Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 41-55)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱلنُّذُرُ } يجوز أن يكون جمع نذير ، ويجوز أن يكون مصدر بمعنى الإنذار كما تقدّم ، وهي الآيات التي أنذرهم بها موسى ، وهذا أولى لقوله { كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا كُلَّهَا } فإنه بيان لذلك ، والمراد بها الآيات التسع التي تقدّم ذكرها { فَأَخَذْنَـٰهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ } أي أخذناهم بالعذاب أخذ غالب في انتقامه قادر على إهلاكهم لا يعجزه شيء ، ثم خوّف سبحانه كفار مكة فقال { أَكُفَّـٰرُكُمْ خَيْرٌ مّنْ أُوْلَـئِكُمْ } والاستفهام للإنكار ، والمعنى النفي ، أي ليس كفاركم يا أهل مكة ، أو يا معشر العرب خير من كفار من تقدّمكم من الأمم الذين أهلكوا بسبب كفرهم ، فكيف تطمعون في السلامة من العذاب ، وأنتم شرّ منهم . ثم أضرب سبحانه عن ذلك ، وانتقل إلى تبكيتهم بوجه آخر هو أشد من التبكيت بالوجه الأوّل ، فقال { أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِى ٱلزُّبُرِ } والزبر هي الكتب المنزلة على الأنبياء ، والمعنى إنكار أن تكون لهم براءة من عذاب الله في شيء من كتب الأنبياء . ثم أضرب عن هذا التبكيت ، وانتقل إلى التبكيت لهم بوجه آخر ، فقال { أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } أي جماعة لا تطاق لكثرة عددنا وقوّتنا ، أو أمرنا مجتمع لا نغلب ، وأفرد منتصراً اعتباراً بلفظ جميع . قال الكلبي المعنى نحن جميع أمرنا ننتصر من أعدائنا ، فردّ الله سبحانه عليهم بقوله { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ } أي جمع كفار مكة ، أو كفار العرب على العموم . قرأ الجمهور { سيهزم } بالتحتية مبنياً للمفعول . وقرأ ورش عن يعقوب { سنهزم } بالنون وكسر الزاي ونصب الجمع . وقرأ أبو حيوة ، وابن أبي عبلة بالتحتية مبنياً للفاعل ، وقرىء بالفوقية مبنياً للفاعل { وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } قرأ الجمهور { يولون } بالتحتية ، وقرأ عيسى ، وابن أبي إسحاق ، وورش عن يعقوب بالفوقية على الخطاب ، والمراد بالدبر الجنس ، وهو في معنى الإدبار ، وقد هزمهم الله يوم بدر ، وولوا الأدبار ، وقتل رؤساء الشرك ، وأساطين الكفر ، فلله الحمد . { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } أي موعد عذابهم الأخرويّ ، وليس هذا العذاب الكائن في الدنيا بالقتل والأسر والقهر ، وهو تمام ما وعدوا به من العذاب ، وإنما هو مقدّمة من مقدّماته وطليعة من طلائعه ، ولهذا قال { وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } أي وعذاب الساعة أعظم في الضرّ وأفظع ، مأخوذ من الدهاء ، وهو النكر والفظاعة ، ومعنى أمرّ أشد مرارة من عذاب الدنيا ، يقال دهاه أمر كذا ، أي أصابه دهواً ودهياً . { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَـٰلٍ وَسُعُرٍ } أي في ذهاب عن الحقّ وبعد عنه ، وقد تقدّم في هذه السورة تفسير { وَسُعُرٍ } ، فلا نعيده { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } والظرف منتصب بما قبله ، أي كائنون في ضلال وسعر يوم يسحبون ، أو بقول مقدّر بعده ، أي يوم يسحبون يقال لهم { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } أي قاسوا حرّها وشدّة عذابها ، وسقر علم لجهنم . وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بإدغام سين { مسّ } في سين { سقر } { إِنَّا كُلَّ شَىْء خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍ } قرأ الجمهور بنصب " كل " على الاشتغال . وقرأ أبو السماك بالرفع ، والمعنى أن كل شيء من الأشياء خلقه الله سبحانه ملتبساً بقدر قدّره ، وقضاء قضاه سبق في علمه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل وقوعه ، والقدر التقدير ، وقد قدّمنا الكلام على تفسير هذه الآية مستوفى . { وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وٰحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } أي إلا مرة واحدة ، أو كلمة واحدة كلمح بالبصر في سرعته ، واللمح النظر على العجلة والسرعة . وفي الصحاح لمحه وألمحه إذا أبصره بنظر خفيف ، والاسم اللمحة . قال الكلبي وما أمرنا بمجيء الساعة في السرعة إلاّ كطرف البصر . { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَـٰعَكُمْ } أي أشباهكم ونظراءكم في الكفر من الأمم ، وقيل أتباعكم وأعوانكم { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } يتذكر ويتّعظ بالمواعظ ، ويعلم أن ذلك حق ، فيخاف العقوبة ، وأن يحل به ما حلّ بالأمم السالفة { وَكُلُّ شَىْء فَعَلُوهُ فِى ٱلزُّبُرِ } أي جميع ما فعلته الأمم من خير أو شرّ مكتوب في اللوح المحفوظ ، وقيل في كتب الحفظة { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ } أي كل شيء من أعمال الخلق وأقوالهم وأفعالهم مسطور في اللوح المحفوظ صغيره وكبيره ، وجليله وحقيره ، يقال سطر يسطر سطراً كتب ، وأسطر مثله . ثم لما فرغ سبحانه من ذكر حال الأشقياء ذكر حال السعداء فقال { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍ وَنَهَرٍ } أي في بساتين مختلفة ، وجنان متنوعة ، وأنهار متدفقة . قرأ الجمهور { ونهر } بفتح الهاء على الإفراد ، وهو جنس يشمل أنهار الجنة ، وقرأ مجاهد ، والأعرج ، وأبو السماك بسكون الهاء وهما لغتان ، وقرأ أبو مجلز ، وأبو نهشل ، والأعرج ، وطلحة بن مصرف ، وقتادة نهر بضم النون ، والهاء على الجمع { فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ } أي في مجلس حقّ لا لغو فيه ولا تأثيم ، وهو الجنة { عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ } أي قادر على ما يشاء لا يعجزه شيء ، و { عند } هنا كناية عن الكرامة ، وشرف المنزلة ، وقرأ عثمان البستي في مقاعد صدق . وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس { أَكُفَّـٰرُكُمْ خَيْرٌ مّنْ أُوْلَـئِكُمْ } يقول ليس كفاركم خير من قوم نوح ، وقوم لوط . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن منيع ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه عنه في قوله { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } قال كان ذلك يوم بدر قالوا { نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } فنزلت هذه الآية . وفي البخاري ، وغيره عنه أيضاً أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة له يوم بدر " أنشدك عهدك ووعدك ، اللَّهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً " ، فأخذ أبو بكر بيده ، وقال حسبك يا رسول الله ألححت على ربك ، فخرج ، وهو يثب في الدرع ، ويقول { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ * بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } . وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، ومسلم ، والترمذي ، وابن ماجه ، وغيرهم عن أبي هريرة قال جاء مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر ، فنزلت { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } . وأخرج مسلم عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كل شيء بقدر حتى العجز ، والكيس » . وأخرج ابن المنذر عنه في قوله { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ } قال مسطور في الكتاب .