Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 158-158)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي لما أقمنا عليهم الحجة ، وأنزلنا الكتاب على رسولنا المرسل إليهم ، فلم ينفعهم ذلك ولم يرجعوا به عن غوايتهم ، فما بقي بعد هذا إلا أنهم { يُنظَرُونَ } أي ينتظرون { أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } أي ملائكة الموت لقبض أرواحهم ، وعند ذلك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل { أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ } يا محمد كما اقترحوه بقولهم { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلَـئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } الفرقان 21 وقيل معناه أو يأتي أمر ربك بإهلاكهم . وقيل المعنى أو يأتي كل آيات ربك بدليل قوله { أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّك } وقيل هو من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله ، وقد جاء في القرآن حذف المضاف كثيراً ، كقوله { وَٱسْأَلِ ٱلْقَرْيَةَ } يوسف 82 وقوله { وَأُشْرِبُواْ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ } البقرة 93 أي حب العجل . وقيل إتيان الله مجيئه يوم القيامة لفصل القضاء بين خلقه ، كقوله { وَجَاء رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } الفجر 22 . قوله { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّك } قرأ ابن عمر وابن الزبير " يَوْمَ تَأْتِي " بالفوقية ، وقرأ الباقون بالتحتية ، قال المبرد التأنيث على المجاورة لمؤنث ، لا على الأصل ، ومنه قول جرير @ لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع @@ وقرأ ابن سيرين " لا تنفع " بالفوقية . قال أبو حاتم إن هذا غلط عن ابن سيرين . وقد قال الناس في هذا شيء دقيق من النحو ذكره نفطويه ، وذلك أن الإيمان والنفس كل واحد منهما مشتمل على الآخر ، فأنث الإيمان إذ هو من النفس . قال النحاس ، وفيه وجه آخر ، وهو أن يؤنث الإيمان ، لأنه مصدر كما يذكر المصدر المؤنث مثل { فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مّنْ رَّبّهِ } البقرة 275 . ومعنى { يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءايَـٰتِ رَبّكَ } يوم يأتي الآيات التي اقترحوها ، وهي التي تضطرهم إلى الإيمان { لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا } أو ما هو أعمّ من ذلك ، فيدخل فيه ما ينتظرونه . وقيل هي الآيات التي هي علامات القيامة المذكورة في الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهي التي إذا جاءت لا ينفع نفساً إيمانها . قوله { لَمْ تَكُنْ ءامَنَتْ مِن قَبْلُ } أي من قبل إتيان بعض الآيات ، فأما التي قد كانت آمنت من قبل مجيء بعض الآيات فإيمانها ينفعها ، وجملة { لَمْ تَكُنْ ءامَنَتْ مِن قَبْلُ } في محل نصب على أنها صفة { نفساً } . قوله { أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَـٰنِهَا خَيْرًا } معطوف على { ءامَنتُ } والمعنى أنه لا ينفع نفساً إيمانها عند حضور الآيات متصفة بأنها لم تكن آمنت من قبل ، أو آمنت من قبل ولكن لم تكسب في إيمانها خيراً ، فحصل من هذا أنه لا ينفع إلا الجمع بين الإيمان من قبل مجيء بعض الآيات مع كسب الخير في الإيمان ، فمن آمن من قبل فقط ، ولم يكسب خيراً في إيمانه ، أو كسب خيراً ولم يؤمن ، فإن ذلك غير نافعه ، وهذا التركيب هو كقولك لا أعطي رجلاً اليوم أتاني لم يأتني بالأمس ، أو لم يمدحني في إتيانه إليّ بالأمس ، فإن المستفاد من هذا أنه لا يستحق العطاء إلا رجل أتاه بالأمس ومدحه في إتيانه إليه بالأمس ، ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم { انتظروا } ما تريدون إتيانه { إنا منتظرون } له ، وهذا تهديد شديد ووعيد عظيم ، وهو يقوّي ما قيل في تفسير { يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءايَـٰتِ رَبّكَ } إنها الآيات التي اقترحوها من إتيان الملائكة ، وإتيان العذاب لهم من قبل الله كما تقدّم بيانه . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن مسعود { هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } قال عند الموت { أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ } قال يوم القيامة . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة ، في تفسير الآية مثله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مقاتل { أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ } قال يوم القيامة في ظلل من الغمام . وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، في مسنده ، والترمذي وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في قوله { يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءايَـٰتِ رَبّكَ } قال " طلوع الشمس من مغربها " ، قال الترمذي غريب . ورواه ابن أبي شيبة ، وعبد ابن حميد ، عن أبي سعيد موقوفاً . وأخرجه الطبراني ، وابن عدي ، وابن مردويه من حديث أبي هريرة مرفوعاً . وأخرجه سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، ونعيم بن حماد ، والطبراني عن ابن مسعود موقوفاً . فإذا ثبت رفع هذا التفسير النبوي من وجه صحيح لا قادح فيه ، فهو واجب التقديم له ، متحتم الأخذ به ، ويؤيده ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها " ، ثم قرأ الآية . وأخرج مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وغيرهم ، عن أبي ذر مرفوعاً نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، مرفوعاً نحوه أيضاً . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السدي ، في قوله { أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَـٰنِهَا خَيْرًا } يقول كسبت في تصديقها عملاً صالحاً ، هؤلاء أهل القبلة ، وإن كانت مصدقة لم تعمل قبل ذلك خيراً فعملت بعد أن رأت الآية لم يقبل منها ، وإن عملت قبل الآية خيراً ، ثم عملت بعد الآية خيراً قبل . منها وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مقاتل ، في قوله { أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَـٰنِهَا خَيْرًا } قال يعني المسلم الذي لم يعمل في إيمانه خيراً ، وكان قبل الآية مقيماً على الكبائر . والآيات التي هي علامات القيامة ، قد وردت الأحاديث المتكاثرة في بيانها وتعدادها ، وهي مذكورة في كتب السنة .