Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 1-26)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } التعريف للجنس ، والمراد به جنس النجوم ، وبه قال جماعة من المفسرين ، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة @ أحسن النجم في السماء الثريا والثريا في الأرض زين النساء @@ وقيل المراد به الثريا ، وهو اسم غلب فيها ، تقول العرب النجم ، وتريد به الثريا ، وبه قال مجاهد ، وغيره ، وقال السديّ ، النجم هنا هو الزهرة لأن قوماً من العرب كانوا يعبدونها ، وقيل النجم هنا النبت الذي لا ساق له ، كما في قوله { وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } الرحمٰن 6 قاله الأخفش . وقيل النجم محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل النجم القرآن وسمي نجماً لكونه نزل منجماً مفرّقاً ، والعرب تسمي التفريق تنجيماً ، والمفرّق المنجم ، وبه قال مجاهد ، والفراء ، وغيرهما ، والأوّل أولى . قال الحسن المراد بالنجم النجوم إذا سقطت يوم القيامة . وقيل المراد بها النجوم التي ترجم بها الشياطين ، ومعنى هويه سقوطه من علو ، يقال هوى النجم يهوي هوياً إذا سقط من علو إلى سفل ، وقيل غروبه ، وقيل طلوعه ، والأوّل أولى ، وبه قال الأصمعي وغيره ، ومنه قول زهير @ تسيح بها الأباعر وهي تهوى هويّ الَّدلْوِ أسْلَمَها الرشَاءُ @@ ويقال هوى في السير إذا مضى ومنه قول الشاعر @ بينما نَحْنُ بالبِلاكثِ فالقا عِ سِراعاً والعِيسُ تَهْوِى هُويا خَطَرتْ خَطْرة على القلب من ذكـ ـرَاكِ وَهناً فما استطعت مُضيا @@ ومعنى الهوَي على قول من فسر النجم بالقرآن أنه نزل من أعلا إلى أسفل ، وأما على قول من قال إنه الشجر الذي لا ساق له ، أو أنه محمد صلى الله عليه وسلم ، فلا يظهر للهويّ معنى صحيح ، والعامل في الظرف فعل القسم المقدّر ، وجواب القسم قوله { مَا ضَلَّ صَـٰحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } أي ما ضلّ محمد صلى الله عليه وسلم عن الحق والهدى ، ولا عدل عنه ، والغيّ ضدّ الرشد ، أي ما صار غاوياً ولا تكلم بالباطل ، وقيل ما خاب فيما طلب ، والغَيّ الخيبة ، ومنه قول الشاعر @ فمن يْلَق خيراً يحمِد النَّاسُ أَمْرَهُ وَمْن يَغْوَ لا يعدم على الغيِّ لائماً @@ وفي قوله { صَـٰحِبُكُمْ } إشارة بأنهم المطلعون على حقيقة حاله ، والخطاب لقريش { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } أي ما يصدر نطقه عن الهوى لا بالقرآن ولا بغيره ، فعن على بابها . وقال أبو عبيدة إنّ عن بمعنى الباء أي بالهوى . قال قتادة أي ما ينطق بالقراءة عن هواه { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَىٰ } أي ما هو الذي ينطق به إلاّ وحي من الله يوحيه إليه . وقوله { يُوحَى } صفة لوحي تفيد الاستمرار التجددي ، وتفيد نفي المجاز ، أي هو وحي حقيقة لا لمجرد التسمية { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } القوى جمع قوّة ، والمعنى أنه علمه جبريل الذي هو شديد قواه ، هكذا قال أكثر المفسرين إن المراد جبريل . وقال الحسن هو الله عزّ وجلّ ، والأوّل أولى ، وهو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ } المرّة القوّة والشدّة في الخلق ، وقيل ذو صحة جسم وسلامة من الآفات ، ومنه قول النبيّ " لا تحل الصدقة لغنيّ ولا لذي مرّة سوي " وقيل ذو حصانة عقل ، ومتانة رأي . قال قطرب العرب تقول لكلّ من هو جزل الرأي ، حصيف العقل ذو مرّة ، ومنه قول الشاعر @ قد كنت قبلَ لِقائكُمُ ذا مِرّةٍ عندي لِكلُّ مخاصِمٍ مِيزانُهُ @@ والتفسير للمرّة بهذا أولى لأن القوّة والشدّة قد أفادها قوله { شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } قال الجوهري المرّة إحدى الطبائع الأربع ، والمرّة القوّة وشدّة العقل ، والفاء في قوله { فَٱسْتَوَىٰ } للعطف على علَّمه ، يعني جبريل ، أي ارتفع وعاد إلى مكانه في السماء بعد أن علم محمداً صلى الله عليه وسلم ، قاله سعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وقيل معنى استوى قام في صورته التي خلقه الله عليها لأنه كان يأتي النبي في صورة الآدميين ، وقيل المعنى فاستوى القرآن في صدره صلى الله عليه وسلم . وقال الحسن - فاستوى يعني الله عزّ وجلّ - على العرش { وَهُوَ بِٱلأفُقِ ٱلأعْلَىٰ } هذه الجملة في محل نصب على الحال أي فاستوى جبريل حال كونه بالأفق الأعلى ، والمراد بالأفق الأعلى جانب المشرق ، وهو فوق جانب المغرب ، وقيل المعنى فاستوى عالياً ، والأفق ناحية السماء ، وجمعه آفاق ، قال قتادة ، ومجاهد هو الموضع الذي تطلع منه الشمس ، وقيل هو يعني جبريل ، والنبيّ صلى الله عليه وسلم بالأفق الأعلى ليلة المعراج ، ويجوز أن تكون هذه الجملة مستأنفة . { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } أي دنا جبريل بعد استوائه بالأفق الأعلى ، أي قرب من الأرض فتدلى ، فنزل على النبيّ بالوحي ، وقيل في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير ثم تدلى فدنى ، قاله ابن الأنباري ، وغيره . قال الزجاج معنى { دَنَا فَتَدَلَّىٰ } واحد ، أي قرب وزاد في القرب كما تقول فدنا مني فلان وقرب ، ولو قلت قرب مني ودنا جاز . قال الفراء الفاء في فتدلى بمعنى الواو ، والتقدير ثم تدلى جبريل ودنا ، ولكنه جائز إذا كان معنى الفعلين واحداً أن تقدّم أيهما شئت . قال الجمهور والذي دنا فتدلى هو جبريل ، وقيل هو النبيّ صلى الله عليه وسلم ، والمعنى دنا منه أمره وحكمه ، والأوّل أولى . قيل ومن قال إن الذي استوى هو جبريل ومحمد ، فالمعنى عنده ثم دنا محمد من ربه دنوّ كرامة ، فتدلى ، أي هوى للسجود ، وبه قال الضحاك { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } أي فكان مقدار ما بين جبريل ومحمد صلى الله عليه وسلم ، أو ما بين محمد وربه قاب قوسين ، أي قدر قوسين عربيين . والقاب والقيب ، والقاد والقيد المقدار ، ذكر معناه في الصحاح . قال الزجاج أي فيما تقدّرون أنتم ، والله سبحانه عالم بمقادير الأشياء ، ولكنه يخاطبنا على ما جرت به عادة المخاطبة فيما بيننا . وقيل " أو " بمعنى الواو ، أي وأدنى ، وقيل بمعنى بل ، أي بل أدنى . وقال سعيد بن جبير ، وعطاء ، وأبو إسحاق الهمداني ، وأبو وائل شقيق بن سلمة { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ } قدر ذراعين ، والقوس الذّراع يقاس بها كل شيء ، وهي لغة بعض الحجازيين ، وقيل هي لغة أزد شنوءة . وقال الكسائي فكان قاب قوسين أراد قوساً واحدة . { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ } أي فأوحى جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى ، وفيه تفخيم للوحي الذي أوحي إليه ، والوحي إلقاء الشيء بسرعة ، ومنه الوحا وهو السرعة ، والضمير في { عبده } يرجع إلى الله ، كما في قوله { مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ } فاطر 45 وقيل المعنى فأوحى الله إلى عبده جبريل ما أوحى ، وبالأوّل قال الربيع ، والحسن ، وابن زيد ، وقتادة . وقيل فأوحى الله إلى عبده محمد . قيل وقد أبهم الله سبحانه ما أوحاه جبريل إلى محمد ، أو ما أوحاه الله إلى عبده جبريل ، أو إلى محمد ولم يبينه لنا ، فليس لنا أن نتعرّض لتفسيره . وقال سعيد بن جبير الذي أوحى إليه هو { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } الشرح 1 إلخ ، و { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } الضحى 6 إلخ . وقيل أوحى الله إليه أن الجنة حرام على الأنبياء حتى تدخلها ، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك . وقيل إن " ما " للعموم لا للإبهام ، والمراد كل ما أوحى به إليه ، والحمل على الإبهام أولى لما فيه من التعظيم . { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } أي ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه بصره ليلة المعراج ، يقال كذبه إذا قال له الكذب ، ولم يصدقه . قال المبرد معنى الآية أنه رأى شيئًا فصدق فيه ، قرأ الجمهور ما كذب مخففاً ، وقرأ هشام ، وأبو جعفر بالتشديد " وَمَا " في { مَا رَأَىٰ } موصولة أو مصدرية في محل نص { بكذب } مخففاً ومشدّداً { أَفَتُمَـٰرُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } . قرأ الجمهور { أفتمارونه } بالألف من المماراة ، وهي المجادلة والملاحاة ، وقرأ حمزة ، والكسائي أفتمرونه بفتح التاء وسكون الميم ، أي أفتجدونه ، واختار أبو عبيد القراءة الثانية . قال لأنهم لم يماروه ، وإنما جحدوه ، يقال مراه حقه ، أي جحده ، ومريته أنا جحدته ، قال ومنه قول الشاعر @ لأن هَجَوْتَ أَخَا صِدْق وَمْكرُمَة لَقَدْ مَرَيْتَ أخاً ما كان يَمْريكا @@ أي جحدته . قال المبرد يقال أمرأه عن حقه ، وعلى حقه إذا منعه منه ودفعه . وقيل على بمعنى عن ، وقرأ ابن مسعود ، والشعبي ، ومجاهد ، والأعرج أفتمرونه بضم التاء من أمريت ، أي أتريبونه وتشكون فيه ، قال جماعة من المفسرين المعنى على قراءة الجمهور أفتجادلونه ، وذلك أنهم جادلوه حين أسري به ، فقالوا صف لنا مسجد بيت المقدس ، أي أفتجادلونه جدالاً ترومون به دفعه عما شاهده وعلمه ، واللام في قوله { وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } هي الموطئة للقسم ، أي والله لقد رآه نزلة أخرى ، والنزلة المرة من النزول ، فانتصابها على الظرفية ، أو منتصبة على المصدر الواقع موقع الحال ، أي رأى جبريل نازلاً نزلة أخرى ، أو على أنه صفة مصدر مؤكد محذوف ، أي رآه رؤية أخرى . قال جمهور المفسرين المعنى أنه رأى محمد جبريل مرّة أخرى ، وقيل رأى محمد ربه مرّة أخرى بفؤاده { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } الظرف منتصب بـ { رآه } ، والسدر هو شجر النبق ، وهذه السدرة هي في السماء السادسة ، كما في الصحيح ، وروي أنها في السماء السابعة ، والمنتهى مكان الانتهاء ، أو هو مصدر ميمي ، والمراد به الانتهاء نفسه ، قيل إليها ينتهي علم الخلائق ، ولا يعلم أحد منهم ما وراءها ، وقيل ينتهي إليها ما يعرج به في الأرض ، وقيل تنتهي إليها أرواح الشهداء ، وقيل غير ذلك . وإضافة الشجرة إلى المنتهى من إضافة الشيء إلى مكانه { عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } أي عند تلك السدرة جنة تعرف بجنة المأوى ، وسميت جنة المأوى لأنه أوى إليها آدم ، وقيل إن أرواح المؤمنين تأوي إليها . قرأ الجمهور { جنة } برفع جنة على أنها مبتدأ ، وخبرها الظرف المتقدّم . وقرأ عليّ ، وأبو الدرداء ، وأبو هريرة ، وابن الزبير ، وأنس ، وزر بن حبيش ، ومحمد بن كعب ، ومجاهد ، وأبو سبرة الجهني جنه فعلاً ماضياً من جنّ يجن ، أي ضمه المبيت ، أو سترة إيواء الله له ، قال الأخفش أدركه ، كما تقول جنه الليل أي ستره وأدركه ، والجملة في محل نصب على الحال { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } العامل في الظرف { رآه } أيضاً ، وهو ظرف زمان ، والذي قبله ظرف مكان ، والغشيان بمعنى التغطية والستر ، وبمعنى الإتيان ، يقال فلان يغشاني كل حين أي يأتيني ، وفي الإبهام في قوله { مَا يَغْشَىٰ } من التفخيم ما لا يخفى ، وقيل يغشاها جراد من ذهب ، وقيل طوائف من الملائكة . وقال مجاهد رفرف أخضر ، وقيل رفرف من طيور خضر ، وقيل غشيها أمر الله ، والمجيء بالمضارع لحكاية الحال الماضية استحضاراً للصورة البديعة ، أو للدلالة على الاستمرار التجددي . { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ } أي ما مال بصر النبي صلى الله عليه وسلم عما رآه { وَمَا طَغَىٰ } أي ما جاوز ما رأى ، وفي هذا وصف أدب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام ، حيث لم يلتفت ، ولم يمل بصره ، ولم يمده إلى غير ما رأى ، وقيل ما جاوز ما أمر به { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ ءايَـٰتِ رَبّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } أي والله لقد رأى تلك الليلة من آيات ربه العظام ما لا يحيط به الوصف ، قيل رأى رفرفاً سدّ الأفق ، وقيل رأى جبريل في حلة خضراء قد ملأ ما بين السماء والأرض له ستمائة جناح ، كذا في صحيح مسلم ، وغيره ، وقال الضحاك رأى سدرة المنتهى ، وقيل هو كل ما رآه تلك الليلة في مسراه وعوده ، و " من " للتبعيض ، ومفعول رأى الكبرى ، ويجوز أن يكون المفعول محذوفاً ، أي رأى شيئًا عظيماً من آيات ربه ، ويجوز أن تكون " من " زائدة . { أَفَرَءيْتُمُ ٱللَّـٰتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأخْرَىٰ } لما قصّ الله سبحانه هذه الأقاصيص قال للمشركين ، موبخاً لهم ومقرّعاً { أَفَرَءيْتُمُ } أي أخبروني عن الآلهة التي تعبدونها من دون الله هل لها قدرة توصف بها ؟ وهل أوحت إليكم شيئًا ، كما أوحى الله إلى محمد ، أم هي جمادات لا تعقل ولا تنفع ؟ ثم ذكر هذه الأصنام الثلاثة التي اشتهرت في العرب ، وعظم اعتقادهم فيها . قال الواحدي وغيره وكانوا يشتقون لها أسماء من أسماء الله تعالى ، فقالوا من الله اللات ، ومن العزيز العزّى ، وهي تأنيث الأعزّ بمعنى العزيزة ، ومناة من منى الله الشيء إذا قدّره . قرأ الجمهور { اللات } بتخفيف التاء ، فقيل هو مأخوذ من اسم الله سبحانه كما تقدّم ، وقيل أصله لات يليت ، فالتاء أصلية ، وقيل هي زائدة ، وأصله لوى يلوي لأنهم كانوا يلوون أعناقهم إليها ، أو يلتون عليها ، ويطوفون بها . واختلف القراء هل يوقف عليها بالتاء ، أو بالهاء ؟ فوقف عليها الجمهور بالتاء ، ووقف عليها الكسائي بالهاء ، واختار الزجاج ، والفراء الوقف بالتاء لاتباع رسم المصحف ، فإنها تكتب بالتاء ، وقرأ ابن عباس ، وابن الزبير ، ومجاهد ، ومنصور بن المعتمر ، وأبو الجوزاء ، وأبو صالح ، وحميد اللات بتشديد التاء ، ورويت هذه القراءة عن ابن كثير ، فقيل هو اسم رجل كان يلتّ السويق ، ويطعمه الحاج ، فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه ، فهو اسم فاعل في الأصل غلب على هذا الرجل . قال مجاهد كان رجلاً في رأس جبل يتخذ من لبنها وسمنها حيساً ، ويطعم الحاج ، وكان ببطن نخلة فلما مات عبدوه . وقال الكلبي كان رجلاً من ثقيف له صرمة غنم ، وقيل إنه عامر بن الظرب العدواني ، وكان هذا الصنم لثقيف ، وفيه يقول الشاعر @ لا تنْصُروا اللاتَ إنَّ اللهَ مُهْلِكُها وَكَيْفَ يَنْصُرُكُمْ مَنْ لَيْسَ يَنْتَصِرُ @@ قال في الصحاح و { اللات } اسم صنم لثقيف ، وكان بالطائف ، وبعض العرب يقف عليها بالتاء ، وبعضهم بالهاء { وَٱلْعُزَّىٰ } صنم قريش ، وبني كنانة . قال مجاهد هي شجرة كانت بغطفان ، وكانوا يعبدونها ، فبعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ، فقطعها ، وقيل كانت شيطانة تأتي ثلاث سمرات ببطن نخلة . وقال سعيد بن جبير العزى حجر أبيض كانوا يعبدونه . وقال قتادة هي بيت كان ببطن نخلة { وَمَنَوٰةَ } صنم بني هلال . وقال ابن هشام صنم هذيل وخزاعة . وقال قتادة كانت للأنصار . قرأ الجمهور { مناة } بألف من دون همزة ، وقرأ ابن كثير ، وابن محيصن ، وحميد ، ومجاهد ، والسلمي بالمدّ والهمز . فأما قراءة الجمهور ، فاشتقاقها من منى يمنى ، أي صبّ لأن دماء النسائك كانت تصب عندها يتقرّبون بذلك إليها . وأما على القراءة الثانية ، فاشتقاقها من النوء ، وهو المطر لأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء ، وقيل هما لغتان للعرب ، ومما جاء على القراءة الأولى قول جرير @ أزيد مناة توعد يابن تيم تأمل أين تاه بك الوعيد @@ ومما جاء على القراءة الأخرى قول الحارثي @ ألا هَلْ أتى التَّيْم بن عبد مناءة على السر فيما بيننا ابنُ تَمِيمِ @@ وقف جمهور القراء عليها بالتاء اتباعاً لرسم المصحف ، ووقف ابن كثير ، وابن محيصن عليها بالهاء . قال في الصحاح ومناة اسم صنم كان بين مكة والمدينة ، والهاء للتأنيث ، ويسكت عليها بالتاء ، وهي لغة . قوله { ٱلثَّالِثَةَ ٱلأخْرَىٰ } هذا وصف لمناة ، وصفها بأنها ثالثة ، وبأنها أخرى ، والثالثة لا تكون إلاّ أخرى . قال أبو البقاء فالوصف بالأخرى للتأكيد ، وقد استشكل وصف الثالثة بالأخرى ، والعرب إنما تصف به الثانية ، فقال الخليل إنما قال ذلك لوفاق رؤوس الآي كقوله { مَآرِبُ أُخْرَىٰ } طه 18 وقال الحسين بن الفضل فيه تقديم وتأخير ، والتقدير أفرأيتم اللات والعزّى الأخرى ومناة الثالثة . وقيل إن وصفها بالأخرى لقصد التعظيم لأنها كانت عند المشركين عظيمة ، وقيل إن ذلك للتحقير والذم ، وإن المراد المتأخرة الوضيعة ، كما في قوله { قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأولَـٰهُمْ } الأعراف 38 أي وضعاؤهم لرؤسائهم . ثم كرّر سبحانه توبيخهم وتقريعهم بمقالة شنعاء قالوها ، فقال { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأنثَىٰ } أي كيف تجعلون لله ما تكرهون من الإناث ، وتجعلون لأنفسكم ما تحبون من الذكور ، قيل وذلك قولهم إن الملائكة بنات الله ، وقيل المراد كيف تجعلون اللات ، والعزّى ومناة ، وهي إناث في زعمكم ، شركاء لله ، ومن شأنهم أن يحتقروا الإناث . ثم ذكر سبحانه أن هذه التسمية ، والقسمة المفهومة من الاستفهام قسمة جائرة ، فقال { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } قرأ الجمهور { ضيزى } بياء ساكنة بغير همزة ، وقرأ ابن كثير بهمزة ساكنة ، والمعنى أنها قسمة خارجة عن الصواب ، جائرة عن العدل ، مائلة عن الحق . قال الأخفش يقال ضاز في الحكم ، أي جار ، وضازه حقه يضيزه ضيزاً ، أي نقصه وبخسه ، قال وقد يهمز ، وأنشد @ فإن تَنْأء عَنَّا نَنْتِقصْك وإِن تَغِبْ فحقك مضئؤوز وَأنفُكَ رَاغِمُ @@ وقال الكسائي ضاز يضيز ضيزاً ، ء وضاز يضوز ضوزاً إذا تعدى وظلم وبخس وانتقص ، ومنه قول الشاعر @ ضازَتْ بنو أَسدٍ بِحُكمِهِم إِذْ يَجْعَلُون الرأسَ كالذَّنَبِ @@ قال الفراء وبعض العرب يقول " ضئزى " بالهمز ، وحكى أبو حاتم عن أبي زيد أنه سمع العرب تهمز ضيزى ، قال البغوي ليس في كلام العرب فعلى بكسر الفاء في النعوت إنما تكون في الأسماء مثل ذكرى ، قال المؤرج كرهوا ضم الضاد في ضيزى ، وخافوا انقلاب الياء واواً وهي من بنات الواو ، فكسروا الضاد لهذه العلة ، كما قالوا في جمع أبيض بيض ، وكذا قال الزجاج وقيل هي مصدر كذكرى ، فيكون المعنى قسمة ذات جور وظلم . ثم ردّ سبحانه عليهم بقوله { إِنْ هِىَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءآبَاؤُكُم } أي ما الأوثان ، أو الأصنام باعتبار ما تدعونه من كونها آلهة إلاّ أسماء محضة ، ليس فيها شيء من معنى الألوهية التي تدعونها لأنها لا تبصر ولا تسمع ، ولا تعقل ولا تفهم ، ولا تضر ولا تنفع ، فليست إلاّ مجرّد أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ، قلد الآخر فيها الأول . وتبع في ذلك الأبناء الآباء ، وفي هذا من التحقير لشأنها ما لا يخفى ، كما تقول في تحقير رجل ما هو إلاّ اسم إذا لم يكن مشتملاً على صفة معتبرة ، ومثل هذه الآية قوله تعالى { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا } يوسف 40 يقال سميته زيداً وسميته بزيد ، فقوله { سميتموها } صفة لأصنام ، والضمير يرجع إلى الأسماء لا إلى الأصنام ، أي جعلتموها أسماء لا جعلتم لها أسماء . وقيل إن قوله { هِىَ } راجع إلى الأسماء الثلاثة المذكورة ، والأوّل أولى { مَّا أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـٰنٍ } أي ما أنزل بها من حجة ولا برهان . قال مقاتل لم ينزل لنا كتاباً لكم فيه حجة ، كما تقولون إنها آلهة ، ثم أخبر عنهم بقوله { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } أي ما يتبعون فيما ذكر من التسمية ، والعمل بموجبها إلاَّ الظنّ الذي لا يغني من الحق شيئًا ، والتفت من الخطاب إلى الغيبة إعراضاً عنهم وتحقيراً لشأنهم ، فقال { وَمَا تَهْوَى ٱلأنفُسُ } أي تميل إليه ، وتشتهيه من غير التفات إلى ما هو الحق الذي يجب الاتباع له . قرأ الجمهور { يتبعون } بالتحتية على الغيبة ، وقرأ عيسى بن عمر ، وأيوب ، وابن السميفع بالفوقية على الخطاب ، ورويت هذه القراءة عن ابن مسعود ، وابن عباس ، وطلحة ، وابن وثاب { وَلَقَدْ جَاءهُم مّن رَّبّهِمُ ٱلْهُدَىٰ } أي البيان الواضح الظاهر بأنها ليست بآلهة ، والجملة في محل نصب على الحال من فاعل يتبعون ، ويجوز أن يكون اعتراضاً ، والأوّل أولى . والمعنى كيف يتبعون ذلك ، والحال أن قد جاءهم ما فيه هدًى لهم من عند الله على لسان رسوله الذي بعثه الله بين ظهرانيهم ، وجعله من أنفسهم . { أَمْ لِلإنسَـٰنِ مَا تَمَنَّىٰ } " أم " هي المنقطعة المقدرة ببل ، والهمزة التي للإنكار ، فأضرب عن اتباعهم الظنّ الذي هو مجرّد التوهم ، وعن اتباعهم هوى الأنفس ، وما تميل إليه ، وانتقل إلى إنكار أن يكون لهم ما يتمنون من كون الأصنام تنفعهم ، وتشفع لهم . ثم علل انتفاء أن يكون للإنسان ما تمنى بقوله { فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأولَىٰ } أي أن أمور الآخرة والدنيا بأسرها لله عزّ وجلّ ، فليس لهم معه أمر من الأمور ، ومن جملة ذلك أمنياتهم الباطلة ، وأطماعهم الفارغة ، ثم أكد ذلك ، وزاد في إبطال ما يتمنونه ، فقال { وَكَمْ مّن مَّلَكٍ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ لاَ تُغْنِى شَفَـٰعَتُهُمْ شَيْئاً } وكم هنا هي الخبرية المفيدة للتكثير ، ومحلها الرفع على الابتداء ، والجملة بعدها خبرها ، ولما في { كم } من معنى التكثير ، جمع الضمير في شفاعتهم مع إفراد الملك ، والمعنى التوبيخ لهم بما يتمنون ، ويطمعون فيه من شفاعة الأصنام مع كون الملائكة مع كثرة عبادتها ، وكرامتها على الله لا تشفع إلاّ لمن أذن أن يشفع له ، فكيف بهذه الجمادات الفاقدة للعقل والفهم ، وهو معنى قوله { إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ } لهم بالشفاعة { لِمَن يَشَاء } أن يشفعوا له { وَيَرْضَىٰ } بالشفاعة له لكونه من أهل التوحيد ، وليس للمشركين في ذلك حظّ ، ولا يأذن الله بالشفاعة لهم ولا يرضاها لكونهم ليسوا من المستحقين لها . وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } قال إذا انصبّ . وأخرج ابن المنذر عنه قال هو الثريا إذا تدلت . وأخرج عنه أيضاً قال أقسم الله أن ما ضلّ محمد ، ولا غوى . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله { ذُو مِرَّةٍ } قال ذو خلق حسن . وأخرج أحمد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبو الشيخ في العظمة عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير جبريل في صورته إلاّ مرّتين ، أما واحدة فإنه سأله أن يراه في صورته فأراه صورته ، فسدّ الأفق ، وأما الثانية فإنه كان معه حيث صعد ، فذلك قوله { وَهُوَ بِٱلاْفُقِ ٱلأعْلَىٰ } . { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ ءايَـٰتِ رَبّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } قال خلق جبريل . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال " رأيت جبريل عند سدرة المنتهى له ستمائة جناح " ، وأخرجه أحمد عنه أيضاً . وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس { وَهُوَ بِٱلاْفُقِ ٱلاْعْلَىٰ } قال مطلع الشمس . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن ابن مسعود في قوله { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } قال رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم جبريل له ستمائة جناح . وأخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، والترمذي وصححه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني ، وأبو الشيخ في العظمة ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي عنه في قوله { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلة رفرف أخضر قد ملأ ما بين السماء والأرض . وأخرج ابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } قال هو محمد صلى الله عليه وسلم دنا فتدلى إلى ربه . وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، عنه قال دنا ربه فتدلى . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن مسعود في قوله { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ } قال دنا جبريل منه حتى كان قدر ذراع أو ذراعين . وأخرج الطبراني ، وابن مردويه ، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال القاب القيد ، والقوسين الذراعين . وأخرج ابن المنذر ، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم اقترب من ربه ، فكان قاب قوسين أو أدنى ، ألم ترى إلى القوس ما أقربها من الوتر . وأخرج النسائي ، وابن المنذر ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ } قال عبده محمد صلى الله عليه وسلم . وأخرج مسلم ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات عنه في قوله { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } . { وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } قال رأى محمد ربه بقلبه مرّتين . وأخرج نحوه عنه عبد بن حميد ، والترمذي وحسنه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني ، وابن مردويه . وأخرج ابن مردويه عن أنس قال رأى محمد ربه . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه . وأخرج الطبراني ، وابن مردويه عنه قال رأى محمد ربه مرّتين مرّة ببصره ، ومرّة بفؤاده . وأخرج الترمذي وحسنه ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي عنه أيضاً قال لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه عزّ وجلّ . وأخرج النسائي ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عنه أيضاً قال أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم ، والكلام لموسى ، والرؤية لمحمد ؟ وقد روي نحو هذا عنه من طرق . وأخرج مسلم ، والترمذي ، وابن مردويه عن أبي ذرّ قالسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال " نور أنى أراه ؟ " وأخرج مسلم ، وابن مردويه عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال " رأيت نوراً " وأخرج عبد بن حميد ، والنسائي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ، ولم يره ببصره . وأخرج مسلم عن أبي هريرة في قوله { وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } قال جبريل . وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، ومسلم ، والترمذي ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي عن ابن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى سدرة المنتهى ، وهي في السماء السادسة ينتهي ما يعرج من الأرواح ، فيقبض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها ، فيقبض منها { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } قال فراش من ذهب . وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن مسعود قال الجنة في السماء السابعة العليا ، والنار في الأرض السابعة السفلى . وأخرج البخاري ، وغيره عن ابن عباس قال كان اللات رجلاً يلتّ السويق للحاجّ . وأخرج الطبراني ، وابن مردويه عنه أن العزى كانت ببطن نخلة ، وأن اللات كانت بالطائف ، وأن مناة كانت بقديد . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { ضِيزَىٰ } قال جائرة لا حقّ لها .