Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 68, Ayat: 34-52)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما فرغ سبحانه من ذكر حال الكفار ، وتشبيه ابتلائهم بابتلاء أصحاب الجنة المذكورة ، ذكر حال المتقين وما أعدّه لهم من الخير ، فقال { إِنَّ لّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبّهِمْ جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } أي المتقين ما يوجب سخطه من الكفر والمعاصي عنده عزّ وجلّ في الدار الآخرة جنات النعيم الخالص الذي لا يشوبه كدر ، ولا ينغصه خوف زوال { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } الاستفهام للإنكار ، وكان صناديد كفار قريش يرون وفور حظهم في الدنيا وقلة حظوظ المسلمين فيها ، فلما سمعوا بذكر الآخرة ، وما يعطي الله المسلمين فيها قالوا إن صح ما يزعمه محمد لم يكن حالنا وحالهم إلاّ مثل ما هي في الدنيا ، فقال الله مكذباً لهم رادّاً عليهم { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } الآية ، والفاء للعطف على مقدر كنظائره . ثم وبخهم الله ، فقال { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } هذا الحكم الأعوج كأن أمر الجزاء مفوّض إليكم تحكمون فيه بما شئتم { أَمْ لَكُمْ كِتَـٰبٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ } أي تقرءون فيه ، فتجدون المطيع كالعاصي ، ومثل هذا قوله تعالى { أَمْ لَكُمْ سُلْطَـٰنٌ مُّبِينٌ * فَأْتُواْ بِكِتَـٰبِكُمْ } الصافات 56 57 ثم قال سبحانه { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } قرأ الجمهور بكسر إن على أنها معمولة لتدرسون أي تدرسون في الكتاب { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } فلما دخلت اللام كسرت الهمزة كقوله علمت إنك لعاقل بالكسر ، أو على الحكاية للمدروس ، كما في قوله { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى ٱلأَخِرِينَ * سَلَـٰمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِى ٱلْعَـٰلَمِينَ } الصافات 78 ، 79 . وقيل قد تمّ الكلام عند قوله { تَدْرُسُونَ } ثم ابتدأ فقال { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } أي ليس لكم ذلك ، وقرأ طلحة بن مصرف ، والضحاك " أن لكم " بفتح الهمزة على أن العامل فيه تدرسون مع زيادة لام التأكيد ، ومعنى { تَخَيَّرُونَ } تختارون وتشتهون . ثم زاد سبحانه في التوبيخ فقال { أَمْ لَكُمْ أَيْمَـٰنٌ عَلَيْنَا بَـٰلِغَةٌ } أي عهود مؤكدة موثقة متناهية ، والمعنى أم لكم أيمان على الله استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة ، وقوله { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } متعلق بالمقدر في لكم أي ثابتة لكم إلى يوم القيامة لا تخرج عن عهدتها حتى يحكمكم يومئذٍ ، وجواب القسم قوله { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } لأن معنى { أَمْ لَكُمْ أَيْمَـٰنٌ } أي أم أقسمنا لكم . قال الرازي والمعنى أم ضمنا لكم ، وأقسمنا لكم بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد . وقيل قد تمّ الكلام عند قوله { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } ثم ابتدأ ، فقال { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } أي ليس الأمر كذلك . قرأ الجمهور { بالغة } بالرفع على النعت لأيمان ، وقرأ الحسن ، وزيد بن عليّ بنصبها على الحال من أيمان لأنها قد تخصصت بالوصف ، أو من الضمير في لكم أو من الضمير في علينا { سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذٰلِكَ زَعِيمٌ } أي سل يا محمد الكفار موبخاً لهم ومقرّعاً ، أيهم بذلك الحكم الخارج عن الصواب كفيل لهم بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين فيها . وقال ابن كيسان الزعيم هنا القائم بالحجة والدعوى . وقال الحسن الزعيم الرسول . { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء } يشاركونهم في هذا القول ويوافقونهم فيه { فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُواْ صَـٰدِقِينَ } فيما يقولون ، وهو أمر تعجيز ، وجواب الشرط محذوف ، وقيل المعنى أم لهم شركاء يجعلونهم مثل المسلمين في الآخرة . { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } يوم ظرف لقوله { فَلْيَأْتُواْ } أي فليأتوا بها يوم يكشف عن ساق ، ويجوز أن يكون ظرفاً لفعل مقدّر أي اذكر يوم يكشف . قال الواحدي قال المفسرون في قوله { عَن سَاقٍ } عن شدّة من الأمر . قال ابن قتيبة أصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجدّ فيه شمر عن ساقه ، فيستعار الكشف عن الساق في موضع الشدّة ، وأنشد لدريد بن الصمة @ كميش الإزار خارج نصف ساقه صبور على الجلاء طلاع أنجد @@ وقال وتأويل الآية يوم يشتدّ الأمر كما يشتدّ ما يحتاج فيه إلى أن يكشف عن ساق . قال أبو عبيدة إذا اشتدّ الحرب ، والأمر قيل كشف الأمر عن ساقه ، والأصل فيه من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجدّ شمر عن ساقه ، فاستعير الساق والكشف عن موضع الشدّة ، وهكذا قال غيره من أهل اللغة ، وقد استعملت ذلك العرب في أشعارها ، ومن ذلك قول الشاعر @ أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا @@ وقول آخر @ والخيل تعدو عند وقت الإشراق @ وقامت الحرب بنا على ساق @@ @@ وقول آخر أيضاً @ قد كشفت عن ساقها فشدّوا وجدّت الحرب بكم فجدّوا @@ وقول آخر أيضاً في سنة @ قد كشفت عن ساقها حمرا ء تبرى اللحم عن عراقها @@ وقيل ساق الشيء أصله وقوامه كساق الشجرة ، وساق الإنسان أي يوم يكشف عن ساق الأمر فتظهر حقائقه ، وقيل يكشف عن ساق جهنم ، وقيل عن ساق العرش ، وقيل عبارة عن القرب ، وقيل يكشف الربّ سبحانه عن نوره ، وسيأتي في آخر البحث ما هو الحق ، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل . قرأ الجمهور { يكشف } بالتحية مبنياً للمفعول ، وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، وابن أبي عبلة " تكشف " بالفوقية مبنياً للفاعل أي الشدّة أو الساعة ، وقرىء بالفوقية مبنياً للمفعول ، وقرىء بالنون ، وقرىء بالفوقية المضمومة وكسر الشين من أكشف الأمر أي دخل في الكشف { وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } قال الواحدي قال المفسرون يسجد الخلق كلهم لله سجدة واحدة ، ويبقى الكفار والمنافقون يريدون أن يسجدوا فلا يستطيعون لأن أصلابهم تيبست فلا تلين للسجود . قال الربيع بن أنس يكشف عن الغطاء فيقع من كان آمن بالله في الدنيا ، فيسجدون له ، ويدعى الآخرون إلى السجود فلا يستطيعون لأنهم لم يكونوا آمنوا بالله في الدنيا ، وانتصاب { خَـٰشِعَةً أَبْصَـٰرُهُمْ } على الحال من ضمير يدعون ، وأبصارهم مرتفع به على الفاعلية ، ونسبة الخشوع إلى الأبصار ، وهو الخضوع والذلة لظهور أثره فيها { تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } أي تغشاهم ذلة شديدة وحسرة وندامة { وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ } أي في الدنيا { وَهُمْ سَـٰلِمُونَ } أي معافون عن العلل متمكنون من الفعل . قال إبراهيم التيمي يدعون بالأذان والإقامة فيأبون . وقال سعيد بن جبير يسمعون حيّ على الفلاح ، فلا يجيبون . قال كعب الأحبار والله ما نزلت هده الآية إلاّ في الذين يتخلفون عن الجماعات . وقيل يدعون بالتكليف المتوجه عليهم بالشرع فلا يجيبون ، وجملة { وَهُمْ سَـٰلِمُونَ } في محل نصب على الحال من ضمير يدعون . { فَذَرْنِى وَمَن يُكَذّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } أي خل بيني وبينه ، وكل أمره إليّ فأنا أكفيكه . قال الزجاج معناه لا يشتغل به قلبك ، كله إليّ فأنا أكفيك أمره . والفاء لترتيب ما بعدها من الأمر على ما قبلها ، و « من » منصوب بالعطف على ضمير المتكلم ، أو على أنه مفعول معه ، والمراد بهذا الحديث القرآن ، قاله السديّ . وقيل يوم القيامة ، وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجملة { سَنَسْتَدْرِجُهُم مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } مستأنفة لبيان كيفية التعذيب لهم المستفاد من قوله { ذَرْنِى وَمَنْ يُكَذّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } ، والضمير عائد إلى من باعتبار معناها ، والمعنى سنأخذهم بالعذاب على غفلة ، ونسوقهم إليه درجة فدرجة حتى نوقعهم فيه من حيث لا يعلمون أن ذلك استدراج لأنهم يظنونه إنعاماً ، ولا يفكرون في عاقبته وما سيلقون في نهايته . قال سفيان الثوري يسبغ عليهم النعم وينسيهم الشكر . وقال الحسن كم من مستدرج بالإحسان إليه ، وكم من مفتون بالثناء عليه ، وكم من مغرور بالستر عليه . والاستدراج ترك المعاجلة ، وأصله النقل من حال إلى حال ، ويقال استدرج فلان فلاناً أي استخرج ما عنده قليلاً قليلاً ، ويقال درّجه إلى كذا واستدرجه يعني أدناه إلى التدريج ، فتدرج هو . ثم ذكر سبحانه أنه يمهل الظالمين ، فقال { وَأُمْلِى لَهُمْ } أي أمهلهم ليزدادوا إثماً ، وقد مضى تفسير هذا في سورة الأعراف والطور ، وأصل الملاوة المدّة من الدهر ، يقال أملى الله له أي أطال له المدّة ، والملا مقصور الأرض الواسعة ، سميت به ، لامتدادها { إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ } أي قويّ شديد ، فلا يفوتني شيء ، وسمى سبحانه إحسانه كيداً ، كما سماه استدراجاً لكونه في صورة الكيد باعتبار عاقبته ، ووصفه بالمتانة لقوّة أثره في التسبب للهلاك { أَمْ تَسْـئَلُهُمْ أَجْراً } أعاد سبحانه الكلام إلى ما تقدّم من قوله { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء } أي أم تلتمس منهم ثواباً على ما تدعوهم إليه من الإيمان بالله { فَهُم مّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } المغرم الغرامة أي فهم من غرامة ذلك الأجر ، ومثقلون أي يثقل عليهم حمله لشحهم ببذل المال ، فأعرضوا عن إجابتك بهذا السبب ، والاستفهام للتوبيخ والتقريع لهم ، والمعنى أنك لم تسألهم ذلك ولم تطلبه منهم { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } أي اللوح المحفوظ ، أو كلّ ما غاب عنهم ، فهم من ذلك الغيب يكتبون ما يريدون من الحجج التي يزعمون أنها تدلّ على قولهم ، ويخاصمونك بما يكتبونه من ذلك ، ويحكمون لأنفسهم بما يريدون ، ويستغنون بذلك عن الإجابة لك والامتثال لما تقوله . { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ } أي لقضائه الذي قد قضاه في سابق علمه ، قيل والحكم هنا هو إمهالهم وتأخير نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ، وقيل هو ما حكم به عليه من تبليغ الرسالة ، قيل وهذا منسوخ بآية السيف { وَلاَ تَكُن كَصَـٰحِبِ ٱلْحُوتِ } يعني يونس عليه السلام ، أي لا تكن مثله في الغضب والضجر والعجلة ، والظرف في قوله { إِذْ نَادَىٰ } منصوب بمضاف محذوف أي لا تكن حالك كحاله وقت ندائه ، وجملة { وَهُوَ مَكْظُومٌ } في محل نصب على الحال من فاعل نادى ، والمكظوم المملوء غيظاً وكرباً . قال قتادة إن الله يعزّي نبيه صلى الله عليه وسلم ، ويأمره بالصبر ، ولا يعجل كما عجل صاحب الحوت ، وقد تقدّم بيان قصته في سورة الأنبياء ويونس والصافات ، وكان النداء منه بقوله { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } الأنبياء 87 وقيل إن المكظوم المأخوذ بكظمه ، وهو مجرى النفس . قاله المبرّد ، وقيل هو المحبوس ، والأوّل أولى ، ومنه قول ذى الرّمة @ وأنت من حبّ ميّ مضمر حزنا عانى الفؤاد قريح القلب مكظوم @@ { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مّن رَّبّهِ } أي لولا أن تدارك صاحب الحوت نعمة من الله ، وهي توفيقه للتوبة ، فتاب الله عليه { لَنُبِذَ بِٱلْعَرَاء } أي لألقي من بطن الحوت على وجه الأرض الخالية من النبات { وَهُوَ مَذْمُومٌ } أي يذمّ ويلام بالذنب الذي أذنبه ، ويطرد من الرحمة ، والجملة في محل نصب على الحال من ضمير نبذ . قال الضحاك النعمة هنا النبوّة . وقال سعيد بن جبير عبادته التي سلفت . وقال ابن زيد هي نداؤه بقوله { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } الأنبياء 87 وقيل مذموم مبعد . وقيل مذنب . قرأ الجمهور { تداركه } على صيغة الماضي ، وقرأ الحسن ، وابن هرمز ، والأعمش بتشديد الدال ، والأصل تتداركه بتاءين مضارعاً فأدغم ، وتكون هذه القراءة على حكاية الحال الماضية ، وقرأ أبيّ ، وابن مسعود ، وابن عباس " تداركته " بتاء التأنيث . { فَٱجْتَبَـٰهُ رَبُّهُ } أي استخلصه واصطفاه ، واختاره للنبوّة { فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } أي الكاملين في الصلاح ، وعصمه من الذنب . وقيل ردّ إليه النبوّة وشفعه في نفسه وفي قومه ، وأرسله إلى مائة ألف أو يزيدون ، كما تقدّم . { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَـٰرِهِمْ } « إن » هي المخففة من الثقيلة . قرأ الجمهور { ليزلقونك } بضم الياء من أزلقه أي أزلّ رجله ، يقال أزلقه عن موضعه إذا نحاه ، وقرأ نافع ، وأهل المدينة بفتحها من زلق عن موضعه إذا تنحى . قال الهروي أي فيغتالونك بعيونهم ، فيزلقونك عن مقامك الذي أقامك الله فيه عداوة لك ، وقرأ ابن عباس ، وابن مسعود ، والأعمش ، ومجاهد ، وأبو وائل " ليرهقونك " أي يهلكونك . وقال الكلبي { يزلقونك } أي يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة ، وكذا قال السديّ ، وسعيد بن جبير . وقال النضر بن شميل ، والأخفش يفتنونك . وقال الحسن ، وابن كيسان ليقتلونك . قال الزجاج في الآية مذهب أهل اللغة ، والتأويل أنهم من شدّة إبغاضهم وعداوتهم يكادون بنظرهم نظر البغضاء أن يصرعوك ، وهذا مستعمل في الكلام ، يقول القائل نظر إليّ نظراً يكاد يصرعني ، ونظراً يكاد يأكلني . قال ابن قتيبة ليس يريد الله أنهم يصيبونك بأعينهم ، كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه ، وإنما أراد أنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظراً شديداً بالعداوة والبغضاء يكاد يسقطك ، كما قال الشاعر @ يتعارضون إذا التقوا في مجلس نظراً يزيل مواطىء الأقدام @@ { لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِكْرَ } أي وقت سماعهم للقرآن ، لكراهتهم لذلك أشدّ كراهة ، ولما ظرفية منصوبة بيزلقونك ، وقيل هي حرف ، وجوابها محذوف لدلالة ما قبله عليه أي لما سمعوا الذكر كادوا يزلقونك { وَيَقُولُونَ إِنَّهُ مَّجْنُونٍ } أي ينسبونه إلى الجنون إذا سمعوه يقرأ القرآن ، فردّ الله عليهم بقوله { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لّلْعَالَمِينَ } والجملة مستأنفة ، أو في محل نصب على الحال من فاعل يقولون أي والحال أنه تذكير وبيان لجميع ما يحتاجون إليه ، أو شرف لهم ، كما قال سبحانه { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } الزخرف 44 . وقيل الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنه مذكر للعالمين ، أو شرف لهم . وقد أخرج البخاري ، وغيره عن أبي سعيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يكشف ربنا عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة ، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً " وهذا الحديث ثابت من طرق في الصحيحين وغيرهما ، وله ألفاظ في بعضها طول ، وهو حديث مشهور معروف . وأخرج ابن منده عن أبي هريرة في الآية قال يكشف الله عزّ وجلّ عن ساقه . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن منده عن ابن مسعود في الآية قال يكشف عن ساقه تبارك وتعالى . وأخرج أبو يعلى ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء ، والصفات ، وضعفه ، وابن عساكر عن أبي موسى عن النبيّ في الآية قال " عن نور عظيم ، فيخرّون له سجداً " وأخرج الفريابي ، وسعيد بن منصور ، وابن منده ، والبيهقي عن إبراهيم النخعي عن ابن عباس في الآية قال يكشف عن أمر عظيم ، ثم قال قد قامت الحرب على ساق . قال وقال ابن مسعود يكشف عن ساقه فيسجد كلّ مؤمن ، ويقسو ظهر الكافر فيصير عظماً واحداً . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه سئل عن قوله { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } قال إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب ، أما سمعتم قول الشاعر وقامت الحرب بنا على ساق قال ابن عباس هذا يوم كرب شديد . روي عنه نحو هذا من طرق أخرى ، وقد أغنانا الله سبحانه في تفسير هذه الآية بما صح عن رسول الله ، كما عرفت ، وذلك لا يستلزم تجسيماً ولا تشبيهاً ، فليس كمثله شيء . @ دعوا كل قول عند قول محمد فما آمن في دينه كمخاطر @@ وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَـٰلِمُونَ } قال هم الكفار يدعون في الدنيا وهم آمنون ، فاليوم يدعون وهم خائفون . وأخرج البيهقي في الشعب عنه في الآية قال الرجل يسمع الأذان فلا يجيب الصلاة . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عنه أيضاً في قوله { لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَـٰرِهِمْ } قال ينفذونك بأبصارهم .