Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 151-153)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { قُلْ تَعَالَوْاْ } أي تقدّموا . قال ابن الشجري إن المأمور بالتقدّم في أصل وضع هذا الفعل كأنه كان قاعداً ، فقيل له تعال ، أي ارفع شخصك بالقيام وتقدّم ، واتسعوا فيه حتى جعلوه للواقف والماشي . وهكذا قال الزمخشري في الكشاف إنه من الخاص الذي صار عاماً ، وأصله أن يقوله من كان في مكان عال لمن هو أسفل منه ، ثم كثروا واتسع فيه حتى عمّ . قوله { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ } { أتل } جواب الأمر ، و " ما " موصولة في محل نصب به ، أي أتل الذين حرّمه ربكم عليكم . والمراد من تلاوة ما حرّم الله تلاوة الآيات المشتملة عليه ، ويجوز أن تكون " ما " مصدرية ، أي أتل تحريم ربكم . والمعنى ما اشتمل على التحريم . قيل ويجوز أن تكون ما استفهامية أي أتل أي شيء حرّم ربكم ، على جعل التلاوة بمعنى القول ، وهو ضعيف جداً ، و { عليكم } أن تعلق بـ { أتل } ، فالمعنى أتل عليكم الذي حرّم ربكم ، وإن تعلق بـ { حرّم } ، فالمعنى أتل الذي حرّم ربكم عليكم ، وهذا أولى ، لأن المقام مقام بيان ما هو محرّم عليكم لا مقام بيان ما هو محرّم مطلقاً وقيل إن عليكم للإغراء ولا تعلق لها بما قبلها . والمعنى عليكم أن لا تشركوا إلى آخره ، أي الزموا ذلك كقوله تعالى { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } المائدة 105 وهو أضعف مما قبله ، وأن في { أَن لا تُشْرِكُواْ } مفسرة لفعل التلاوة ، وقال النحاس يجوز أن تكون في موضع نصب بدلاً من " ما " ، أي أتل عليكم تحريم الإشراك . وقيل يجوز أن يكون في محل رفع بتقدير مبتدأ ، أي المتلوّ أن لا تشركوا ، و { شيئاً } مفعول أو مصدر أي لا تشركوا به شيئاً من الأشياء ، أو شيئاً من الإشراك . قوله { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } أي أحسنوا بهما إحساناً ، والإحسان إليهما البرّ بهما ، وامتثال أمرهما ونهيهما . وقد تقدّم الكلام على هذا . قوله { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـٰدَكُمْ مّنْ إمْلَـٰقٍ } لما ذكر حق الوالدين على الأولاد ، ذكر حق الأولاد على الوالدين ، وهو أن لا يقتلوهم من أجل إملاق . والإملاق الفقر ، فقد كانت الجاهلية تفعل ذلك بالذكر والإناث خشية الإملاق ، وتفعله بالإناث خاصة خشية العار ، وحكى النقاش عن مؤرّج أن الإملاق الجوع بلغة لخم ، وذكر منذر بن سعيد البلوطي أن الإملاق الإنفاق . يقال أملق ماله بمعنى أنفقه . والمعنى الأوّل هو الذي أطبق عليه أئمة اللغة ، وأئمة التفسير ها هنا . { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوٰحِشَ } أي المعاصي ، ومنه { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } الإسراء 32 وما في { مَا ظَهَرَ } بدل من الفواحش ، وكذا ما بطن . والمراد بـ { ما ظهر } ما أعلن به منها ، و { ما بطن } ما أسرّ . وقد تقدّم { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ } اللام في النفس للجنس ، و { ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ } صفة للنفس ، أي لا تقتلوا شيئاً من الأنفس التي حرّمها الله { إِلاَّ بِٱلْحَقّ } أي إلا بما يوجبه الحق ، والاستثناء مفرّغ ، أي لا تقتلوه في حال من الأحوال إلا في حال الحق ، أو لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق ، ومن الحق قتلها قصاصاً ، وقتلها بسبب زنا المحصن ، وقتلها بسبب الردّة ، ونحو ذلك من الأسباب التي ورد الشرع بها ، والإشارة بقوله { ذٰلِكُمْ } إلى ما تقدّم مما تلاه عليهم ، وهو مبتدأ { وَوَصَاكم بِهِ } خبره أي أمركم به ، وأوجبه عليكم { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ } أي لا تتعرضوا له بوجه من الوجوه إلا بالخصلة { ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } من غيرها ، وهي ما فيه صلاحه وحفظه وتنميته ، فيشمل كل وجه من الوجوه التي فيها نفع لليتيم وزيادة في ماله وقيل المراد بالتي هي أحسن التجارة { حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } أي إلى غاية هي أن يبلغ اليتيم أشدّه ، فإن بلغ ذلك فادفعوا إليه ماله ، كما قال تعالى { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوٰلَهُمْ } النساء 6 . واختلف أهل العلم في الأشد ، فقال أهل المدينة بلوغه وإيناس رشده . وقال أبو حنيفة خمس وعشرون سنة . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هو البلوغ . وقيل إنه انتهاء الكهولة ، ومنه قول سحيم الرباحي @ أخو الخمسين مجتمع أشدي ويحديني مداورة الشؤون @@ والأولى في تحقيق بلوغ الأشد أنه البلوغ إلى سن التكليف مع إيناس الرشد ، وهو أن يكون في تصرفاته بماله سالكاً مسلك العقلاء ، لا مسلك أهل السفه والتبذير ، ويدل على هذا قوله تعالى في سورة النساء { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ فَإِنْ ءانَسْتُمْ مّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوٰلَهُمْ } النساء 6 فجعل بلوغ النكاح ، وهو بلوغ سنّ التكليف مقيداً بإيناس الرشد ، ولعله قد سبق هنالك كلام في هذا ، والأشد واحد لا جمع له ، وقيل واحده شدّ كفلس وأفلس ، وأصله من شدّ النهار ، أي ارتفع . وقال سيبويه واحده شدة . قال الجوهري وهو حسن في المعنى ، لأنه يقال بلغ الكلام شدته ، ولكن لا تجمع فعلة على أفعل . قوله { وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } أي بالعدل في الأخذ والإعطاء عند البيع والشراء { لاَ نُكَلّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } أي إلا طاقتها في كل تكليف من التكاليف ، ومنه التكليف بإيفاء الكيل والوزن ، فلا يخاطب المتولي لهما بما لا يمكن الاحتراز عنه في الزيادة والنقصان { وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ } أي إذا قلتم بقول في خير أو شهادة ، أو جرح أو تعديل ، فاعدلوا فيه ، وتحرّوا الصواب ، ولا تتعصبوا في ذلك لقريب ولا على بعيد ، ولا تميلوا إلى صديق ، ولا على عدو ، بل سوّوا بين الناس ، فإن ذلك من العدل الذي أمر الله به ، والضمير في { وَلَوْ كَانَ } راجع إلى ما يفيده { وإذا قلتم } فإنه لا بد للقول من مقول فيه ، أو مقول له ، أي ولو كان المقول فيه ، أو المقول له { ذَا قُرْبَىٰ } أي صاحب قرابة لكم . وقيل إن المعنى ولو كان الحق على مثل قراباتكم والأوّل أولى ، ومثل هذه الآية قوله { وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ } النساء 135 . قوله { وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ } أي أوفوا بكل عهد عهده الله إليكم ، ومن جملة ما عهده إليكم ، ما تلاه عليكم رسوله بأمره في هذا المقام ، ويجوز أن يراد به كل عهد ، ولو كان بين المخلوقين ، لأن الله سبحانه لما أمر بالوفاء به في كثير من الآيات القرآنية كان ذلك مسوّغاً لإضافته إليه . والإشارة بقوله { ذٰلِكُمْ } إلى ما تقدّم ذكره { وَصَّـٰكُمْ بِهِ } أمركم به أمراً مؤكداً { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } فتتعظون بذلك . قوله { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا } أن في موضع نصب ، أي واتل أن هذا صراطي ، قاله الفراء والكسائي . قال الفراء ويجوز أن يكون خفضاً ، أي وصاكم به ، وبأن هذا . وقال الخليل وسيبويه إن التقدير ولأن هذا صراطي مستقيماً ، كما في قوله سبحانه { وَأَنَّ ٱلْمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ } الجن 18 وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي " وَإِنَّ هَـٰذَا " بكسر الهمزة على الاستئناف ، والتقدير الذي ذكر في هذه الآيات صراطي . وقرأ ابن أبي إسحاق ، ويعقوب " وَإِن هَـٰذَا صِرٰطِي " بالتخفيف على تقدير ضمير الشأن . وقرأ الأعمش " وَهَـٰذَا صِرٰطِي " وفي مصحف عبد الله بن مسعود " وَهَـٰذَا صِرٰطُ رَبُّكُـمْ " وفي مصحف أبيّ " وَهَـٰذَا صِرٰطُ رَبّكَ " والصراط الطريق ، وهو طريق الإسلام ، ونصب مستقيماً على الحال ، والمستقيم المستوي الذي لا اعوجاج فيه ، ثم أمرهم باتباعه ونهاهم عن اتباع سائر السبل ، أي الأديان المتباينة طرقها { فَتَفَرَّقَ بِكُمْ } أي تميل بكم { عَن سَبِيلِهِ } أي عن سبيل الله المستقيم الذي هو دين الإسلام . قال ابن عطية وهذه السبل تعمّ اليهودية والنصرانية والمجوسية ، وسائر أهل الملل ، وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع ، وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام ، هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد . والإشارة بـ { ذٰلِكُمْ } إلى ما تقدّم وهو مبتدأ وخبره { وَصَّـٰكُمْ بِهِ } أي أكد عليكم الوصية به { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ما نهاكم عنه . وقد أخرج الترمذي وحسنه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن عبادة بن الصامت ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث ؟ " ثم تلا { قُلْ تَعَالَوْاْ } إلى ثلاث آيات ، ثم قال " فمن وفَّى بهنّ فأجره على الله ومن انتقص منهنّ شيئاً فأدركه الله في الدنيا كانت عقوبته ، ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء آخذه وإن شاء عفا عنه " وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن الضريس ، وابن المنذر ، عن كعب الأحبار قال أوّل ما أنزل في التوراة عشر آيات ، وهي العشر التي أنزلت من آخر الأنعام { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } إلى آخرها . وأخرج أبو الشيخ ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عدي بن الخيار قال سمع كعب رجلاً يقرأ { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } فقال كعب والذي نفس كعب بيده إنها لأول آية في التوراة بسم الله الرحمن الرحيم { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } إلى آخر الآيات انتهى . قلت هي الوصايا العشر التي في التوراة ، وأوّلها أنا الرب إلٰهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية ، لا يكن لك إلٰه غيري . ومنها أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الأرض التي يعطيك الرب إلٰهك ، لا تقتل ، لا تزن ، لا تسرق ، لا تشهد على قريبك شهادة زور ، لا تشته بنت قريبك ، ولا تشته امرأة قريبك ، ولا عبده ، ولا أمته ، ولا ثوره ، ولا حماره ، ولا شيئاً مما لقريبك ، فلعل مراد كعب الأحبار هذا ، ولليهود بهذه الوصايا عناية عظيمة وقد كتبها أهل الزبور في آخر زبورهم . وأهل الإنجيل في أوّل إنجيلهم ، وهي مكتوبة في لوحين ، وقد تركنا منها ما يتعلق بالسبت . وأخرج عبد بن حميد ، وأبو الشيخ ، عن قتادة { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـٰدَكُمْ مّنْ إمْلَـٰقٍ } قال من خشية الفاقة ، قال وكان أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته مخافة الفاقة عليها والسبي { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } قال سرّها وعلانيتها . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـٰدَكُمْ مّنْ إمْلَـٰقٍ } قال خشية الفقر { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } قال كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأساً في السرّ ، ويستقبحونه في العلانية ، فحرّم الله الزنا في السر والعلانية . وأخرج عبد بن حميد ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، في قوله { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا } قال اعلموا أن السبيل سبيل واحد ، جماعه الهدى ومصيره الجنة ، وأن إبليس اشترع سبلاً متفرقة ، جماعه الضلالة ومصيرها النار . وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، والبزار ، والنسائي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، عن ابن مسعود ، قالخط رسول الله خطاً بيده ثم قال " هذا سبيل الله مستقيماً " ، ثم خط خطوطاً عن يمين ذلك الخط ، وعن شماله ، ثم قال " وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه " ، ثم قرأ { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } وأخرج أحمد ، وابن ماجه ، وابن مردويه ، من حديث جابر نحوه . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن مردويه ، عن ابن مسعود أن رجلاً سأله ما الصراط المستقيم ؟ قال تركنا محمداً صلى الله عليه وسلم ، في أدناه وطرفه الجنة ، وعن يمينه جواد وعن شماله جواد ، وثم رجال يدعون من مرّ بهم ، فمن أخذ في تلك الجوادّ انتهت به إلى النار ، ومن أخذ على الصراط المستقيم انتهى به إلى الجنة ، ثم قرأ ابن مسعود { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ } الآية . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ } قال الضلالات .