Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 164-165)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الاستفهام في { أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِى رَبّا } للإنكار ، وهو جواب على المشركين لما دعوه إلى عبادة غير الله ، أي كيف أبغي غير الله رباً مستقلاً وأترك عبادة الله ، أو شريكاً لله فأعبدهما معاً ، والحال أنه ربّ كل شيء ، والذي تدعونني إلى عبادته هو من جملة من هو مربوب له ، مخلوق مثلي لا يقدر على نفع ولا ضرّ ، وفي هذا الكلام من التقريع والتوبيخ لهم ما لا يقادر قدره ، و { غير } منصوب بالفعل الذي بعده ، و { ربا } تمييز أو مفعول ثان على جعل الفعل ناصباً لمفعولين . قوله { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } أي لا يؤاخذ مما أتت من الذنب وارتكبت من المعصية سواها ، فكل كسبها للشرّ عليها لا يتعداها إلى غيرها ، وهو مثل قوله تعالى { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } البقرة 286 وقوله { لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } طه 15 . قوله { وَلاَ تَزِرُ وٰزِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } أصل الوزر الثقل ، ومنه قوله تعالى { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } الشرح 2 وهو هنا الذنب { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } الأنعام 31 قال الأخفش ، يقال وزر يَوزر ، ووزر يزر وزراً ، ويجوز إزراً ، وفيه ردّ لما كانت عليه الجاهلية من مؤاخذة القريب بذنب قريبه ، والواحد من القبيلة بذنب الآخر . وقد قيل إن المراد بهذه الآية في الآخرة ، وكذلك التي قبلها لقوله تعالى { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } الأنفال 25 ، ومثله قول زينب بنت جحش يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال " نعم إذا كثر الخبث " ، والأولى حمل الآية على ظاهرها أعني العموم ، وما ورد من المؤاخذة بذنب الغير كالدية التي تحملها العاقلة ونحو ذلك ، فيكون في حكم المخصص بهذا العموم ، ويقرّ في موضعه ولا يعارض هذه الآية قوله تعالى { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } العنكبوت 13 فإن المراد بالأثقال التي مع أثقالهم هي أثقال الذين يضلونهم كما في الآية الأخرى { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } النحل 25 { ثُمَّ إِلَىٰ رَبّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ } يوم القيامة { فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } في الدنيا ، وعند ذلك يظهر حق المحقين وباطل المبطلين . قوله { وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَـٰئِفَ ٱلأرْضِ } خلائف جمع خليفة أي جعلكم خلفاء الأمم الماضية والقرون السالفة ، قال الشماخ @ أصيبهم وتخطئني المنايا وأخلف في ربوع عن ربوع @@ أو المراد أنه يخلف بعضهم بعضاً ، أو أن هذا النوع الإنساني خلفاء الله في أرضه { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ } في الخلق ، والرزق ، والقوة ، والفضل ، والعلم ، و { درجات } منصوب بنزع الخافض ، أي إلى درجات { لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا ءاتَـٰكُمُ } أي ليختبركم فيما آتاكم من تلك الأمور ، أو ليبتلي بعضكم ببعض كقوله تعالى { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً } الفرقان 20 ثم خوّفهم فقال { إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } فإنه وإن كان في الآخرة فكل آت قريب كما قال { وَمَا أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } النحل 77 ثم رغب من يستحق الترغيب من المسلمين ، فقال { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي كثير الغفران والرحمة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ } قال لا يؤاخذ أحد بذنب غيره . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ في قوله { وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَـٰئِفَ ٱلأرْضِ } قال أهلك القرون الأولى ، فاستخلفنا فيها بعدهم { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ } قال في الرزق .