Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 148-151)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ } أي من بعد خروجه إلى الطور { مِنْ حُلِيّهِمْ } متعلق بـ { اتخذ } أو بمحذوف وقع حالاً ، و { من } للتبعيض ، أو للابتداء ، أو للبيان . والحلي جمع حلى . وقرأ أهل المدينة وأهل البصرة { من حُلِّيهم } بضم الحاء وتشديد الياء . وقرأ أهل الكوفة إلا عاصماً بكسر الحاء . وقرأ يعقوب بفتح الحاء وتخفيف الياء . قال النحاس جمع حَلْيٍ وحُليٍ وحِلِى مثل ثدي وثدي وثدي ، والأصل حلوى أدغمت الواو في الياء ، فانكسرت اللام لمجاورتها الياء ، وتكسر الحاء لكسرة اللام وضمها على الأصل . وأضيفت الحلي إليهم وإن كانت لغيرهم لأن الإضافة تجوز لأدنى ملابسة ، و { عِجْلاً } مفعول { اتخذ } . وقيل هو بمعنى التصيير ، فيتعدى إلى مفعولين ثانيهما محذوف أي اتخذوا عجلاً إلهاً . و { جَسَداً } بدل من عجلاً . وقيل وصف له . والخوار الصياح . يقال خار يخور خوراً إذا صاح . وكذلك خار يخار خواراً . ونسب اتخاذ العجل إلى القوم جميعاً ، مع أنه اتخذه السامريّ وحده ، لكونه واحداً منهم ، وهم راضون بفعله . روي أنه لما وعد موسى قومه ثلاثين ليلة فأبطأ عليهم في العشر المزيدة ، قال السامري لبني إسرائيل وكان مطاعاً فيهم إن معكم حلياً من حلي آل فرعون الذي استعرتموه منهم لتتزينوا به في العيد ، وخرجتم وهو معكم ، وقد أغرق الله أهله من القبط ، فهاتوها ، فدفعوها إليه ، فاتخذ منها العجل المذكور . قوله { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلّمُهُمْ } الاستفهام للتقريع والتوبيخ ، أي ألم يعتبروا بأن هذا الذي اتخذوه إلهاً لا يقدر على تكليمهم ، فضلاً عن أن يقدر على جلب نفع لهم ، أو دفع ضرّ عنهم . { وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً } أي طريقاً واضحة يسلكونها { ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَـٰلِمِينَ } أي اتخذوه إلهاً { وَكَانُواْ ظَـٰلِمِينَ } لأنفسهم في اتخاذه ، أو في كل شيء . ومن جملة ذلك هذا الاتخاذ . قوله { وَلَمَّا سُقِطَ فَى أَيْدِيهِمْ } أي ندموا وتحيروا بعد عود موسى من الميقات ، يقال للنادم المتحير قد سقط في يده . قال الأخفش يقال سقط في يده وأسقط . ومن قال { سقط في أيديهم } على البناء للفاعل ، فالمعنى عنده سقط الندم . وأصله أن من شأن من اشتدّ ندمه وحسرته أن يعضّ يده غماً ، فتصير يده مسقوطاً فيها ، لأن فاه قد وقع فيها . وقال الأزهري والزجاج والنحاس وغيرهم معنى { سقط في أيديهم } أي في قلوبهم وأنفسهم ، كما يقال حصل في يده مكروه ، وإن كان محالاً أن يكون في اليد تشبيهاً لما يحصل في القلب والنفس بما يحصل في اليد ، لأن مباشرة الأشياء في الغالب باليد ، قال الله تعالى { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } الحج 10 وأيضاً الندم وإن حلّ القلب ، فأثره يظهر في البدن ، لأن النادم يعضّ يده ، ويضرب إحدى يديه على الأخرى ، قال الله تعالى { فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا } الكهف 42 ومنه { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّـٰلِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ } الفرقان 27 أي من الندم . وأيضاً النادم يضع ذقنه في يده . { وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ } معطوف على { سقط } أي تبينوا أنهم قد ضلوا باتخاذهم العجل ، وأنهم قد ابتلوا بمعصية الله سبحانه { قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا } قرأ حمزة والكسائي بالفوقية في الفعلين جميعاً . وقرأ الباقون بالتحتية ، واللام للقسم ، وجوابه { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } وفي هذا الكلام منهم ما يفيد الاستغاثة بالله والتضرع والابتهال في السؤال . وسيأتي في سورة طه إن شاء الله ما يدل على أن هذا الكلام المحكي عنهم هنا وقع بعد رجوع موسى . وإنما قدم هنا على رجوعه لقصد حكاية ما صدر عنهم من القول والفعل في موضع واحد . قوله { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَـٰنَ أَسِفًا } هذا بيان لما وقع من موسى بعد رجوعه . وانتصاب غضبان وأسفا على الحال ، والأسف شديد الغضب . قيل هو منزلة وراء الغضب أشدّ منه ، وهو أسف وأسيف وأسفان وأسوف ، قال ابن جرير الطبري أخبره الله قبل رجوعه بأنهم قد فتنوا ، فلذلك رجع وهو غضبان أسفاً . { قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِى مِن بَعْدِى } هذا ذمّ من موسى لقومه ، أي بئس العمل ما عملتموه من بعدي ، أي من بعد غيبتي عنكم ، يقال خلفه بخير وخلفه بشرّ ، استنكر عليهم ما فعلوه ، وذمهم لكونهم قد شاهدوا من الآيات ما يوجب بعضه الانزجار والإيمان بالله وحده ، ولكن هذا شأن بني إسرائيل في تلوّن حالهم واضطراب أفعالهم . ثم قال منكراً عليهم { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبّكُمْ } والعجلة . التقدّم بالشيء قبل وقته ، يقال عجلت الشيء سبقته ، وأعجلت الرجل حملته على العجلة ، والمعنى أعجلتم عن انتظار أمر ربكم ؟ أي ميعاده الذي وعدنيه ، وهو الأربعون ففعلتم ما فعلتم . وقيل معناه تعجلتم سخط ربكم . وقيل معناه أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر ربكم . { وَأَلْقَى ٱلألْوَاحَ } أي طرحها لما اعتراه من شدّة الغضب والأسف ، حين أشرف على قومه ، وهم عاكفون على عبادة العجل . قوله { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } أي أخذ برأس أخيه هارون ، أو بشعر رأسه حال كونه يجرّه إليه فعل به ذلك لكونه لم ينكر على السامريّ ، ولا غيره ما رآه من عبادة بني إسرائيل للعجل ، فقال هارون معتذراً منه { ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِى وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِى } أي إني لم أطق تغيير ما فعلوه لهذين الأمرين ، استضعافهم لي ، ومقاربتهم لقتلي . وإنما قال { ابن أمّ } مع كونه أخاه من أبيه وأمه ، لأنها كلمة لين وعطف ، ولأنها كانت كما قيل مؤمنة . وقال الزجاج قيل كان هارون أخا موسى لأمه لا لأبيه . قرىء { ابن أمّ } بفتح الميم تشبيهاً له بخمسة عشر ، فصار كقولك يا خمسة عشر أقبلوا . وقال الكسائي والفراء وأبو عبيد إن الفتح على تقدير يابن أما . وقال البصريون هذا القول خطأ . لأن الألف خفيفة لا تحذف ، ولكن جعل الاسمين اسماً واحداً كخمسة عشر ، واختاره الزجاج والنحاس . وأما من قرأ بكسر الميم ، فهو على تقدير ابن أمي ، ثم حذفت الياء وأبقيت الكسرة ، لتدل عليها . وقال الأخفش وأبو حاتم ابن أمّ بالكسر ، كما تقول يا غلام أقبل وهي لغة شاذة والقراءة بها بعيدة . وإنما هذا فيما يكون مضافاً إليك . وقرىء { ٱبْن أمي } بإثبات الياء . قوله { يَقْتُلُونَنِى فَلاَ تُشْمِتْ بِىَ ٱلأعْدَاء } الشماتة السرور من الأعداء بما يصيب من يعادونه مع المصائب ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " اللهم إني أعوذ بك من سوء القضاء ، ودرك الشقاء ، وجهد البلاء ، وشماتة الأعداء " وهو في الصحيح . ومنه قول الشاعر @ إذا ما الدهر جرّ على أناس كلاكله أناخ بآخرينا فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا @@ والمعنى لا تفعل بي ما يكون سبباً للشماتة منهم . وقرأ مجاهد ومالك بن دينار " فَلاَ تُشْمِتْ بِىَ ٱلأعْدَاء " بفتح حرف المضارعة ، وفتح الميم ، ورفع الأعداء على أن الفعل مسند إليهم ، أي لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله بي . وروي عن مجاهد أنه قرأ " تُشْمِتْ " كما تقدّم عنه مع نصب الأعداء . قال ابن جني والمعنى فلا تشمت بي أنت يا ربّ ، وجاز هذا كما في قوله { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىء بِهِمْ } البقرة 15 ونحوه ، ثم عاد إلى المراد فأضمر فعلاً نصب به الأعداء ، كأنه قال ولا تشمت يا ربّ بي الأعداء ، وما أبعد هذه القراءة عن الصواب ، وأبعد تأويلها عن وجوه الإعراب . قوله { وَلاَ تَجْعَلْنِى مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي لا تجعلني بغضبك عليّ في عداد القوم الظالمين ، يعني الذين عبدوا العجل ، أو لا تعتقد أني منهم . قوله { قَالَ رَبّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي } هذا كلام مستأنف جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل فماذا قال موسى بعد كلام هارون هذا ؟ فقيل { قَالَ رَبّ ٱغْفِرْ لِى وَلأَخِي } طلب المغفرة له أوّلاً ، ولأخيه ثانياً ، ليزيل عن أخيه ما خافه من الشماتة ، فكأنه تذمم مما فعله بأخيه ، وأظهر أنه لا وجه له ، وطلب المغفرة من الله مما فرط منه في جانبه ، ثم طلب المغفرة لأخيه إن كان قد وقع منه تقصير فيما يجب عليه من الإنكار عليهم وتغيير ما وقع منهم ، ثم طلب إدخاله وإدخال أخيه في رحمة الله التي وسعت كل شيء ، فهو { أَرْحَمُ ٱلرحِمِينَ } . وقد أخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن مجاهد ، في قوله { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ } الآية ، قال حين دفنوها ألقى عليها السامري قبضة من تراب أثر فرس جبريل عليه السلام . وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، في الآية قال استعاروا حلياً من آل فرعون ، فجمعه السامري فصاغ منه { عِجْلاً } فجعله { جَسَداً } لحماً ودماً { لَّهُ خُوَارٌ } . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عكرمة ، في قوله { خُوَارٌ } قال الصوت . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك قال خار العجل خورة لم يئن ، ألم تر أن الله قال { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلّمُهُمْ } . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس ، في قوله { سُقِطَ فَى أَيْدِيهِمْ } قال ندموا . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ من طرق ، عن ابن عباس { أَسَفاً } قال حزينا . وأخرج أبو الشيخ ، عن أبي الدرداء ، قال الأسف منزلة وراء الغضب أشدّ من ذلك . وأخرج عبد بن حميد ، عن محمد بن كعب ، قال الأسف الغضب الشديد . وأخرج أبو عبيد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال لما ألقى موسى الألواح تكسرت فرفعت إلا سدسها . وأخرج أبو الشيخ عنه قال رفع الله منها ستة أسباعها وبقي سبع . وأخرج أبو نعيم في الحلية ، عن مجاهد ، أو سعيد بن جبير ، قال لما ألقاها موسى ذهب التفصيل وبقي الهدى . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج ، قال كانت تسعة رفع منها لوحان وبقي سبعة . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد ، في قوله { وَلاَ تَجْعَلْنِى مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } قال مع أصحاب العجل .