Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 159-160)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ حمزة والكسائي « فارقوا دينهم » وهي قراءة عليّ بن أبي طالب أي تركوا دينهم وخرجوا عنه . وقرأ الباقون { فرّقوا } بالتشديد إلا النخعي فإنه بالتخفيف . والمعنى أنهم جعلوا دينهم متفرّقاً فأخذوا ببعضه ، وتركوا بعضه . قيل المراد بهم اليهود والنصارى . وقد رود في معنى هذا في اليهود قوله تعالى { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ ٱلْبَيّنَةُ } البينة 4 . وقيل المراد بهم المشركون ، عبد بعضهم الصنم ، وبعضهم الملائكة . وقيل الآية عامة في جميع الكفار ، وكل من ابتدع وجاء بما لم يأمر به الله ، وهذا هو الصواب ، لأن اللفظ يفيد العموم ، فيدخل فيه طوائف أهل الكتاب ، طوائف المشركين ، وغيرهم ممن ابتدع من أهل الإسلام ، ومعنى { شيعاً } فرقاً وأحزاباً ، فتصدق على كل قوم كان أمرهم في الدين واحداً مجتمعاً ، ثم اتبع كل جماعة منهم رأى كبير من كبرائهم ، يخالف الصواب ويباين الحق { لَّسْتَ مِنْهُمْ فِى شَىْء } أي لست من تفرّقهم ، أو من السؤال عن سبب تفرّقهم والبحث عن موجب تحزبهم في شيء من الأشياء ، فلا يلزمك من ذلك شيء ، ولا تخاطب به ، إنما عليك البلاغ ، وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم " من غشنا فليس منا " أي نحن برآء منه ، وموضع { فِي شَىْء } نصب على الحال . قال الفراء هو على حذف مضاف ، أي لست من عقابهم في شيء ، وإنما عليك الإنذار ، ثم سلاه الله تعالى بقوله { إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ } فهو مجاز لهم بما تقتضيه مشيئته والحصر ، بإنما هو في حكم التعليل لما قبله ، والتأكيد له " ثُمَّ " هو يوم القيامة { يُنَبّئُهُمُ } أي يخبرهم بما ينزله بهم من المجازاة { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } من الأعمال التي تخالف ما شرعه الله لهم ، وأوجبه عليهم ، وهذه الآية من جملة ما هو منسوخ بآية السيف . قوله { مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } لما توعد سبحانه المخالفين له بما توعد ، بين عقب ذلك مقدار جزاء العاملين بما أمرهم به الممتثلين لما شرعه لهم ، بأن من جاء بحسنة واحدة من الحسنات فله من الجزاء عشر حسنات ، والتقدير فله عشر حسنات أمثالها ، فأقيمت الصفة مقام الموصوف . قال أبو علي الفارسي حسن التأنيث في عشر أمثالها ، لما كان الأمثال مضافاً إلى مؤنث ، نحو ذهبت بعض أصابعه . وقرأ الحسن وسعيد بن جبير والأعمش " فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا " برفعهما . وقد ثبت هذا التضعيف في السنة بأحاديث كثيرة ، وهذا التضعيف هو أقلّ ما يستحقه عامل الحسنة . وقد وردت الزيادة على هذا عموماً وخصوصاً ، ففي القرآن كقوله { كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ } البقرة 261 . وورد في بعض الحسنات ، أن فاعلها يجازى عليها بغير حساب ، وورد في السنة المطهرة تضعيف الجزاء إلى ألوف مؤلفة . وقد قدمنا تحقيق هذا في موضعين من هذا التفسير ، فليرجع إليهما . { وَمَن جَاء بِٱلسَّيّئَةِ } من الأعمال السيئة { فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَهَا } من دون زيادة عليها على قدرها في الخفة والعظم ، فالمشرك يجازى على سيئة الشرك بخلوده في النار ، وفاعل المعصية من المسلمين يجازى عليها بمثلها ، مما ورد تقديره من العقوبات ، كما ورد بذلك كثير من الأحاديث المصرّحة بأن من عمل كذا فعليه كذا ، وما لم يرد لعقوبته تقدير من الذنوب ، فعلينا أن نقول يجازيه الله بمثله ، وإن لم نقف على حقيقة ما يجازى به ، وهذا إن لم يتب ، أما إذا تاب و غلبت حسناته سيئاته ، أو تغمده الله برحمته ، وتفضل عليه بمغفرته ، فلا مجازاة ، وأدلة الكتاب والسنة مصرّحة بهذا تصريحاً لا يبقى بعده ريب لمرتاب ، { وَهُمْ } أي من جاء بالحسنة ومن جاء بالسيئة { لاَ يُظْلَمُونَ } بنقص ثواب حسنات المحسنين ، ولا بزيادة عقوبات المسيئين . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، قال اختلفت اليهود والنصارى قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم فتفرقوا ، فلما بعث محمد أنزل عليه { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ } الآية . وأخرج النحاس ، عنه في ناسخه { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ } قال اليهود والنصارى ، تركوا الإسلام والدين الذي أمروا به { وَكَانُواْ شِيَعاً } فرقاً أحزاباً مختلفة { لَّسْتَ مِنْهُمْ فِى شَىْء } نزلت بمكة ثم نسخها { وَقاتلوا ٱلْمُشْرِكِينَ } التوبة 36 . وأخرج أبو الشيخ عنه { وَكَانُواْ شِيَعاً } قال مللاً شتى . وأخرج الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن أبي هريرة ، في قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ } الآية قال هم في هذه الأمة . وأخرج الحكيم الترمذي وابن جرير ، والطبراني ، والشيرازي في الألقاب ، وابن مردويه ، عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال " هم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة " ، وفي إسناده عبد بن كثير ، وهو متروك الحديث ، ولم يرفعه غيره ، ومن عداه وقفوه على أبي هريرة . وأخرج عبد بن حميد ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن أبي أمامة في الآية قال هم الحرورية ، وقد رواه ابن أبي حاتم ، والنحاس ، وابن مردويه ، عن أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعاً ولا يصح رفعه . وأخرج الحكيم الترمذي ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، وابن شاهين ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الحلية ، وأبو نصر السجزي في الإبانة ، والبيهقي في شعب الإيمان ، عن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة " يا عائشة { إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً } هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء وأصحاب الضلالة من هذه الأمة ليست لهم توبة ، يا عائشة إن لكل صاحب ذنب توبة غير أصحاب البدع وأصحاب الأهواء ليس لهم توبة وهم مني برآء " قال ابن كثير هو غريب ولا يصح رفعه . وأخرج عبد بن حميد ، عن سعيد بن جبير ، قال لما نزلت { مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } قال رجل من المسلمين يا رسول الله ، لا إله إلا الله حسنة ؟ قال " نعم ، أفضل الحسنات " ، وهذا مرسل ولا ندري كيف إسناده إلى سعيد ؟ وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو نعيم ، في الحلية ، عن ابن مسعود { مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ } . قال لا إله إلا الله . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس ، مثله . وأخرج أبو الشيخ ، عن أبي هريرة ، مثله أيضاً . وقد قدّمنا الإشارة إلى أنها قد ثبتت الأحاديث الصحيحة بمضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها ، فلا نطيل بذكرها ، ووردت أحاديث كثيرة في الزيادة على هذا المقدار ، وفضل الله واسع ، وعطاؤه جمّ .