Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 161-163)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما بيّن سبحانه أن الكفار تفرقوا فرقاً ، وتحزبوا أحزاباً ، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم { إِنَّنِى هَدَانِى رَبّى } أي أرشدني بما أوحاه إليّ { إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وهو ملة إبراهيم عليه السلام ، و { دِينًا } منتصب على الحال كما قال قطرب ، أو على أنه مفعول { هداني } كما قال الأخفش . وقيل منتصب بفعل يدل عليه { هداني } لأن معناه عرّفني ، أي عرفني ديناً . وقيل إنه بدل من محل { إلى صراط } ، لأن معناه هداني صراطاً مستقيماً كقوله تعالى { وَيَهْدِيَكُمْ صِرٰطاً مُّسْتَقِيماً } الفتح 2 وقيل منصوب بإضمار فعل ، كأنه قيل اتبعوا ديناً . قوله { قَيِّماً } قرأه الكوفيون ، وابن عامر بكسر القاف ، والتخفيف وفتح الياء . وقرأه الباقون بفتح القاف وكسر الياء المشدّدة ، وهما لغتان ومعناه الدين المستقيم الذي لا عوج فيه ، وهو صفة لـ { ديناً } ، وصف به مع كونه مصدراً مبالغة ، وانتصاب { مِلَّةِ إِبْرٰهِيمَ } على أنها عطف بيان لـ { دينا } ، ويجوز نصبها بتقدير أعني ، و { حَنِيفاً } منتصب على أنه حال من إبراهيم ، قاله الزجاج . وقال علي بن سليمان هو منصوب بإضمار أعني . والحنيف المائل إلى الحق ، وقد تقدّم تحقيقه { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } في محل نصب معطوف على { حنيفاً } ، أو جملة معترضة مقررة لما قبلها . قوله { قُلْ إِنَّ صَلاَتِى } أمره الله سبحانه أن يقول لهم بهذه المقالة ، عقب أمره بأن يقول لهم بالمقالة السابقة . قيل ووجه ذلك أن ما تضمنه القول الأوّل إشارة إلى أصول الدين ، وهذا إلى فروعها . والمراد بالصلاة جنسها ، فيدخل فيه جميع أنواعها . وقيل المراد بها هنا صلاة الليل ، وقيل صلاة العيد . والنسك جمع نسيكة ، وهي الذبيحة كذا قال مجاهد والضحاك ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم ، أي ذبيحتي في الحج والعمرة . وقال الحسن ديني . وقال الزجاج عبادتي من قولهم نسك فلان هو ناسك ، إذا تعبد ، وبه قال جماعة من أهل العلم { وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى } أي ما أعمله في حياتي ، ومماتي من أعمال الخير ، ومن أعمال الخير في الممات الوصية بالصدقات ، وأنواع القربات . وقيل نفس الحياة ونفس الموت { لِلَّهِ } قرأ الحسن " نُسْكي " بسكون السين . وقرأ الباقون بضمها . وقرأ أهل المدينة " محياي " بسكون الياء . وقرأ الباقون بفتحها لئلا يجتمع ساكنان قال النحاس لم يجزه ، أي السكون ، أحد من النحويين إلا يونس ، وإنما أجازه لأن المدّة التي في الألف تقوم مقام الحركة . وقرأ ابن أبي إسحاق ، وعيسى بن عمرو ، عاصم الجحدري ، " محيي " ، من غير ألف وهي لغة عليا مضر ، ومنه قول الشاعر @ سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم فتخرموا ولكل جنب مصرع @@ { للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي خالصاً له لا شريك له فيه ، والإشارة { بِذٰلِكَ } إلى ما أفاده { للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ } من الإخلاص في الطاعة وجعلها لله وحده . قوله { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } أي أوّل مسلمي أمته . وقيل أوّل المسلمين أجمعين ، لأنه وإن كان متأخراً في الرسالة ، فهو أولهم في الخلق ، ومنه قوله تعالى { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ } الأحزاب 7 الآية ، والأوّل أولى . قال ابن جرير الطبري استدل بهذه الآية الشافعي على مشروعية افتتاح الصلاة بهذا الذكر ، فإن الله أمر به نبيه وأنزله في كتابه ، ثم ذكر حديثاً على ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال { وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين } الأنعام79 إلى قوله { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } قلت هذا هو في صحيح مسلم مطوّلاً ، وهو أحد التوجهات الواردة ، ولكنه مفيد بصلاة الليل كما في الروايات الصحيحة ، وأصح التوجهات الذي كان يلازمه النبي صلى الله عليه وسلم ويرشد إليه هو " اللهم باعد بيني وبين خطاياي " إلى آخره ، وقد أوضحنا هذا في شرحنا للمنتقى بما لا يحتاج إلى زيادة عليه هنا . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، عن مقاتل ، في قوله { وإِنَّ صَلاَتِى } قال يعني المفروضة { وَنُسُكِى } يعني الحج . وأخرج عبد بن حميد ، وأبو الشيخ ، عن سعيد بن جبير { وَنُسُكِى } قال ذبيحتي . وأخرجا أيضاً عن قتادة { إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى } قال حجي وذبيحتي . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { وَنُسُكِى } قال ذبيحتي في الحج والعمرة . وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة ، في قوله { وَنُسُكِى } قال ضحيتي . وفي قوله { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } قال من هذه الأمة . وأخرج الحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي ، عن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك ، فإنه يغفر لك بأوّل قطرة تقطر من دمها كل ذنب عملتيه ، وقولي { إن صلاتي } إلى { وأنا أوّل المسلمين } " ، قلت يا رسول الله هذا لك ولأهل بيتك خاصة ، فأهل ذلك أنتم أم للمسلمين عامة ؟ قال " لا بل للمسلمين عامة " .