Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 12-15)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } العامل في الظرف مضمر وهو اذكر ، أو كريم ، أو فيضاعفه ، أو العامل في لهم ، وهو الاستقرار ، والخطاب لكل من يصلح له ، وقوله { يَسْعَىٰ نُورُهُم } في محل نصب على الحال من مفعول ترى ، والنور هو الضياء الذي يرى { بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـٰنِهِم } وذلك على الصراط يوم القيامة ، وهو دليلهم إلى الجنة . قال قتادة إن المؤمن يضيء له نور كما بين عدن إلى صنعاء ، حتى إن من المؤمنين من لا يضيء له نوره إلاّ موضع قدميه . وقال الضحاك ، ومقاتل وبأيمانهم كتبهم التي أعطوها ، فكتبهم بأيمانهم ، ونورهم بين أيديهم ، قال الفراء الباء بمعنى " في " أي في أيمانهم ، أو بمعنى " عن " ، قال الضحاك أيضاً نورهم هداهم ، وبأيمانهم كتبهم ، واختار هذا ابن جرير الطبري ، أي يسعى أيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم ، وفي أيمانهم كتب أعمالهم . قرأ الجمهور { بأيمانهم } جمع يمين . وقرأ سهل بن سعد الساعديّ ، وأبو حيوة بإيمانهم بكسر الهمزة على أن المراد بالإيمان ضدّ الكفر ، وقيل هو القرآن ، والجار والمجرور في الموضعين في محل نصب على الحال من نورهم ، أي كائناً بين أيديهم وبأيمانهم { بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّـٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا } بشراكم مبتدأ ، وخبره جنات على تقدير مضاف ، أي دخول جنات ، والجملة مقول قول مقدّر ، أي يقال لهم هذا ، والقائل لهم هم الملائكة . قال مكيّ وأجاز الفراء نصب جنات على الحال ، ويكون اليوم خبر بشراكم ، وهذا بعيد جداً { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } حال مقدّرة ، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى النور والبشرى ، وهو مبتدأ ، وخبره { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي لا يقادر قدره حتى كأنه لا فوز غيره ، ولا اعتداد بما سواه . { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَـٰتُ } { يوم } بدل من { يوم } الأوّل ، ويجوز أن يكون العامل فيه { الفوز العظيم } ، ويجوز أن يكون منصوباً بفعل مقدّر ، أي اذكر { لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } اللام للتبليغ كنظائرها . قرأ الجمهور { انظرونا } أمراً بوصل الهمزة وضم الظاء من النظر بمعنى الانتظار ، أيّ انتظرونا . يقولون ذلك لما رأوا المؤمنين يسرع بهم إلى الجنة . وقرأ الأعمش ، وحمزة ، ويحيـى بن وثاب بقطع الهمزة وكسر الظاء من الإنظار ، أي أمهلونا ، وأخرونا ، يقال أنظرته واستنظرته ، أي أمهلته واستمهلته . قال الفراء تقول العرب أنظرني ، أي انتظرني ، وأنشد قول عمرو بن كلثوم @ أبا هند فلا تعجل علينا وأنظرنا نخبرك اليقينا @@ وقيل معنى انظرونا انظروا إلينا لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم ، فيستضيئون بنورهم { نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } أي نستضيء منه ، والقبس الشعلة من النار والسراج ، فلما قالوا ذلك { قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَاءكُمْ } أي قال لهم المؤمنون ، أو الملائكة زجراً لهم ، وتهكماً بهم ، أي ارجعوا وراءكم إلى الموضع الذي أخذنا منه النور { فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } أي اطلبوا هنالك نوراً لأنفسكم ، فإنه من هنالك يقتبس ، وقيل المعنى ارجعوا إلى الدنيا ، فالتمسوا النور بما التمسناه به من الإيمان ، والأعمال الصالحة ، وقيل أرادوا بالنور ما وراءهم من الظلمة تهكماً بهم { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } السور هو الحاجز بين الشيئين ، والمراد به هنا الحاجز بين الجنة والنار ، أو بين أهل الجنة وأهل النار . قال الكسائي والباء في بسور زائدة . ثم وصف سبحانه السور المذكور فقال { لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ } أي باطن ذلك السور وهو الجانب الذي يلي أهل الجنة فيه الرّحمة وهي الجنة { وَظَـٰهِرُهُ } وهو الجانب الذي يلي أهل النار { مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } أي من جهته عذاب جهنم ، وقيل إن المؤمنين يسبقونهم فيدخلون الجنة ، والمنافقون يحصلون في العذاب وبينهم السور ، وقيل إن الرّحمة التي في باطنه نور المؤمنين ، والعذاب الذي في ظاهره ظلمة المنافقين . ولما ضرب بالسور بين المؤمنين والمنافقين أخبر الله سبحانه عما قاله المنافقون إذ ذاك ، فقال { يُنَـٰدُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ } أي موافقين لكم في الظاهر نصلي بصلاتكم في مساجدكم ، ونعمل بأعمال الإسلام مثلكم ، والجملة مستأنفة كأنه قيل فماذا قال المنافقون بعد ضرب السور بينهم وبين المؤمنين ؟ فقال { يُنَـٰدُونَهُمْ } ، ثم أخبر سبحانه عما أجابهم به المؤمنون فقال { قَالُواْ بَلَىٰ } أي كنتم معنا في الظاهر { وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } بالنفاق وإبطان الكفر ، قال مجاهد أهلكتموها بالنفاق ، وقيل بالشهوات واللذات { وَتَرَبَّصْتُمْ } بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبمن معه من المؤمنين حوادث الدّهر ، وقيل تربصتم بالتوبة ، والأوّل أولى { وَٱرْتَبْتُمْ } أي شككتم في أمر الدين ولم تصدّقوا ما نزل من القرآن ، ولا بالمعجزات الظاهرة { وَغرَّتْكُمُ ٱلأمَانِىُّ } الباطلة التي من جملتها ما كنتم فيه من التربص ، وقيل هو طول الأمل ، وقيل ما كانوا يتمنونه من ضعف المؤمنين ، وقال قتادة الأمانيّ هنا غرور الشيطان ، وقيل الدنيا ، وقيل هو طمعهم في المغفرة ، وكل هذه الأشياء تدخل في مسمى الأمانيّ { حَتَّىٰ جَاء أَمْرُ ٱللَّهِ } وهو الموت ، وقيل نصره سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم . وقال قتادة هو إلقاؤهم في النار { وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } قرأ الجمهور { الغرور } بفتح الغين ، وهو صفة على فعول ، والمراد به الشيطان أي خدعكم بحلم الله ، وإمهاله الشيطان . وقرأ أبو حيوة ، ومحمد بن السميفع ، وسماك بن حرب بضمها ، وهو مصدر . { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ } تفدون بها أنفسكم من النار أيها المنافقون { وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله ظاهراً وباطناً { مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ } أي منزلكم الذي تأوون إليه النار { هِىَ مَوْلَـٰكُمْ } أي هي أولى بكم ، والمولى في الأصل من يتولى مصالح الإنسان ، ثم استعمل فيمن يلازمه ، وقيل معنى { مولاكم } مكانكم عن قرب ، من الولي ، وهو القرب . وقيل إن الله يركب في النار الحياة والعقل ، فهي تتميز غيظاً على الكفار ، وقيل المعنى هي ناصركم على طريقة قول الشاعر @ تحية بينهم ضرب وجيع @@ { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } الذي تصيرون إليه وهو النار . وقد أخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن ابن مسعود { يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } قال يؤتون نورهم على قدر أعمالهم يمرّون على الصراط ، منهم من نوره مثل الجبل ، ومنهم من نوره مثل النخلة ، وأدناهم نوراً من نوره على إبهامه يطفأ مرّة ، ويوقد أخرى . وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله نوراً ، فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه ، وكان النور دليلهم من الله إلى الجنة ، فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا إلى النور تبعوهم ، فأظلم الله على المنافقين ، فقالوا حينئذ { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } فإنا كنا معكم في الدنيا ، قال المؤمنون { ٱرْجِعُواْ وَرَاءكُمْ } من حيث جئتم من الظلمة { فَٱلْتَمِسُواْ } هنالك النور . وأخرج الطبراني ، وابن مردويه عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأمهاتهم ستراً منه على عباده ، وأما عند الصراط ، فإن الله يعطى كل مؤمن نوراً ، وكل منافق نوراً ، فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات ، فقال المنافقون { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } وقال المؤمنون { رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } التحريم 8 فلا يذكر عند ذلك أحد أحداً " وفي الباب أحاديث وآثار . وأخرج عبد بن حميد عن عبادة بن الصامت أنه كان على سور بيت المقدس ، فبكى ، فقيل له ما يبكيك ؟ فقال هاهنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال إن السور الذي ذكره الله في القرآن { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } هو السور الذي ببيت المقدس الشرقي { بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ } المسجد { وَظَـٰهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } يعني وادي جهنم ، وما يليه . ولا يخفاك أن تفسير السور المذكور في القرآن في هذه الآية بهذا السور الكائن ببيت المقدس فيه من الإشكال ما لا يدفعه مقال ، ولا سيما بعد زيادة قوله { باطنة فيه الرّحمة } المسجد ، فإن هذا غير ما سيقت له الآية ، وغير ما دلت عليه ، وأين يقع بيت المقدس أو سوره بالنسبة إلى السور الحاجز بين فريقي المؤمنين والمنافقين ، وأيّ معنى لذكر مسجد بيت المقدس هاهنا ، فإن كان المراد أن الله سبحانه ينزع سور بيت المقدس ، ويجعله في الدار الآخرة سوراً مضروباً بين المؤمنين والمنافقين ، فما معنى تفسير باطن السور ، وما فيه من الرّحمة بالمسجد ، وإن كان المراد أن الله يسوق فريقي المؤمنين والمنافقين إلى بيت المقدس ، فيجعل المؤمنين داخل السور في المسجد ، ويجعل المنافقين خارجه ، فهم إذ ذاك على الصراط وفي طريق الجنة ، وليسوا ببيت المقدس ، فإن كان مثل هذا التفسير ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلناه ، وآمنا به ، وإلاّ فلا كرامة ولا قبول . وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله { وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } قال بالشهوات واللذات { وَتَرَبَّصْتُمْ } قال بالتوبة { وَغرَّتْكُمُ ٱلأمَانِىُّ حَتَّىٰ جَاء أَمْرُ ٱللَّهِ } قال الموت { وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } قال الشيطان .