Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 67, Ayat: 22-30)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ضرب سبحانه مثلاً للمشرك والموحد لإيضاح حالهما وبيان مآلهما ، فقال { أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ } والمكبّ والمنكبّ الساقط على وجهه ، يقال كببته فأكبّ وانكبّ . وقيل هو الذي يكب رأسه ، فلا ينظر يميناً ولا شمالاً ولا أماماً ، فهو لا يأمن العثور والانكباب على وجهه . وقيل أراد به الأعمى الذي لا يهتدي إلى الطريق ، فلا يزال مشيه ينكسه على وجهه . قال قتادة هو الكافر يكبّ على معاصي الله في الدنيا فيحشره الله يوم القيامة على وجهه . والهمزة للاستفهام الإنكاري أي هل هذا الذي يمشي على وجهه أهدى إلى المقصد الذي يريده ؟ { أَمَّن يَمْشِى سَوِيّاً } معتدلاً ناظراً إلى ما بين يديه { عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي على طريق مستوي لا اعوجاج به ولا انحراف فيه ، وخبر « من » محذوف لدلالة خبر « من » الأولى ، وهو أهدى عليه ، وقيل لا حاجة إلى ذلك لأن « من » الثانية معطوفة على « من » الأولى عطف المفرد على المفرد ، كقولك أزيد قائم أم عمرو ؟ وقيل أراد بمن يمشي مكباً على وجهه من يحشر على وجهه إلى النار ، ومن يمشي سوياً من يحشر على قدميه إلى الجنة ، وهو كقول قتادة الذي ذكرناه ، ومثله قوله { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } الإسراء 97 . { قُلْ هُوَ ٱلَّذِى أَنشَأَكُمْ } أمر سبحانه رسوله أن يخبرهم بأن الله هو الذي أنشأهم النشأة الأولى { وَجَعَلَ } لهم { ٱلسَّمْعَ } ليسمعوا به { وَٱلأبْصَـٰرُ } ليبصروا بها ، ووجه إفراد السمع مع جمع الأبصار أنه مصدر يطلق على القليل والكثير ، وقد قدّمنا بيان هذا في مواضع مع زيادة في البيان { وَٱلأفْئِدَةَ } القلوب التي يتفكرون بها في مخلوقات الله ، فذكر سبحانه ها هنا أنه قد جعل لهم ما يدركون به المسموعات والمبصرات والمعقولات إيضاحاً للحجة وقطعاً للمعذرة ، وذماً لهم على عدم شكر نعم الله ، ولهذا قال { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } وانتصاب قليلاً على أنه نعت مصدر محذوف ، و « ما » مزيدة للتأكيد أي شكراً قليلاً أو زماناً قليلاً ، وقيل أراد بقلة الشكر عدم وجوده منهم . قال مقاتل يعني أنكم لا تشكرون رب هذه النعم فتوحدونه { قُلْ هُوَ ٱلَّذِى ذَرَأَكُمْ فِى ٱلأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يخبرهم أن الله هو الذي خلقهم في الأرض ونشرهم فيها وفرقهم على ظهرها ، وأن حشرهم للجزاء إليه لا إلى غيره . ثم ذكر سبحانه أنهم يستعجلون العذاب فقال { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي متى هذا الوعد الذي تذكرونه لنا من الحشر والقيامة ، والنار والعذاب إن كنتم صادقين في ذلك ؟ والخطاب منهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولمن معه من المؤمنين ، وجواب الشرط محذوف ، والتقدير إن كنتم صادقين فأخبرونا به أو فبينوه لنا ، وهذا منهم استهزاء وسخرية . ثم لما قالوا هذا القول أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب عليهم ، فقال { قُلْ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ } أي إن وقت قيام الساعة علمه عند الله لا يعلمه غيره ، ومثله قوله { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي } الأعراف 187 ثم أخبرهم أنه مبعوث للإنذار لا للإخبار بالغيب ، فقال { وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أنذركم وأخوّفكم عاقبة كفركم ، وأبين لكم ما أمرني الله ببيانه . ثم ذكر الله سبحانه حالهم عند معاينة العذاب فقال { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً } يعني رأوا العذاب قريباً ، وزلفة مصدر بمعنى الفاعل ، أي مزدلفاً ، أو حال من مفعول رأوا بتقدير مضاف ، أي ذا زلفة وقرب ، أو ظرف ، أي رأوه في مكان ذي زلفة . قال مجاهد أي قريباً . وقال الحسن عياناً . قال أكثر المفسرين المراد عذاب يوم القيامة ، وقال مجاهد المراد عذاب بدر ، وقيل رأوا ما وعدوا به من الحشر قريباً منهم ، كما يدلّ عليه قوله { وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } وقيل لما رأوا عملهم السيء قريباً { سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي اسودّت وعلتها الكآبة وغشيتها الذلة ، يقال ساء الشيء يسوء ، فهو سيء إذا قبح . قال الزجاج المعنى تبين فيها السوء أي ساءهم ذلك العذاب ، فظهر عليهم بسببه في وجوههم ما يدلّ على كفرهم كقوله { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } آل عمران 106 . قرأ الجمهور بكسر السين بدون إشمام ، وقرأ نافع ، وابن عامر ، والكسائي ، وابن محيصن بالإشمام { وَقِيلَ هَـٰذَا ٱلَّذِى كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ } أي قيل لهم توبيخاً وتقريعاً هذا المشاهد الحاضر من العذاب ، هو العذاب الذي كنتم به تدّعون في الدنيا أي تطلبونه وتستعجلون به استهزاءً ، على أن معنى { تدّعون } الدعاء . قال الفراء تدّعون تفتعلون من الدعاء ، أي تتمنون وتسألون ، وبهذا قال الأكثر من المفسرين . وقال الزجاج هذا الذي كنتم به تدّعون الأباطيل والأحاديث . وقيل معنى { تَدْعُونَ } تكذبون ، وهذا على قراءة الجمهور { تدّعون } بالتشديد ، فهو إما من الدعاء كما قال الأكثر ، أو من الدعوى كما قال الزجاج ومن وافقه ، والمعنى أنهم كانوا يدّعون أنه لا بعث ولا حشر ولا جنة ولا نار . وقرأ قتادة ، وابن أبي إسحاق ، ويعقوب ، والضحاك " تدعون " مخففاً ، ومعناها ظاهر . قال قتادة هو قولهم { رَبَّنَا عَجّل لَّنَا قِطَّنَا } ص 16 . وقال الضحاك هو قولهم { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ ٱلسَّمَاء } الأنفال 32 الآية . قال النحاس تدّعون وتدعون بمعنى واحد ، كما تقول قدر واقتدر ، وغدا واغتدى ، إلاّ أنّ أفعل معناه مضى شيئًا بعد شيء ، وفعل يقع على القليل والكثير . { قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِىَ ٱللَّهُ وَمَن مَّعِىَ } أي أخبروني إن أهلكني الله بموت أو قتل ومن معي من المؤمنين { أَوْ رَحِمَنَا } بتأخير ذلك إلى أجل . وقيل المعنى إن أهلكني الله ومن معي بالعذاب ، أو رحمنا فلم يعذبنا { فَمَن يُجِيرُ ٱلْكَـٰفِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } أي فمن يمنعهم ويؤمنهم من العذاب . والمعنى أنه لا ينجيهم من ذلك أحد سواء أهلك الله رسوله والمؤمنين معه ، كما كان الكفار يتمنونه أو أمهلهم . وقيل المعنى إنا مع إيماننا بين الخوف والرجاء ، فمن يجيركم مع كفركم من العذاب ، ووضع الظاهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالكفر ، وبيان أنه السبب في عدم نجاتهم . { قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ءامَنَّا بِهِ } وحده لا نشرك به شيئًا { وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا } لا على غيره ، والتوكل تفويض الأمور إليه - عزّ وجلّ - { فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } منا ومنكم ، وفي هذا تهديد شديد مع إخراج الكلام مخرج الإنصاف . قرأ الجمهور { ستعلمون } بالفوقية على الخطاب . وقرأ الكسائي بالتحتية على الخبر . ثم احتجّ سبحانه عليهم ببعض نعمه ، وخوّفهم بسلب تلك النعمة عنهم فقال { قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً } أي أخبروني إن صار ماؤكم غائراً في الأرض بحيث لا يبقى له وجود فيها أصلاً ، أو صار ذاهباً في الأرض إلى مكان بعيد بحيث لا تناله الدلاء . يقال غار الماء غوراً ، أي نضب ، والغور الغائر ، وصف بالمصدر للمبالغة ، كما يقال رجل عدل ، وقد تقدم مثل هذا في سورة الكهف { فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَّعِينٍ } أي ظاهر تراه العيون وتناله الدلاء ، وقيل هو من معن الماء ، أي كثر . وقال قتادة ، والضحاك أي جار ، وقد تقدّم معنى المعين في سورة المؤمن . وقرأ ابن عباس " فمن يأتيكم بماء عذب " . وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً } قال في الضلالة { أَمَّن يَمْشِى سَوِيّاً } قال مهتدياً . وأخرج الخطيب في تاريخه ، وابن النجار عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من اشتكى ضرسه فليضع أصبعه عليه ، وليقرأ هذه الآية { هُوَ ٱلَّذِى أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأبْصَـٰرَ وَٱلأفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } " وأخرج الدارقطني في الأفراد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من اشتكى ضرسه فليضع أصبعه عليه ، وليقرأ هاتين الآيتين سبع مرات { وَهُوَ ٱلَّذِى أَنشَأَكُم مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } إلى { يَفْقَهُونَ } الأنعام 98 و { هُوَ ٱلَّذِى أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَـٰرَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } فإنه يبرأ بإذن الله " وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً } قال داخلاً في الأرض { فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَّعِينٍ } قال الجاري . وأخرج ابن المنذر عنه { إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً } قال يرجع في الأرض . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً { بِمَاء مَّعِينٍ } قال ظاهر . وأخرج عبد بن حميد عنه أيضاً { بِمَاء مَّعِينٍ } قال عذب .