Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 148-150)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أخبر الله عن المشركين أنهم سيقولون هذه المقالة ، وهم كفار قريش أو جميع المشركين ، يريدون أنه لو شاء الله عدم شركهم ما أشركوا هم ولا آباؤهم ، ولا حرّموا شيئاً من الأنعام ، كالبحيرة ونحوها ، وظنوا أن هذا القول يخلصهم عن الحجة التي ألزمهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ما فعلوه حق ، ولو لم يكن حقاً لأرسل الله إلى آبائهم الذين ماتوا على الشرك ، وعلى تحريم ما لم يحرمه الله رسلاً يأمرونهم بترك الشرك ، وبترك التحريم لما لم يحرمه الله ، والتحليل لما لم يحلله { كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي مثل ما كذب هؤلاء كذب من قبلهم من المشركين أنبياء الله { حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا } أي استمروا على التكذيب حتى ذاقوا بأسنا الذي أنزلناه بهم ، ثم أمره الله أن يقول لهم { هَلْ عِندَكُم مّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا } أي هل عندكم دليل صحيح بعد من العلم النافع ، فتخرجوه إلينا لننظر فيه ونتدبره ، والمقصود من هذا التبكيت لهم ، لأنه قد علم أنه لا علم عندهم يصلح للحجة ، ويقوم به البرهان ، ثم أوضح لهم أنهم ليسوا على شيء من العلم ، وأنهم إنما يتبعون الظنون ، أي ما يتبعون إلا الظنّ الذي هو محل الخطأ ، ومكان الجهل { وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ } أي تتوهمون مجرّد توهم فقط كما يتوهم الخارص ، وقد سبق تحقيقه ، ثم أمره الله سبحانه بأن يخبرهم أن لله الحجة البالغة على الناس ، أي التي تنقطع عندها معاذيرهم ، وتبطل شبههم ، وظنونهم وتوهماتهم . والمراد بها الكتب المنزلة ، والرسل المرسلة ، وما جاءوا به من المعجزات { فَلَوْ شَاء } هدايتكم جميعاً { لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } ولكنه لم يشأ ذلك ، ومثله قوله تعالى { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ مَا أَشْرَكُواْ } الأنعام 107 و { مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ } الأنعام 111 ومثله كثير . ثم أمره الله أن يقول لهؤلاء المشركين { هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ } أي هاتوهم وأحضرهم ، وهو اسم فعل يستوي فيه المذكر والمؤنث ، والمفرد ، والمثنى ، والمجموع عند أهل الحجاز ، وأهل نجد يقولون هلما هلمي هلموا ، فينطقون به كما ينطقون بسائر الأفعال ، وبلغة أهل الحجاز نزل القرآن ، ومنه قوله تعالى { وَٱلْقَائِلِينَ لإِخْوٰنِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } الأحزاب 18 والأصل عند الخليل " ها " ضُمَّت إليها " لم " ، وقال غيره أصلها " هل " زيدت عليها الميم ، وفي كتاب العين للخليل أن أصلها هل أؤم ، أي هل أقصدك ، ثم كثر استعمالهم لها ، وهذا أيضاً من باب التبكيت لهم ، حيث يأمرهم بإحضار الشهود على أن الله حرّم تلك الأشياء ، مع علمه أن لا شهود لهم { فَإِن شَهِدُواْ } لهم بغير علم ، بل مجازفة وتعصب { فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ } أي فلا تصدقهم ولا تسلم لهم ، فإنهم كاذبون جاهلون ، وشهادتهم باطلة { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا } أي ولا تتبع أهواءهم ، فإنهم رأس المكذبين بآياتنا . قوله { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } معطوف على الموصول ، أي لا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا ، وأهواء الذين لا يؤمنون بالآخرة { وَهُم بِرَبِهِمْ يَعْدِلُونَ } أي يجعلون له عدلاً من مخلوقاته كالأوثان ، والجملة إما في محل نصب على الحال ، أو معطوفة على لا يؤمنون . وقد أخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن مجاهد ، في قوله { سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } قال هذا قول قريش إن الله حرم هذا ، أي البحيرة والسائبة ، والوصيلة والحام . وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة { قُل فلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَـٰلِغَةُ } قال السلطان . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس أنه قيل له إن ناساً يقولون ليس الشرّ بقدر ، فقال ابن عباس بيننا وبين أهل القدر هذه الآية { سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } إلى قوله { فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَـٰلِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } قال ابن عباس والعجز والكيس من القدر . وأخرج أبو الشيخ ، عن عليّ بن زيد ، قال انقطعت حجة القدرية عند هذه الآية { قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَـٰلِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن السديّ ، في قوله { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ } قال أروني شهداءكم .