Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 16-19)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } يقال أنى لك يأني أنى إذا حان . قرأ الجمهور { ألم يأن } وقرأ الحسن ، وأبو السماك ألما يأن ، وأنشد ابن السكيت @ ألما يأن لي أن تجلى عمايتي وأقصر عن ليلى ؟ بلى قد أنى ليا @@ و { أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ } فاعل يأن ، أي ألم يحضر خشوع قلوبهم ويجيء وقته ، ومنه قول الشاعر @ ألم يأن لي يا قلب أن أترك الجهلا وأن يحدث الشيب المنير لنا عقلا ؟ @@ هذه الآية نزلت في المؤمنين . قال الحسن يستبطئهم ، وهم أحبّ خلقه إليه . وقيل إن الخطاب لمن آمن بموسى وعيسى دون محمد . قال الزجاج نزلت في طائفة من المؤمنين ، حثوا على الرّقة والخشوع ، فأما من وصفهم الله بالرّقة والخشوع ، فطبقة فوق هؤلاء . وقال السديّ وغيره المعنى ألم يأن للذين آمنوا في الظاهر ، وأسرّوا الكفر أن تخشع قلوبهم { لِذِكْرِ ٱللَّهِ } ، وسيأتي في آخر البحث ما يقوّي قول من قال إنها نزلت في المسلمين ، والخشوع لين القلب ورقته . والمعنى أنه ينبغي أن يورثهم الذكر خشوعاً ورقة ، ولا يكونوا كمن لا يلين قلبه للذكر ولا يخضع له { وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقّ } معطوف على ذكر الله ، والمراد بما نزل من الحقّ القرآن ، فيحمل الذكر المعطوف عليه على ما عداه مما فيه ذكر الله سبحانه باللسان ، أو خطور بالقلب ، وقيل المراد بالذكر هو القرآن ، فيكون هذا العطف من باب عطف التفسير ، أو باعتبار تغاير المفهومين . قرأ الجمهور { نزل } مشدّداً مبنياً للفاعل . وقرأ نافع ، وحفص بالتخفيف مبنياً للفاعل . وقرأ الجحدري ، وأبو جعفر ، والأعمش ، وأبو عمرو في رواية عنه مشدّداً مبنياً للمفعول . وقرأ ابن مسعود أنزل مبنياً للفاعل { وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلُ } قرأ الجمهور بالتحتية على الغيبة جرياً على ما تقدّم . وقرأ أبو حيوة ، وابن أبي عبلة بالفوقية على الخطاب التفاتاً ، وبها قرأ عيسى ، وابن إسحاق ، والجملة معطوفة على تخشع أي ألم يأن لهم أن تخشع ، قلوبهم ، ولا يكونوا ؟ والمعنى النهي لهم عن أن يسلكوا سبيل اليهود والنصارى الذين أوتوا التوراة والإنجيل من قبل نزول القرآن { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأمَدُ } أي طال عليهم الزمان بينهم وبين أنبيائهم . قرأ الجمهور { الأمد } بتخفيف الدال ، وقرأ ابن كثير في رواية عنه بتشديدها ، أي الزّمن الطويل ، وقيل المراد بالأمد على القراءة الأولى الأجل والغاية ، يقال أمد فلان كذا ، أي غايته { فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } بذلك السبب ، فلذلك حرّفوا وبدّلوا ، فنهى الله سبحانه أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يكونوا مثلهم { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ } أي خارجون عن طاعة الله لأنهم تركوا العمل بما أنزل إليهم ، وحرّفوا وبدّلوا ، ولم يؤمنوا بما نزل على محمد ، وقيل هم الذين تركوا الإيمان بعيسى ، ومحمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل هم الذين ابتدعوا الرهبانية ، وهم أصحاب الصوامع . { ٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْىِ ٱلأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } فهو قادر على أن يبعث الأجسام بعد موتها ، ويلين القلوب بعد قسوتها { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَـٰتِ } التي من جملتها هذه الآيات { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي كي تعقلوا ما تضمنته من المواعظ ، وتعملوا بموجب ذلك . { إِنَّ ٱلْمُصَّدّقِينَ وَٱلْمُصَّدّقَـٰتِ } قرأ الجمهور بتشديد الصاد في الموضعين من الصدقة ، وأصله المتصدّقين والمتصدّقات ، فأدغمت التاء في الصاد . وقرأ أبيّ المتصدّقين والمتصدّقات بإثبات التاء على الأصل . وقرأ ابن كثير بتخفيف الصاد فيهما من التصديق ، أي صدّقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به { وَأَقْرِضُواُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } معطوف على اسم الفاعل في المصدّقين لأنه لما وقع صلة للألف واللام الموصولة حلّ محلّ الفعل ، فكأنه قال إن الذين تصدّقوا وأقرضوا ، كذا قال أبو علي الفارسي وغيره . وقيل جملة { وأقرضوا } معترضة بين اسم إن وخبرها ، وهو { يُضَـٰعِفُ } وقيل هي صلة لموصول محذوف ، أي والذين أقرضوا ، والقرض الحسن عبارة عن التصدق والإنفاق في سبيل الله مع خلوص نية ، وصحة قصد ، واحتساب أجر . قرأ الجمهور { يضاعف لهم } بفتح العين على البناء للمفعول ، والقائم مقام الفاعل إما الجار والمجرور ، أو ضمير يرجع إلى المصدّقين على حذف مضاف أي ثوابهم ، وقرأ الأعمش يضاعفه بكسر العين وزيادة الهاء . وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، ويعقوب يضعف بتشديد العين وفتحها { وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } وهو الجنة ، والمضاعفة هنا أن الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف . { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } جميعاً ، والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إلى الموصول ، وخبره قوله { هُمُ ٱلصّدّيقُونَ وَٱلشُّهَدَاء } الجملة خبر الموصول . قال مجاهد كل من آمن بالله ورسله فهو صدّيق . قال المقاتلان هم الذين لم يشكوا في الرسل حين أخبروهم ولم يكذّبوهم . وقال مجاهد هذه الآية للشهداء خاصة ، وهم الأنبياء الذين يشهدون للأمم وعليهم ، واختار هذا الفراء ، والزجاج . وقال مقاتل بن سليمان هم الذين استشهدوا في سبيل الله ، وكذا قال ابن جرير ، وقيل هم أمم الرسل يشهدون يوم القيامة لأنبيائهم بالتبليغ ، والظاهر أن معنى الآية إن الذين آمنوا بالله ورسله جميعاً بمنزلة الصدّيقين والشهداء المشهورين بعلوّ الدرجة عند الله ، وقيل إن الصدّيقين هم المبالغون في الصدق حيث آمنوا بالله ، وصدّقوا جميع رسله ، والقائمون لله سبحانه بالتوحيد . ثم بيّن سبحانه ما لهم من الخير بسبب ما اتصفوا به من الإيمان بالله ورسله فقال { لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } والضمير الأوّل راجع إلى الموصول ، والضميران الأخيران راجعان إلى الصدّيقين والشهداء ، أي لهم مثل أجرهم ونورهم ، وأما على قول من قال إن الذين آمنوا بالله ورسله هم نفس الصديقين والشهداء ، فالضمائر الثلاثة كلها راجعة إلى شيء واحد ، والمعنى لهم الأجر والنور الموعودان لهم . ثم لما ذكر حال المؤمنين وثوابهم ، ذكر حال الكافرين وعقابهم ، فقال { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا } أي جمعوا بين الكفر وتكذيب الآيات ، والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إلى الموصول باعتبار ما في صلته من اتصافهم بالكفر والتكذيب ، وهذا مبتدأ ، وخبره { أَصْحَـٰب ٱلْجَحِيمِ } يعذبون بها ، ولا أجر لهم ولا نور ، بل عذاب مقيم وظلمة دائمة . وقد أخرج ابن مردويه عن أنس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال " استبطأ الله قلوب المهاجرين بعد سبع عشرة سنة من نزول القرآن ، فأنزل الله { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } … " الآية . وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفر من أصحابه في المسجد ، وهم يضحكون ، فسحب رداءه محمراً وجهه فقال " أتضحكون ، ولم يأتكم أمان من ربكم بأنه قد غفر لكم ، ولقد أنزل عليّ في ضحككم آية { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } " قالوا يا رسول الله ، فما كفارة ذلك ؟ قال " تبكون بقدر ما ضحكتم " وأخرج مسلم ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن المنذر ، وابن مردويه عن ابن مسعود قال ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } إلاّ أربع سنين . وأخرج نحوه عنه ابن المنذر ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه من طريق أخرى . وأخرج أبو يعلى ، وابن مردويه عنه أيضاً قال لما نزلت هذه الآية أقبل بعضنا على بعض أيّ شيء أحدثنا أيّ شيء صنعنا ؟ . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس قال إن الله استبطأ قلوب المهاجرين ، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } … الآية . وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد العزيز بن أبي روّاد أن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ظهر فيهم المزاح والضحك ، فنزلت هذه الآية { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } . وأخرج ابن المبارك عن ابن عباس { ٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْىِ ٱلأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } قال يعني أنه يلين القلوب بعد قسوتها . وأخرج ابن جرير عن البراء بن عازب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " مؤمنو أمتي شهداء " ثم تلا النبيّ صلى الله عليه وسلم { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلصّدّيقُونَ وَٱلشُّهَدَاء عِندَ رَبّهِمْ } . وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود قال كل مؤمن صديق وشهيد . وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود قال إن الرجل ليموت على فراشه ، وهو شهيد ، ثم تلا هذه الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة نحوه . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلصّدّيقُونَ } قال هذه مفصولة { وَٱلشُّهَدَاء عِندَ رَبّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } . وأخرج ابن حبان عن عمرو بن مرة الجهني قال جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إلٰه إلاّ الله ، وأنك رسول الله ، وصليت الصلوات الخمس ، وأدّيت الزكاة ، وصمت رمضان ، وقمته فممن أنا ؟ قال " من الصدّيقين والشهداء " .