَـٰرَ ٱلنُّجُومِ } أي وقت إدبارها من آخر الليل ، وقيل صلاة الفجر ، واختاره ابن جرير ، وقيل هو التسبيح في إدبار الصلوات ، قرأ الجمهور { إدبار } بكسر الهمزة على أنه مصدر ، وقرأ سالم بن أبي الجعد ، ومحمد بن السميفع ، ويعقوب ، والمنهال بن عمر بفتحها على الجمع ، أي أعقاب النجوم وأدبارها إذا غربت ، ودبر الأمر آخره ، وقد تقدّم الكلام على هذا في سورة « قۤ » . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أَمْ هُمُ المصيطرون } قال المسلطون ، وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عنه قال أم هم المنزلون . وأخرجا عنه أيضاً { عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ } قال عذاب القبر قبل يوم القيامة . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأبو داود ، والنسائي ، والحاكم ، وابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي قالكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بآخرة إذا قام من المجلس يقول " سبحانك اللَّهم وبحمدك ، أشهد أن لا إلٰه إلاّ أنت ، أستغفرك وأتوب إليك " فقال رجل يا رسول الله إنك لتقول قولاً ما كنت تقوله فيما مضى ، قال " كفارة لما يكون في المجلس " وأخرجه النسائي ، والحاكم من حديث الربيع بن أنس عن أبي العالية ، عن رافع بن خديج ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم . وأخرج الترمذي ، وابن جرير عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال " من جلس في مجلس ، فكثر فيه لغطه ، فقال قبل أن يقوم من مجلسه سبحانك اللَّهمّ وبحمدك ، أشهد أن لا إلٰه إلاّ أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، إلاّ غفر له ما كان في مجلسه ذلك " قال الترمذي حسن صحيح . وفي الباب أحاديث مسندة ومرسلة . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله { وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ حِينَ تَقُومُ } قال حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل في الصلاة . وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبّحْهُ } قال " الركعتان قبل صلاة الصبح " وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وَإِدْبَـٰرَ ٱلنُّجُومِ } قال ركعتي الفجر .