Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 145-145)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أمره الله سبحانه بأن يخبرهم أنه لا يجد في شيء مما أوحي إليه محرّماً غير هذه المذكورات ، فدلّ ذلك على انحصار المحرّمات فيها لولا أنها مكية ، وقد نزل بعدها بالمدينة سورة المائدة وزيد فيها على هذه المحرّمات المنخنقة والموقوذة والمتردّية والنطيحة ، وصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريم كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير ، وتحريم الحمر الأهلية والكلاب ونحو ذلك . وبالجملة فهذا العموم إن كان بالنسبة إلى ما يؤكل من الحيوانات كما يدلّ عليه السياق ويفيده الاستثناء ، فيضم إليه كل ما ورد بعده في الكتاب أو السنة مما يدل على تحريم شيء من الحيوانات . وإن كان هذا العموم هو بالنسبة إلى كل شيء حرّمه الله من حيوان وغيره ، فإنه يضمّ إليه كل ما ورد بعده مما فيه تحريم شيء من الأشياء . وقد روي عن ابن عباس ، وابن عمر ، وعائشة ، أنه لا حرام إلا ما ذكره الله في هذه الآية ، وروى ذلك عن مالك وهو قول ساقط ، ومذهب في غاية الضعف لاستلزامه لإهمال غيرها مما نزل بعدها من القرآن ، وإهمال ما صح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قاله بعد نزول هذه الآية ، بلا سبب يقتضي ذلك ولا موجب يوجبه . قوله { مُحَرَّمًا } صفة لموصوف محذوف ، أي طعاماً محرّماً " عَلَىٰ " أي { طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } من المطاعم ، وفي { يَطْعَمُهُ } زيادة تأكيد وتقرير لما قبله { إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً } أي ذلك الشيء أو ذلك الطعام أو العين أو الجثة أو النفس . وقرىء { يكون } بالتحتية والفوقية ، وقرىء « ميتة » بالرفع على أن يكون تامة . والدم المسفوح الجاري ، وغير المسفوح معفوّ عنه ، كالدم الذي يبقى في العروق بعد الذبح ، ومنه الكبد والطحال ، وهكذا ما يتلطخ به اللحم من الدم . وقد حكى القرطبي الإجماع على هذا . قوله { أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ } ظاهر تخصيص اللحم أنه لا يحرم الانتفاع منه بما عدا اللحم ، والضمير في { فَإِنَّهُ } راجع إلى اللحم ، أو إلى الخنزير . والرجس النجس ، وقد تقدّم تحقيقه . قوله { أَوْ فِسْقًا } عطف على لحم خنزير ، و { أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ } صفة فسق ، أي ذبح على الأصنام ، وسمي فسقاً لتوغله في باب الفسق . قيل ويجوز أن يكون { فِسْقًا } مفعولاً له لأهلّ ، أي أهلّ به لغير الله ، فسقاً ، على عطف أهلّ على يكون ، وهو تكلف لا حاجة إليه { فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } قد تقدم تفسيره في سورة البقرة ، فلا نعيده { فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي كثير المغفرة والرحمة ، فلا يؤاخذ المضطرّ بما دعت إليه ضرورته . وقد أخرج عبد بن حميد عن طاووس قال إن أهل الجاهلية كانوا يحرّمون أشياء ويحلون أشياء ، فنزلت { قُل لا أَجِدُ } الآية . وأخرج عبد بن حميد ، وأبو داود ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تعذراً ، فبعث الله نبيه ، وأنزل كتابه ، وأحلّ حلاله وحرّم حرامه ، فما أحلّ فهو حلال ، وما حرّم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو ، ثم تلا هذه الآية { قُل لا أَجِدُ } إلى آخرها . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عنه أنه تلا هذه الآية فقال ما خلا هذا حلال . وأخرج البخاري ، وأبو داود ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن عمرو بن دينار قال قلت لجابر بن زيد إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر ، فقال قد كان يقول ذلك الحكم ابن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن أبى ذلك البحر ابن عباس ، وقرأ { قُل لا أَجِدُ } الآية . وأقول وإن أبى ذلك البحر ، فقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتمسك بقول صحابي في مقابلة قول النبي صلى الله عليه وسلم ، من سوء الاختيار ، وعدم الإنصاف . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال ليس شيء من الدوابّ حرام إلا ما حرّم الله في كتابه { قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا } الآية . وأخرج سعيد بن منصور ، وأبو داود ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عمر أنه سئل عن أكل القنفد ، فقرأ { قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا } الآية ، فقال شيخ عنده سمعت أبا هريرة يقول ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال " خبيثة من الخبائث " ، فقال ابن عمر إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، فهو كما قال . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن عائشة أنها كانت إذا سئلت عن كل ذي ناب من السباع ، ومخلب من الطير ، تلت { قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا } الآية . وأخرج أحمد ، والبخاري ، والنسائي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، عن ابن عباس أن شاة لسودة بنت زمعة ماتت فقالت يا رسول الله ماتت فلانة تعني الشاة ، قال " فلولا أخذتم مسكها ؟ " قالت يا رسول الله أنأخذ مسك شاة قد ماتت ؟ فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " { قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً } وأنتم لا تطعمونه ، وإنما تدبغونه حتى تستنفعوا به " ، فأرسلت إليها فسلختها ثم دبغته ، فاتخذت منه قربة حتى تخرّقت عندها . ومثل هذا حديث شاة ميمونة ، وهو في الصحيح . ومثله حديث " إنما حرم من الميتة أكلها " وهو أيضاً في الصحيح . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا } قال مهراقاً . وأخرج ابن أبي حاتم ، عنه قال كان أهل الجاهلية إذا ذبحوا أودجوا الدابة وأخذوا الدم فأكلوه ، قال هو دم مسفوح . وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي أنه سئل عن لحم الفيل والأسد فتلا { قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَمَاً } الآية . والأحاديث الواردة بتحريم كل ذي ناب من السباع ، ومخلب من الطير ، والحمر الأهلية ، ونحوها مستوفاة في كتب الحديث .