Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 64, Ayat: 14-18)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّ مِنْ أَزْوٰجِكُمْ وَأَوْلـٰدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ } يعني أنهم يعادونكم ويشغلونكم عن الخير ، ويدخل في ذلك سبب النزول دخولاً أوّلياً ، وهو أن رجالاً من مكة أسلموا ، وأرادوا أن يهاجروا ، فلم يدعهم أزواجهم ولا أولادهم ، فأمر الله سبحانه بأن يحذروهم ، فلا يطيعوهم في شيء مما يريدونه منهم مما فيه مخالفة لما يريده الله ، والضمير في { فَٱحْذَرُوهُمْ } يعود إلى العدوّ ، أو إلى الأزواج والأولاد لكن لا على العموم ، بل إلى المتصفين بالعداوة منهم ، وإنما جاز جمع الضمير على الوجه الأوّل لأن العدوّ يطلق على الواحد ، والاثنين ، والجماعة ، ثم أرشدهم الله إلى التجاوز ، فقال { وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ } أي تعفوا عن ذنوبهم التي ارتكبوها ، وتتركوا التثريب عليها وتستروها { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } بالغ المغفرة والرحمة لكم ولهم ، قيل كان الرجل الذي ثبطه أزواجه وأولاده عن الهجرة إذا رأى الناس قد سبقوه إليها ، وفقهوا في الدين همّ أن يعاقب أزواجه وأولاده ، فأنزل الله { وَأَن تَعْفُواْ } الآية ، والآية تعمّ وإن كان السبب خاصاً ، كما عرفناك غير مرة . قال مجاهد والله ما عادوهم في الدنيا ، ولكن حملتهم مودتهم على أن اتخذوا لهم الحرام ، فأعطوهم إياه . ثم أخبر الله سبحانه بأن الأموال والأولاد فتنة فقال { إِنَّمَا أَمْوٰلُكُمْ وَأَوْلَـٰدُكُمْ فِتْنَةٌ } أي بلاء واختبار ومحنة ، يحملونكم على كسب الحرام ومنع حق الله ، فلا تطيعوهم في معصية الله { وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } لمن آثر طاعة الله ، وترك معصيته في محبة ماله وولده . ثم أمرهم سبحانه بالتقوى والطاعة فقال { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } أي ما أطقتم وبلغ إليه جهدكم . وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن هذه الآية ناسخة لقوله سبحانه { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } ومنهم قتادة ، والربيع بن أنس ، والسديّ ، وابن زيد ، وقد أوضحنا الكلام في قوله { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } ومعنى { وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ } أي اسمعوا ما تؤمرون به ، وأطيعوا الأوامر . قال مقاتل { اسمعوا } أي اصغوا إلى ما ينزل عليكم ، وأطيعوا لرسوله فيما يأمركم وينهاكم . وقيل معنى { اسمعوا } اقبلوا ما تسمعون لأنه لا فائدة في مجرد السماع { وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأنفُسِكُمْ } أي أنفقوا من أموالكم التي رزقكم الله إياها في وجوه الخير ولا تبخلوا بها ، وقوله { خَيْراً لاِنفُسِكُمْ } منتصب بفعل مضمر دلّ عليه أنفقوا ، كأنه قال ائتوا في الإنفاق خيراً لأنفسكم ، أو قدّموا خيراً لها ، كذا قال سيبويه . وقال الكسائي ، والفرّاء هو نعت لمصدر محذوف ، أي إنفاقاً خيراً . وقال أبو عبيدة هو خبر لكان المقدّرة ، أي يكن الإنفاق خيراً لكم . وقال الكوفيون هو منتصب على الحال ، وقيل هو مفعول به لأنفقوا ، أي فأنفقوا خيراً . والظاهر في الآية الإنفاق مطلقاً من غير تقييد بالزكاة الواجبة ، وقيل المراد زكاة الفريضة ، وقيل النافلة ، وقيل النفقة في الجهاد { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي ومن يوق شحّ نفسه ، فيفعل ما أمر به من الإنفاق ، ولا يمنعه ذلك منه ، فأولئك هم الظافرون بكل خير الفائزون بكل مطلب ، وقد تقدم تفسير هذه الآية . { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } فتصرفون أموالكم في وجوه الخير بإخلاص نية وطيب نفس { يُضَـٰعِفْهُ لَكُمْ } فيجعل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وقد تقدّم تفسير هذه الآية ، واختلاف القراء في قراءتها في سورة البقرة ، وسورة الحديد { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } أي يضمّ لكم إلى تلك المضاعفة غفران ذنوبكم { وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } يثيب من أطاعه بأضعاف مضاعفة ، ولا يعاجل من عصاه بالعقوبة . { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } أي ما غاب وما حضر لا تخفى عليه منه خافية ، وهو { ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } أي الغالب القاهر ذو الحكمة الباهرة . وقال ابن الأنباري الحكيم هو المحكم لخلق الأشياء . وقد أخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، والترمذي وصححه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّ مِنْ أَزْوٰجِكُمْ وَأَوْلـٰدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ } في قوم من أهل مكة أسلموا ، وأرادوا أن يأتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم ، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم ، فنزلت إلى قوله { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن بريدة قال كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب ، فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر ، فحملهما واحداً من ذا الشقّ ، وواحداً من ذا الشقّ ثم صعد المنبر فقال " صدق الله { إِنَّمَا أَمْوٰلُكُمْ وَأَوْلَـٰدُكُمْ فِتْنَةٌ } ، إني لما نظرت إلى هذين الغلامين يمشيان ويعثران لم أصبر أن قطعت كلامي ونزلت إليهما " وأخرج ابن جرير ، والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول الله استقرضت عبدي فأبى أن يقرضني ، وشتمني عبدي وهو لا يدري ، يقول وادهراه ، وادهراه ، وأنا الدهر " ، ثم تلا أبو هريرة { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَـٰعِفْهُ لَكُمْ } .