Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 62, Ayat: 1-8)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأرْضِ } قد تقدم تفسير هذا في أوّل سورة الحديد ، وما بعدها من المسبحات { ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } قرأ الجمهور بالجرّ في هذه الصفات الأربع على أنها نعت لـ { لله } ، وقيل على البدل ، والأوّل أولى . وقرأ أبو وائل بن محارب ، وأبو العالية ، ونصر بن عاصم ، ورؤبة بالرفع على إضمار مبتدأ . وقرأ الجمهور { القدوس } بضم القاف ، وقرأ زيد بن علي بفتحها ، وقد تقدم تفسيره . { هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلأمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ } المراد بالأميين العرب ، من كان يحسن الكتابة منهم ومن لا يحسنها لأنهم لم يكونوا أهل كتاب ، والأميّ في الأصل الذي لا يكتب ولا يقرأ المكتوب ، وكان غالب العرب كذلك ، وقد مضى بيان معنى الأميّ في سورة البقرة ، ومعنى { مِنْهُمْ } من أنفسهم ، ومن جنسهم ، ومن جملتهم ، وما كان حيّ من أحياء العرب إلاّ ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة ، ووجه الامتنان بكونه منهم أن ذلك أقرب إلى الموافقة لأن الجنس أميل إلى جنسه وأقرب إليه { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ } يعني القرآن مع كونه أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، ولا تعلم ذلك من أحد ، والجملة صفة لـ { رسولاً } ، وكذا قوله { وَيُزَكّيهِمْ } قال ابن جريج ، ومقاتل أي يطهرهم من دنس الكفر والذنوب ، وقال السديّ يأخذ زكاة أموالهم ، وقيل يجعلهم أزكياء القلوب بالإيمان { وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ } هذه صفة ثالثة لـ { رسولاً } ، والمراد بالكتاب القرآن ، وبالحكمة السنة ، كذا قال الحسن . وقيل الكتاب الخط بالقلم ، والحكمة الفقه في الدين ، كذا قال مالك بن أنس { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي وإن كانوا من قبل بعثته فيهم في شرك وذهاب عن الحق . { وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ } معطوف على الأميين أي بعث في الأميين ، وبعث في آخرين منهم { لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } ذلك الوقت ، وسيلحقون بهم من بعد ، أو هو معطوف على المفعول الأوّل في { يعلمهم } ، أي ويعلم آخرين ، أو على مفعول { يزكيهم } ، أي يزكيهم ويزكي آخرين منهم ، والمراد بالآخرين من جاء بعد الصحابة إلى يوم القيامة ، وقيل المراد بهم من أسلم من غير العرب . وقال عكرمة هم التابعون . وقال مجاهد هم الناس كلهم ، وكذا قال ابن زيد ، والسديّ ، وجملة { لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } صفة لـ { آخرين } ، والضمير في " منهم " و " لهم " راجع إلى الأميين ، وهذا يؤيد أن المراد بالآخرين هم من يأتي بعد الصحابة من العرب خاصة إلى يوم القيامة ، وهو صلى الله عليه وسلم ، وإن كان مرسلاً إلى جميع الثقلين ، فتخصيص العرب ها هنا لقصد الامتنان عليهم ، وذلك لا ينافي عموم الرسالة ، ويجوز أن يراد بالآخرين العجم لأنهم وإن لم يكونوا من العرب فقد صاروا بالإسلام منهم ، والمسلمون كلهم أمة واحدة وإن اختلفت أجناسهم { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي بليغ العزة والحكمة ، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما تقدّم ذكره . وقال الكلبي يعني الإسلام . وقال قتادة يعني الوحي والنبوّة . وقيل إلحاق العجم بالعرب ، وهو مبتدأ ، وخبره { فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء } أي يعطيه من يشاء من عباده { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } الذي لا يساويه فضل ولا يدانيه . { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } ضرب سبحانه لليهود الذين تركوا العمل بالتوراة مثلاً فقال { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ } أي كلفوا القيام بها والعمل بما فيها { ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } أي لم يعملوا بموجبها ، ولا أطاعوا ما أمروا به فيها { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } هي جمع سفر ، وهو الكتاب الكبير لأنه يسفر عن المعنى إذا قرىء . قال ميمون بن مهران الحمار لا يدري أسفر على ظهره أم زبل ؟ فهكذا اليهود . وقال الجرجاني هو يعني حملوا من الحمالة بمعنى الكفالة أي ضمنوا أحكام التوراة ، وقوله { يَحْمِلُ } في محلّ نصب على الحال ، أو صفة للحمار ، إذ ليس المراد به حماراً معيناً ، فهو في حكم النكرة ، كما في قول الشاعر @ ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ثم وقلت لا يعنيني @@ { بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ } أي بئس مثلاً مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ، على أن التمييز محذوف ، والفاعل المفسر به مضمر ، و { مثل القوم } هو المخصوص بالذم ، أو { مثل القوم } فاعل { بئس } ، والمخصوص بالذمّ الموصول بعده على حذف مضاف ، أي مثل الذين كذبوا ، ويجوز أن يكون الموصول صفة للقوم ، فيكون في محل جرّ ، والمخصوص بالذمّ محذوف ، والتقدير بئس مثل القوم المكذبين مثل هؤلاء { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } يعني على العموم ، فيدخل فيهم اليهود دخولاً أوّلياً . { قُلْ يأيها ٱلَّذِينَ هَادُواْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ } المراد بالذين هادوا الذين تهوّدوا ، وذلك أن اليهود ادّعوا الفضيلة على الناس ، وأنهم أولياء الله من دون الناس ، كما في قولهم { نَحْنُ أَبْنَاء ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } المائدة 18 وقولهم { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } البقرة 111 فأمر الله سبحانه رسوله أن يقول لهم لما ادّعوا هذه الدعوى الباطلة { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ } لتصيروا إلى ما تصيرون إليه من الكرامة في زعمكم { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } في هذا الزعم ، فإن من علم أنه من أهل الجنة أحبّ الخلوص من هذه الدار . قرأ الجمهور { فتمنوا } بضم الواو ، وقرأ ابن السميفع بفتحها تخفيفاً ، وحكى الكسائي إبدال الواو همزة ، ثم أخبر الله سبحانه أنهم لا يفعلون ذلك أبداً بسبب ذنوبهم فقال { وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ } أي بسبب ما عملوا من الكفر والمعاصي ، والتحريف والتبديل { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّـٰلِمينَ } يعني على العموم ، وهؤلاء اليهود داخلون فيهم دخولاً أوّلياً . ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يقول لهم بأن الفرار من الموت لا ينجيهم ، وأنه نازل بهم ، فقال { قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَـٰقِيكُمْ } لا محالة ، ونازل بكم بلا شك ، والفاء في قوله " فَإِنَّهُ " داخلة لتضمن الاسم معنى الشرط ، قال الزجاج لا يقال إن زيداً فمنطلق ، وها هنا قال فإنه ملاقيكم لما في معنى الذي من الشرط والجزاء ، أي إن فررتم منه ، فإنه ملاقيكم ، ويكون مبالغة في الدلالة على أنه لا ينفع الفرار منه ، وقيل إنها مزيدة ، وقيل إن الكلام قد تمّ عند قوله { تَفِرُّونَ مِنْهُ } ثم ابتدأ فقال { فَإِنَّهُ مُلَـٰقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَـٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } وذلك يوم القيامة { فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } من الأعمال القبيحة ، ويجازيكم عليها . وقد أخرج ابن المنذر ، والحاكم ، والبيهقي في الشعب عن عطاء بن السائب عن ميسرة أن هذه الآية مكتوبة في التوراة بسبعمائة آية { يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } أوّل سورة الجمعة . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال " إنّا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " وأخرج البخاري ، وغيره عن أبي هريرة قال كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت سورة الجمعة ، فتلاها ، فلما بلغ { وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } قال له رجل يا رسول الله من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا ؟ فوضع يده على سلمان الفارسي ، وقال " والذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لناله رجال من هؤلاء " وأخرجه أيضاً مسلم من حديثه مرفوعاً بلفظ " لو كان الإيمان عند الثريا لذهب به رجال من فارس ، - أو قال - من أبناء فارس " وأخرج سعيد بن منصور ، وابن مردويه عن قيس بن سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لو كان الإيمان بالثريا لناله ناس من أهل فارس " وأخرج الطبراني ، وابن مردويه ، والضياء عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال من أصحابي رجالاً ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب " ، ثم قرأ { وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } . وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء } قال الدين . وأخرج عبد بن حميد من طريق الكلبي عن أبي صالح عنه { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } قال اليهود . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله { أَسْفَاراً } قال كتباً .