Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 138-140)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا بيان نوع آخر من جهالاتهم وضلالاتهم ، والحجر بكسر أوّله وسكون ثانيه في قراءة الجمهور . وقرأ أبان بن عثمان « حجر » بضم الحاء والجيم ، وقرأ الحسن وقتادة بفتح الحاء وإسكان الجيم ، وقرأ ابن عباس وابن الزبير « حرج » بتقديم الراء على الجيم ، وكذا هو في مصحف أُبيّ ، وهو من الحرج ، يقال فلان يتحرّج ، أي يضيق على نفسه الدخول فيما يشتبه عليه . والحجر على اختلاف القراءات فيه هو مصدر بمعنى اسم المفعول ، أي محجور ، وأصله المنع ، فمعنى الآية هذه أنعام وحرث ممنوعة ، يعنون أنها لأصنامهم ، لا يطعمها إلا من يشاءون بزعمهم ، وهم خدام الأصنام . والقسم الثاني قولهم { وَأَنْعَـٰمٌ حُرّمَتْ ظُهُورُهَا } وهي البحيرة والسائبة والحام . وقيل إن هذا القسم الثاني مما جعلوه لآلهتهم أيضاً . والقسم الثالث { أَنْعَـٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا } وهي ما ذبحوا لآلهتهم فإنهم يذبحونها باسم أصنامهم لا باسم الله . وقيل إن المراد لا يحجون عليها افتراء على الله ، أي للافتراء عليه { سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي بافترائهم أو بالذي يفترونه ، ويجوز أن يكون افتراء منتصباً على أنه مصدر ، أي افتروا افتراء أو حال ، أي مفترين ، وانتصابه على العلة أظهر ، ثم بين الله سبحانه نوعاً آخر من جهالاتهم ، فقال { وَقَالُواْ مَا فِى بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَـٰمِ } يعنون البحائر والسوائب من الأجنة { خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا } أي حلال لهم { وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوٰجِنَا } أي على جنس الأزواج ، وهنّ النساء فيدخل في ذلك البنات والأخوات ونحوهنّ . وقيل هو اللبن جعلوه حلالاً للذكور ، ومحرّماً على الإناث ، والهاء في خالصة للمبالغة في الخلوص كعلامة ونسابة ، قاله الكسائي والأخفش . وقال الفراء تأنيثها لتأنيث الأنعام . وردّ بأن ما في بطون الأنعام غير الأنعام ، وتعقب هذا الردّ بأن ما في بطون الأنعام أنعام ، وهي الأجنة ، وما عبارة عنها ، فيكون تأنيث خالصة باعتبار معنى ما ، وتذكير محرّم باعتبار لفظها . وقرأ الأعمش « خالص » قال الكسائي معنى خالص وخالصة واحد ، إلا أن الهاء للمبالغة كما تقدّم عنه . وقرأ قتادة « خالصة » بالنصب على الحال من الضمير في متعلق الظرف الذي هو صلة لما ، وخبر المبتدأ محذوف كقولك الذي في الدار قائماً زيد ، هذا قول البصريين . وقال الفراء إنه انتصب على القطع . وقرأ ابن عباس « خالصة » بإضافة خالص إلى الضمير على أنه بدل من ما . وقرأ سعيد ابن جبير « خالصاً » { وَإِن يَكُن مَّيْتَةً } . قرىء بالتحتية والفوقية ، أي وإن يكن الذي في بطون الأنعام { مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ } أي في الذي في البطون { شُرَكَاء } يأكل منه الذكور والإناث { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ } أي بوصفهم على أنه منتصب بنزع الخافض ، والمعنى سيجزيهم بوصفهم الكذب على الله . وقيل المعنى سيجزيهم جزاء وصفهم . ثم بين الله سبحانه نوعاً آخر من جهالاتهم فقال { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلَـٰدَهُمْ سَفَهاً } أي بناتهم بالوأد الذي كانوا يفعلونه سفهاً ، أي لأجل السفه ، وهو الطيش والخفة لا لحجة عقلية ولا شرعية ، كائناً ذلك منهم { بِغَيْرِ عِلْمٍ } يهتدون به . قوله { وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ } من الأنعام التي سموها بحائر وسوائب { ٱفْتِرَاء عَلَى ٱللَّهِ } أي للافتراء عليه أو افتروا افتراء عليه { قَدْ ضَلُّواْ } عن طريق الصواب بهذه الأفعال { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } إلى الحق ، ولا هم من أهل الاستعداد لذلك . وقد أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَـٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ } قال الحجر ما حرموا من الوصيلة ، وتحريم ما حرموا . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَـٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ } قال ما جعلوا لله ولشركائهم . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن قتادة { وَحَرْثٌ حِجْرٌ } قال حرام . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ في الآية قال يقولون حرام أن يطعم الابن شيئاً { وَأَنْعَـٰمٌ حُرّمَتْ ظُهُورُهَا } قال البحيرة والسائبة والحامي { وَأَنْعَـٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا } إذا نحروها . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن أبي وائل في قوله { وَأَنْعَـٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا } قال لم تكن يحج عليها وهي البحيرة . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس { وَقَالُواْ مَا فِى بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأنْعَـٰمِ } الآية قال اللبن . وأخرج هؤلاء إلا ابن جرير عن مجاهد في الآية قال السائبة والبحيرة محرّم على أزواجنا قال النساء { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ } قال قولهم الكذب في ذلك . وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عباس في الآية قال كانت الشاة إذا ولدت ذكراً ذبحوه ، فكان للرجال دون النساء ، وإن كانت أنثى تركوها فلم تذبح ، وإن كانت ميتة كانوا فيها شركاء . وأخرج عبد بن حميد ، والبخاري ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلَـٰدَهُمْ } إلى قوله { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } . وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن عكرمة في الآية قال نزلت فيمن كان يئد البنات من مضر وربيعة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة في الآية قال هذا صنع أهل الجاهلية كان أحدهم يقتل ابنته مخافة السبي والفاقة ، ويغذو كلبه { وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ } قال جعلوه بحيرة وسائبة ووصيلة وحامياً تحكماً من الشيطان في أموالهم .