Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 62, Ayat: 9-11)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ } أي وقع النداء لها ، والمراد به الأذان إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة لأنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نداء سواه ، وقوله { مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ } بيان لإذا وتفسير لها . وقال أبو البقاء إن " من " بمعنى في ، كما في قوله { أَرُونِى مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأرْضِ } فاطر 40 أي في الأرض . قرأ الجمهور { الجمعة } بضم الميم . وقرأ عبد الله بن الزبير ، والأعمش بإسكانها تخفيفاً . وهما لغتان ، وجمعها جمع وجمعات . قال الفراء يقال الجمعة بسكون الميم وبفتحها وبضمها . وهي صفة لليوم ، أي يوم يجمع الناس . قال الفراء أيضاً ، وأبو عبيد والتخفيف أخفّ وأقيس ، نحو غرفة وغرف ، وطرفة وطرف ، وحجرة وحجر . وفتح الميم لغة عقيل . وقيل إنما سميت جمعة لأن الله جمع فيها خلق آدم ، وقيل لأن الله فرغ فيها من خلق كلّ شيء ، فاجتمعت فيها جميع المخلوقات ، وقيل لاجتماع الناس فيها للصلاة { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } قال عطاء يعني الذهاب والمشي إلى الصلاة . وقال الفراء المضيّ والسعي والذهاب في معنى واحد ، ويدلّ على ذلك قراءة عمر بن الخطاب ، وابن مسعود فامضوا إلى ذكر الله . وقيل المراد القصد . قال الحسن والله ما هو سعي على الأقدام ولكنه قصد بالقلوب والنيات ، وقيل هو العمل كقوله { ومَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ } الإسراء 19 وقوله { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } الليل 4 وقوله { وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَـٰنِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } النجم 39 قال القرطبي وهذا قول الجمهور ، ومنه قول زهير @ سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم @@ وقال أيضاً @ سعى ساعياً غيظ بن مرة بعد ما تنزل ما بين العشيرة بالدم @@ أي فاعملوا على المضيّ إلى ذكر الله ، واشتغلوا بأسبابه من الغسل والوضوء والتوجه إليه ، ويؤيد هذا القول قول الشاعر @ أسعى على جل بني مالك كلّ امرىء في شأنه ساعي @@ { وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ } أي اتركوا المعاملة به ، ويلحق به سائر المعاملات . قال الحسن إذا أذن المؤذن يوم الجمعة لم يحلّ الشراء والبيع ، والإشارة بقوله { ذٰلِكُمْ } إلى السعي إلى ذكر الله ، وترك البيع ، وهو مبتدأ ، وخبره { خَيْرٌ لَّكُمْ } أي خير لكم من فعل البيع ، وترك السعي لما في الامتثال من الأجر والجزاء . وفي عدمه من عدم ذلك إذا لم يكن موجباً للعقوبة { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي إن كنتم من أهل العلم ، فإنه لا يخفى عليكم أن ذلكم خير لكم { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ } أي إذا فعلتم الصلاة وأدّيتموها وفرغتم منها { فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلأرْضِ } للتجارة والتصرّف فيما تحتاجون إليه من أمر معاشكم { وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } أي من رزقه الذي يتفضل به على عباده بما يحصل لهم من الأرباح في المعاملات والمكاسب ، وقيل المراد به ابتغاء ما عند الله من الأجر بعمل الطاعات ، واجتناب ما لا يحلّ { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } أي ذكراً كثيراً بالشكر له على ما هداكم إليه من الخير الأخروي والدنيويّ ، وكذا اذكروه بما يقرّبكم إليه من الأذكار ، كالحمد ، والتسبيح ، والتكبير ، والاستغفار ، ونحو ذلك { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي كي تفوزوا بخير الدارين وتظفروا به . { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَـٰرَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّواْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً } سبب نزول هذه الآية أنه كان بأهل المدينة فاقة وحاجة ، فأقبلت عير من الشام ، والنبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلاّ اثنا عشر رجلاً في المسجد . ومعنى { ٱنفَضُّواْ إِلَيْهَا } تفرّقوا خارجين إليها . وقال المبرد مالوا إليها ، والضمير للتجارة ، وخصت بإرجاع الضمير إليها دون اللهو لأنها كانت أهمّ عندهم ، وقيل التقدير وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها ، أو لهواً انفضوا إليه ، فحذف الثاني لدلالة الأوّل عليه ، كما في قول الشاعر @ نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضٍ والرأي مختلف @@ وقيل إنه اقتصر على ضمير التجارة لأن الانفضاض إليها إذا كان مذموماً مع الحاجة إليها ، فكيف بالانفضاض إلى اللهو ، وقيل غير ذلك { وَتَرَكُوكَ قَائِماً } أي على المنبر ثم أمره الله سبحانه أن يخبرهم بأن العمل للآخرة خير من العمل للدنيا ، فقال { قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ } يعني من الجزاء العظيم وهو الجنة { خَيْرٌ مّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتّجَـٰرَةِ } اللذين ذهبتم إليهما ، وتركتم البقاء في المسجد ، وسماع خطبة النبيّ صلى الله عليه وسلم لأجلها { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرازِقِينَ } فمنه اطلبوا الرزق ، وإليه توسلوا بعمل الطاعة ، فإن ذلك من أسباب تحصيل الرزق وأعظم ما يجلبه . وقد أخرج سعيد بن منصور ، وابن مردويه عن أبي هريرة قال قلت يا رسول الله لأيّ شيء سمي يوم الجمعة ؟ قال " لأن فيه جمعت طينة أبيكم آدم ، وفيه الصعقة والبعثة ، وفي آخره ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها بدعوة استجاب له " وأخرج سعيد بن منصور ، وأحمد ، والنسائي ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه عن سلمان قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتدري ما يوم الجمعة " ؟ قلت الله ورسوله أعلم ، قالها ثلاث مرات ، ثم قال في الثالثة " هو اليوم الذي جمع الله فيه أباكم آدم أفلا أحدّثكم عن يوم الجمعة " ، الحديث . وأخرج أحمد ، ومسلم ، والترمذي ، وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، ولا تقوم الساعة إلاّ في يوم الجمعة " وفي الباب أحاديث مصرحة بأنه خلق فيه آدم . وورد في فضل يوم الجمعة أحاديث كثيرة ، وكذلك في فضل صلاة الجمعة وعظيم أجرها ، وفي الساعة التي فيها ، وأنه يستجاب الدعاء فيها ، وقد أوضحت ذلك في شرحي للمنتقى بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره . وأخرج أبو عبيد في فضائله ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن الأنباري في المصاحف عن خرشة بن الحرّ قال رأى معي عمر بن الخطاب لوحاً مكتوباً فيه { إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إلى ذكر الله } فقال من أملى عليك هذا ؟ قلت أبيّ بن كعب ، قال إن أبياً أقرأنا للمنسوخ اقرأها فامضوا إلى ذكر الله وروى هؤلاء ما عدا أبا عبيد عن ابن عمر قال لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما نقرأ هذه الآية التي في سورة الجمعة إلاّ فامضوا إلى ذكر الله وأخرجه عنه أيضاً الشافعي في الأمّ ، وعبد الرزاق ، والفريابي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم . وأخرجوا كلهم أيضاً عن ابن مسعود أنه كان يقرأ فامضوا إلى ذكر الله قال ولو كان فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي . وأخرج عبد بن حميد عن أبيّ بن كعب أنه قرأ كذلك . وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } قال فامضوا . وأخرج عبد بن حميد عنه أن السعي العمل . وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن كعب أن رجلين من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانا يختلفان في تجارتهما إلى الشام ، فربما قدما يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، فيدعونه ويقومون ، فنزلت الآية { وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ } فحرم عليهم ما كان قبل ذلك . وأخرج ابن جرير عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلأرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } قال " ليس لطلب دنيا ، ولكن عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله " وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال لم تؤمروا بشيء من طلب الدنيا إنما هو عيادة مريض ، وحضور جنازة ، وزيارة أخ في الله . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن جابر بن عبد الله قال بينما النبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائماً إذ قدمت عير المدينة ، فابتدرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق منهم إلاّ اثنا عشر رجلاً ، أنا فيهم وأبو بكر وعمر ، فأنزل الله { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَـٰرَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّواْ إِلَيْهَا } إلى آخر السورة . وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في الآية قال جاءت عير عبد الرحمٰن بن عوف تحمل الطعام ، فخرجوا من الجمعة بعضهم يريد أن يشتري ، وبعضهم يريد أن ينظر إلى دحية ، وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر ، وبقي في المسجد اثنا عشر رجلاً وسبع نسوة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو خرجوا كلهم لاضطرم المسجد عليهم ناراً " وفي الباب روايات متضمنة لهذا المعنى عن جماعة من الصحابة وغيرهم .