Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 61, Ayat: 10-14)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَـٰرَةٍ تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } جعل العمل المذكور بمنزلة التجارة لأنهم يربحون فيه ، كما يربحون فيها ، وذلك بدخولهم الجنة ، ونجاتهم من النار . قرأ الجمهور { تنجيكم } بالتخفيف من الإنجاء . وقرأ الحسن ، وابن عامر ، وأبو حيوة بالتشديد من التنجية . ثم بيّن سبحانه هذه التجارة التي دلّ عليها فقال { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } وهو خبر في معنى الأمر للإيذان بوجوب الامتثال ، فكأنه قد وقع ، فأخبر بوقوعه ، وقدّم ذكر الأموال على الأنفس لأنها هي التي يبدأ بها في الإنفاق والتجهز إلى الجهاد . قرأ الجمهور { تؤمنون } وقرأ ابن مسعود آمنوا ، وجاهدوا على الأمر . قال الأخفش { تؤمنون } عطف بيان لـ { تجارة } ، والأولى أن تكون الجملة مستأنفة مبينة لما قبلها ، والإشارة بقوله { ذٰلِكُمْ } إلى ما ذكر من الإيمان والجهاد ، وهو مبتدأ ، وخبره { خَيْرٌ لَّكُمْ } أي هذا الفعل خير لكم من أموالكم وأنفسكم { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي إن كنتم ممن يعلم ، فإنكم تعلمون أنه خير لكم ، لا إذا كنتم من أهل الجهل ، فإنكم لا تعلمون ذلك . { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } هذا جواب الأمر المدلول عليه بلفظ الخبر ، ولهذا جزم . قال الزجاج ، والمبرد قوله { تُؤْمِنُونَ } في معنى آمنوا ، ولذلك جاء { يغفر لكم } مجزوماً . وقال الفرّاء { يغفر لكم } جواب الاستفهام ، فجعله مجزوماً لكونه جواب الاستفهام ، وقد غلطه بعض أهل العلم . قال الزجاج ليسوا إذا دلّهم على ما ينفعهم يغفر لهم إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا . وقال الرازي في توجيه قول الفراء إن { هَلْ أَدُلُّكُمْ } في معنى الأمر عنده ، يقال هل أنت ساكت ، أي اسكت ، وبيانه أن " هل " بمعنى الاستفهام ، ثم يتدرّج إلى أن يصير عرضاً وحثاً ، والحثّ كالإغراء ، والإغراء أمر . وقرأ زيد بن عليّ تؤمنوا ، وتجاهدوا على إضمار لام الأمر . وقيل إن { يغفر لكم } مجزوم بشرط مقدّر ، أي إن تؤمنوا يغفر لكم ، وقرأ بعضهم بالإدغام في يغفر لكم ، والأولى ترك الإدغام لأن الراء حرف متكرّر ، فلا يحسن إدغامه في اللام { وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـٰرُ } قد تقدّم بيان كيفية جري الأنهار من تحت الجنات { وَمَسَـٰكِنَ طَيّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي في جنات إقامة { ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي ذلك المذكور من المغفرة ، وإدخال الجنات الموصوفة بما ذكر هو الفوز الذي لا فوز بعده ، والظفر الذي لا ظفر يماثله . { وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا } قال الأخفش ، والفرّاء { أخرى } معطوفة على { تجارة } فهي في محل خفض ، أي وهل أدلكم على خصلة أخرى تحبونها في العاجل مع ثواب الآخرة ، وقيل هي في محل رفع ، أي ولكم خصلة أخرى ، وقيل في محل نصب ، أي ويعطيكم خصلة أخرى . ثم بيّن سبحانه هذه الأخرى فقال { نَصْرٌ مّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } أي هي نصر من الله لكم ، وفتح قريب يفتحه عليكم ، وقيل { نصر } بدل من { أخرى } على تقدير كونها في محلّ رفع ، وقيل التقدير ولكم نصر وفتح قريب . قال الكلبي يعني النصر على قريش وفتح مكة . وقال عطاء يريد فتح فارس والروم { وَبَشّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } معطوف على محذوف ، أي قل يا أيها الذين آمنوا ، وبشر ، أو على { تؤمنون } لأنه في معنى الأمر ، والمعنى وبشّر يا محمد المؤمنين بالنصر والفتح ، أو ، وبشّرهم بالنصر في الدنيا والفتح ، وبالجنة في الآخرة ، أو وبشّرهم بالجنة في الآخرة . ثم حضّ سبحانه المؤمنين على نصرة دينه فقال { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ أَنصَـٰرَ ٱللَّهِ } أي دوموا على ما أنتم عليه من نصرة الدين . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع أنصاراً لله بالتنوين ، وترك الإضافة . وقرأ الباقون بالإضافة ، والرسم يحتمل القراءتين معاً ، واختار أبو عبيدة قراءة الإضافة لقوله { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } بالإضافة { كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيّينَ مَنْ أَنَّصَـٰرِى إِلَى ٱللَّهِ } أي انصروا دين الله مثل نصرة الحواريين لما قال لهم عيسى { مَنْ أَنصَارِى إِلَى ٱللَّهِ } فقالوا { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } والكاف في { كَمَا قَالَ } نعت مصدر محذوف تقديره كونوا كوناً ، كما قال ، وقيل الكاف في محل نصب على إضمار الفعل ، وقيل هو كلام محمول على معناه دون لفظه ، والمعنى كونوا أنصار الله ، كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم من أنصاري إلى الله ، وقوله { إِلَى ٱللَّهِ } قيل إلى بمعنى مع ، أي من أنصاري مع الله ، وقيل التقدير من أنصاري فيما يقرّب إلى الله ، وقيل التقدير من أنصاري متوجهاً إلى نصرة الله ، وقد تقدّم الكلام على هذا في سورة آل عمران . والحواريون هم أنصار المسيح وخلص أصحابه ، وأوّل من آمن به ، وقد تقدّم بيانهم { فآمنت طائفة من بني اسرائيل وكفرت طائفة } أي آمنت طائفة بعيسى وكفرت به طائفة ، وذلك لأنهم لما اختلفوا بعد رفعه تفرّقوا وتقاتلوا { فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم } أي قوينا المحقين منهم على المبطلين { فَأَصْبَحُواْ ظَـٰهِرِينَ } أي عالين غالبين ، وقيل المعنى فأيدنا الآن المسلمين على الفرقتين جميعاً . وقد أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال قالوا لو كنا نعلم أيّ الأعمال أحبّ إلى الله ؟ فنزلت { ٱلْمُشْرِكُونَ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَـٰرَةٍ تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } فكرهوا ، فنزلت { ٱلْحَكِيمُ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } إلى قوله { بُنْيَـٰنٌ مَّرْصُوصٌ } وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عن قتادة في قوله { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ أَنصَـٰرَ ٱللَّهِ } قال قد كان ذلك بحمد الله جاءه سبعون رجلاً ، فبايعوه عند العقبة وآووه ونصروه حتى أظهر الله دينه . وأخرج ابن إسحاق ، وابن سعد عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنفر الذين لقوه بالعقبة " أخرجوا إليّ اثني عشر منكم يكونون كفلاء على قومهم ، كما كفلت الحواريون لعيسى ابن مريم " وأخرج ابن سعد عن محمود بن لبيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنقباء " إنكم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم ، وأنا كفيل قومي " ، قالوا نعم . وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس { فأيدنا الذين ءامنوا } قال فقوينا الذين آمنوا . وأخرج ابن أبي حاتم عنه ، فأيدنا الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته على عدوّهم ، فأصبحوا اليوم ظاهرين .