Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 1-26)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } الواقعة اسم للقيامة كالآزفة وغيرها ، وسميت واقعة لأنها كائنة لا محالة ، أو لقرب وقوعها ، أو لكثرة ما يقع فيها من الشدائد ، وانتصاب إذا بمضمر ، أي اذكر وقت وقوع الواقعة ، أو بالنفي المفهوم من قوله { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } أي لا يكون عند وقوعها تكذيب ، والكاذبة مصدر كالعاقبة أي ليس لمجيئها وظهورها كذب أصلاً ، وقيل إذا شرطية ، وجوابها مقدّر ، أي إذا وقعت كان كيت وكيت ، والجواب هذا هو العامل فيها ، وقيل إنها شرطية ، والعامل فيها الفعل الذي بعدها ، واختار هذا أبو حيان ، وقد سبقه إلى هذا مكيّ فقال والعامل وقعت . قال المفسرون والواقعة هنا هي النفخة الآخرة ، ومعنى الآية أنها إذا وقعت النفخة الآخرة عند البعث لم يكن هناك تكذيب بها أصلاً ، أو لا يكون هناك نفس تكذب على الله ، وتكذب بما أخبر عنه من أمور الآخرة . قال الزجاج ليس لوقعتها كاذبة ، أي لا يردّها شيء ، وبه قال الحسن ، وقتادة . وقال الثوري ليس لوقعتها أحد يكذب بها . وقال الكسائي ليس لها تكذيب ، أي لا ينبغي أن يكذب بها أحد . { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } قرأ الجمهور برفعهما على إضمار مبتدأ ، أي هي خافضة رافعة . وقرأ الحسن وعيسى الثقفي بنصبهما على الحال . قال عكرمة ، والسديّ ، ومقاتل خفضت الصوت فأسمعت من دنا ، ورفعت الصوت فأسمعت من نأى ، أي أسمعت القريب والبعيد . وقال قتادة خفضت أقواماً في عذاب الله ، ورفعت أقواماً إلى طاعة الله . وقال محمد بن كعب خفضت أقواماً كانوا في الدنيا مرفوعين ، ورفعت أقواماً كانوا في الدنيا مخفوضين ، والعرب تستعمل الخفض والرفع في المكان والمكانة ، والعزّ والإهانة ، ونسبة الخفض والرفع إليها على طريق المجاز ، والخافض والرّافع في الحقيقة ، هو الله سبحانه . { إِذَا رُجَّتِ ٱلاْرْضُ رَجّاً } أي إذا حرّكت حركة شديدة ، يقال رجّه يرجّه رجًّا إذا حرّكه ، والرّجة الاضطراب ، وارتجّ البحر اضطرب . قال المفسرون ترتجّ ، كما يرتجّ الصبيّ في المهد حتى ينهدم كل ما عليها ، وينكسر كل شيء من الجبال وغيرها . قال قتادة ، ومقاتل ، ومجاهد معنى رجت زلزلت ، والظرف متعلق بقوله { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } أي تخفض وترفع وقت رجّ الأرض وبس الجبال لأنه عند ذلك يرتفع ما هو منخفض ، وينخفض ما هو مرتفع . وقيل إنه بدل من الظرف الأوّل ذكره الزجاج ، فيكون معنى وقوع الواقعة هو رجّ الأرض ، وبس الجبال { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } البس الفت ، يقال بس الشيء إذا فته حتى يصير فتاتاً ، ويقال بس السويق إذا لته بالسمن ، أو بالزيت . قال مجاهد ، ومقاتل المعنى أن الجبال فتت فتاً . وقال السديّ كسرت كسراً . وقال الحسن قلعت من أصلها . وقال مجاهد أيضاً بست كما يبس الدقيق بالسمن ، أو بالزيت ، والمعنى أنها خلطت فصارت كالدقيق الملتوت . وقال أبو زيد البسّ السوق ، والمعنى على هذا سيقت الجبال سوقاً ، قال أبو عبيد بسّ الإبل ، وأبسها لغتان إذا زجرها . وقال عكرمة المعنى هدّت هدًّا { فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً } أي غباراً متفرّقاً منتشراً . قال مجاهد الهباء الشعاع الذي يكون في الكوّة كهيئة الغبار ، وقيل هو الرّهج الذي يسطع من حوافر الدّواب ، ثم يذهب ، وقيل ما تطاير من النار إذا اضطرمت على سورة الشرر ، فإذا وقع لم يكن شيئًا ، وقد تقدّم بيانه في الفرقان عند تفسير قوله { فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً } الفرقان 23 قرأ الجمهور { منبثًّا } بالمثلثة . وقرأ مسروق ، والنخعي ، وأبو حيوة بالتاء المثناة من فوق أي منقطعاً ، من قولهم بتّه الله ، أي قطعه . ثم ذكر سبحانه أحوال الناس واختلافهم فقال { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَـٰثَةً } والخطاب لجميع الناس ، أو للأمة الحاضرة ، والأزواج الأصناف ، والمعنى وكنتم في ذلك اليوم أصنافاً ثلاثة . ثم فسّر سبحانه هذه الأصناف فقال { فَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ } أي أصحاب اليمين ، وهم الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم ، أو الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة ، { أصحاب الميمنة } مبتدأ ، وخبره { ما أصحاب الميمنة } أي أي شيء هم في حالهم ، وصفتهم ، والاستفهام للتعظيم والتفخيم ، وتكرير المبتدأ هنا بلفظه مغن عن الضمير الرّابط ، كما في قوله { ٱلْحَاقَّةُ * مَا ٱلْحَاقَّةُ } الحاقة 1 ، 2 و { ٱلْقَارِعَةُ * مَا ٱلْقَارِعَةُ } القارعة 1 ، 2 ولا يجوز مثل هذا إلاّ في مواضع التفخيم ، والتعظيم والكلام في { َأَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ } كالكلام في أصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ، والمراد الذي يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار ، أو يأخذون صحائف أعمالهم بشمالهم ، والمراد تعجيب السامع من حال الفريقين في الفخامة والفظاعة كأنه قيل فأصحاب الميمنة في نهاية السعادة وحسن الحال ، وأصحاب المشأمة في نهاية الشقاوة وسوء الحال . وقال السديّ أصحاب الميمنة هم الذين كانوا عن يمين آدم حين أخرجت الذرية من صلبه ، وأصحاب المشأمة هم الذين كانوا عن شماله . وقال زيد بن أسلم أصحاب الميمنة هم الذين أخذوا من شق آدم الأيمن ، وأصحاب المشأمة هم الذين أخذوا من شقه الأيسر . وقال ابن جريج أصحاب الميمنة هم أهل الحسنات ، وأصحاب المشأمة هم أهل السيئات . وقال الحسن ، والربيع أصحاب الميمنة هم الميامين على أنفسهم بالأعمال الصالحة ، وأصحاب المشأمة هم المشائيم على أنفسهم بالأعمال القبيحة . وقال المبرد أصحاب الميمنة أصحاب التقدّم ، وأصحاب المشأمة أصحاب التأخر ، والعرب تقول اجعلني في يمينك ، ولا تجعلني في شمالك ، أي اجعلني من المتقدّمين ، ولا تجعلني من المتأخرين ، ومنه قول ابن الدمينة @ أبنيتي أفي يمنى يديك جعلتني فأفرح أم صيرتني في شمالك @@ ثم ذكر سبحانه الصنف الثالث ، فقال { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ } والتكرير فيه للتفخيم والتعظيم ، كما مرّ في القسمين الأوّلين ، كما تقول أنت أنت ، وزيد زيد ، والسابقون مبتدأ ، وخبره السابقون . وفيه تأويلان أحدهما أنه بمعنى السابقون هم الذين اشتهرت حالهم بذلك . والثاني أن متعلق السابقين مختلف ، والتقدير والسابقون إلى الإيمان السابقون إلى الجنة . والأوّل أولى لما فيه من الدلالة على التفخيم والتعظيم قال الحسن ، وقتادة هم السابقون إلى الإيمان من كلامه . وقال محمد بن كعب إنهم الأنبياء . وقال ابن سيرين هم الذين صلوا إلى القبلتين . وقال مجاهد هم الذين سبقوا إلى الجهاد ، وبه قال الضحاك . وقال سعيد بن جبير هم السابقون إلى التوبة وأعمال البرّ . وقال الزجاج المعنى والسابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله . قيل ووجه تأخير هذا الصنف الثالث مع كونه أشرف من الصنفين الأوّلين هو أن يقترن به ما بعده ، وهو قوله { أُوْلَـئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } فالإشارة هي إليهم ، أي المقرّبون إلى جزيل ثواب الله ، وعظيم كرامته ، أو الذين قربت درجاتهم ، وأعليت مراتبهم عند الله . وقوله { فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } متعلق بالمقربون ، أي مقرّبون عند الله في جنات النعيم . ويجوز أن يكون خبراً ثانياً لأولئك ، وأن يكون حالاً من الضمير في { المقربون } أي كائنين فيها . قرأ الجمهور { في جنات } بالجمع ، وقرأ طلحة بن مصرف في جنة بالإفراد ، وإضافة الجنات إلى النعيم من إضافة المكان إلى ما يكون فيه ، كما يقال دار الضيافة ، ودار الدعوة ، ودار العدل وارتفاع { ثُلَّةٌ مّنَ ٱلأوَّلِينَ } على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هم ثلة ، والثلة الجماعة التي لا يحصر عددها . قال الزجاج معنى ثلة معنى فرقة ، ومن ثللت الشيء إذا قطعته ، والمراد بالأوّلين هم الأمم السابقة من لدن آدم إلى نبينا صلى الله عليه وسلم { وَقَلِيلٌ مّنَ ٱلآخِرِينَ } أي من هذه الأمة ، وسموا قليلاً بالنسبة إلى من كان قبلهم ، وهم كثيرون لكثرة الأنبياء فيهم ، وكثرة من أجابهم . قال الحسن سابقو من مضى أكثر من سابقينا . قال الزجاج الذين عاينوا جميع الأنبياء وصدّقوا بهم أكثر ممن عاين النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولا يخالف هذا ما ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم " إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ، ثم قال ثلث أهل الجنة ، ثم قال نصف أهل الجنة " ، لأن قوله { ثُلَّةٌ مّنَ ٱلأوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مّنَ ٱلاخِرِينَ } إنما هو تفصيل للسابقين فقط ، كما سيأتي في ذكر أصحاب اليمين أنهم ثلة من الأولين ، وثلة من الآخرين ، فلا يمتنع أن يكون في أصحاب اليمين من هذه الأمة من هو أكثر من أصحاب اليمين من غيرهم ، فيجتمع من قليل سابقي هذه الأمة ، ومن ثلة أصحاب اليمين منها من يكون نصف أهل الجنة ، والمقابلة بين الثلتين في أصحاب اليمين لا تستلزم استواءهما لجواز أن يقال هذه الثلة أكثر من هذه الثلة ، كما يقال هذه الجماعة أكثر من هذه الجماعة ، وهذه الفرقة أكثر من هذه الفرقة ، وهذه القطعة أكثر من هذه القطعة . وبهذا تعرف أنه لم يصب من قال إن هذه الآية منسوخة بالحديث المذكور . ثم ذكر سبحانه حالة أخرى للسابقين المقربين ، فقال { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } قرأ الجمهور { سرر } بضم السين والراء الأولى ، وقرأ أبو السماك ، وزيد بن عليّ بفتح الراء ، وهي لغة كما تقدّم ، والموضونة المنسوجة ، والوضن النسج المضاعف . قال الواحدي قال المفسرون منسوجة بقضبان الذهب ، وقيل مشبكة بالدرّ ، والياقوت ، والزبرجد ، وقيل إن الموضونة المصفوفة . وقال مجاهد الموضونة المرمولة بالذهب ، وانتصاب { مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا } على الحال ، وكذا انتصاب { مُّتَقَـٰبِلِينَ } والمعنى مستقرّين على سرر متكئين عليها متقابلين لا ينظر بعضهم قفا بعض { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدٰنٌ مُّخَلَّدُونَ } الجملة في محل نصب على الحال من المقربين ، أو مستأنفة لبيان بعض ما أعدّ الله لهم من النعيم ، والمعنى يدور حولهم للخدمة غلمان لا يهرمون ، ولا يتغيرون ، بل شكلهم شكل الولدان دائماً . قال مجاهد المعنى لا يموتون . وقال الحسن ، والكلبي لا يهرمون ، ولا يتغيرون . قال الفراء والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط إنه لمخلد . وقال سعيد بن جبير مخلدون مقرطون . قال الفراء ويقال مخلدون مقرطون ، يقال خلد جاريته إذا حلاها بالخلدة ، وهي القرطة . وقال عكرمة مخلدون منعمون ، ومنه قول امرىء القيس @ وهل ينعمن إلاّ سعيد مخلد قليل الهموم ما يبيت بأوجال @@ وقيل مستورون بالحلية ، وروي نحوه عن الفراء ، ومنه قول الشاعر @ ومخلدات باللجين كأنما أعجازهنّ أقاوز الكثبـان @@ وقيل مخلدون ممنطقون ، قيل وهم ولدان المسلمين الذين يموتون صغاراً ولا حسنة لهم ولا سيئة ، وقيل هم أطفال المشركين ، ولا يبعد أن يكونوا مخلوقين في الجنة للقيام بهذه الخدمة ، والأكواب هي الأقداح المستديرة الأفواه التي لا آذان لها ولا عرى ، وقد مضى بيان معناها في سورة الزخرف ، والأباريق هي ذات العرى والخراطيم ، واحدها إبريق ، وهو الذي يبرق لونه من صفائه ، { وَكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ } أي من خمر جارية ، أو من ماء جار ، والمراد به ها هنا الخمر الجارية من العيون ، وقد تقدّم بيان معنى الكأس في سورة الصافات { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } أي لا تتصدّع رؤوسهم من شربها ، كما تتصدّع من شرب خمر الدنيا . والصداع هو الداء المعروف الذي يلحق الإنسان في رأسه ، وقيل معنى لا يصدعون لا يتفرقون كما يتفرق الشرّاب ، ويقوّي هذا المعنى قراءة مجاهد يصدعون بفتح الياء وتشديد الصاد ، والأصل يتصدعون ، أي يتفرقون ، والجملة مستأنفة لبيان ما أعد الله لهم من النعيم ، أو في محل نصب على الحال ، وجملة { وَلاَ يُنزِفُونَ } معطوفة على الجملة التي قبلها ، وقد تقدم اختلاف القراء في هذا الحرف في سورة الصافات ، وكذلك تقدّم تفسيره ، أي لا يسكرون فتذهب عقولهم ، من أنزف الشارب إذا نفد عقله ، أو شرابه ، ومنه قول الشاعر @ لَعْمري لئن أنزفتم أو صَحَوتُمُ لبئس الندامى كنتم آل أبْجَرَا @@ { وَفَـٰكِهَةٍ مّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } أي يختارونه ، يقال تخيرت الشيء إذا أخذت خيره . قرأ الجمهور { وفاكهة } بالجر كذا { لَحْم } عطفاً على { أكواب } أي يطوفون عليهم بهذه الأشياء المأكول والمشروب والمتفكه به . وقرأ زيد بن عليّ ، وأبو عبد الرحمٰن برفعهما على الابتداء ، والخبر مقدّر ، أي ولهم فاكهة ولحم ، ومعنى { مّمَّا يَشْتَهُونَ } مما يتمنونه وتشتهيه أنفسهم . { وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَـٰلِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } قرأ الجمهور { حور عين } برفعهما عطفاً على ولدان أو على تقدير مبتدأ ، أي نساؤهم حور عين ، أو على تقدير خبر ، أي ولهم حور عين ، وقرأ حمزة ، والكسائي بجرّهما عطفاً على أكواب . قال الزجاج وجائز أن يكون معطوفاً على جنات ، أي هم في جنات وفي حور ، على تقدير مضاف محذوف ، أي وفي معاشرة حور . قال الفراء في توجيه العطف على أكواب إنه يجوز الجرّ على الاتباع في اللفظ ، وإن اختلفا في المعنى لأن الحور لا يطاف بهنّ ، كما في قول الشاعر @ إذا مَا الغانياتُ بَرزنَ يَوْمْاً وَزَججَّن الحَواجبَ والعُيُونا @@ والعين لا تزجج ، وإنما تكحل ، ومن هذا قول الشاعر @ علفتها تبناً وماء بارداً @@ وقول الآخر @ متقلداً سيفاً ورمحاً @@ قال قطرب هو معطوف على الأكواب والأباريق من غير حمل على المعنى . قال ولا ينكر أن يطاف عليهم بالحور ويكون لهم في ذلك لذة . وقرأ الأشهب العقيلي ، والنخعي ، وعيسى بن عمر بنصبهما على تقدير إضمار فعل ، كأنه قيل ويزوّجون حوراً عيناً ، أو ويعطون ، ورجح أبو عبيد ، وأبو حاتم قراءة الجمهور . ثم شبههنّ سبحانه باللؤلؤ المكنون ، وهو الذي لم تمسه الأيدي ، ولا وقع عليه الغبار ، فهو أشد ما يكون صفاء ، وانتصاب { جزاءً } في قوله { جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } على أنه مفعول له ، أي يفعل بهم ذلك كله للجزاء بأعمالهم . ويجوز أن يكون مصدراً مؤكداً لفعل محذوف أي يجزون جزاءً ، وقد تقدّم تفسير الحور العين في سورة الطور وغيره { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً } اللغو الباطل من الكلام ، والتأثيم النسبة إلى الإثم . قال محمد بن كعب لا يؤثم بعضهم بعضاً ، وقال مجاهد لا يسمعون شتماً ، ولا مأثماً ، والمعنى أنه لا يقول بعضهم لبعضهم أثمت لأنهم لا يتكلمون بما فيه إثم . { إِلاَّ قِيلاً سَلَـٰماً سَلَـٰماً } القيل القول ، والاستثناء منقطع ، أي لكن يقولون قيلاً ، أو يسمعون قيلاً ، وانتصاب { سلاماً سلاماً } على أنه بدل من { قيلاً } ، أو صفة له ، أو هو مفعول به { قيلاً } أي إلاّ أن يقولوا سلاماً سلاماً ، واختار هذا الزجاج ، أو على أنه منصوب بفعل هو محكي بـ { قيلاً } أي إلاّ قيلاً سلموا سلاماً سلاماً ، والمعنى في الآية أنهم لا يسمعون إلاّ تحية بعضهم لبعض . قال عطاء يحيـي بعضهم بعضاً بالسلام ، وقيل إن الاستثناء متصل وهو بعيد لأن التحتية ليست مما يندرج تحت اللغو والتأثيم ، قرىء سلام سلام بالرفع . قال مكي ويجوز الرفع على معنى سلام عليكم ، مبتدأ وخبر . وقد أخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } قال يوم القيامة { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } قال ليس لها مردّ يردّ { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } قال تخفض ناساً وترفع آخرين . وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عنه { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } قال أسمعت القريب والبعيد . وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } قال الساعة خفضت أعداء الله إلى النار ، ورفعت أولياء الله إلى الجنة . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { إِذَا رُجَّتِ ٱلأرْضُ رَجّاً } قال زلزلت { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } قال فتتت { فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً } قال شعاع الشمس . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه { فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً } قال الهباء الذي يطير من النار إذا أضرمت يطير منها الشرر ، فإذا وقع لم يكن شيئًا . وأخرج ابن المنذر عنه أيضاً قال الهباء ما يثور مع شعاع الشمس ، وانبثاثه تفرقه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب قال الهباء المنبث رهج الدواب ، والهباء المنثور غبار الشمس الذي تراه في شعاع الكوّة . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً } قال أصنافاً . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه في قوله { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَـٰثَةً } قال هي التي في سورة الملائكة { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرٰتِ } فاطر 32 . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه عنه أيضاً في قوله { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ } قال يوشع بن نون سبق إلى موسى ، ومؤمن آل ياسين سبق إلى عيسى ، وعليّ بن أبي طالب سبق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون وحبيب النجار الذي ذكر في يسۤ ، وعليّ بن أبي طالب ، وكل رجل منهم سابق أمته ، وعليّ أفضلهم سبقاً . وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية { وَأَصْحَـٰبُ ٱلْيَمِينِ وَأَصْحَـٰبُ ٱلشّمَالِ } فقبض بيديه قبضتين ، فقال " هذه في الجنة ولا أبالي ، وهذه في النار ولا أبالي " وأخرج أحمد أيضاً عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " أتدرون من السابقون إلى ظلّ الله يوم القيامة " ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال " الذين إذا أعطوا الحق قبلوه ، وإذا سئلوا بذلوا ، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم " وأخرج أحمد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن أبي هريرة قال لما نزلت { ثُلَّةٌ مّنَ ٱلأوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مّنَ ٱلآخِرِينَ } شقّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت { ثُلَّةٌ مّنَ ٱلأوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مّنَ ٱلآخِرِينَ } فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم " إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ، ثلث الجنة ، بل أنتم نصف أهل الجنة ، أو شطر أهل الجنة ، وتقاسموهم النصف الثاني " وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي في البعث عن ابن عباس { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } قال مصفوفة . وأخرج سعيد بن منصور ، وهناد ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في البعث عنه . قال مرمولة بالذهب . وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة ، والبزار ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث عن عبد الله بن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنك لتنظر إلى الطير في الجنة ، فتشتهيه فيخرّ بين يديك مشوياً " وأخرج أحمد ، والترمذي ، والضياء عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن طير الجنة كأمثال البخت ترعى في شجر الجنة " فقال أبو بكر يا رسول الله إن هذه الطير لناعمة ، قال " آكلها أنعم منها ، وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها " وفي الباب أحاديث . وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { كَأَمْثَـٰلِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } قال الذي في الصدف . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً } قال باطلاً { وَلاَ تَأْثِيماً } قال كذباً .