Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 60, Ayat: 1-3)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال المفسرون نزلت { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء } في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى مشركي قريش يخبرهم بمسير النبيّ صلى الله عليه وسلم إليهم ، وسيأتي ذكر القصة آخر البحث إن شاء الله ، وقوله { عَدُوّى } هو المفعول الأوّل { وَعَدُوَّكُمْ } معطوف عليه ، والمفعول الثاني أولياء ، وأضاف سبحانه العدوّ إلى نفسه تعظيماً لجرمهم ، والعدوُّ مصدر يطلق على الواحد ، والاثنين ، والجماعة ، والآية تدلّ على النهي عن موالاة الكفار بوجه من الوجوه { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } أي توصلون إليهم المودّة على أن الباء زائدة ، أو هي سببية . والمعنى تلقون إليهم أخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم بسبب المودّة التي بينكم وبينهم . قال الزجاج تلقون إليهم أخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم وسرّه بالمودّة التي بينكم وبينهم ، والجملة في محل نصب على الحال من ضمير تتخذوا ويجوز أن تكون مستأنفة لقصد الإخبار بما تضمنته ، أو لتفسير موالاتهم إياهم ، ويجوز أن تكون في محل نصب صفة لأولياء ، وجملة { وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَاءكُمْ مّنَ ٱلْحَقّ } في محل نصب على الحال من فاعل تلقون ، أو من فاعل لا تتخذوا ، ويجوز أن تكون مستأنفة لبيان حال الكفار . قرأ الجمهور { بما جاءكم } بالباء الموحدة . وقرأ الجحدري ، وعاصم في رواية عنه لما جاءكم باللام ، أي لأجل ما جاءكم من الحق على حذف المكفور به ، أي كفروا بالله والرسول لأجل ما جاءكم من الحق ، أو على جعل ما هو سبب للإيمان سبباً للكفر توبيخاً لهم { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّـٰكُمْ } الجملة مستأنفة لبيان كفرهم ، أو في محل نصب على الحال ، وقوله { أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبّكُمْ } تعليل للإخراج ، أي يخرجونكم لأجل إيمانكم ، أو كراهة أن تؤمنوا { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِى سَبِيلِى وَٱبْتِغَاء مَرْضَاتِى } جواب الشرط محذوف ، أي إن كنتم كذلك ، فلا تلقوا إليهم بالمودّة ، أو إن كنتم كذلك ، فلا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء ، وانتصاب { جهاداً } { وابتغاء } على العلة ، أي إن كنتم خرجتم لأجل الجهاد في سبيلي ولأجل ابتغاء مرضاتي ، وجملة { تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } مستأنفة للتقريع والتوبيخ ، أي تسرّون إليهم الأخبار بسبب المودّة ، وقيل هي بدل من قوله { تُلْقُونَ } . ثم أخبر سبحانه بأنه لا يخفى عليه من أحوالهم شيء ، فقال { وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ } والجملة في محل نصب على الحال ، أي بما أضمرتم وما أظهرتم ، والباء في { بما } زائدة ، يقال علمت كذا ، وعلمت بكذا ، هذا على أن أعلم مضارع ، وقيل هو أفعل تفضيل ، أي أعلم من كل أحد بما تخفون وما تعلنون { وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } أي من يفعل ذلك الاتخاذ لعدوّي وعدوّكم أولياء ، ويلقي إليهم بالمودّة ، فقد أخطأ طريق الحق والصواب ، وضلّ عن قصد السبيل . { إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَاء } أي إن يلقوكم ويصادفوكم يظهروا لكم ما في قلوبهم من العداوة ، ومنه المثاقفة ، وهي طلب مصادفة الغرّة في المسابقة ، وقيل المعنى إن يظفروا بكم ، ويتمكنوا منكم ، والمعنيان متقاربان { وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوء } أي يبسطوا إليكم أيديهم بالضرب ونحوه ، وألسنتهم بالشتم ونحوه { وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } هذا معطوف على جواب الشرط أو على جملة الشرط والجزاء ، ورجح هذا أبو حيان ، والمعنى أنهم تمنوا ارتدادهم ، وودّوا رجوعهم إلى الكفر . { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَـٰمُكُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ } أي لا تنفعكم القرابات على عمومها ، ولا الأولاد ، وخصهم بالذكر مع دخولهم في الأرحام لمزيد المحبة لهم ، والحنوّ عليهم ، والمعنى أن هؤلاء لا ينفعونكم حتى توالوا الكفار لأجلهم ، كما وقع في قصة حاطب بن أبي بلتعة ، بل الذي ينفعكم هو ما أمركم الله به من معاداة الكفار ، وترك موالاتهم ، وجملة { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } مستأنفة لبيان عدم نفع الأرحام والأولاد في ذلك اليوم ومعنى { يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } يفرّق بينكم ، فيدخل أهل طاعته الجنة ، وأهل معصيته النار . وقيل المراد بالفصل بينهم أنه يفرّ كلّ منهم من الآخر من شدّة الهول ، كما في قوله { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْء مِنْ أَخِيهِ } الآية عبس 34 الآية . قيل ويجوز أن يتعلق يوم القيامة بما قبله ، أي لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة فيوقف عليه . ويبتدأ بقوله { يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } والأولى أن يتعلق بما بعده ، كما ذكرنا { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } لا يخفى عليه شيء من أقوالكم وأفعالكم ، فهو مجازيكم على ذلك . قرأ الجمهور { يفصل } بضم الياء ، وتخفيف الفاء ، وفتح الصاد مبنياً للمفعول ، واختار هذه القراءة أبو عبيدة . وقرأ عاصم بفتح الياء ، وكسر الصاد مبنياً للفاعل . وقرأ حمزة ، والكسائي بضم الياء ، وفتح الفاء ، وكسر الصاد مشدّدة . وقرأ علقمة بالنون . وقرأ قتادة ، وأبو حيوة بضم الياء ، وكسر الصاد مخففة . وقد أخرج البخاريّ ، ومسلم ، وغيرهما عن عليّ بن أبي طالب قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ، والزبير ، والمقداد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها ظعينة معها كتاب ، فخذوه منها فأتوني به " ، فخرجنا حتى أتينا الرّوضة ، فإذا نحن بالظعينة ، فقلنا أخرجي الكتاب ، قالت ما معي من كتاب ، فقلنا لتخرجنّ الكتاب ، أو لتلقينَّ الثياب ، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر النبيّ ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم " ما هذا يا حاطب " ؟ قال لا تعجل عليّ يا رسول الله ، إني كنت امرأ ملصقاً في قريش ، ولم أكن من أنفسها ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم ، وأموالهم بمكة ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يداً يحمون بها قرابتي ، وما فعلت ذلك كفراً ، ولا ارتداداً عن ديني ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم " صدق " ، فقال عمر دعني أضرب عنقه . فقال " إنه شهد بدراً ، وما يدريك لعلّ الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم " ونزلت { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } . وفي الباب أحاديث مسندة ومرسلة متضمنة لبيان هذه القصة ، وأن هذه الآيات إلى قوله { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرٰهِيمَ } نازلة في ذلك .