Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 141-142)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا فيه تذكير لهم ببديع قدرة الله وعظيم صنعه { أَنشَأَ } أي خلق ، والجنات البساتين { مَّعْرُوشَـٰتٍ } مرفوعات على الأعمدة { وَغَيْرَ مَعْرُوشَـٰتٍ } غير مرفوعات عليها . وقيل المعروشات ما انبسط على وجه الأرض مما يعرش مثل الكرم والزرع والبطيخ ، وغير المعروشات ما قام على ساق مثل النخل وسائر الأشجار . وقيل المعروشات ما أنبته الناس وعرشوه ، وغير المعروشات ما نبت في البراري والجبال . قوله { وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ } معطوف على جنات ، وخصهما بالذكر مع دخولهما في الجنات لما فيها من الفضيلة { مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ } أي حال كونه مختلفاً أكله في الطعم والجودة والرداءة . قال الزجاج وهذه مسألة مشكلة في النحو ، يعني انتصاب { مختلفاً } على الحال لأنه يقال قد أنشأها ولم يختلف أكلها ، فالجواب أن الله سبحانه أنشأها مقدّراً فيها الاختلاف ، وقد بين هذا سيبويه بقوله مررت برجل معه صقر صائداً به غداً ، أي مقدّراً للصيد به غداً ، كما تقول لتدخلنّ الدار آكلين شاربين ، أي مقدّرين ذلك ، وهذه هي الحال المقدرة المشهورة عند النحاة المدوّنة في كتب النحو . وقال { مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ } ولم يقل أكلهما ، اكتفاء بإعادة الذكر على أحدهما كقوله { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَـٰرَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّواْ إِلَيْهَا } الجمعة 11 أو الضمير بمنزلة اسم الإشارة ، أي أكل ذلك . قوله { وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ } معطوف على جنات ، أي وأنشأ الزيتون والرمان حال كونه متشابهاً وغير متشابه ، وقد تقدم الكلام على تفسير هذا { كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ } أي من ثمر كل واحد منهما ، أو من ثمر ذلك { إِذَا أَثْمَرَ } أي إذا حصل فيه الثمر وإن لم يدرك ويبلغ حدّ الحصاد . قوله { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِه } . وقد اختلف أهل العلم هل هذه محكمة أو منسوخة أو محمولة على الندب ؟ فذهب ابن عمر ، وعطاء ، ومجاهد وسعيد بن جبير ، إلى أن الآية محكمة ، وأنه يجب على المالك يوم الحصاد أن يعطي من حضر من المساكين القبضة والضغث ونحوهما . وذهب ابن عباس ، ومحمد بن الحنفية ، والحسن ، والنخعي ، وطاووس ، وأبو الشعثاء ، وقتادة ، والضحاك وابن جريج ، أن هذه الآية منسوخة بالزكاة . واختاره ابن جرير ، ويؤيده أن هذه الآية مكية ، وآية الزكاة مدنية في السنة الثانية بعد الهجرة ، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم من السلف والخلف . وقالت طائفة من العلماء إن الآية محمولة على الندب لا على الوجوب . قوله { وَلاَ تُسْرِفُواْ } أي في التصدق ، وأصل الإسراف في اللغة الخطأ . والإسراف في النفقة التبذير . وقيل هو خطاب للولاة يقول لهم لا تأخذوا فوق حقكم . وقيل المعنى لا تأخذوا الشيء بغير حقه وتضعونه في غير مستحقه . قوله { وَمِنَ ٱلأنْعَـٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشًا } معطوف على جنات ، أي وأنشأ لكم من الأنعام حمولة وفرشاً ، والحمولة ما يحمل عليها ، وهو يختص بالإبل فهي فعولة بمعنى فاعلة ، والفرش ما يتخذ من الوبر والصوف والشعر ، فراشاً يفترشه الناس . وقيل الحمولة الإبل ، والفرش الغنم . وقيل الحمولة كل ما حمل عليه من الإبل والبقر والخيل والبغال والحمير ، والفرش الغنم ، وهذا لا يتم إلا على فرض صحة إطلاق اسم الأنعام على جميع هذه المذكورات . وقيل الحمولة ما تركب ، والفرش ما يؤكل لحمه { كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ } من هذه الأشياء { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } كما فعل المشركون من تحريم ما لم يحرمه الله ، وتحليل ما لم يحلله { إِنَّهُ } أي الشيطان { لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } مظهر للعداوة ومكاشف بها . وقد أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { وَهُوَ ٱلَّذِى أَنشَأَ جَنَّـٰتٍ مَّعْرُوشَـٰتٍ } قال المعروشات ما عرش الناس { وَغَيْرَ مَعْرُوشَـٰتٍ } ما خرج في الجبال والبرّية من الثمار . وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة قال معروشات بالعيدان والقصب وغير معروشات قال الضاحي . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس { مَّعْرُوشَـٰتٍ } قال الكرم خاصة . وأخرج ابن المنذر ، والنحاس ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِه } قال " ما سقط من السنبل " وأخرج أبو عبيد ، وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، والنحاس ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عمر في قوله { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِه } قال كانوا يعطون من اعتزّ بهم شيئاً سوى الصدقة . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والبيهقي عن مجاهد في الآية قال إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السنبل . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ميمون بن مهران ويزيد الأصم قال كان أهل المدينة إذا صرموا النخل يجيئون بالعذق فيضعونه في المسجد فيجيء السائل ، فيضربه بالعصا فيسقط منه ، فهو قوله { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِه } . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن حماد بن أبي سليمان ، في الآية قال كانوا يطعمون منه رطباً . وأخرج أحمد ، وأبو داود في سننه ، من حديث جابر بن عبد الله أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، أمر من كل حادي عشرة أوسق من التمر بقنو يعلق في المسجد للمساكين . وإسناده جيد . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس ، قال { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِه } نسخها العشر ، ونصف العشر . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وأبو داود في ناسخه ، وابن المنذر عن السديّ نحوه . وأخرج النحاس ، وأبو الشيخ ، والبيهقي ، عن سعيد بن جبير نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عكرمة نحوه . وأخرج أبو عبيد ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن الضحاك نحوه . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، عن الشعبي قال إن في المال حقاً سوى الزكاة . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن أبي العالية قال ما كانوا يعطون شيئاً سوى الزكاة ، ثم إنهم تبادروا وأسرفوا ، فأنزل الله { وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن جريج قال نزلت في ثابت بن قيس بن شماس جذّ نخلاً فقال لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته ، فأطعم حتى أمسى وليس له تمرة ، فأنزل الله { وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } . وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال لو أنفقت مثل أبي قبيس ذهباً في طاعة الله لم يكن إسرافاً . ولو أنفقت صاعاً في معصية الله كان إسرافاً ، وللسلف في هذا مقالات طويلة . وأخرج الفريابي ، وأبو عبيد ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، عن ابن مسعود قال الحمولة ما حمل عليه من الإبل ، والفرش صغار الإبل التي لا تحمل . وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال الحمولة الكبار من الإبل ، والفرش الصغار من الإبل . وأخرج أبو الشيخ عنه قال الحمولة ما حمل عليه ، والفرش ما أكل منه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه أيضاً قال الحمولة الإبل والخيل والبغال والحمير ، وكل شيء يحمل عليه ، والفرش الغنم . وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية قال الحمولة الإبل والبقر ، والفرش الضأن والمعز .