Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 64, Ayat: 7-13)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ } الزعم هو القول بالظنّ ، ويطلق على الكذب . قال شريح لكل شيء كنية ، وكنية الكذب زعموا ، و { أَن لَّن يُبْعَثُواْ } قائم مقام مفعول زعم ، و " أن " هي المخففة من الثقيلة لا المصدرية لئلا يدخل ناصب على ناصب ، والمراد بالكفار كفار العرب والمعنى زعم كفار العرب أن الشأن لن يبعثوا أبداً . ثم أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يردّ عليهم ويبطل زعمهم فقال { قُلْ بَلَىٰ وَرَبّى لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ } بل هي التي لإيجاب النفي ، فالمعنى بلى تبعثون . ثم أقسم على ذلك ، وجواب القسم { لتبعثنّ } أي لتخرجنّ من قبوركم ، { لتنبؤن بِمَا عَمِلْتُمْ } أي لتخبرنّ بذلك إقامة للحجة عليكم ، ثم تجزون به { َذَلِكَ } البعث والجزاء { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } إذ الإعادة أيسر من الابتداء { فآمنوا بالله ورسوله } الفاء هي الفصيحة الدالة على شرط مقدّر أي إذا كان الأمر هكذا ، فصدّقوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم { وَٱلنّورِ ٱلَّذِى أَنزَلْنَا } وهو القرآن لأنه نور يهتدى به من ظلمة الضلال { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } لا يخفى عليه شيء من أقوالكم وأفعالكم ، فهو مجازيكم على ذلك { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ } العامل في الظرف { لتنبؤن } ، قاله النحاس . وقال غيره العامل فيه خبير ، وقيل العامل فيه محذوف هو اذكر . وقال أبو البقاء العامل فيه ما دلّ عليه الكلام ، أي تتفاوتون يوم يجمعكم . قرأ الجمهور { يجمعكم } بفتح الياء وضم العين ، وروي عن أبي عمرو إسكانها ، ولا وجه لذلك إلاّ التخفيف ، وإن لم يكن هذا موضعاً له ، كما قرىء في { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } الأنعام 109 بسكون الراء ، وكقول الشاعر @ فاليوم أشرب غير مستحقب إثماً من الله ولا واغل @@ بإسكان باء أشرب ، وقرأ زيد بن عليّ ، والشعبي ، ويعقوب ، ونصر ، وابن أبي إسحاق ، والجحدري نجمعكم بالنون ، ومعنى { لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ } ليوم القيامة ، فإنه يجمع فيه أهل المحشر للجزاء ، ويجمع فيه بين كل عامل وعمله ، وبين كل نبيّ وأمته ، وبين كل مظلوم وظالمه { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ } يعني أن يوم القيامة هو يوم التغابن ، وذلك أنه يغبن فيه بعض أهل المحشر بعضاً ، فيغبن فيه أهل الحق أهل الباطل ، ويغبن فيه أهل الإيمان أهل الكفر ، وأهل الطاعة أهل المعصية ، ولا غبن أعظم من غبن أهل الجنة أهل النار عند دخول هؤلاء الجنة وهؤلاء النار ، فنزلوا منازلهم التي كانوا سينزلونها لو لم يفعلوا ما يوجب النار ، فكأن أهل النار استبدلوا الخير بالشرّ ، والجيد بالرديء ، والنعيم بالعذاب ، وأهل الجنة على العكس من ذلك . يقال غبنت فلاناً إذا بايعته ، أو شاريته فكان النقص عليه والغلبة ، كذا قال المفسرون ، فالمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَـٰلِحاً نكْفُر عَنْهُ سَيّئَـٰتِهِ } أي من وقع منه التصديق مع العمل الصالح استحق تكفير سيئاته ، قرأ الجمهور يكفر ويدخله بالتحتية ، وقرأ نافع ، وابن عامر بالنون فيهما ، وانتصاب { خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً } على أنها حال مقدّرة ، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما ذكر من التكفير والإدخال ، وهو مبتدأ ، وخبره { ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي الظفر الذي لا يساويه ظفر . { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } المراد بالآيات إما التنزيلية أو ما هو أعم منها . ذكر سبحانه حال السعداء ، وحال الأشقياء هاهنا لبيان ما تقدم من التغابن ، وأنه سيكون بسبب التكفير ، وإدخال الجنة للطائفة الأولى ، وبسبب إدخال الطائفة الثانية النار ، وخلودهم فيها . { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي ما أصاب كل أحد من مصيبة من المصائب إلاّ بإذن الله ، أي بقضائه وقدره ، قال الفراء إلاّ بإذن الله ، أي بأمر الله ، وقيل إلاّ بعلم الله . قيل وسبب نزولها أن الكفار قالوا لو كان ما عليه المسلمون حقاً لصانهم الله عن المصائب في الدنيا { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } أي من يصدّق ويعلم أنه لا يصيبه إلاّ ما قدّره الله عليه يهد قلبه للصبر والرضا بالقضاء . قال مقاتل بن حيان يهد قلبه عند المصيبة ، فيعلم أنها من الله ، فيسلم لقضائه ويسترجع . وقال سعيد بن جبير يهد قلبه عند المصيبة ، فيقول { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ } البقرة 156 وقال الكلبي هو إذا ابتلي صبر ، وإذا أنعم عليه شكر ، وإذا ظلم غفر . قرأ الجمهور { يهد } بفتح الياء ، وكسر الدال ، أي يهده الله ، وقرأ قتادة ، والسلمي ، والضحاك ، وأبو عبد الرحمٰن بضم الياء ، وفتح الدال على البناء للمفعول ، وقرأ طلحة بن مصرّف ، والأعرج ، وسعيد بن جبير ، وابن هرمز ، والأزرق نهد بالنون ، وقرأ مالك بن دينار ، وعمرو بن دينار ، وعكرمة يهدأ بهمزة ساكنة ، ورفع قلبه ، أي يطمئن ويسكن { وَٱللَّهُ بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ } أي بليغ العلم لا تخفى عليه من ذلك خافية . { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } أي هوّنوا على أنفسكم المصائب ، واشتغلوا بطاعة الله وطاعة رسوله { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ } أي أعرضتم عن الطاعة { فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ } ليس عليه غير ذلك وقد فعل ، وجواب الشرط محذوف ، والتقدير فلا بأس على الرسول ، وجملة { فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا } تعليل للجواب المحذوف ، ثم أرشد إلى التوحيد والتوكل فقال { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي هو المستحق للعبودية دون غيره ، فوحدوه ولا تشركوا به { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي يفوّضوا أمورهم إليه ، ويعتمدوا عليه لا على غيره . وقد أخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والبيهقي ، وابن مردويه عن ابن مسعود أنه قيل له ما سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول في زعموا ؟ قال سمعته يقول " بئس مطية الرجل " وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عنه أنه كره زعموا . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال يوم التغابن من أسماء يوم القيامة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر عنه في قوله { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ } قال غبن أهل الجنة أهل النار ، وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود في قوله { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ } قال هي المصيبات تصيب الرجل ، فيعلم أنها من عند الله ، فيسلم لها ويرضى . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { يَهْدِ قَلْبَهُ } قال يعني يهد قلبه لليقين ، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه .