Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 55, Ayat: 46-78)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما فرغ سبحانه من تعداد النعم الدنيوية على الثقلين ذكر نعمه الأخروية التي أنعم بها عليهم ، فقال { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } مقامه سبحانه هو الموقف الذي يقف فيه العباد للحساب ، كما في قوله { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } المطففين 6 فالمقام مصدر بمعنى القيام ، وقيل المعنى خاف قيام ربه عليه ، وهو إشرافه على أحواله ، واطلاعه على أفعاله وأقواله ، كما في قوله { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } الرعد 33 قال مجاهد ، والنخعي هو الرجل يهمّ بالمعصية فيذكر الله ، فيدعها من خوفه . واختلف في الجنتين ، فقال مقاتل يعني جنة عدن ، وجنة النعيم ، وقيل إحداهما التي خلقت له والأخرى ورثها . وقيل إحداهما منزله والأخرى منزل أزواجه . وقيل إحداهما أسافل القصور والأخرى أعاليها . وقيل جنة للخائف الإنسي وجنة للخائف الجنيّ ، وقيل جنة لفعل الطاعة وأخرى لترك المعصية ، وقيل جنة للعقيدة التي يعتقدها وأخرى للعمل الذي يعمله ، وقيل جنة بالعمل وجنة بالتفضل ، وقيل جنة روحانية وجنة جسمانية ، وقيل جنة لخوفه من ربه وجنة لتركه شهوته ، وقال الفرّاء إنما هي جنة واحدة ، والتثنية لأجل موافقة الآي . قال النحاس وهذا القول من أعظم الغلط على كتاب الله ، فإن الله يقول { جَنَّتَانِ } ويصفهما بقوله { فيهما } إلخ . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } فإن من جملتها من هذه النعم العظيمة ، وهي إعطاء الخائف من مقام ربه جنتين متصفتين بالصفات الجليلة العظيمة { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } هذه صفة للجنتين ، وما بينهما اعتراض ، والأفنان الأغصان ، واحدها فنن ، وهو الغصن المستقيم طولاً ، وبهذا قال مجاهد ، وعكرمة ، وعطية ، وغيرهم . وقال الزجاج الأفنان الألوان واحدها فنّ ، وهو الضرب من كل شيء ، وبه قال عطاء ، وسعيد بن جبير ، وجمع عطاء بين القولين ، فقال في كلّ غصن فنون من الفاكهة ، ومن إطلاق الفنن على الغصن قول النابغة @ دعاء حمامةٍ تَدعْو هَدِيلا مُفَجعَّةٍ على فَنَنٍ تُغَني @@ وقول الآخر @ ما هاجَ شُوْقُك من هَديل حَمامةٍ تَدْعو على فَنَنٍ الغُصون حَمامَا @@ وقيل معنى { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } ذواتا فضل وسعة على ما سواهما ، قاله قتادة ، وقيل الأفنان ظلّ الأغصان على الحيطان ، روي هذا عن مجاهد ، وعكرمة . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } فإن كل واحد منها ليس بمحل للتكذيب ، ولا بموضع للإنكار . { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } هذا أيضاً صفة أخرى لجنتان ، أي في كل واحدة منهما عين جارية . قال الحسن إحداهما السلسبيل والأخرى التسنيم . وقال عطية إحداهما من ماء غير آسن والأخرى من خمر لذة للشاربين ، قيل كلّ واحدة منهما مثل الدنيا أضعافاً مضاعفة . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } فإن من جملتها هذه النعمة الكائنة في الجنة لأهل السعادة . { فِيهِمَا مِن كُلّ فَـٰكِهَةٍ زَوْجَانِ } هذا صفة ثالثة لجنتان ، والزوجان الصنفان والنوعان ، والمعنى أن في الجنتين من كلّ نوع يتفكه به ضربين يستلذ بكلّ نوع من أنواعه ، قيل أحد الصنفين رطب ، والآخر يابس لا يقصر أحدهما عن الآخر في الفضل والطيب { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } فإن في مجرّد تعداد هذه النعم ، ووصفها في هذا الكتاب العزيز من الترغيب إلى فعل الخير ، والترهيب عن فعل الشرّ ما لا يخفى على من يفهم ، وذلك نعمة عظمى ، ومنّة كبرى ، فكيف بالتنعم به عند الوصول إليه ؟ ! { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } انتصاب { متكئين } على الحال من فاعل قوله { وَلِمَنْ خَافَ } وإنما جمع ، حملاً على معنى من ، وقيل عاملها محذوف ، والتقدير يتنعمون متكئين ، وقيل منصوب على المدح ، والفرش جمع فرش ، والبطائن هي التي تحت الظهائر ، وهي جمع بطانة . قال الزجاج هي ما يلي الأرض ، والإستبرق ما غلظ من الديباج ، وإذا كانت البطائن من استبرق ، فكيف تكون الظهائر ؟ قيل لسعيد بن جبير البطائن من استبرق فما الظواهر ؟ قال هذا بما قال الله فيه { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } السجدة 17 قيل إنما اقتصر على ذكر البطائن لأنه لم يكن أحد في الأرض يعرف ما في الظهائر . وقال الحسن بطائنها من استبرق ، وظهائرها من نور جامد . وقال الحسن البطائن هي الظهائر ، وبه قال الفراء وقال قد تكون البطانة الظهارة ، والظهارة البطانة لأن كلّ واحد منهما يكون وجهاً ، والعرب تقول هذا ظهر السماء ، وهذا بطن السماء لظاهرها الذي نراه ، وأنكر ابن قتيبة هذا ، وقال لا يكون هذا إلاّ في الوجهين المتساويين { وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } مبتدأ وخبر ، والجنى ما يجتنى من الثمار ، قيل إن الشجرة تدنو حتى يجنيها من يريد جناها ، ومنه قول الشاعر @ هذا جَناي وخِيَاره فيه إِذْ كلُّ جانٍ يَدُهُ إلى فيه @@ قرأ الجمهور { فرش } بضمتين ، وقرأ أبو حيوة بضمة وسكون ، وقرأ الجمهور { جنى } بفتح الجيم ، وقرأ عيسى بن عمر بكسرها ، وقرأ عيسى أيضاً بكسر النون على الإمالة . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } فإنها كلها بموضع لا يتيسر لمكذب أن يكذب بشيء منها لما تشتمل عليه من الفوائد العاجلة والآجلة . { فِيهِنَّ قَـٰصِرٰتُ ٱلطَّرْفِ } أي في الجنتين المذكورتين . قال الزجاج وإنما قال { فيهنّ } لأنه عنى الجنتين ، وما أعدّ لصاحبهما فيهما من النعيم ، وقيل فيهنّ أي في الفرش التي بطائنها من استبرق ، ومعنى { قَـٰصِرٰتُ ٱلطَّرْفِ } أنهنّ يقصرن أبصارهنّ على أزواجهنّ لا ينظرن إلى غيرهم ، وقد تقدّم تفسير هذا في سورة الصافات . { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ } قال الفراء الطمث الافتضاض وهو النكاح بالتدمية ، يقال طمث الجارية إذا افترعها . قال الواحدي قال المفسرون لم يطأهن ولم يغشهنّ ولم يجامعهنّ قبلهم أحد . قال مقاتل لأنهن خلقن في الجنة ، والضمير في { قبلهم } يعود إلى الأزواج المدلول عليه بقاصرات الطرف ، وقيل يعود إلى متكئين ، والجملة في محل رفع صفة لقاصرات ، لأن إضافتها لفظية ، وقيل الطمث المسّ ، أي لم يمسسهنّ ، قاله أبو عمرو . وقال المبرد أي لم يذللهنّ ، والطمث التذليل ، ومن استعمال الطمث فيما ذكره الفراء قول الفرزدق @ دفعن إليَّ لم يُطْمَثْن قَبْلِي وهنّ أصَحّ مِنْ بيض النَّعام @@ وقرأ الجمهور { يطمثهنّ } بكسر الميم ، وقرأ الكسائي بضمها ، وقرأ الجحدري ، وطلحة بن مصرف بفتحها ، وفي هذه الآية بل في كثير من آيات هذه السورة دليل أن الجنّ يدخلون الجنة إذا آمنوا بالله سبحانه ، وعملوا بفرائضه ، وانتهوا عن مناهيه . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } فإن في مجرّد هذا الترغيب في هذه النعم نعمة جليلة ، ومنة عظيمة ، لأن به يحصل الحرص على الأعمال الصالحة ، والفرار من الأعمال الطالحة ، فكيف بالوصول إلى هذه النعم ، والتنعم بها في جنات النعيم بلا انقطاع ، ولا زوال . { كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ } هذا صفة لقاصرات ، أو حال منهنّ ، شبههنّ سبحانه في صفاء اللون مع حمرته بالياقوت والمرجان ، والياقوت هو الحجر المعروف ، والمرجان قد قدّمنا الكلام فيه في هذه السورة على الخلاف في كونه صغار الدرّ ، أو الأحمر المعروف . قال الحسن هنّ في صفاء الياقوت ، وبياض المرجان ، وإنما خصّ المرجان على القول بأنه صغار الدرّ لأن صفاءها أشدّ من صفاء كبار الدرّ { فَبِأَىّ الاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } فإن نعمه كلها لا يتيسر تكذيب شيء منها كائنة ما كانت ، فكيف بهذه النعم الجليلة والمنن الجزيلة ؟ { هَلْ جَزَاء ٱلإحْسَـٰنِ إِلاَّ ٱلإحْسَـٰنُ } هذه الجملة مقرّرة لمضمون ما قبلها ، والمعنى ما جزاء من أحسن العمل في الدنيا إلاّ الإحسان إليه في الآخرة ، كذا قال ابن زيد ، وغيره . قال عكرمة هل جزاء من قال لا إلٰه إلاّ الله إلاّ الجنة ؟ وقال الصادق هل جزاء من أحسنت إليه في الأزل إلاّ حفظ الإحسان عليه في الأبد ؟ قال الرازي في هذه الآية وجوه كثيرة حتى قيل إن في القرآن ثلاث آيات في كل واحدة منها مائة قول إحداها قوله تعالى { فَٱذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ } البقرة 152 وثانيها { وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } الإسراء 8 وثالثها { هَلْ جَزَاء ٱلإحْسَـٰنِ إِلاَّ ٱلإحْسَـٰنُ } . قال محمد بن الحنفية هي للبرّ والفاجر البرّ في الآخرة ، والفاجر في الدنيا . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } فإن من جملتها الإحسان إليكم في الدنيا ، والآخرة بالخلق والرزق والإرشاد إلى العمل الصالح ، والزجر عن العمل الذي لا يرضاه . { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } أي ومن دون تينك الجنتين الموصوفتين بالصفات المتقدّمة جنتان أخريان ، لمن دون أصحاب الجنتين السابقتين من أهل الجنة ، ومعنى { من دونهما } أي من أمامهما ، ومن قبلهما ، أي هما أقرب منهما ، وأدنى إلى العرش ، وقيل الجنتان الأوليان جنة عدن وجنة النعيم ، والأخريان جنة الفردوس وجنة المأوى . قال ابن جريج هي أربع جنات جنتان منهما للسابقين المقرّبين { فِيهِمَا مِن كُلّ فَـٰكِهَةٍ زَوْجَانِ } و { عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } ، وجنتان لأصحاب اليمين { فِيهِمَا فَـٰكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } و { فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ } قال ابن زيد إن الأوليين من ذهب للمقرّبين ، والأخريين من ورق لأصحاب اليمين . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } فإنها كلها حقّ ، ونعم لا يمكن جحدها ، ثم وصف سبحانه هاتين الجنتين الأخريين ، فقال { مُدْهَامَّتَانِ } وما بينهما اعتراض . قال أبو عبيدة والزجاج من خضرتهما قد اسودّتا من الزي ، وكل ما علاه السواد رياً فهو مدهم . قال مجاهد مسودّتان ، والدهمة في اللغة السواد ، يقال فرس أدهم ، وبعير أدهم إذا اشتدّت ورقته حتى ذهب البياض الذي فيه . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } فإن جميعها نعم ظاهرة واضحة لا تجحد ولا تنكر . { فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ } النضخ فوران الماء من العين ، والمعنى أن في الجنتين المذكورتين عينين فوّارتين . قال أهل اللغة والنضخ بالخاء المعجمة أكثر من النضح بالحاء المهملة . قال الحسن ، ومجاهد تنضخ على أولياء الله بالمسك ، والعنبر ، والكافور في دور أهل الجنة ، كما ينضخ رشّ المطر . وقال سعيد بن جبير إنها تنضخ بأنواع الفواكه ، والماء . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } فإنها ليست بموضع للتكذيب ، ولا بمكان للجحد . { فِيهِمَا فَـٰكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } هذا من صفات الجنتين المذكورتين قريباً ، والنخل والرمان وإن كانا من الفاكهة لكنهما خصصا بالذكر لمزيد حسنهما ، وكثرة نفعهما بالنسبة إلى سائر الفواكه ، كما حكاه الزجاج ، والأزهري ، وغيرهما . وقيل إنما خصهما لكثرتهما في أرض العرب ، وقيل خصهما لأن النخل فاكهة وطعام ، والرمان فاكهة ودواء . وقد ذهب إلى أنهما من جملة الفاكهة جمهور أهل العلم ، ولم يخالف في ذلك إلاّ أبو حنيفة ، وقد خالفه صاحباه أبو يوسف ، ومحمد . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } فإن من جملتها هذه النعم التي في جنات النعيم ، ومجرّد الحكاية لها تأثر في نفوس السامعين ، وتجذبهم إلى طاعة ربّ العالمين { فِيهِنَّ خَيْرٰتٌ حِسَانٌ } قرأ الجمهور { خيرات } بالتخفيف ، وقرأ قتادة ، وابن السميفع ، وأبو رجاء العطاردي ، وبكر بن حبيب السهمي ، وابن مقسم ، والنهدي بالتشديد ، فعلى القراءة الأولى هي جمع خيرة بزنة فعلة بسكون العين ، يقال امرأة خيرة وأخرى شرّة ، أو جمع خيرة مخفف خيرة ، وعلى القراءة الثانية جمع خيرة بالتشديد . قال الواحدي قال المفسرون الخيرات النساء خيرات الأخلاق حسان الوجوه . قيل وهذه الصفة عائدة إلى الجنان الأربع ، ولا وجه لهذا ، فإنه قد وصف نساء الجنتين الأوليين بأنهنّ قاصرات الطرف . { كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ } وبين الصفتين بون بعيد . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } فإن شيئًا منها كائناً ما كان لا يقبل التكذيب . { حُورٌ مَّقْصُورٰتٌ فِى ٱلْخِيَامِ } أي محبوسات ، ومنه القصر لأنه يحبس من فيه ، والحور جمع حوراء وهي شديدة بياض العين شديدة سوادها ، وقد تقدّم بيان معنى الحوراء ، والخلاف فيه . وقيل معنى { مقصورات } أنهنّ قصرن على أزواجهنّ ، فلا يردن غيرهم ، وحكاه الواحدي عن المفسرين . والأوّل أولى ، وبه قال أبو عبيدة ، ومقاتل ، وغيرهما . قال في الصحاح قصرت الشيء أقصره قصراً حبسته ، والمعنى أنهنّ خدّرن في الخيام ، والخيام جمع خيمة ، وقيل جمع خيم ، والخيم جمع خيمة ، وهي أعواد تنصب وتظلّل بالثياب ، فتكون أبرد من الأخبية ، قيل الخيمة من خيام الجنة درّة مجوّفة ، فرسخ في فرسخ ، وارتفاع { حور } على البدلية من خيرات { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ } قد تقدّم تفسيره في صفة الجنتين الأوليين { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } فإنها كلها نعم لا تكفر ، ومنن لا تجحد . { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ } انتصاب { متكئين } على الحال ، أو المدح كما سبق ، قال أبو عبيدة الرّفارف البسط ، وبه قال الحسن ، ومقاتل ، والضحاك ، وغيرهم . وقال ابن عيينة هي الزرابي . وقال ابن كيسان هي المرافق . وروي عن أبي عبيدة أنه قال هي حاشية الثوب . وقال الليث ضرب من الثياب الخضر ، وقيل الفرش المرتفعة ، وقيل كل ثوب عريض . قال في الصحاح والرّفرف ثياب خضر يتخذ منها المحابس ، الواحدة رفرفة . وقال الزجاج قالوا الرّفرف هنا رياض الجنة ، وقالوا الرّفرف الوسائد ، وقالوا الرّفرف المحابس ا هـ . ومن القائلين بأنها رياض الجنة سعيد بن جبير ، واشتقاق الرّفرف من رفّ يرفّ إذا ارتفع ، ومنه رفرفة الطائر ، وهي تحريك جناحيه في الهواء . قرأ الجمهور { رفرف } على الإفراد . وقرأ عثمان بن عفان ، والحسن ، والجحدري رفارف على الجمع { وَعَبْقَرِىّ حِسَانٍ } العبقريّ الزرابي ، والطنافس الموشية . قال أبو عبيدة كل وشي من البسط عبقريّ ، وهو منسوب إلى أرض يعمل فيها الوشي . قال الفراء العبقريّ . الطنافس الثمان ، وقيل الزرابي ، وقيل البسط ، وقيل الديباج . قال ابن الأنباري الأصل فيه أن عبقر قرية تسكنها الجنّ ينسب إليها كل فائق . قال الخليل العبقريّ عند العرب كل جليل فاضل فاخر من الرجال والنساء ، ومنه قول زهير @ بَخَيْل عليها جِنَّةٌ عَبْقَرَيَّةٌ جَديرون يوماً أنْ يَنَالوُا فَيَسْتَعلُوا @@ قال الجوهريّ العبقر موضع تزعم العرب أنه من أرض الجنّ . قال لبيد @ كهول وشبان كجنة عبقر @@ ثم نسبوا إليه كل شيء تعجبوا من حذقه وجودة صنعته وقوّته ، فقالوا عبقريّ ، وهو واحد وجمع . قرأ الجمهور { عبقريّ } وقرأ عثمان بن عفان ، والحسن ، والجحدري عباقريّ وقرىء عباقر وهما نسبة إلى عباقر اسم بلد . وقال قطرب ليس بمنسوب ، وهو مثل كرسيّ وكراسي ، وبختي وبخاتي . قرأ الجمهور { خضر } بضم الخاء وسكون الضاد ، وقرىء بضمهما ، وهي لغة قليلة . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } فإن كل واحد منها أجلّ من أن يتطرّق إليه التكذيب ، وأعظم من أن يجحده جاحد ، أو ينكره منكر ، وقد قدّمنا في أوّل هذه السورة وجه تكرير هذه الآية فلا نعيده . { تَبَـٰرَكَ ٱسْمُ رَبّكَ ذِى ٱلْجَلَـٰلِ وَٱلإكْرَامِ } تبارك . تفاعل من البركة . قال الرّازي وأصل التبارك من التبرّك ، وهو الدوام والثبات ، ومنه برك البعير ، وبركه الماء فإن الماء يكون دائماً ، والمعنى دام اسمه وثبت أو دام الخير عنده لأن البركة وإن كانت من الثبات لكنها تستعمل في الخير ، أو يكون معناه علا وارتفع شأنه . وقيل معناه تنزيه الله سبحانه وتقديسه ، وإذا كان هذا التبارك منسوباً إلى اسمه عزّ وجلّ ، فما ظنك بذاته سبحانه ؟ وقيل الاسم بمعنى الصفة ، وقيل هو مقحم كما في قول الشاعر @ إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر @@ وقد تقدّم تفسير { ذي الجلال والإكرام } في هذه السورة . قرأ الجمهور { ذي الجلال } على أنه صفة للربّ سبحانه . وقرأ ابن عامر ذو الجلال على أنه صفة لاسم . وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } قال وعد الله المؤمنين الذين خافوا مقامه ، فأدّوا فرائضه الجنة . وأخرج ابن جرير عنه في الآية يقول خاف ثم اتقى ، والخائف من ركب طاعة الله وترك معصيته . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة عن عطاء أنها نزلت في أبي بكر . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شوذب مثله . وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود في الآية قال لمن خافه في الدنيا . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وابن منيع ، والحاكم ، والترمذي ، والنسائي ، والبزار ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه عن أبي الدّرداء " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } فقلت وإن زنى ، وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . الثانية { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } فقلت وإن زنى ، وإن سرق ؟ فقال الثالثة { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } فقلت وإن زنى ، وإن سرق ؟ قال نعم ، وإن رغم أنف أبي الدّرداء " وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } فقال أبو الدّرداء وإن زنى ، وإن سرق يا رسول الله ؟ قال " وإن زنى وإن سرق ، وإن رغم أنف أبي الدّرداء " وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن يسار مولى لآل معاوية عن أبي الدّرداء في قوله { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } قال قيل لأبي الدّرداء وإن زنى وإن سرق ؟ قال من خاف مقام ربه لم يزن ، ولم يسرق . وأخرج ابن مردويه عن ابن شهاب قال كنت عند هشام بن عبد الملك ، فقال قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } قال أبو هريرة وإن زنى ، وإن سرق ؟ فقلت إنما كان ذلك قبل أن تنزل الفرائض ، فلما نزلت الفرائض ذهب هذا . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " جنان الفردوس أربع جنات جنتان من ذهب حليتهما وأبنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة حليتهما وأبنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلاّ رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن " وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن أبي موسى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } وفي قوله { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } قال " جنتان من ذهب للمقرّبين ، وجنتان من وَرِق لأصحاب اليمين " وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث عن أبي موسى في قوله { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } قال جنتان من ذهب للسابقين ، وجنتان من فضة للتابعين . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } قال ذواتا ألوان . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عنه قال فن غصونها يمسّ بعضها بعضاً . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر عنه أيضاً قال الفنّ الغصن . وأخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث عن ابن مسعود في قوله { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } قال أخبرتم بالبطائن ، فكيف بالظهائر . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس أنه قيل له بطائنها من استبرق ، فما الظواهر ؟ قال ذلك مما قال الله { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } السجدة 17 . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقيّ في البعث عنه في قوله { وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } قال جناها ثمرها ، والداني القريب منك يناله القائم والقاعد . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقيّ في البعث عنه أيضاً في قوله { فِيهِنَّ قَـٰصِرٰتُ ٱلطَّرْفِ } يقول عن غير أزواجهنّ { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ } يقول لم يدن منهنّ ، أو لم يدمهنّ . وأخرج أحمد ، وابن حبان ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدريّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله { كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ } قال " تنظر إلى وجهها في خدرها أصفى من المرآة ، وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب ، وإنه يكون عليها سبعون ثوباً ، وينفذها بصره حتى يرى مخّ ساقها من وراء ذلك " وأخرج ابن أبي شيبة ، وهناد بن السريّ ، والترمذيّ ، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وأبو الشيخ في العظمة ، وابن مردويه عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال " إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها ، وذلك أن الله يقول { كأنهنّ الياقوت والمرجان } ، فأما الياقوت ، فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكاً ثم استصفيته لرأيته من ورائه " ، وقد رواه الترمذي موقوفاً وقال هو أصحّ . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقيّ في الشعب وضعفه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { هَلْ جَزَاء ٱلإحْسَـٰنِ إِلاَّ ٱلإحْسَـٰنُ } قال " ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلاّ الجنة " وأخرج الحكيم الترمذيّ في نوادر الأصول ، والبغويّ في تفسيره ، والديلمي في مسند الفردوس ، وابن النجار في تاريخه عن أنس مرفوعاً مثله . وأخرج ابن مردويه عن جابر مرفوعاً في الآية قال " هل جزاء من أنعمنا عليه بالإسلام إلاّ أن أدخله الجنة " وأخرج ابن النجار في تاريخه عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً مثل حديث ابن عمر . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { هَلْ جَزَاء ٱلإحْسَـٰنِ إِلاَّ ٱلإحْسَـٰنُ } قال هل جزاء من قال لا إلٰه إلاّ الله في الدنيا إلاّ الجنة في الآخرة . وأخرج ابن عديّ ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والديلمي ، والبيهقيّ في الشعب ، وضعفه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنزل الله عليّ هذه الآية في سورة الرحمٰن للكافر والمسلم { هَلْ جَزَاء ٱلإحْسَـٰنِ إِلاَّ ٱلإحْسَـٰنُ } " وأخرجه ابن مردويه موقوفاً على ابن عباس . وأخرج هناد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { مُدْهَامَّتَانِ } قال هما خضروان . وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال قد اسودّتا من الخضرة من الرّيّ من الماء . وأخرج الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وهناد ، وعبد بن حميد ، وابن جرير عن ابن عبد الله بن الزبير نحوه . وأخرج الطبراني ، وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عن قوله « { مُدْهَامَّتَانِ } قال " خضراوان " . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس { نَضَّاخَتَانِ } قال فائضتان . وأخرج عبد بن حميد عنه قال ينضخان بالماء . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله { خَيْرٰتٌ حِسَانٌ } قال لكل مسلم خيرة ، ولكل خيرة خيمة ، ولكل خيمة أربعة أبواب يدخل عليها من الله كل يوم تحفة وكرامة وهدية لم تكن قبل ذلك ، لا مراحات ولا طماحات ، ولا بخرات ولا دفرات ، حور عين كأنهن بيض مكنون . وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عنه مرفوعاً . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { حُورٌ } قال بيض { مَّقْصُورٰتٌ } قال محبوسات { فِى ٱلْخِيَامِ } قال في بيوت اللؤلؤ . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم قال الحور سود الحدق . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال " الخيام درّ مجوّف " وأخرج البخاريّ ، ومسلم ، وغيرهما عن أبي موسى الأشعري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم " الخيمة درّة مجوّفة طولها في السماء ستون ميلاً ، في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون يطوف عليهم المؤمن " وأخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ } قال فضول المحابس والفرش والبسط . وأخرج عبد بن حميد عن عليّ بن أبي طالب قال هي فضول المحابس . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، والبيهقي في البعث من طرق عن ابن عباس { رَفْرَفٍ خُضْرٍ } قال المحابس { وَعَبْقَرِىّ حِسَانٍ } قال الزرابي . وأخرج عبد بن حميد عنه في الآية قال الرّفرف الرّياض ، والعبقريّ الزرابي .