Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 67, Ayat: 12-21)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ } لما فرغ سبحانه من ذكر أحوال أهل النار ذكر أهل الجنة ، وبالغيب حال من الفاعل أو المفعول ، أي غائبين عنه ، أو غائباً عنهم ، والمعنى أنهم يخشون عذابه ، ولم يروه ، فيؤمنون به خوفاً من عذابه ، ويجوز أن يكون المعنى يخشون ربهم حال كونهم غائبين عن أعين الناس ، وذلك في خلواتهم ، أو المراد بالغيب كون العذاب غائباً عنهم لأنهم في الدنيا ، وهو إنما يكون يوم القيامة ، فتكون الباء على هذا سببية { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } عظيمة يغفر الله بها ذنوبهم { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } وهو الجنة ، ومثل هذه الآية قوله { مَّنْ خَشِىَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } ق 33 . ثم عاد سبحانه إلى خطاب الكفار فقال { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ } هذه الجملة مستأنفة مسوقة لبيان تساوي الإسرار والجهر بالنسبة إلى علم الله سبحانه ، والمعنى إن أخفيتم كلامكم أو جهرتم به في أمر رسول الله ، فكلّ ذلك يعلمه الله لا تخفى عليه منه خافية ، وجملة { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } تعليل للاستواء المذكور ، وذات الصدور هي مضمرات القلوب . والاستفهام في قوله { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ } للإنكار ، والمعنى ألا يعلم السرّ ، ومضمرات القلوب من خلق ذلك وأوجده ، فالموصول عبارة عن الخالق ، ويجوز أن يكون عبارة عن المخلوق ، وفي يعلم ضمير يعود إلى الله ، أي ألا يعلم الله المخلوق الذي هو من جملة خلقه ، فإن الإسرار والجهر ومضمرات القلوب من جملة خلقه ، وجملة { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } في محل نصب على الحال من فاعل يعلم ، أي الذي لطف علمه بما في القلوب ، الخبير بما تسرّه وتضمره من الأمور ، لا تخفى عليه من ذلك خافية . ثم امتنّ سبحانه على عباده ، فقال { هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً } أي سهلة لينة تستقرّون عليها ، ولم يجعلها خشنة بحيث يمتنع عليكم السكون فيها والمشي عليها ، والذلول في الأصل هو المنقاد الذي يذلّ لك ، ولا يستصعب عليك ، والمصدر الذلّ ، والفاء في قوله { فَٱمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا } لترتيب الأمر بالمشي على الجعل المذكور ، والأمر للإباحة . قال مجاهد ، والكلبي ، ومقاتل مناكبها طرقها وأطرافها وجوانبها . وقال قتادة ، وشهر بن حوشب مناكبها جبالها ، وأصل المنكب الجانب ، ومنه منكب الرجل ، ومنه الريح النكباء لأنها تأتي من جانب دون جانب { وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ } أي مما رزقكم وخلقه لكم في الأرض { وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ } أي وإليه البعث من قبوركم لا إلى غيره ، وفي هذا وعيد شديد . ثم خوّف سبحانه الكفار فقال { ءامَنْتُمْ مَّن فِى ٱلسَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ } قال الواحدي قال المفسرون يعني عقوبة من في السماء ، وقيل من في السماء قدرته ، وسلطانه ، وعرشه ، وملائكته ، وقيل من في السماء من الملائكة ، وقيل المراد جبريل ، ومعنى { أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلاْرْضَ } يقلعها ملتبسة بكم ، كما فعل بقارون بعد ما جعلها لكم ذلولاً تمشون في مناكبها ، وقوله { أَن يَخْسِفَ } بدل اشتمال من الموصول أي ءأمنتم خسفه ، أو على حذف من أي من أن يخسف { فَإِذَا هِىَ تَمُورُ } أي تضطرب ، وتتحرك على خلاف ما كانت عليه من السكون . قرأ الجمهور . { ءأمنتم } بهمزتين . وقرأ البصريون ، والكوفيون بالتخفيف . وقرأ ابن كثير بقلب الأولى واواً . ثم كرّر سبحانه التهديد لهم بوجه آخر ، فقال { أَمْ أَمِنتُمْ مّن فِى ٱلسَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَـٰصِباً } أي حجارة من السماء ، كما أرسلها على قوم لوط وأصحاب الفيل ، وقيل سحاب فيها حجارة ، وقيل ريح فيها حجارة { فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } أي إنذاري إذا عاينتم العذاب ، ولا ينفعكم هذا العلم ، وقيل النذير هنا محمد ، قاله عطاء ، والضحاك . والمعنى ستعلمون رسولي وصدقه ، والأوّل أولى . والكلام في { أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَـٰصِباً } كالكلام في { أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ } فهو إما بدل اشتمال ، أو بتقدير من { وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي الذين قبل كفار مكة من كفار الأمم الماضية . كقوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وقوم لوط ، وأصحاب الأيكة ، وأصحاب الرس ، وقوم فرعون { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي فكيف كان إنكاري عليهم بما أصبتهم به من العذاب الفظيع . { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَــٰفَّـٰتٍ } الهمزة للاستفهام ، والواو للعطف على مقدّر ، أي أغفلوا ولم ينظروا ، ومعنى { صَافَّـٰتٍ } أنها صافة لأجنحتها في الهواء ، وتبسيطها عند طيرانها { وَيَقْبِضْنَ } أي يضممن أجنحتهنّ . قال النحاس يقال للطائر إذا بسط جناحه صافّ ، وإذا ضمها قابض كأنه يقبضها ، وهذا معنى الطيران ، وهو بسط الجناح ، وقبضه بعد البسط ، ومنه قول أبي خراش @ يبادر جنح الليل فهو مزايل تحت الجناح بالتبسط والقبض @@ وإنما قال { وَيَقْبِضْنَ } ولم يقل " قابضات " ، كما قال صافات لأن القبض يتجدد تارة فتارة ، وأما البسط فهو الأصل ، كذا قيل . وقيل إن معنى { وَيَقْبِضْنَ } قبضهنّ لأجنحتهنّ عند الوقوف من الطيران ، لا قبضها في حال الطيران ، وجملة { مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ } في محل نصب على الحال من فاعل يقبضن ، أو مستأنفة لبيان كمال قدرة الله سبحانه . والمعنى أنه ما يمسكهنّ في الهواء عند الطيران إلاّ الرحمٰن القادر على كلّ شيء { إِنَّهُ بِكُلّ شَىْء بَصِيرٌ } لا يخفى عليه شيء كائناً ما كان . { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } الاستفهام للتقريع والتوبيخ . والمعنى أنه لا جند لكم يمنعكم من عذاب الله ، والجند الحزب والمنعة . قرأ الجمهور { أمّن } هذا بتشديد الميم على إدغام ميم أم في ميم من ، وأم بمعنى بل ، ولا سبيل إلى تقدير الهمزة بعدها ، كما هو الغالب في تقدير أم المنقطعة ببل والهمزة لأن بعدها هنا " من " الاستفهامية ، فأغنت عن ذلك التقدير ، ومن الاستفهامية مبتدأ ، واسم الإشارة خبره ، والموصول مع صلته صفة اسم الإشارة ، وينصركم صفة لجند ، ومن دون الرحمٰن في محل نصب على الحال من فاعل ينصركم ، والمعنى بل من هذا الحقير الذي هو في زعمكم جند لكم متجاوزاً نصر الرحمٰن . وقرأ طلحة بن مصرف بتخفيف الأولى وتثقيل الثانية ، وجملة { إِنِ ٱلْكَـٰفِرُونَ إِلاَّ فِى غُرُورٍ } معترضة مقرّرة لما قبلها ناعية عليهم ما هم فيه من الضلال ، والمعنى ما الكافرون إلاّ في غرور عظيم من جهة الشيطان يغرّهم به . { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ } الكلام في هذا كالكلام في الذي قبله قراءة وإعراباً ، أي من الذي يدرّ عليكم الأرزاق من المطر وغيره ، إن أمسك الله ذلك عنكم ومنعه عليكم { بَل لَّجُّواْ فِى عُتُوّ وَنُفُورٍ } أي لم يتأثروا لذلك بل تمادوا في عناد واستكبار عن الحقّ ونفور عنه ، ولم يعتبروا ولا تفكروا ، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه ، أي إن أمسك رزقه فمن يرزقكم غيره ، والعتوّ العناد ، والطغيان ، والنفور الشرود . وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ } قال أبو بكر ، وعمر ، وعليّ ، وأبو عبيدة بن الجراح . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عنه في قوله { فِى مَنَاكِبِهَا } قال جبالها . وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال أطرافها . وأخرج الطبراني ، وابن عديّ ، والبيهقي في الشعب ، والحكيم الترمذي عن ابن عمر قال قال رسول الله " إن الله يحبّ العبد المؤمن المحترف " وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { بَل لَّجُّواْ فِى عُتُوّ وَنُفُورٍ } قال في ضلال .