Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 18-40)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { كَذَّبَتْ عَادٌ } هم قوم عاد { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ } أي فاسمعوا كيف كان عذابي لهم وإنذاري إياهم ، ونذر مصدر بمعنى إنذار ، كما تقدّم تحقيقه ، والاستفهام للتهويل والتعظيم { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } هذه الجملة مبينة لما أجمله سابقاً من العذاب ، والصرصر شدّة البرد ، أي ريح شديدة البرد ، وقيل الصرصر شدّة الصوت ، وقد تقدّم بيانه في سورة حمۤ السجدة { فِى يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرّ } أي دائم الشؤم استمرّ عليهم بنحوسه ، وقد كانوا يتشاءمون بذلك اليوم . قال الزجاج قيل في يوم الأربعاء في آخر الشهر . قرأ الجمهور { في يوم نحس } بإضافة { يوم } إلى { نحس } مع سكون الحاء ، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة ، أو على تقدير مضاف أي في يوم عذاب نحس . وقرأ الحسن بتنوين " يوم " على أن { نحس } صفة له . وقرأ هارون بكسر الحاء . قال الضحاك كان ذلك اليوم مرّاً عليهم . وكذا حكى الكسائي عن قوم أنهم قالوا هو من المرارة ، وقيل هو من المرّة بمعنى القوّة ، أي في يوم قويّ الشؤم مستحكمه ، كالشيء المحكم الفتل الذي لا يطاق نقضه ، والظاهر أنه من الاستمرار ، لا من المرارة ، ولا من المرّة ، أي دام عليهم العذاب فيه حتى أهلكهم ، وشمل بهلاكه كبيرهم وصغيرهم . وجملة { تَنزِعُ ٱلنَّاسَ } في محل نصب على أنها صفة لـ { ريحاً } ، أو حال منها ، ويجوز أن يكون استئنافاً ، أي تقلعهم من الأرض من تحت أقدامهم اقتلاع النخلة من أصلها . قال مجاهد كانت تقلعهم من الأرض ، فترمي بهم على رؤوسهم فتدقّ أعناقهم ، وتبين رؤوسهم من أجسادهم ، وقيل تنزع الناس من البيوت ، وقيل من قبورهم لأنهم حفروا حفائر ودخلوها { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } الأعجاز جمع عجز ، وهو مؤخر الشيء ، والمنقعر المنقطع المنقلع من أصله ، يقال قعرت النخلة إذا قلعتها من أصلها حتى تسقط . شبههم في طول قاماتهم حين صرعتهم الريح ، وطرحتهم على وجوههم بالنخل الساقط على الأرض التي ليست لها رؤوس ، وذلك أن الرّيح قلعت رؤوسهم أولاً ، ثم كتّبتهم على وجوههم ، وتذكير منقعر مع كونه صفة لأعجاز نخل ، وهي مؤنثة اعتباراً باللفظ ، ويجوز تأنيثه اعتباراً بالمعنى ، كما قال { أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } الحاقة 7 قال المبرد كل ما ورد عليك من هذا الباب إن شئت رددته إلى اللفظ تذكيراً ، أو إلى المعنى تأنيثاً . وقيل إن النخل والنخيل يذكر ويؤنث { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ } قد تقدّم تفسيره قريباً ، وكذلك قوله { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءانَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } . ثم لما ذكر سبحانه تكذيب عاد أتبعه بتكذيب ثمود ، فقال { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } يجوز أن يكون جمع نذير ، أي كذبت بالرّسل المرسلين إليهم ، ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى الإنذار ، أي كذبت بالإنذار الذي أنذروا به ، وإنما كان تكذيبهم لرسولهم وهو صالح تكذيباً للرسل لأن من كذب واحداً من الأنبياء فقد كذب سائرهم لاتفاقهم في الدعوة إلى كليات الشرائع { فَقَالُواْ أَبَشَراً مّنَّا وٰحِداً نَّتَّبِعُهُ } الاستفهام للإنكار ، أي كيف نتبع بشراً كائناً من جنسنا منفرداً وحده لا متابع له على ما يدعو إليه . قرأ الجمهور بنصب { بشراً } على الاشتغال ، أي أنتبع بشراً واحداً . وقرأ أبو السماك ، والداني ، وأبو الأشهب ، وابن السميفع بالرفع على الابتداء ، و { واحداً } صفته ، و { نتبعه } خبره . وروي عن أبي السماك أنه قرأ برفع بشراً ونصب واحداً على الحال { إِنَّا إِذاً لَّفِى ضَلَـٰلٍ } أي إنا إذا اتبعناه لفي خطأ ، وذهاب عن الحق { وَسُعُرٍ } أي عذاب وعناء وشدّة كذا قال الفراء ، وغيره . وقال أبو عبيدة هو جمع سعير ، وهو لهب النار ، والسعر الجنون يذهب كذا وكذا لما يلتهب به من الحدّة . وقال مجاهد { وسعر } وبُعد عن الحقّ . وقال السديّ في احتراق ، وقيل المراد به هنا الجنون ، من قولهم ناقة مسعورة أي كأنها من شدّة نشاطها مجنونة ، ومنه قول الشاعر يصف ناقة @ تَخالُ بها سُعْراً إِذَا السَّعْرُ هَزَّهَا ذَمِيلٌ وإِيقاعٌ من السَّيْرِ مُتْعِبُ @@ ثم كرّروا الإنكار والاستبعاد فقالوا { أألقي الذّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا } أي كيف خصّ من بيننا بالوحي والنبوّة ، وفينا من هو أحقّ بذلك منه ؟ ثم أضربوا عن الاستنكار ، وانتقلوا إلى الجزم بكونه كذاباً أشراً فقالوا { بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } والأشر المرح والنشاط ، أو البطر والتكبر ، وتفسيره بالبطر والتكبر أنسب بالمقام ، ومنه قول الشاعر @ أشِرتُمْ بِلْبس الخَزَّ لما لَبِستُمُ ومن قبلُ لا تْدرون مَنْ فَتَحَ القُرى @@ قرأ الجمهور { أشر } كفرح . وقرأ أبو قلابة ، وأبو جعفر بفتح الشين وتشديد الرّاء على أنه أفعل تفضيل ، ونقل الكسائي عن مجاهد أنه قرأ بضم الشين مع فتح الهمزة . ثم أجاب سبحانه عليهم بقوله { سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأشِرُ } والمراد بقوله { غداً } وقت نزول العذاب بهم في الدنيا ، أو في يوم القيامة جرياً على عادة الناس في التعبير بالغد عن المستقبل من الأمر وإن بعد ، كما في قولهم إن مع اليوم غداً ، وكما في قول الحطيئة @ للموت فيها سِهامٌ غَيْرُ مُخْطِئَةٍ مَنْ لم يكن مَيَّتاً في اليوم ماتَ غَدَا @@ ومنه قول أبي الطماح @ ألا عَللاِني قَبْل نوح النَّوائحِ وَقَبْلَ اضْطرَابِ النَّفسِ بَين الجَوَانِحِ وقبلَ غَدٍ يا لَهْف نَفْسي على غَد إذَا رَاحَ أصْحابِي ولستُ برائحِ @@ قرأ الجمهور { سيعلمون } بالتحتية إخبار من الله سبحانه لصالح عن وقوع العذاب عليهم بعد مدة . وقرأ أبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة بالفوقية على أنه خطاب من صالح لقومه ، وجملة { إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ } مستأنفة لبيان ما تقدّم إجماله من الوعيد ، أي إنا مخرجوها من الصخرة على حسب ما اقترحوه { فِتْنَةً لَّهُمْ } أي ابتلاء وامتحاناً ، وانتصاب { فتنة } على العلة { فَٱرْتَقِبْهُمْ } أي انتظر ما يصنعون { وَٱصْطَبِرْ } على ما يصيبك من الأذى منهم { وَنَبّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } أي بين ثمود وبين الناقة ، لها يوم ولهم يوم ، كما في قوله { لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } الشعراء 155 وقال { نبئهم } بضمير العقلاء تغليباً . { كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } الشرب بكسر الشين الحظ من الماء . ومعنى { محتضر } أنه يحضره من هو له ، فالناقة تحضره يوماً ، وهم يحضرونه يوماً . قال مجاهد إن ثمود يحضرون الماء يوم نوبتهم فيشربون ، ويحضرون يوم نوبتها فيحتلبون . قرأ الجمهور . { قسمة } بكسر القاف بمعنى مقسوم ، وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بفتحها { فَنَادَوْاْ صَـٰحِبَهُمْ } أي نادى ثمود صاحبهم وهو قدار بن سالف عاقر الناقة يحضونه على عقرها { فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } أي تناول الناقة بالعقر فعقرها ، أو اجترأ على تعاطي أسباب العقر فعقر . قال محمد بن إسحاق كمن لها في أصل شجرة على طريقها ، فرماها بسهم ، فانتظم به عضلة ساقها ، ثم شدّ عليها بالسيف ، فكسر عرقوبها ، ثم نحرها ، والتعاطي تناول الشيء بتكلف { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ } قد تقدّم تفسيره في هذه السورة . ثم بيّن ما أجمله من العذاب فقال { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وٰحِدَةً } قال عطاء يريد صيحة جبريل ، وقد مضى بيان هذا في سورة هود ، وفي الأعراف { فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } قرأ الجمهور بكسر الظاء ، والهشيم حطام الشجر ويابسه ، والمحتظر صاحب الحظيرة ، وهو الذي يتخذ لغنمه حظيرة تمنعها عن برد الرّيح ، يقال احتظر على غنمه إذا جمع الشجر ووضع بعضه فوق بعض . قال في الصحاح والمحتظر الذي يعمل الحظيرة . وقرأ الحسن ، وقتادة ، وأبو العالية بفتح الظاء أي كهشيم الحظيرة ، فمن قرأ بالكسر أراد الفاعل للاحتظار ، ومن قرأ بالفتح أراد الحظيرة ، وهي فعيلة بمعنى مفعولة ومعنى الآية أنهم صاروا كالشجر إذا يبس في الحظيرة ، وداسته الغنم بعد سقوطه ، ومنه قول الشاعر @ أثرن عجاجه كدخان نار تشب بغرقد بال هشيم @@ وقال قتادة هو العظام النخرة المحترقة . وقال سعيد بن جبير هو التراب المتناثر من الحيطان في يوم ريح . وقال سفيان الثوري هو ما يتناثر من الحظيرة إذا ضربتها بالعصي . قال ابن زيد العرب تسمي كل شيء كان رطباً فيبس هشيماً ، ومنه قول الشاعر @ ترى جيف المطيّ بجانبيه كأن عظامها خشب الهشيم @@ { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءانَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } قد تقدم تفسير هذا في هذه السورة . ثم أخبر سبحانه عن قوم لوط بأنهم كذبوا رسل الله ، كما كذبهم غيرهم ، فقال { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ } وقد تقدّم تفسير النذر قريباً . ثم بيّن سبحانه ما عذبهم به ، فقال { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَـٰصِباً } أي ريحاً ترميهم بالحصباء ، وهي الحصى . قال أبو عبيدة ، والنضر بن شميل الحاصب الحجارة في الريح . قال في الصحاح الحاصب الريح الشديدة التي تثير الحصباء ، ومنه قول الفرزدق @ مستقبلين شمال الشام يضربها بحاصب كنديف القطن منثور @@ { إِلاَّ الَ لُوطٍ نَّجَّيْنَـٰهُم بِسَحَرٍ } يعني لوطاً ومن تبعه ، والسحر آخر الليل ، وقيل هو في كلام العرب اختلاط سواد الليل ببياض أوّل النهار ، وانصرف { سحر } لأنه نكرة لم يقصد به سحر ليلة معينة ، ولو قصد معيناً لامتنع . كذا قال الزجاج ، والأخفش ، وغيرهما . وانتصاب { نّعْمَةً مّنْ عِندِنَا } على العلة ، أو على المصدرية ، أي إنعاماً منا على لوط ، ومن تبعه . { كَذَلِكَ نَجْزِى مَن شَكَرَ } أي مثل ذلك الجزاء نجزي من شكر نعمتنا ، ولم يكفرها { وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا } أي أنذر لوط قومه بطشة الله بهم ، وهي عذابه الشديد ، وعقوبته البالغة { فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ } أي شكوا في الإنذار ولم يصدّقوه ، وهو تفاعلوا من المرية ، وهي الشك { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ } أي أرادوا منه تمكينهم ممن أتاه من الملائكة ليفجروا بهم ، كما هو دأبهم ، يقال راودته عن كذا مراودة ورواداً ، أي أردته ، وراد الكلام يروده روداً ، أي طلبه ، وقد تقدّم تفسير المراودة مستوفى في سورة يوسف { فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ } أي صيرنا أعينهم ممسوحة لا يرى لها شقّ ، كما تطمس الريح الأعلام بما تسفي عليها من التراب . وقيل أذهب الله نور أبصارهم مع بقاء الأعين على صورتها . قال الضحاك طمس الله على أبصارهم ، فلم يروا الرسل ، فرجعوا { فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ } قد تقدّم تفسيره في هذه السورة { وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ } أي أتاهم صباحاً عذاب مستقرّ بهم نازل عليهم لا يفارقهم ولا ينفك عنهم . قال مقاتل استقرّ بهم العذاب بكرة ، وانصراف { بكرة } لكونه لم يرد بها وقتاً بعينه ، كما سبق في { بسحر } { فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءانَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } قد تقدّم تفسير هذا في هذه السورة ، ولعل وجه تكرير تيسير القرآن للذكر في هذه السورة الإِشعار بأنه منة عظيمة لا ينبغي لأحد أن يغفل عن شكرها . وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } قال باردة { فِى يَوْمِ نَحْسٍ } قال أيام شداد . وأخرج ابن المنذر ، وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يوم الأربعاء يوم نحس مستمر " ، وأخرجه عنه ابن مردويه من وجه آخر مرفوعاً . وأخرجه ابن مردويه عن عليّ مرفوعاً . وأخرجه ابن مردويه أيضاً عن أنس مرفوعاً ، وفيه قيل وكيف ذاك يا رسول الله ؟ قال " أغرق الله فيه فرعون وقومه ، وأهلك فيه عاداً ، وثمود " وأخرج ابن مردويه ، والخطيب بسند . قال السيوطي ضعيف عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر " وأخرج ابن المنذر عنه { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ } قال أصول النخل { مُّنقَعِرٍ } قال منقلع . وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال أعجاز سواد النخل . وأخرج ابن المنذر عنه أيضاً { وَسُعُرٍ } قال شقاء . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عنه أيضاً قال { كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } قال كحظائر من الشجر محترقة . وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في الآية قال كالعظام المحترقة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر عنه قال كالحشيش تأكله الغنم .