Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 1-17)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } أي قربت ، ولا شك أنها قد صارت باعتبار نسبة ما بقي بعد قيام النبوّة المحمدية إلى ما مضى من الدنيا قريبة . ويمكن أن يقال إنها لما كانت متحققة الوقوع لا محالة كانت قريبة ، فكلّ آت قريب { وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } أي وقد انشقّ القمر ، وكذا قرأ حذيفة بزيادة " قد " ، والمراد الانشقاق الواقع في أيام النبوّة معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلى هذا ذهب الجمهور من السلف والخلف . قال الواحدي وجماعة المفسرين على هذا إلاّ ما روى عثمان بن عطاء عن أبيه أنه قال المعنى سينشقّ القمر ، والعلماء كلهم على خلافه . قال وإنما ذكر اقتراب الساعة مع انشقاق القمر لأن انشقاقه من علامات نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، ونبوّته وزمانه من أشراط اقتراب الساعة . قال ابن كيسان في الكلام تقديم وتأخير ، أي انشقّ القمر ، واقتربت الساعة . وحكى القرطبي عن الحسن مثل قول عطاء أنه الانشقاق الكائن يوم القيامة . وقيل معنى { وانشقّ القمر } وضح الأمر وظهر ، والعرب تضرب بالقمر المثل فيما وضح ، وقيل انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه ، وطلوعه في أثنائها ، كما يسمى الصبح فلقاً لانفلاق الظلمة عنه . قال ابن كثير قد كان الانشقاق في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة . قال وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات . قال الزجاج زعم قوم عندوا عن القصد وما عليه أهل العلم أن تأويله أن القمر ينشقّ يوم القيامة ، والأمر بين في اللفظ ، وإجماع أهل العلم ، لأن قوله { وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } يدلّ على أن هذا كان في الدنيا لا في القيامة . انتهى ، ولم يأت من خالف الجمهور ، وقال إن الانشقاق سيكون يوم القيامة إلاّ بمجرد استبعاد ، فقال لأنه لو انشق في زمن النبوّة لم يبق أحد إلاّ رآه لأنه آية والناس في الآيات سواء . ويجاب عنه بأنه لا يلزم أن يراه كل أحد لا عقلاً ، ولا شرعاً ، ولا عادة ، ومع هذا ، فقد نقل إلينا بطريق التواتر ، وهذا بمجرده يدفع الاستبعاد ، ويضرب به في وجه قائله . والحاصل أنا إذا نظرنا إلى كتاب الله ، فقد أخبرنا بأنه انشقّ ، ولم يخبرنا بأنه سينشق ، وإن نظرنا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد ثبت في الصحيح ، وغيره من طرق متواترة أنه قد كان ذلك في أيام النبوّة ، وإن نظرنا إلى أقوال أهل العلم ، فقد اتفقوا على هذا ، ولا يلتفت إلى شذوذ من شذّ ، واستبعاد من استبعد ، وسيأتي ذكر بعض ما ورد في ذلك إن شاء الله . { وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } قال الواحدي قال المفسرون لما انشقّ القمر قال المشركون سحرنا محمد ، فقال الله { وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً } يعني انشقاق القمر يعرضوا عن التصديق والإيمان بها ، ويقولوا سحر قويّ شديد يعلو كل سحر ، من قولهم استمرّ الشيء إذا قوي واستحكم ، وقد قال بأن معنى { مستمرّ } قوي شديد جماعة من أهل العلم . قال الأخفش هو مأخوذ من إمرار الحبل ، وهو شدّة فتله ، وبه قال أبو العالية ، والضحاك ، واختاره النحاس ، ومنه قول لقيط @ حتَّى استمرّت على شَر لا يزنه صِدْقُ العزيمة لا رثا ولا ضَرَعا @@ وقال الفراء ، والكسائي ، وأبو عبيدة { سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } أي ذاهب ، من قولهم مرّ الشيء ، واستمرّ إذا ذهب ، وبه قال قتادة ، ومجاهد ، وغيرهما ، واختاره النحاس . وقيل معنى مستمرّ دائم مطرد ، ومنه قول الشاعر @ ألا إنما الدنيا ليال وأعصر وليس على شيء قديم بمستمر @@ أي بدائم باق ، وقيل { مستمرّ } باطل ، روي هذا عن أبي عبيدة أيضاً . وقيل يشبه بعضه بعضاً ، وقيل قد مرّ من الأرض إلى السماء ، وقيل هو من المرارة ، يقال مرّ الشيء صار مرًّا ، أي مستبشع عندهم . وفي هذه الآية أعظم دليل على أن الانشقاق قد كان ، كما قررناه سابقاً . ثم ذكر سبحانه تكذيبهم ، فقال { وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ } أي وكذبوا رسول الله ، وما عاينوا من قدرة الله ، واتبعوا أهواءهم ، وما زيّنه لهم الشيطان الرجيم ، وجملة { وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } مستأنفة لتقرير بطلان ما قالوه من التكذيب ، واتباع الأهواء ، أي وكل أمر من الأمور منته إلى غاية ، فالخير يستقرّ بأهل الخير ، والشرّ يستقر بأهل الشرّ . قال الفراء يقول يستقرّ قرار تكذيبهم ، وقرار قول المصدّقين حتى يعرفوا حقيقته بالثواب والعقاب . قال الكلبي المعنى لكل أمر حقيقة ما كان منه في الدنيا فسيظهر ، وما كان منه في الآخرة فسيعرف . قرأ الجمهور { مستقرّ } بكسر القاف ، وهو مرتفع على أنه خبر المبتدأ وهو " كل " . وقرأ أبو جعفر ، وزيد بن علي بجر مستقرّ على أنه صفة لـ { أمر } ، وقرأ شيبة بفتح القاف ، ورويت هذه القراءة عن نافع . قال أبو حاتم ولا وجه لها ، وقيل لها وجه بتقدير مضاف محذوف ، أي وكل أمر ذو استقرار ، أو زمان استقرار ، أو مكان استقرار ، على أنه مصدر ، أو ظرف زمان ، أو ظرف مكان { وَلَقَدْ جَاءهُم مّنَ ٱلأنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } أي ولقد جاء كفار مكة ، أو الكفار على العموم من الأنباء ، ومن أخبار الأمم المكذبة المقصوصة علينا في القرآن { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } أي ازدجار على أنه مصدر ميميّ ، يقال زجرته إذا نهيته عن السوء ووعظته ، ويجوز أن يكون اسم مكان ، والمعنى جاءهم ما فيه موضع ازدجار ، أي أنه في نفسه موضع لذلك ، وأصله مزتجر ، " وتاء " الافتعال تقلب دالاً مع الزاي والدال والذال ، كما تقرّر في موضعه ، وقرأ زيد بن عليّ مزجّر بقلب تاء الافتعال زاياً وإدغام الزاي في الزاي ، و " من " في قوله { مّنَ ٱلأنبَاء } للتبعيض ، وهي وما دخلت عليه في محل نصب على الحال ، وارتفاع { حِكْمَةٌ بَـٰلِغَةٌ } على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أو بدل من " ما " بدل كل من كل ، أو بدل اشتمال ، والمعنى أن القرآن حكمة قد بلغت الغاية ليس فيها نقص ولا خلل ، وقرىء بالنصب على أنها حال من ما أي حال كون ما فيه مزدجر حكمة بالغة { فَمَا تُغْنِـى ٱلنُّذُرُ } " ما " يجوز أن تكون استفهامية ، وأن تكون نافية ، أي أيّ شيء تغني النذر ، أو لم تغن النذر شيئًا ، والفاء لترتيب عدم الإغناء على مجيء الحكمة البالغة ، والنذر جمع نذير بمعنى المنذر ، أو بمعنى الإنذار على أنه مصدر . ثم أمره الله سبحانه بالإعراض عنهم ، فقال { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } أي أعرض عنهم حيث لم يؤثر فيهم الإنذار ، وهي منسوخة بآية السيف { يَوْمَ يَدْعُو ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَىْء نُّكُرٍ } انتصاب الظرف إما بفعل مقدّر ، أي اذكر ، وإما بـ { يخرجون } المذكور بعده ، وإما بقوله { فَمَا تُغْنِـى } ، ويكون قوله { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } اعتراض ، أو بقوله { يَقُولُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } أو بقوله { خُشَّعاً } وسقطت الواو من { يدع } اتباعاً للفظ ، وقد وقعت في الرسم هكذا ، وحذفت الياء من الداع للتخفيف ، واكتفاء بالكسرة ، والداع هو إسرافيل ، والشيء النكر الأمر الفظيع الذي ينكرونه استعظاماً له لعدم تقدّم العهد لهم بمثله . قرأ الجمهور بضم الكاف . وقرأ ابن كثير بسكونها تخفيفاً . وقرأ مجاهد ، وقتادة بكسر الكاف ، وفتح الراء على صيغة الفعل المجهول { خُشَّعاً أَبْصَـٰرُهُمْ } قرأ الجمهور { خشعاً } جمع خاشع . وقرأ حمزة ، والكسائي وأبو عمرو { خاشعاً } على الإفراد ، ومنه قول الشاعر @ وَشَبَاب حَسَن أَوْجُهُهُم من إياد بن نِزارِ بن مَعد @@ وقرأ ابن مسعود خاشعة قال الفراء الصفة إذا تقدّمت على الجماعة جاز فيها التذكير والتأنيث والجمع ، يعني جمع التكسير لا جمع السلامة لأنه يكون من الجمع بين فاعلين ، ومثل قراءة الجمهور قول امرىء القيس @ وقوفاً بها صحبي عليّ مطيهم يقولون لا تهلك أسى وتجلد @@ وانتصاب { خشعاً } على الحال من فاعل يخرجون ، أو من الضمير في { عنهم } ، والخشوع في البصر الخضوع والذلة ، وأضاف الخشوع إلى الأبصار لأن العزّ والذلّ يتبين فيها { يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } أي يخرجون من القبور ، وواحد الأجداث جدث ، وهو القبر ، كأنهم لكثرتهم واختلاط بعضهم ببعض جراد منتشر ، أي منبث في الأقطار مختلط بعضه ببعض . { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ } الإهطاع الإسراع ، أي قال كونهم مسرعين إلى الداعي ، وهو إسرافيل ، ومنه قول الشاعر @ بِدجْلةَ دَارهُم ولقد أرَاهُمْ بِدجْلَةََ مُهْطِْعين إلى السَّماعِ @@ أي مسرعين إليه ، وقال الضحاك مقبلين ، وقال قتادة عامدين . وقال عكرمة فاتحين آذانهم إلى الصوت ، والأوّل أولى ، وبه قال أبو عبيدة ، وغيره ، وجملة { يَقُولُ ٱلْكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } في محل نصب على الحال من ضمير { مهطعين } ، والرابط مقدر ، أو مستأنفة جواب سؤال مقدّر كأنه قيل فماذا يكون حينئذ ، والعسر الصعب الشديد ، وفي إسناد هذا القول إلى الكفار دليل على أن اليوم ليس بشديد على المؤمنين . ثم ذكر سبحانه تفصيل بعض ما تقدّم من الأنباء المجملة فقال { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } أي كذبوا نبيهم ، وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله { فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا } تفسير لما قبله من التكذيب المبهم ، وفيه مزيد تقرير وتأكيد ، أي فكذبوا عبدنا نوحاً ، وقيل المعنى كذبت قوم نوح الرسل ، فكذبوا عبدنا نوحاً بتكذيبهم للرسل فإنه منهم . ثم بيّن سبحانه أنهم لم يقتصروا على مجرّد التكذيب ، فقال { وَقَالُواْ مَجْنُونٌ } أي نسبوا نوحاً إلى الجنون ، وقوله { وَٱزْدُجِرَ } معطوف على قالوا ، أي وزجر عن دعوى النبوّة ، وعن تبليغ ما أرسل به بأنواع الزجر ، والدال بدل من تاء الافتعال ، كما تقدّم قريباً ، وقيل إنه معطوف على { مجنون } أي وقالوا إنه ازدجر . أي ازدجرته الجنّ ، وذهبت بلبه ، والأوّل أولى . قال مجاهد هو من كلام الله سبحانه أخبر عنه بأنه انتهر وزجر بالسبّ وأنواع الأذى . قال الرازي وهذا أصح لأن المقصود تقوية قلب النبيّ صلى الله عليه وسلم بذكر من تقدّمه . { فَدَعَا رَبَّهُ أَنّى مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } أي دعا نوح ربه على قومه بأني مغلوب من جهة قومي ، لتمرّدهم عن الطاعة ، وزجرهم لي عن تبليغ الرسالة ، فانتصر لي ، أي انتقم لي منهم . طلب من ربه سبحانه النصرة عليهم لما أيس من إجابتهم ، وعلم تمرّدهم وعتوّهم ، وإصرارهم على ضلالتهم . قرأ الجمهور { أني } بفتح الهمزة ، أي بأني . وقرأ ابن أبي إسحاق ، والأعمش بكسر الهمزة ، ورويت هذه القراءة عن عاصم على تقدير إضمار القول ، أي فقال . ثم ذكر سبحانه ما عاقبهم به فقال { فَفَتَحْنَا أَبْوٰبَ ٱلسَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ } أي منصبّ انصباباً شديداً ، والهمر الصبّ بكثرة ، يقال همر الماء والدمع يهمر همراً ، وهموراً إذا كثر ، ومنه قول الشاعر @ أعينيّ جُودا بالدَّموعِ الهَوَامرِ على خيرِ بَادٍ من مَعَدٍّ وحَاضِرِ @@ ومنه قول امرىء القيس يصف عيناً @ رَاحَ تمرّ به الصَّبَا ثم انْتَحَى فيه بشُؤْبوُب جَنُوبٍ مُنْهَمرِ @@ قرأ الجمهور { فتحنا } مخففاً . وقرأ ابن عامر ، ويعقوب بالتشديد { وَفَجَّرْنَا ٱلأرْضَ عُيُوناً } أي جعلنا الأرض كلها عيوناً متفجرة ، والأصل فجرنا عيون الأرض . قرأ الجمهور { فجرنا } بالتشديد . وقرأ ابن مسعود ، وأبو حيوة ، وعاصم في رواية عنه بالتخفيف . قال عبيد بن عمير أوحى الله إلى الأرض أن تخرج ماءها ، فتفجرت بالعيون . { فَالْتَقَى ٱلمَاء عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } أي التقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قضي عليهم ، أي كائناً على حال قدّرها الله وقضى بها . وحكى ابن قتيبة أن المعنى على مقدار لم يزد أحدهما على الآخر ، بل كان ماء السماء وماء الأرض على سواء . قال قتادة قدّر لهم إذا كفروا أن يغرقوا . وقرأ الجحدري فالتقى الماءان وقرأ الحسن فالتقى الماوان ورويت هذه القراءة عن عليّ بن أبي طالب ، ومحمد بن كعب { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوٰحٍ وَدُسُرٍ } أي وحملنا نوحاً على سفينة ذات ألواح ، وهي الأخشاب العريضة { وَدُسُرٍ } قال الزجاج هي المسامير التي تشدّ بها الألواح واحدها دسار ، وكل شيء أدخل في شيء يشدّه فهو الدسر ، وكذا قال قتادة ، ومحمد بن كعب ، وابن زيد ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم . وقال الحسن ، وشهر بن حوشب ، وعكرمة الدسر ظهر السفينة التي يضربها الموج ، سميت بذلك لأنها تدسر الماء ، أي تدفعه ، والدسر الدفع . وقال الليث الدسار خيط تشدّ به ألواح السفينة . قال في الصحاح الدسار واحد الدسر وهي خيوط تشدّ بها ألواح السفينة ، ويقال هي المسامير { تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا } أي بمنظر ومرأى منا وحفظ لها ، كما في قوله { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا } هود 37 وقيل بأمرنا ، وقيل بوحينا ، وقيل بالأعين النابعة من الأرض ، وقيل بأعين أوليائنا من الملائكة الموكلين بحفظها { جَزَاء لّمَن كَانَ كُفِرَ } قال الفراء فعلنا به وبهم ما فعلنا من إنجائه وإغراقهم ثواباً لمن كفر به وجحد أمره ، وهو نوح عليه السلام ، فإنه كان لهم نعمة كفروها ، فانتصاب { جزاء } على العلة ، وقيل على المصدرية بفعل مقدّر ، أي جازيناهم جزاء . قرأ الجمهور كفر مبنياً للمفعول ، والمراد به نوح . وقيل هو الله سبحانه ، فإنهم كفروا به ، وجحدوا نعمته . وقرأ يزيد بن رومان ، وقتادة ، ومجاهد ، وحميد ، وعيسى كفر بفتح الكاف ، والفاء مبنياً للفاعل ، أي جزاء وعقاباً لمن كفر بالله . { وَلَقَدْ تَّرَكْنَـٰهَا ءايَةً } أي السفينة تركها الله عبرة للمعتبرين ، وقيل المعنى ولقد تركنا هذه الفعلة التي فعلناها بهم عبرة ، وموعظة . { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } أصله مذتكر ، فأبدلت التاء دالاً مهملة ، ثم أبدلت المعجمة مهملة لتقاربهما ، وأدغمت الدال في الذال ، والمعنى هل من متعظ ومعتبر يتعظ بهذه الآية ، ويعتبر بها . { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ } أي إنذاري . قال الفراء الإنذار والنذر مصدران ، والاستفهام للتهويل والتعجيب ، أي كانا على كيفية هائلة عجيبة لا يحيط بها الوصف ، وقيل نذر جمع نذير ، ونذير بمعنى الإنذار كنكير بمعنى الإنكار { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءانَ لِلذّكْرِ } أي سهلناه للحفظ ، وأعنا عليه من أراد حفظه ، وقيل هيأناه للتذكر والاتعاظ { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } أي متعظ بمواعظه ومعتبر بعبره . وفي الآية الحث على درس القرآن ، والاستكثار من تلاوته ، والمسارعة في تعلمه ، ومدكر أصله مذتكر ، كما تقدّم قريباً . وقد أخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن أنس أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية ، فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما . وروي عنه من طريق أخرى عند مسلم ، والترمذي ، وغيرهم وقال فنزلت { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن ابن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل ، وفرقة دونه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اشهدوا " وأخرج عبد بن حميد ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عنه قال رأيت القمر منشقاً شقتين مرّتين مرّة بمكة قبل أن يخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم شقة على أبي قبيس ، وشقة على السويداء . وذكر أن هذا سبب نزول الآية . وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، وأبو نعيم عنه أيضاً قال رأيت القمر وقد انشقّ ، وأبصرت الجبل بين فرجتي القمر . وله طرق عنه . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن ابن عباس قال انشقّ القمر في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم . وله طرق عنه . وأخرج مسلم ، والترمذي ، وغيرهما عن ابن عمر في قوله { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } قال كان ذلك على عهد رسول الله انشقّ فرقتين فرقة من دون الجبل ، وفرقة خلفه ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم " اللَّهم اشهد " وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وابن جرير ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي عن جبير بن مطعم عن أبيه في قوله { وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } قال انشقّ القمر ونحن بمكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صار فرقة على هذا الجبل ، وفرقة على هذا الجبل ، فقال الناس سحرنا محمد ، فقال رجل إن كان سحركم ، فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن جرير ، وابن مردويه ، وأبو نعيم عن عبد الرحمٰن السلمي قال خطبنا حذيفة بن اليمان بالمدائن ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } ، ألا وإن الساعة قد اقتربت ، ألا وإن القمر قد انشقّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ، اليوم المضمار وغداً السباق . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { مُهْطِعِينَ } قال ناظرين . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه { فَفَتَحْنَا أَبْوٰبَ ٱلسَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ } قال كثير لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ، ولا بعده إلاّ من السحاب ، وفتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم ، فالتقى الماءان . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر عنه أيضاً { عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوٰحٍ وَدُسُرٍ } قال الألواح ألواح السفينة ، والدسر معاريضها التي تشد بها السفينة . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عنه أيضاً في قوله { وَدُسُرٍ } قال المسامير . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه قال الدسر كلكل السفينة . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي عنه أيضاً في قوله { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءانَ لِلذّكْرِ } قال لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلموا بكلام الله . وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعاً مثله . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر عن ابن عباس { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } قال هل من متذكر .