Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 64, Ayat: 1-6)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأرْضِ } أي ينزهه سبحانه جميع مخلوقاته التي في سماواته وأرضه عن كل نقص وعيب { لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } يختصان به ليس لغيره منهما شيء ، وما كان لعباده منهما ، فهو من فيضه وراجع إليه { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } لا يعجزه شيء { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } أي فبعضكم كافر وبعضكم مؤمن . قال الضحاك فمنكم كافر في السرّ مؤمن في العلانية كالمنافق ، ومنكم مؤمن في السرّ كافر في العلانية كعمار بن ياسر ونحوه ممن أكره على الكفر . وقال عطاء فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب . قال الزجاج إن الله خلق الكافر ، وكفره فعل له وكسب مع أن الله خالق الكفر . وخلق المؤمن ، وإيمانه فعل له وكسب مع أن الله خالق الإيمان . والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله إياه لأن الله تعالى قدّر ذلك عليه وعلمه منه لأن وجود خلاف المقدّر عجز ، ووجود خلاف المعلوم جهل . قال القرطبي وهذا أحسن الأقوال ، وهو الذي عليه جمهور الأمة ، وقدّم الكافر على المؤمن لأنه الأغلب عند نزول القرآن { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } لا تخفى عليه من ذلك خافية ، فهو مجازيكم بأعمالكم . ثم لما ذكر سبحانه خلق العالم الصغير أتبعه بخلق العالم الكبير فقال { خلق ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ بِٱلْحَقّ } أي بالحكمة البالغة . وقيل خلق ذلك خلقاً يقيناً لا ريب فيه ، وقيل الباء بمعنى اللام ، أي خلق ذلك لإظهار الحق ، وهو أن يجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته . ثم رجع سبحانه إلى خلق العالم الصغير فقال { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } قيل المراد آدم خلقه بيده كرامة له ، كذا قال مقاتل ، وقيل المراد جميع الخلائق ، وهو الظاهر ، أي أنه سبحانه خلقهم في أكمل صورة وأحسن تقويم وأجمل شكل . والتصوير التخطيط والتشكيل . قرأ الجمهور { فأحسن صوركم } بضمّ الصاد ، وقرأ زيد بن عليّ ، والأعمش ، وأبو زيد بكسرها { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } في الدار الآخرة ، لا إلى غيره { يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضِ } لا تخفى عليه من ذلك خافية { وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } أي ما تخفونه وما تظهرونه ، والتصريح به مع اندراجه فيما قبله لمزيد التأكيد في الوعد والوعيد { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } هذه الجملة مقرّرة لما قبلها من شمول علمه لكل معلوم ، وهي تذييلية . { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } وهم كفار الأمم الماضية كقوم نوح ، وعاد ، وثمود ، والخطاب لكفار العرب { فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } بسبب كفرهم ، والوبال الثقل والشدّة ، والمراد بأمرهم هنا ما وقع منهم من الكفر والمعاصي ، وبالوبال ما أصيبوا به من عذاب الدنيا { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وذلك في الآخرة ، وهو عذاب النار والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما ذكر من العذاب في الدارين ، وهو مبتدأ ، وخبره { بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ } أي بسبب أنها كانت تأتيهم الرسل المرسلة إليهم بالمعجزات الظاهرة { فَقَالُواْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } أي قال كل قوم منهم لرسولهم هذا القول منكرين أن يكون الرسول من جنس البشر متعجبين من ذلك ، وأراد بالبشر الجنس ، ولهذا قال { يهدوننا } . { فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ } أي كفروا بالرسل وبما جاءوا به ، وأعرضوا عنهم ولم يتدبروا فيما جاءوا به ، وقيل كفروا بهذا القول الذي قالوه للرسل { وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ } عن إيمانهم وعبادتهم . وقال مقاتل استغنى الله بما أظهره لهم من البرهان وأوضحه من المعجزات ، وقيل استغنى بسلطانه عن طاعة عباده { وَٱللَّهُ غَنِىٌّ حَمِيدٌ } أي غير محتاج إلى العالم ولا إلى عبادتهم له ، محمود من كل مخلوقاته بلسان المقال والحال . وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن أبي ذرّ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا مكث المنيّ في الرحم أربعين ليلة أتاه ملك النفوس ، فعرج به إلى الربّ فيقول يا ربّ أذكر أم أنثى ؟ فيقضي الله ما هو قاض ، فيقول أشقي أم سعيد ؟ فيكتب ما هو لاق " ، وقرأ أبو ذرّ من فاتحة التغابن خمس آيات إلى قوله { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } . وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العبد يولد مؤمناً ، ويعيش مؤمناً ، ويموت مؤمناً ، والعبد يولد كافراً ، ويعيش كافراً ، ويموت كافراً ، وإن العبد يعمل برهة من دهره بالسعادة ، ثم يدركه ما كتب له فيموت شقياً ، وإن العبد يعمل برهة من دهره بالشقاء ، ثم يدركه ما كتب له فيموت سعيداً " .