Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 152-154)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الغضب ما نزل بهم من العقوبة في الدنيا بقتل أنفسهم ، وما سينزل بهم في الآخرة من العذاب ، والذلة هي التي ضربها الله عليهم بقوله { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذّلَّةُ } البقرة 61 . وقيل هي إخراجهم من ديارهم . وقيل هي الجزية ، وفيه نظر لأنها لم تؤخذ منهم ، وإنما أخذت من ذراريَهم . والأولى أن يقيد الغضب والذلة بالدنيا ، لقوله { فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا } وأن ذلك مختص بالمتخذين للعجل إلهاً ، لا لمن بعدهم من ذراريهم . ومجرّد ما أمروا به من قتل أنفسهم هو غضب من الله عليهم ، وبه يصيرون أذلاء . وكذلك خروجهم من ديارهم هو من غضب الله عليهم ، وبه يصبرون أذلاء . وأما ما نال ذراريهم من الذلة فلا يصحّ تفسير ما في الآية به إلا إذا تعذر حمل الآية على المعنى الحقيقي ، وهو لم يتعذر هنا { وَكَذٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُفْتَرِينَ } أي مثل ما فعلنا بهؤلاء نفعل بالمفترين . والافتراء الكذب ، فمن افترى على الله سيناله من الله غضب وذلة في الحياة الدنيا . وإن لم يكن بنفس ما عوقب به هؤلاء ، بل المراد ما يصدق عليه أنه من غضب الله سبحانه ، وأن فيه ذلة بأيّ نوع كان { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيّئَاتِ } أي سيئة كانت { ثُمَّ تَابُواْ } عنها { مِن بَعْدِ } عملها { وَءامَنُواْ } بالله { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا } أي من بعد هذه التوبة ، أو من بعد عمل هذه السيئات التي قد تاب عنها فاعلها وآمن بالله { لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي كثير الغفران لذنوب عباده وكثير الرحمة لهم . قوله { وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ } أصل السكوت السكون والإمساك ، يقال جرى الوادي ثلاثاً ثم سكن ، أي أمسك عن الجري . قيل هذا مثل كأن الغضب كان يغريه على ما فعل ، ويقول له قل لقومك كذا ، وألق الألواح ، وجرّ برأس أخيك ، فترك الإغراء وسكت . وقيل هذا الكلام فيه قلب ، والأصل سكت موسى عن الغضب ، كقولهم أدخلت الإصبع الخاتم ، والخاتم الإصبع . وأدخلت القلنسوة رأسي ، ورأسي القلنسوة . وقرأ معاوية ابن قرّة « ولما سكن عن موسى الغضب » . وقرىء " سكت وأسكت " { أَخَذَ ٱلألْوَاحَ } التي ألقاها عند غضبه { وَفِى نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ } النسخ نقل ما في كتاب إلى كتاب آخر . ويقال للأصل الذي كان النقل منه نسخة ، وللمنقول نسخة أيضاً . قال القشيري والمعنى { وَفِى نُسْخَتِهَا } أي فيما نسخ من الألواح المتكسرة ، ونقل إلى الألواح الجديدة { هُدًى وَرَحْمَةً } . وقيل المعنى وفيما نسخ له منها ، أي من اللوح المحفوظ . وقيل المعنى وفيما كتب له فيها هدى ورحمة ، فلا يحتاج إلى أصل ينقل عنه ، وهذا كما يقال أنسخ ما يقول فلان ، أي أثبته في كتابك . والنسخة فعلة ، بمعنى مفعولة كالخطبة . والهدى ما يهتدون به من الأحكام ، والرحمة ما يحصل لهم من الله عند عملهم بما فيها من الرحمة الواسعة . واللام في { لّلَّذِينَ هُمْ } متعلقة بمحذوف ، أي كائنة لهم أو لأجلهم ، واللام في { لِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ } للتقوية للفعل ، لما كان مفعوله متقدّماً عليه ، فإنه يضعف بذلك بعض الضعف . وقد صرح الكسائي بأنها زائدة . وقال الأخفش هي لام الأجل ، أي لأجل ربهم يرهبون . وقال محمد بن يزيد المبرد هي متعلقة بمصدر الفعل المذكور ، والتقدير للذين هم رهبتهم لربهم يرهبون . وقد أخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن أيوب ، قال تلا أبو قلابة هذه الآية { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ } إلى قوله { وَكَذٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُفْتَرِينَ } قال هو جزاء كل مفتر ، يكون إلى يوم القيامة أن يذله الله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، قال أعطى موسى التوراة في سبعة ألواح من زبرجد ، فيها تبيان لكل شيء وموعظة . ولما جاء فرأى بني إسرائيل عكوفاً على العجل رمى التوراة من يده فتحطمت ، وأقبل على هارون فأخذ برأسه ، فرفع الله منها ستة أسباع وبقي سبع { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِى نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ } قال فيما بقي منها . وأخرج ابن المنذر ، عن مجاهد ، أو سعيد بن جبير ، قال كانت الألواح من زمرّد ، فلما ألقاها موسى ذهب التفصيل ، وبقي الهدى والرحمة ، وقرأ { وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء } وقرأ { ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة } قال ولم يذكر التفصيل هاهنا .