Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 143-147)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللام في { لّمِيقَـٰتِنَا } للاختصاص ، أي كان مجيئه مختصاً بالميقات المذكور ، بمعنى أنه جاء في الوقت الموعود { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } أي أسمعه كلامه من غير واسطة . قوله { أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ } أي ، أرني نفسك أنظر إليك أي سأله النظر إليه اشتياقاً إلى رؤيته لما أسمعه كلامه . وسؤال موسى للرؤية يدلّ على أنها جائزة عنده في الجملة . ولو كانت مستحيلة عنده لما سألها . والجواب بقوله { لَن تَرَانِى } يفيد أنه لا يراه هذا الوقت الذي طلب رؤيته فيه ، أو أنه لا يرى ما دام الرائي حياً في دار الدنيا . وأما رؤيته في الآخرة فقد ثبتت بالأحاديث المتواترة تواتراً لا يخفى على من يعرف السنة المطهرة ، والجدال في مثل هذا والمراوغة لا تأتي بفائدة ، ومنهج الحق واضح . ولكن الاعتقاد لمذهب نشأ الإنسان عليه وأدرك عليه آباءه وأهل بلده ، مع عدم التنبه لما هو المطلوب من العباد من هذه الشريعة المطهرة يوقع في التعصب ، والمتعصب وإن كان بصره صحيحاً فبصيرته عمياء ، وأذنه عن سماع الحق صماء ، يدفع الحق ، وهو يظنّ أنه ما دفع غير الباطل ، ويحسب أن ما نشأ عليه هو الحق ، غفلة منه وجهلاً بما أوجبه الله عليه من النظر الصحيح ، وتلقى ما جاء به الكتاب والسنة بالإذعان والتسليم . وما أقلّ المنصفين بعد ظهور هذه المذاهب في الأصول والفروع فإنه صار بها باب الحقّ مرتجاً ، وطريق الإنصاف مستوعرة ، والأمر لله سبحانه ، والهداية منه @ يأبى الفتى إلا اتباع الهوى ومنهج الحق لـه واضح @@ وجملة { قَالَ لَن تَرَانِى } مستأنفة ، لكونها جواباً لسؤال مقدّر ، كأنه قيل فما قال الله له ؟ والاستدراك بقوله { وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى } معناه أنك لا تثبت لرؤيتي ، ولا يثبت لها ما هو أعظم منك جرماً وصلابة وقوّة ، وهو الجبل ، فانظر إليه { فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ } ولم يتزلزل عند رؤيتي له { فَسَوْفَ تَرَانِى } وإن ضعف عن ذلك ، فأنت منه أضعف . فهذا الكلام بمنزلة ضرب المثل لموسى عليه السلام بالجبل . وقيل هو من باب التعليق بالمحال . وعلى تسليم هذا فهو في الرؤية في الدنيا لما قدّمنا . وقد تمسك بهذه الآية كلا طائفتين المعتزلة والأشعرية . فالمعتزلة استدلوا بقوله { لَن تَرَانِى } ، وبأمره بأن ينظر إلى الجبل . والأشعرية قالوا إن تعليق الرؤية باستقرار الجبل يدلّ على أنها جائزة غير ممتنعة . ولا يخفاك أن الرؤية الأخروية هي بمعزل عن هذا كله . والخلاف بينهم هو فيها لا في الرؤية في الدنيا ، فقد كان الخلاف فيها في زمن الصحابة ، وكلامهم فيها معروف . قوله { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا } تجلى معناه ظهر ، من قولك جلوت العروس ، أي أيرزتها . وجلوت السيف أخلصته من الصدأ ، وتجلى الشيء انكشف . والمعنى فلما ظهر ربه للجبل جعله دكاً . وقيل المتجلي هو أمره وقدرته ، قاله قطرب وغيره . والدك مصدر بمعنى المفعول ، أي جعله مدكوكاً مدقوقاً فصار تراباً ، هذا على قراءة من قرأ { دكاً } بالمصدر . وهم أهل المدينة وأهل البصرة . وأما على قراءة أهل الكوفة " جَعَلَهُ دَكَّاء " على التأنيث ، والجمع دكاوات ، كحمراء وحمراوات ، وهي اسم للرابية الناشزة من الأرض ، أو للأرض المستوية . فالمعنى أن الجبل صار صغيراً كالرابية ، أو أرضاً مستوية . قال الكسائي الدك الجبال العراض واحدها أدك . والدكاوات جمع دكاء ، وهي رواب من طين ليست بالغلاظ ، والدكادك ما التبد من الأرض فلم يرتفع ، وناقة دكاء لا سنام لها . { وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقًا } أي مغشياً عليه مأخوذاً من الصاعقة . والمعنى أنه صار حاله لما غشي عليه كحال من يغشى عليه عند إصابة الصاعقة له . يقال صعق الرجل ، فهو صعق ومصعوق ، إذا أصابته الصاعقة { فَلَمَّا أَفَاقَ } من غشيته { قَالَ سُبْحَـٰنَكَ } أي أنزهك تنزيهاً من أن أسأل شيئاً لم تأذن لي به { تُبْتُ إِلَيْكَ } عن العود إلى مثل هذا السؤال . قال القرطبي وأجمعت الأمة على أن هذه التوبة ما كانت عن معصية ، فإن الأنبياء معصومون . وقيل هي توبة من قتله للقبطي ، ذكره القشيري . ولا وجه له في مثل هذا المقام { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بك قبل قومي الموجودين في هذا العصر المعترفين بعظمتك وجلالك . وجملة { قَالَ يَـا مُوسَىٰ } مستأنفة كالتي قبلها ، متضمنة لإكرام موسى واختصاصه بما اختصه الله به . والاصطفاء الاجتباء والاختيار ، أي اخترتك على الناس المعاصرين لك برسالتي ، كذا قرأ نافع ، وابن كثير ، بالافراد ، وقرأ الباقون بالجمع . والرسالة مصدر ، والأصل فيه الإفراد . ومن جمع فكأنه نظر إلى أن الرسالة هي على ضروب ، فجمع لاختلاف الأنواع . والمراد بالكلام هنا التكليم . امتنّ الله سبحانه عليه بهذين النوعين العظيمين من أنواع الإكرام ، وهما الرسالة والتكليم من غير واسطة ، ثم أمره بأن يأخذ ما آتاه ، أي أعطاه من هذا الشرف الكريم ، وأمره بأن يكون من الشاكرين على هذا العطاء العظيم ، والإكرام الجليل . قوله { وَكَتَبْنَا لَهُ فِى ٱلألْوَاحِ مِن كُلّ شَىْء مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَىْء } من كل شيء أي من كل ما يحتاج إليه بنو إسرائيل في دينهم ودنياهم . وهذه الألواح هي التوراة . قيل كانت من زمردة خضراء . وقيل من ياقوتة حمراء ، وقيل من زبرجد ، وقيل من صخرة صماء . وقد اختلف في عدد الألواح ، وفي مقدار طولها وعرضها . والألواح جمع لوح ، وسمي لوحاً لكونه تلوح فيه المعاني . وأسند الله سبحانه الكتابة إلى نفسه تشريفاً للمكتوب في الألواح ، وهي مكتوبة بأمره سبحانه . وقيل هي كتابة خلقها الله في الألواح . و { مِن كُلّ شَىْء } في محل نصب على أنه مفعول { كَتَبْنَا } و { مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً } بدل من محل كل شيء ، أي موعظة لمن يتعظ بها من بني إسرائيل وغيرهم ، وتفصيلاً للأحكام المحتاجة إلى التفصيل { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } أي خذ الألواح بقوّة ، أي بجدّ ونشاط . وقيل الضمير عائد إلى الرسالات ، أو إلى كل شيء ، أو إلى التوراة . قيل وهذا الأمر على إضمار القول ، أي فقلنا له خذها . وقيل إن { فَخُذْهَا } بدل من قوله { فَخُذْ مَا ءاتَيْتُكَ } { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } أي بأحسن ما فيها بما أجره أكثر من غيره ، وهو مثل قوله تعالى { ٱتَّبَعُواْ أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُـمْ } الزمر 55 ، وقوله { فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } الزمر 18 ، ومن الأحسن الصبر على الغير والعفو عنه ، والعمل بالعزيمة دون الرخصة ، وبالفريضة دون النافلة ، وفعل المأمور به ، وترك المنهيّ عنه . قوله { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } قيل هي أرض مصر التي كانت لفرعون وقومه . وقيل منازل عاد وثمود . وقيل هي جهنم . وقيل منازل الكفار من الجبابرة والعمالقة ليعتبروا بها . وقيل الدار الهلاك . والمعنى سأريكم هلاك الفاسقين . وقد تقدّم تحقيق معنى الفسق . قوله { سَأَصْرِفُ عَنْ ءايَـٰتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } قيل معنى { سَأَصْرِفُ عَنْ ءايَـٰتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ } سأمنعهم فهم كتابي . وقيل سأصرفهم عن الإيمان بها . وقيل سأصرفهم عن نفعها مجازاة على تكبرهم كما في قوله { فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } الصف 5 . وقيل سأطبع على قلوبهم حتى لا يتفكروا فيها ولا يعتبروا بها . واختلف في تفسير الآيات ، فقيل هي المعجزات . وقيل الكتب المنزلة . وقيل هي خلق السموات والأرض ، وصرفهم عنها أن لا يعتبروا بها . ولا مانع من حمل الآيات على جميع ذلك حمل الصرف على جميع المعاني المذكورة . و { بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } إما متعلق بقوله { يَتَكَبَّرُونَ } أي يتكبرون بما ليس بحق ، أو بمحذوف وقع حالاً ، أي يتكبرون متلبسين بغير الحق . قوله { وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا } معطوف على { يتكبرون } منتظم معه في حكم الصفة . والمعنى سأصرف عن آياتي المتكبرين التاركين للإيمان بما يرونه من الآيات . ويدخل تحت كل آية الآيات المنزلة ، والآيات التكوينية ، والمعجزات ، أي لا يؤمنون بآية من الآيات كائنة ما كانت . وقرأ مالك بن دينار « يروا » بضم الياء في الموضعين . وجملة { وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } معطوفة على ما قبلها داخلة في حكمها . وكذلك جملة { وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَىّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } والمعنى أنهم إذا وجدوا سبيلاً من سبل الرشد تركوه وتجنبوه ، وإن رأوا سبيلاً من سبل الغيّ سلكوه واختاروه لأنفسهم . قرأ أهل المدينة وأهل البصرة { الرشد } بضم الراء وإسكان الشين . وقرأ أهل الكوفة إلا عاصماً بفتح الراء والشين . قال أبو عبيدة فرق أبو عمرو بين الرشد والرشد فقال الرُّشد الصلاح والرُّشد في الدين . قال النحاس سيبويه يذهب إلى أن الرشد والرشد ، كالسخط والسخط . قال الكسائي والصحيح عن أبي عمرو ، وغيره ، ما قال أبو عبيدة . وأصل الرشد في اللغة أن يظفر الإنسان بما يريد ، وهو ضدّ الخيبة ، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى الصرف ، أي ذلك الصرف بسبب تكذيبهم ، أو الإشارة إلى التكبر وعدم الإيمان بالآيات ، وتجنب سبيل الرشد ، وسلوك سبيل الغيّ ، واسم الإشارة مبتدأ ، وخبره جملة { بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } أي بسبب تكذيبهم بالآيات وغفلتهم عنها . والموصول في { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَلِقَاء ٱلآخِرَةِ } مبتدأ . وخبره { حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ } ، والمراد بلقاء الآخرة لقاء الدار الآخرة أي لقائهم لها ، أو لقائهم ما وعدوا به فيها على أن الإضافة إلى الظرف ، وحباط الأعمال بطلانها ، أي بطلان ما عملوه مما صورته صورة الطاعة ، كالصدقة والصلة ، وإن كانوا في حال كفرهم لا طاعات لهم . ويحتمل أن يراد أنها تبطل بعدما كانت مرجوّة النفع على تقدير إسلامهم ، لما في الحديث الصحيح " أسلمت على ما أسفلت من خير " { هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } من الكفر بالله ، والتكذيب بآياته ، وتنكب سبيل الحق ، وسلوك سبيل الغيّ . وقد أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن كعب قال لما كلم الله موسى قال يا ربّ أهكذا كلامك ؟ قال يا موسى إنما أكلمك بقوّة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسن كلها ، ولو كلمتك بكنه كلامي لم تك شيئاً . وأخرج البزار ، وابن أبي حاتم ، وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، من حديث جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما كلم الله موسى يوم الطور ، كلمه بغير الكلام الذي كلمه به يوم ناداه ، فقال له موسى يا ربّ ، أهذا كلامك الذي كلمتني به ؟ قال يا موسى إنما كلمتك بقوّة عشرة آلاف لسان ، ولي قوّة الألسن كلها ، وأقوى من ذلك . فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا يا موسى صف لنا كلام الرحمن ، فقال لا تستطيعونه ، ألم تروا إلى أصوات الصواعق التي تقتل ، في أحلا حلاوة سمعتموه ، فذاك قريب منه وليس به " وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية ، قال إنما كلم الله موسى بقدر ما يطيق من كلامه ، ولو تكلم بكلامه كله لم يطقه شيء ، فمكث موسى أربعين ليلة لا يراه أحد ، إلا مات من نور ربّ العالمين . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { قَالَ رَبّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ } يقول أعطني أنظر إليك . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن قتادة ، في الآية ، قال لما سمع الكلام طمع في الرؤية . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال حين قال موسى لربه تبارك وتعالى { رَبّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ } قال الله يا موسى إنك لن تراني ، قال يقول ليس تراني ولا يكون ذلك أبداً ، يا موسى إنه لن يراني أحد فيحيا ، قال موسى ربّ إني أراك ثم أموت ، أحبّ إليّ من أن لا أراك ثم أحيا ، فقال الله لموسى يا موسى انظر إلى الجبل العظيم الطويل الشديد { فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ } يقول فإن ثبت مكانه لم يتضعضع ، ولم ينهد لبعض ما يرى من عظمتي { فَسَوْفَ تَرَانِى } أنت لضعفك وذلتك ، وإن الجبل انهدّ بقوّته وشدته وعظمته ، فأنت أضعف وأذلّ . وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، والترمذي وصححه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن عدي في الكامل ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في كتاب الرؤية من طرق ، عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا } قال هكذا ، وأشار بأصبعيه ووضع إبهامه على أنملة الخنصر . وفي لفظ على المفصل الأعلى من الخنصر . فساخ الجبل { وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقًا } وفي لفظ ، فساخ الجبل في الأرض ، فهو يهوى فيها إلى يوم القيامة ، وهذا الحديث حديث صحيح على شرط مسلم . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال الجبل الذي أمره الله أن ينظر إليه الطور . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في كتاب الرؤية ، عن ابن عباس { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } قال ما تجلى منه إلا قدر الخنصر { جَعَلَهُ دَكّا } قال تراباً { وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقًا } قال مغشياً عليه . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الحلية ، والديلمي ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل ، فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة بالمدينة أحد وورقان ورضوى ، وبمكة حراء وثبير وثور " وأخرج الطبراني في الأوسط ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال " لما تجلى الله لموسى ، تطايرت سبعة أجبل ، ففي الحجاز خمسة منها ، وفي اليمن اثنان ، في الحجاز أحد وثبير وحراء وورقان ، وفي اليمن حضور وصبر " وأخرج ابن جرير ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، أن موسى لما كلمه ربه أحبّ أن ينظر إليه فسأله فقال { لَن تَرَانِى وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ } قال فحفّ حول الجبل الملائكة ، وحفّ حول الملائكة بنار ، وحف حول النار بملائكة ، وحفّ حولهم بنار ، ثم تجلى ربه للجبل تجلى منه مثل الخنصر ، فجعل الجبل دكاً وخرّ موسى صعقاً ، فلم يزل صعقاً ما شاء الله ، ثم أفاق فقال سبحانك تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين من بني إسرائيل . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو الشيخ عن عليّ ابن أبي طالب ، قال كتب الله الألواح لموسى ، وهو يسمع صريف الأقلام في لوح . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الألواح التي أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة ، كان طول اللوح اثنى عشر ذراعاً " وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد ابن جبير ، قال كانوا يقولون كانت الألواح من ياقوتة . وأنا أقول إنما كانت من زمرّد وكتابها الذهب ، كتبها الله بيده ، فسمع أهل السموات صريف الأقلام . أقول رحم الله سعيداً ، ما كان أغناه عن هذا الذي قاله من جهة نفسه ، فمثله لا يقال بالرأي ولا بالحدس ، والذي يغلب به الظن أن كثيراً من السلف رحمهم الله كانوا يسألون اليهود عن هذه الأمور . فلهذا اختلفت واضطربت ، فهذا يقول من خشب ، وهذا يقول من ياقوت . وهذا يقول من زمرّد ، وهذا يقول من زبرجد ، وهذا يقول من برد ، وهذا يقول من حجر . وأخرج أبو الشيخ ، عن السدي { وَكَتَبْنَا لَهُ فِى ٱلألْوَاحِ مِن كُلّ شَىْء } كل شيء أمروا به ونهوا عنه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد ، مثله . وقد اختلف السلف في المكتوب في الألواح اختلافاً كثيراً . ولا مانع من حمل المكتوب على جميع ذلك لعدم التنافي . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } قال بجدّ وحزم { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } قال دار الكفار . وأخرج ابن جرير عنه { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } قال أمر موسى أن يأخذها بأشدّ مما أمر به قومه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن الربيع بن أنس { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } قال بطاعة . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن السدي في قوله { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } يعني بجدّ واجتهاد { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } قال بأحسن ما يجدون منها . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } قال مصيرهم في الآخرة . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة ، قال منازلهم في الدنيا . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن الحسن ، قال جهنم . وأخرج أبو الشيخ ، عن قتادة ، قال مصر . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السدي ، في قوله { سَأَصْرِفُ عَنْ ءايَـٰتِي } قال عن أن يتفكروا في آياتي . وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن جريج { عَنْ ءايَـٰتِي } قال عن خلق السموات والأرض ، والآيات التي فيها ، سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها أو يعتبروا . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن سفيان بن عيينة في الآية قال أنزع عنهم فهم القرآن .